الأزمة السياسية في سوريا: صراعات متفاقمة وحلول ممكن
اكرم حسين
الحوار المتمدن-العدد: 8132
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
تشهد سوريا حالة من الانسداد السياسي الحاد، نتيجة لتفاقم الصراعات الداخلية والخارجية وعدم التوافق بين الأطراف المختلفة. فمنذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، لم تتوقف التدخلات الإقليمية والدولية ، وكان لروسيا والولايات المتحدة الدور الأكبر في توجيه مسار الأحداث ، وعلى الرغم من مرور أكثر من عقد، لا تزال سوريا ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية.
أحداث 7 أكتوبر 2023 أضافت بعداً جديداً للتوترات في المنطقة، حيث شهدت تصعيداً بين حماس وإسرائيل. ردت إسرائيل بهجمات عسكرية مركزة استهدفت بنية حماس وحزب الله، وأسفرت عن مقتل عدد من قادة الحزب، بما في ذلك الأمين العام حسن نصر الله. هذا التصعيد امتد ليشمل لبنان والمنطقة بأكملها، مما زاد من التوترات بين إسرائيل وإيران، التي تُعتبر لاعباً رئيسياً في الساحة السورية واللبنانية بدعمها للنظام السوري وحزب الله.
رغم التوتر بين روسيا والولايات المتحدة في قضايا أخرى، مثل الحرب الأوكرانية، إلا أن كلا الدولتين تواصلان لعب دور محوري في الصراع السوري .
روسيا ، تسعى للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في المنطقة عبر دعمها العسكري والدبلوماسي للنظام السوري . أما الولايات المتحدة، فتؤدي دوراً مزدوجاً، فهي تدعم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وبعض قوى المعارضة المعتدلة، لكنها لم تحقق حتى الآن تقدماً ملموساً نحو حل سياسي دائم وفقاً للقرار 2254.
ومع استمرار الانقسام السياسي الداخلي بين النظام والمعارضة، وغياب الإرادة الحقيقية لتسوية الأزمة، أصبح واضحاً أن المسار الحالي لا يؤدي إلى استقرار . بل على العكس، زادت التوترات الإقليمية والدولية، لا سيما تلك المتعلقة بإيران وإسرائيل، من تعقيد الوضع وزيادة احتمالات التصعيد.
للتغلب على هذا الانسداد السياسي، ينبغي على الأطراف السورية، سواء كان النظام أو المعارضة، تبني مقاربة جديدة تضع مصلحة الشعب السوري في المقام الأول. فالحوار السياسي الصادق بين الأطراف الداخلية، بمشاركة الفاعلين الإقليميين والدوليين، أصبح ضرورة لتحقيق أي تقدم نحو حل سياسي.
إضافة إلى ذلك، يجب أن تلعب الأمم المتحدة والدول الكبرى دوراً أكبر في فرض مسار فعّال يؤدي إلى عملية انتقالية سياسية ، وهذا يتطلب تكثيف الجهود الدبلوماسية للضغط على الأطراف المؤثرة، مثل روسيا، الولايات المتحدة، إيران، وتركيا، للالتزام بحل سياسي سلمي، ووقف استغلال سوريا كساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية، مما يخفف من معاناة الشعب السوري.
ينبغي أن تكون للأطراف الدولية رؤية شاملة تخدم مصالح جميع مكونات الشعب السوري، بما في ذلك الكرد ، اللذين كان لهم دور فعال في محاربة تنظيم داعش بفضل دعم الولايات المتحدة، إلا أنهم لم يحصلوا حتى الآن على الاعتراف الكافي بحقوقهم القومية والسياسية ، وفي ظل هذا الانسداد السياسي المتجدد، يجب أن يواصل الكرد العمل على تحقيق أهدافهم القومية بالطرق السياسية والدبلوماسية، وتعزيز تحالفاتهم الداخلية مع المكونات السورية المعارضة. كما ينبغي عليهم تأسيس كيان سياسي موحد يمكنه التفاوض بقوة على حقوقهم في أي تسوية سياسية مستقبلية، مع ضمان حقوقهم في إطار دولة فيدرالية أو لا مركزية تضمن حكماً ذاتياً للمناطق الكردية.
وعليه، يحتاج الكرد إلى تعزيز علاقاتهم مع الأطراف الإقليمية والدولية المؤثرة، وخصوصاً الولايات المتحدة، لضمان استمرار الدعم في المحافل الدولية. في الوقت نفسه، ينبغي عليهم تجنب التورط في صراعات إقليمية لا تخدم مصالحهم القومية، مثل النزاع الإيراني-الإسرائيلي أو الصراع التركي-الكردي.
إن تجاوز حالة الانسداد السياسي في سوريا يتطلب توافقاً دولياً وإقليمياً على حلول سياسية ، وتعزيز الحوار بين مكونات الشعب السوري ، وفي هذا السياق، يمكن للكرد أن يلعبوا دوراً محورياً في بناء سوريا جديدة قائمة على العدالة والمساواة والحقوق، شرط أن يتبنوا سياسة براغماتية تحافظ على مكتسباتهم القومية وتحقق المزيد من حقوقهم المشروعة...![1]