قراءة في كتاب -في ظلال الجبل- من ذكريات الثورة والمقاومة-الجزء الثاني
نعمت شريف
الحوار المتمدن-العدد: 7299
المحور: القضية الكردية
المؤلف رزكار كيسته يي
اصدار: دهوك لعام 2021.
اللغة: الكردية، 546 صفحة من القطع المتوسط.
لم تكن الثورة قتالا فحسب، ولكن وراء ذالك القتال كان يكمن نمط حياة خاصة
رزكار كيسته يي
اتحفنا الكاتب قبل فترة بالجزء الثاني من كتابه القيم في ظلال الجبل حيث يسرد لنا 35 قصة معظمها من عمليات البيشمركة ضد قوات الاحتلال البعثي باسلوب جميل من السهل الممتنع ليشوق القارئ للمتابعة والتعرف على العمليات والصعوبات التي كان البيشمركة يواجهونها من صعوبة التنقل في الجبال الوعره والبرد القارص في الشتاء. وكما عودنا الكاتب في الجزء الاول، لا تخلو هذه القصص من لقطات فكاهية او نقاشات تظهر عمق الفهم للنضال الكردي من اجل العيش بحرية وكرامة على ارضه. ومما يزيد من متعة القراءة تلكم اللقطات التي تبرز جمال الطبيعة في كردستان. وللذين جربوا حياة من نمط خاص، كما يصفها الكاتب، في صفوف البيشمركة فبحق تعيدك هذه القصص الى اجواء النضال ومقاومة الظلم والاضطهاد.
ليس الكتاب يوميات او قصص قصيرة بالمعنى المعتاد فهو يختلف عن كليهما في انه لا يمثل آراء ومشاعر الكاتب فحسب بل يمتد لتغطية قطاع واسع من هذا الشعب الذي لا يزال يعاني من التقسيم والاضطهاد والتمييز، ولكنه يطمح (الكتاب) في ان يمثل هذا القطاع ايضا في ان يكتبوا التاريخ باقلامهم كما كانوا يكتبونها ببنادقهم في زمن ليس بالبعيد. وما آلت إليه طموحات هذا القطاع جيلا بعد جيل. انه مذكرات من نوع خاص، مذكرات بيشمركة كتبت على خلفية حرب غير متكافئة دارت رحاها في وطن الجبال التي كتبت في ظلالها هذه المذكرات. يتميز الكتاب ايضا بلغة شفافة رقراقة تحاول تحقيق مبتغاه في كتابة التاريخ بتفاصيله والذي لم يكتب من قبل، بعيدا عن التهويل او اعادة كتابة ما كتب منه من منظوره الشخصي او رؤيته السياسية. انه انعكاس لما حدث في زمن ما مدعوما بالوثائق والشواهد التاريخية من شهود عيان ومن مصادر موثوقة.
يضم الكتاب بين دفتثه مواقف انسانية تدمى لها القلوب ومعاناة شعب ابى ان يخضع للاضطهاد والجوع والقوة الغاشمة، وليس لهم من وسائل الدفاع والحرب الا سلاح العقيدة والايمان بالقضية العادلة. ولكن في هذه القراءة السريعة، سنلقي الضوء على بعض ما ورد في الكتاب من احداث تاريخية تستحق الوقوف عندها، ومنها:
** يتناول الكتاب بالسرد والتحليل وكيف استطاع البيشمركة ان ينتزع مانكيش، هذه القصبة المهمة من الجيش العراقي في انتصار عسكري ساحق حقق دويا عالميا في مقابلات الصحف العالمية الكبرى لرئيس الحزب الديموقراطي الكردستاني، والاسباب التي ادت الى انسحاب البيشمركة منها وعودة الجيش العراقي اليها بعد اسبوع.
** مقترح ذو (5) نقاط لاحد رؤوس المرتزقة الكرد (الجحوش) الى كبار مسؤولي البعث والجيش آنذاك لتحقيق النصر على البيشمركة والسيطرة على منطقة بهدينان برمتها (محافظة دهوك باقضيتها ونواحيها وقراها والتي كان الفرع الاول للحزب الديموقراطي الكردستاني ينشط فيها سياسيا وعسكريا)، وفعلا استطاعت القوات الحكومية تحقيق انتصارات جمة بتطبيق تلكم الاقتراحات واصبح من المستشارين المقربين لصدام حسين. يتحفظ الكاتب كغيره على اسمه الصريح، ولكن يعرفه الاهالي في دهوك وهو الذي اشتهر بقوله يوم الانتفاضة المباركة لا للانتفاضة، انا مع صدام حتى الموت، ولايزال ذو حظ وسطوة في الاقليم كغيرة من رؤوساء العشائر.
