دوافع التحرر عند الإنسان الكردي
اسعد الامارة
الحوار المتمدن-العدد: 8157
المحور: #القضية الكردية#
مهداة للاخ الطبيب النفسي الدكتور صباح عقراوي في الدنمارك والسويد
تعلمنا من علم النفس عبر عدة عقود من الدراسة والمهنة في العمل النفسي المتخصص بأن كل سلوك لابد وان يكون وراءه دافع ، وإن الإنسان في سعيه وراء هدف معين يكون مدفوعًا بدافع معين ، ولكل دافع تسبقه فكرة ، والفكرة ربما حضرت معها إدراكات متنوعة حتى تحولت إلى تكوين فرضي رمزي ، ومن ثم أعلنت رغم أن التذكر والنسيان لفها بعدة صور ومواقف ، لا أعتقد تكون مسرة ومفرحة بقدر ما تكون مؤلمة ، حملت معها ما ليس هو حقيقي ، أو تشوه في إدراك التعايش مع الواقع ، حتى بات الضغط النفسي مقبولًا رغم ما يحمله من ذكريات مؤلمة ، وهذا الافتراض ينطبق على شريحة بعينها ، عاشت وتعيش هذا الاحساس في الواقع وربما لعدة قرون وهي الشخصية الكردية .
كان الأب الرمزي هو السلطان الذي أسس في دواخل الكل القانون ، أو الأب المقتول الميت لا يمكن أن يحل مكانه إلا في حالات الأنظمة الدكتاتورية ، حيث يصبح الحاكم هو القانون ، والقانون هو الذي يشرع القوانين على هواه كما عبر عنه المحلل النفسي الفرنسي جاك لاكان ، لذلك فالقضية الاساسية للتحرر عند الإنسان هو خلع هذا الأب – السلطان من رقاب هذه الأمة ، أو تلك ، هذا الأب الرمزي – الواقعي القاسي على أمة أشعرها بالدونية ، وعدم المساواة والعدالة وصادر أبسط حقوق تواجدها الوجودي – أعني كينونتها ، هي اللغة وبذلك يقول جاك لاكان دخول الإنسان عالم اللغة هو بمثابة دخول عالم الرمز ، لأن العالم كله الذي يبدأ الإنسان اكتشافه منذ ولادته مبني على أسس لغوية متقاطعة بالمجاز والكناية والبلاغة والقواعد اللغوية التي تقسم الزمن إلى ماضِ وحاضر ومستقبل ، وتفصل في الفضاء ما هو للآخر وما هو للأنا ، عالم الرمزي في تركيبته اللغوية ، يؤسس الإنسان ويفصله عن طبيعته الحيوانية ، فكيف إذن حكم السلطان على لغة أمة مثل الأمة الكردية بإلغاء وجودها ، أي إلغاء كينونتها ، ويعرف المشتغلين في علوم النفس بأن اللغة ليست التحدث فحسب ، وإنما هي القيم والتقاليد والاعراف والطقوس والتراث والشعر والأدب وكل ما ينتج عن الإنسان ويشكل شخصيته المتفردة به ، والمختلفة عن أمم آخرى قريبة منه ، أو بعيدة عنه ، وهكذا كان أساس موضوعنا بتساءل منطقي : ما هو الدافع للتحرر عند الإنسان الكردي ؟
تظهر لنا الدراسات النفسية والاجتماعية بأن تحليل الطقوس ، وتحليل التراث ، وتحليل اللغة ، فضلا عن تحليل أنساق التفكير الحضارية لها تأثير فعال في دوافع البحث عن أساليب التحرر والتي أستمرت لعدة قرون معتمدين في ذلك على فكرة مؤداها ليس من شك في أن الكلمة المنطوقة في النهاية نتاج متراكم تاريخيًا لدى الأكراد المنتشرين في كل بقاع العالم ، وهم الذين أختاروا العيش في بلدان متعددة إختيارًا قسريًا ، ولذلك لم يكن غريبًا أن ترتبط اللغة ارتباطًا وثيقًا بمفهوم القومية رغم تباين الأشكال التي يمكن أن تتخذها هذه الرابطة كما عبر عنها أستاذنا العلامة قدري حفني .
