-حلال لكم ، حرام علينا- مناقشة للتعليقات التي وردت الينا
نعمت شريف
الحوار المتمدن-العدد: 7739
المحور: القضية الكردية
نحن نحترم جميع الاراء ووجهات النظر، ولا يكتمل مقال الا بغربلته بغربال اختلاف الاراء ليتنقى من الشوائب ويكتمل ما جاء فيه من نقص. اما ما ذهب اليه بعض الاخوان من ان هذه النظرية او تلك فاشلة فهذا تعميم باطل فمن الممكن ان تفشل نظرية في تفسير ظاهرة ولكنها تفسر اخرى بنجاح، واذا فشلت بالمطلق فانها تموت وتندثر. واما الصرح الفكري الذي رفع اركانه علي الوردي فاقوى من ان ينال منه قول لهذا او ذاك، رضينا ام ابينا، وللرد عليه فلا بد من الدراسة والتمحيص اولبحث العلمي، وهناك علم خاص يجمع بين علمي النفس والاجتماع وهو علم النفس الاجتماعي.
واما عن عبارات يشم منه نفس عنصري، وضيق الافق القومي فلا بد ان نميز بين القومية والعنصرية، وكعادة القوميات السائدة فانهم يشعرون بالتهديد من كل ما يصدر من القوميات الاخرى، وهذا الخوف الدفين مكتسب، ولو اختلطوا بابناء القومية الاخرى لفهموا الموقف الاخر بانه موقف يبحث عن مساواة، فهذه حقوق قومية وليست عنصرية. في العراق، رغم تعاقب الحكومات من ملكية وجمهورية وانظمة دكتاتورية، كانت حكومة بغداد تمثل العرب حتى عام 2003. وبعد ثلاثة عقود من تراكمات حكم البعث، توطد الفكر القومي المتعصب ولا تزال العقلية القومية العربية في العراق ترى ان الكرد لا بد ان ينصاعوا لارادة بغداد، وما المشاكل التى تعاني منها علاقات الاقليم ببغداد الا نتيجة لتلك العقلية. ام ان ما هو حلال لكم حرام علينا!
وبناءا على ما تقدم نرى ان العرب قد حققوا الشخصية القومية لانفسهم منذ امد بعيد في اكثر من عشرين دولة عربية، ولايزال الكرد لم يحققوا تلك الاستقلالية في دعائم الشخصية القومية الكردية لاسباب ذاتية وموضوعية لا يسعنا التفصيل فيها لضيق المساحة هنا ومنها ذهنيات الشعوب المحيطة بنا. الا يحق للكرد ان يكونوا قوميين كما يفعل العرب وغيرهم من القوميات المجاورة؟ تارة باسم الماركسية وتارة باسم الاسلام وكلاهما لم ينكرا الوجود القومي لاية امة تمتلك مكوناتها. وما جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق الا مثال على ذلك، وقد اثبت انهياره ان الشعور القومي لم يندثر ويموت عند القوميات التي حكمتها لعشرات السنين. واما بالنسبة للاسلام فهناك وجهان للقومية اولهما قوله تعالى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا... وثانيهما ان الرسول (ص) فضل العرب على العالمين منذ آدم (ع) وهناك عشرات الاحاديث بهذا المعنى، وليس اعتدادا بقوميته فحسب وانما تفضيلا لقومه على الاخرين، وبكلام آخر ان الشعور القومي شعور انساني محمود ولا ضير في ذلك.