** لا شك ان الحزب الشيوعي العراقي كان يتمتع بعلاقات جيدة واقرب منه الى تحالف ستراتيجي مع الحركة التحررية الكردية بشكل عام والحزب الديموقراطي الكردستاني بشكل خاص عندما كان يتعامل القضية الكردية على اساس مبدئي في ان الكرد شعب له الحق في نقرير مصيرة كباقي شعوب العالم، وقد ادرك القادة الكرد هذه الحقيقة جيدا وكان تعاملهم مع الحرب الشيوعي على هذا الاساس. ويسرد الكاتب صفحات لسرد العلاقات الشيوعية – الكردية ولو بايجاز، ويثنى على مواقفهم ودورفصائل الانصار الشيوعية في الحركة الكردية، ومنها مذبحة بشتآشان التي ارتكبتها قوات الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة نوشيروان آنذاك، وينسجم وصفه لما نقله لي صديق من الشيوعيين القدامى، كان في بشتآشان ولحسن حظه نجى من المباغة الشرسة. وكذلك موقف الانصارية من البصرة في قتالها ضد الجاشمركة (المرتزقة الكرد) جنبا الى جنب اخوانها البيشمركة في بهدينان، ولها الفضل في ان تكون من الرعيل النسائي الاول في صفوف الحركة الكردية المسلحة. هناك معلومتان مهمتهان نقف عندهما في تاريخ العلاقات الكردية الشيوعية: الاولى ان ابراهيم احمد المسؤول الحزبي الاول في السليمانية (قبل انشقاقه من الحزب الديموقراطي الكردستاني)، القى بالهاربين من بطش البعث من الحزب الشيوعي العراقي في السجون، ولم يطلق سراحهم الا بامر من زعيم الثورة الملا مصطفى البارزاني. ربما انها معلومة تؤرخ لاول مرة. والثانية نذكرها امانة للتاريخ حيث لم يرد ذكرها في الكتاب وهي ضرب الحزب الديموقراطي الكردستاني للانصار الشيوعيين في القوش بعد الاعلان عن الجبهة الوطنية التقدمية مع حزب البعث بضغط من الاتحاد السوفييتي آنذاك، ويعتبرهذا انحرافا عن الخط الوطني المبدئي للحزب الشيوعي العراقي. لا زلت اتذكر تلك الامسية التي جاءنا احد اعضاء اللجنة المحلية للحزب الشيوعي العراقي في الموصل، وكنا جالسين ونحن شلة من الاصدقاء في مقهى الاخوين هركي في الساحل الايسر عائدا من جبهة القتال يشطاط غضبا ويحمل مسؤولية ماحدث ذلك اليوم لشكيب عقراوي الذي كان يسميه مسؤول الخط المائل للبارتي. ولم يتكرر تلك الحادثة بعد ذلك، ربما لانها كانت رسالة سياسية تقول لقد اخطأتم فالاولى ان لاتتمادوا في فعلتكم هذه. واما عن موقفي ابراهيم احمد ونوشيروان مصطفى فبالتأكيد لا ينسجمان مع ادعائهما باليسارية في الحركة الكردية مقابل الادعاء بعشائرية الحزب الديموقراطي الكردستاني.
** وفي باب يومان هزت فيهما آمد عرش انقرة (آمد هو الاسم الكردي لدياربكر) يتناول الكاتب بالتحليل وتتبع الاحداث ليفضح واحدة من افظع الجرائم التركية ضد الشعب الكردي في عصرنا الحاضر. كان ذلك في عهد الرئيس اوزال ودون علمه. بعد استشهاد ودات آيدن غيلة وتشييعه يوم #10-07-1971# تحولت آمد بما يقارب من 200 الف متظاهر وليومين كاملين الى بركان ثائر واجهتها الدولة بالقوة الغاشمة وذهب ضحيتها عشرات الالاف من المدنيين وخاصة في فترة الملاحقات واغتيال العناصر النشطة بعد ذالك. وعلى اثرها اقال الرئيس اوزال كل من وزير الداخلية مصطفى قلمي والمسؤول الاداري الاول في كردستان الشمالية (جنوب شرق تركيا)، خيري قزاخجي ومقره في آمد من منصبيهما. وكان قزاخجي قد قال لاوزال صحيح، انا المسؤول عن هذه المنطقة باكملها (كردستان الشمالية) ولكن هناك بعض القواى التي درجة مسؤوليتها اوطا مني بكثير ولكنهم ليسوا تحت سيطرتي ( ويقصد: زيتم) والذي تحول اسمه فيما بعد الى (اركنكون) ومن ثم تعمم هذا عالميا الى مفهوم الدولة العميقة (ونعتقد ان هذا ما قصده الكاتب من ده وله تا تاري- الدولة المظلمة، لان مفهوم الدولة المظلمة شئ آخر ويخرج عن موضوعنا هذا). وبعد اشهر قليلة اغتيل قزاخجي في انقرة في ظروف غامضة، ولم ترق للدولة العميقة سياسة الرئيس اوزال بالانفتاح على القضية الكردية ايضا، وبعد اعلانه لوقف القتال في كردستان، مات اوزال مسموما في ظروف غامضة.
سيكون هذا الكتاب بجزئيه الاول والثاني موضع دراسة واعتماد، وزيادة في متعة القراءة والبحث، بالاضافة الى متانة النص وقيمته الادبية واللغوية والتاريخية، فقد زين المؤلف كتابه بملحقين جميلين اولهما البوم صور ويحتوى على عشرات الصور التذكارية التاريخية لتلك الفترة، وثانيهما عددا من الخرائط المفصلة للاقضية الستة التابعة لمحافظة دهوك بنواحيها وقراها ليستطيع المتتبع لاسماء الاماكن التي وردت في المتن ان ليرسم صورة واضحة في ذهنه عن النضال الذي كان يخوضه البيشمركة ضد واحد من اعتى انظمة الدكتاتورية والظلام في عصرنا. ولا يفوتنا ان نذكران خاتمة الكتاب يزينها عدد من الصورلاهم مقتنيات البيشمركة آنذاك حيث كان الكثيرون منهم يحملونهما معهم في حلهم وترحالهم وهما راديو ذو الموجات القصيرة لسماع الاخبار العالمية والمحلية من صوت كردستان-العراق، ومفكرة صغيرة للاحتفاظ بالتواريخ المهمة وتدوين الملاحظات. لا زلت اذكر كم كان صعبا عندما تخليت عن الراديو والبندقية قبل عبورنا الحدود الدولية الى ايران.[1]