ما الذي يدفع الإنسان الكردي للتحرر :
إن ما يهمنا في هذه الدراسة المختصرة هي ملامح عابرة عن دوافع بعينها للتحرر لدى الإنسان الكردي ، ولنستعرض بعضها ، تحليل الإنتاج الفكري المكتوب ، حيث تؤكد الأدبيات في مجال الشعر والقصة والأدب الروائي الكردي هو تنوع الإنتاج الفكري المكتوب لإفراد من هذا الشعب ، ويمكن الاستدلال عنه بتعبير الشخصية الكردية ، ولا ننسى دور الألحان والاغاني كتعبير عن الثقافة واللغة والفنون بمختلف أنواعها ، وهذا يعطينا مؤشر لقوة الدوافع لدى الفرد الكردي للتخلص من السطوة والسيطرة السياسية والإجتماعية فضلا عن قيود اللغة والقيم المرتبطة بها والتراث الخاص بالشعب الكردي .
تعد بعض المؤشرات العلمية النفسية والاجتماعية، دافع قوي لخلق بنية تخص التكوين النفسي للإنسان الكردي ، الرجل والمرأة والطفل ، منها :
- القيم الاجتماعية.
- سيكولوجية اللغة والأدب والفن .
- المعايير الاجتماعية .
- البناء النفسي والاجتماعي .
سنحاول تعريف بعض مما تقدم ونربطها رمزيًا بدوافع التحرر عند الإنسان الكردي ، وكذلك بالسلوك الجمعي لهذا الشعب . فالقيم هي موجه للسلوك ، وهي معتقدات ، وهي معيار إجتماعي ، هي دافع من دوافع السلوك ، إذن القيم مفهوم يدل على مجموعة الاتجاهات المعيارية المركزية التي تتكون لدى الفرد في المواقف الاجتماعية المختلفة، فتحدد أهدافه العامة في الحياة والتي تتضح من خلال سلوكه اللفظي اللغة والكلام واللسان أو العملي التراث والمهنة وما نقله من الاجداد ، وأزاء ذلك تصبح القيم ذات خلفية اجتماعية وثقافية ، لا تظهر إلا في مواقف الحياة المحددة التي يتعرض لها الإنسان الكردي لمواقف الصراع المختلفة في بيئته ، أو حينما ينتقل إلى بيئة أخرى ، أو مجتمع آخر.
تعد اللغة هي الملكة المشتركة بين كل الأمة الكردية ، فهي منتوج اجتماعي لملكة اللغة التي يتقنها جميع هذا الشعب ، لكن اللسان هو منتوج اجتماعي بالمعنى الذي يقصده حيث يسجله الفرد ويتعلمه من أهله والقرية التي يعيش بها ، والمدينة الأوسع ، ويمكننا القول انه الجزء الاجتماعي من اللغة ، الخارج عن الفرد الذي لا يستطيع لوحده أن يبتكره أو يغيره وهو ما عبر عنه الفريد دي سوسير ، واللسان عند الانسان الكردي الذي يتحدث به هو مخزون ، مستودع ، مجموع آثار القيم والاعراف والتقاليد والثقافة المنقولة المتداولة شفهيًا ، والمكتوبة شعرًا وقصصًا وروايات مدونة ، كل تلك تعطي ملامح بنية التكوين الفكري والنفسي عند الفرد الكردي .
أما المعايير الاجتماعية فهي التشابه بين أبناء الثقافة الواحدة في السلوك يعكسه مجموعة من المظاهر التي نطلق عليها العادات والتقاليد والمبادئ والقيم ومعايير السلوك ، أو مانسميه بالمعايير الاجتماعية . ويرى علماء النفس الاجتماعي أن مفهوم المعايير الاجتماعية يدل على ما يقبله المجتمع من قواعد وعادات واتجاهات وقيم.
أما البناء النفسي فنوجزه ببعض هذه الرؤى التي سبق وإن دوناها في مقالة سابقة
بأن البناء النفسي هو ديالكتيك يقود الإنسان إلى كشف ذاته ، كشف في الإنسان يقود إلى فهم ما هو؟ وبتعبير آخر من أنا ؟ وهو معرفة تقود أما إلى الشفاء أو إلى عكسه؟ ففي معرفة البناء النفسي عند الإنسان يضع الفرد أولى بصماته على نقاط قوته، أو ضعفه فهو شفاء في ضعفه يتحقق من خلال معرفة ، وهو ايضًا كشف لما فيه من قوة بنفس الوقت فيكون استمرار البناء وبه يصون الإنسان السليم نفسه ضد متغيرات الحياة لأنه في مواجهة كاملة مع نفسه أولا ومع البيئة الخارجية عند الشعب الكردي رغم الاستهداف المتعمد بتفتيت هذه البناء النفسي والاجتماعي.