لايختلف اثنان ان اللغات الحية تتفاعل مع بعضها، تؤثر وتتأثر، وهذه ظاهرة صحية. ولكن التفاعل شئ وقمع اللغة بهدف الغائها ومحوها شئ آخر. فهل يلام الجزائريون في احياء لغتهم العربية؟ ولا يزال الكثيرون منهم يتكلمون الفرنسية. اللغة هي احدى مقومات الامة، وعمودها الفقري في التواصل والثقافة والعلوم، وسر ديمومة الامة. والا لماذا تعمل الامم ومنهم العرب على ديمومة لغاتها، ولماذا تأسس مجمع اللغة العربية رغم وجود القران الكريم الذي يعتبر اكبر ركيزة للعربية وسر توحيدها منذ اكثر من الف واربعمائة سنة. كانت اللغة الكردية ممنوعة في تركيا لاكثر من سبعين عاما، بما فيها الاسماء الكردية (انظر تقرير عصمت اينونو لصهر الكرد في بوتقة الدولة التركية). في العراق، الغيت الدراسة الكردية في معظم كردستان حتى حصرت في السليمانية حتى تسعينيات القرن الماضي، واما في سوريا فحدث ولا حرج (انظر كتاب محمد طلب هلال، محافظة الجزيرة). بعد كل الضيم الذي لحق باللغة الكردية، فلم تلومون الكرد اذا عملوا على احياء لغتهم وتطويرها كجزء من مشروع قومي للم شتاتهم للتواصل، وتعتبرونه افقا قوميا ضيقا او تشمون منه رائحة العنصرية! ام ان ما هو حلال لكم حرام علينا؟
لا خلاف ان المجتمع يمثل شبكة معقدة من العلاقات المتنوعة من اجتماعية وسياسية واقتصادية. وبأختصار شديد، في الوقت الذي يمكن تصنيف العلاقات العشائرية بانها علاقات اجتماعية تبقى العلاقات الاقتصادية متداخلة معها في المجتمع الكردي حتى ليظن الفرد انهما وجهان لعملة واحدة ولكنهما ليستا كذلك في الواقع. بعد سقوط معظم الدويلات او الامارات الكردية وتجزئة كردستان بعد الحرب العالمية الاولى بدأت معها انهيار العلاقات الاقطاعية ولا يزال المجتمع الكردي يمر في طور العلاقات شبه الاقطاعية التي من دعائمها الاساسية هو استمرار العلاقات العشائرية، وتتميز بانتهازيتها للحفاظ على مصالحها. في عهد النظام البائد كانوا مستشارين، واليوم هم مسؤولون في العراق او في الاقليم، ولا يزالون يتمتعون بامتيازاتهم، وهذه الحالة واضحة في العراق سواءا في كردستان او في وسط وجنوب العراق، وحتى غيرهما من المجتمعات الشرق اوسطية، كالسعودية مثلا. في اعتقادنا ان ما يمر به العراق اليوم من ازمات سياسية واقتصادية سببها التحولات السريعة التي لا تستطيع العلاقات الاجتماعية مواكبتها. يمر المجتمع الكردي بفترة انتقالية سريعة من العلاقات شبه الاقطاعية الى البرجوازية الكبيرة من شركات كبرى وتوسع في المدن وعلاقات وتجارة دولية مع شئ من الاهمال في بناء البنى التحتية الضرورية فاصبحنا نستورد ولا ننتج، نربح ولا نبني، نستثمر في الخارج، وتبقى مصارفنا شبه خالية وغيرها الكثير من المظاهر. وكلازمة لهذه الحالة نرى ضعف الطبقة الوسطى او شبه انعدامها على حساب الطبقة الكادحة فنرى ارتفاع نسبة البطالة وارتفاع الاسعار بشكل لم يسبق لهما مثيل، واعتماد قطاع كبير من الشعب على الرواتب الحكومية بدلا من الزراعة والاعمال الحرة مثلا. ناهيك عن الاعتداءات السياسية والعسكرية على الاقليم والفساد بشكل عام. وكما اوضحنا في مراجعتنا للكتاب، ان فيه الكثير من التفاصيل التي لا يسمح بها مراجعة سريعة كهذه فهي محاولة لالقاء الضوء على جزء يسير مما ورد فيه، وهو كغيره من الكتب يمثل رأئ هذا المفكر الذي لابد انه بذل جهدا لا يستهان به لاخراجه الينا نحن القراء. اشكركم على تعليقاتكم مع التقدير.[1]