ترى موسوعة علم النفس والتحليل النفسي إن البناء هي عملية تنظيم ودمج الأجزاء في وحدة كلية، أو في كيان معقد ، وهذا ما استخدمه علماء نفس الجشطالت في طرحهم لهذا المفهوم أو المصطلح في حديثهم عن الكليات المنظمة وهي التي تتكون من انتظام وحدات الخبرة نتيجة للاعتماد المتبادل بين أجزاء الخبرة الكلية سواء في الوظيفة أو في طبيعة التكوين ، أي أن التكوين البنائي أو التنظيمي يتم في شكل وحدات كلية، وان ذلك يعكس معنى جديداً ومتميزاً لجزئيات وحدات الخبرة يختلف عما تمثله معنى كل وحدة جزئية على حدة.
في البناء النفسي يخبر الفرد رؤية ذاته وانعكاساتها وتصور ذاته على نحو مختلف عن حقيقتها احيانا وربما مطابق لما هو واقعي كما يراه هو نفسه وهو منظور اساس للإنسان الذي يمكن أن يُشيدْ حياته بالبدء على مستوى تخيليا داخليا ومن ثم أما تترسخ التخيلات فتكون واقعية حتى وان كانت غير صحيحة فيكون الدفاع عنها من الناحية السيكولوجية هو الاحتفاظ بالبناء الراهن للشخصية مهما كان فيه من عوج ومهما كلف ذلك من الشقاء أو المعاناة . حقا ان البناء النفسي ديالكتيك من البدء – المبنى - إلى النمو- بروز المعنى - مرورا بالنشوء والتكوين
إن البناء النفسي الذي يشكل الشخصية عبر مراحل حياتية منذ فجر ولادة الإنسان تتكون معه أولى بزوع المشاعر الانسانية واولى بزوغ الرغبة بأنواعها من المحبة إلى التعاون ، إلى الإنتماء، إلى السعي في الامتلاك إلى الانانية .. إلى العدوان ولذلك نرى أن شدة الاستجابة العدوانية تتناسب تناسبًا طرديًا مع شدة الاحباط ، أو التهديد ، ففي بعض الأحيان تتحول إلى الابتكار وخلق الجديد المميز، ولا نغفل في هذا الموضع الجانب البيولوجي الذي يشكل جزءا كبيرا في البناء الانساني ويعكس صداه على البناء النفسي وهذا هو اختلاف الانسان عن الكائنات الحية الاخرى ويتجسد هذا الاختلاف الكيفي في ميلاد القشرة المخية والوظائف العقلية العليا أعني النشاط الرمزي المتمثل في التفكير واستخدام اللغة والادراك المتقدم والتذكر والخبرات التي تكتسب وتشكل السلوك من القيم التي يؤمن بها ويحافظ عليها مهما تعرضت من تزييف وتشويه متعمد من الانظمة الدكتاتورية المتعاقبة ضد هذه الامة والشعب في عدة بلدان متفرقة ، رغم إنها أمة يجمعها تراث متشابه ، وقيم متشابهة ، ولغة مشتركة ولسان متعدد اللهجات ، وبذلك تكون دوافع التحرر يجمعها المناخ والاطار السيكولوجي الاجتماعي الأمثل ، ولا ننسى أن الإنسان الكردي استمرت حياته كلها في الشعور بالاغتراب وهو في أرضه وبين الجبال التي ولد ونشأ فيها ، وما يستشعره من غربة أو جفاء من السلطة في الدولة، ولا نغالي إذا قلنا أيضًا في العالم ، وفي علاقته بالآخرين من أبناء الشعب الذي يشكل الدولة السياسية من العرب في بعض الدول العربية ، أو الشعب التركي في تركيا ، أو في إيران من السلطة الحاكمة وما تظهره من ازدراء لطموحات هذه الشريحة الواسعة من مواطنيها فيكون الإغتراب واقع وفكر وإنتماء .[1]