حول اللجنة الدستورية
اكرم حسين
الحوار المتمدن-العدد: 6569
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
لا بد من تعريف الدستور قبل الحديث عن اللجنة الدستورية المكلفة بكتابة الدستور السوري وتعطيلها من قبل النظام ومحاولاته الحثيثة لمنع ظهور دستور جديد يقلص صلاحيات الرئيس ويفضي الى انتخابات رئاسية بإشراف اممي .
فالدستور: « هو القانون الاعلى الذي يحدد القواعد الاساسية لشكل الدولة (بسيطة ام مركبة ) ونظام الحكم (ملكي ام جمهوري) وشكل الحكومة (رئاسية ام برلمانية ) وينظم السلطات العامة فيها من حيث التكوين والاختصاص والعلاقات بين السلطات وحدود كل سلطة والواجبات والحقوق الاساسية للأفراد والجماعات ويضع الضمانات لها تجاه السلطة ».
في الموضوع السوري علينا ان ننطلق من السؤال الذي يكثف كل الاسئلة الهامة والضرورية : هل يمكن صياغة دستور يعبر عن اجواء التوافق الوطني وهل هو غاية المنى ؟ هل الدستور جامد ام حي يتنفس ويحتاج الى بيئة ، والى من يلتزم به ؟ وهل يمكن كتابة دستور مثالي في ظل المرحلة الانتقالية والتدخلات الدولية والاقليمية ؟ وهل سيعبر عن ارادة السوريين ام هو نتيجة للتوافقات الخارجية ؟ هل اللجنة الحالية قادرة عن انتاج دستور يعبر عن مصالح السوريين ورغباتهم ؟ وهل بإنتاج الدستور ستنتهي الازمة السورية وسينعم البلد بالأمن والاستقرار ؟ بالتأكيد لا يمكن اعطاء اجوبة قطعية عن هذه الاسئلة لان عملية كتابة الدستور وصياغته كقانون لا يمكن ان يحدث بدون توافق وطني او توافق سياسي فالدستور لا قيمة له بدون توافق سياسي ، دون فضاء سياسي يعيش فيه ، دون محددات سياسية يتوافق عليها السوريون . ما حدث في جنيف هو وضع العربة امام الحصان الجميع غير راض : النظام - المعارضة- المجتمع المدني- الكرد- هناك خلافات قائمة بين الدول الرئيسة .
حتى الان لم يحدد السوريون ماذا يريدون ؟ ما هو شكل الدولة السورية وطبيعة نظامها السياسي ؟ ما حدث عند صياغة الدستور الالماني بعد الحرب العالمية الثانية كان التوافق قائما على الا تتكرر التجربة الالمانية ، وايضا في اسبانيا بعد حكم فرانكو . فالالمان ارادوا ان يتجنبوا اعادة انتاج الديكتاتورية ، الّا يكون هناك رئيس قوي ويتجنبوا مساوئ النظام البرلماني لأنه يؤدي الى عدم الاستقرار، وهو ما نشاهده في العراق ولبنان ، باعتقادي التجربة السورية هامة جدا علينا ان نتجنب انتاج الدكتاتورية والنظام الشمولي الذي انتجه النظام الرئاسي والصلاحيات المطلقة للرئيس ، وتركيا الان تعيش نفس السيناريو بعد انقلاب اردوغان على الديمقراطية في 2015.
لا اعتقد بان اعضاء اللجنة الدستورية يستطيعون القيام بذلك ، فهم غير متجانسون وغير منتخبون ولا يمثلون الشعب السوري ، ولا توجد حتى جهة سورية او دولية كلفتهم بذلك ، بل هم عبارة عن صدى لإرادات وتصريحات وموافقات لبعض الدول التي اختارت هذه الصيغة بعد ان عطلت تشكيل اللجنة لأكثر من سنة ونصف بسبب الخلاف على ستة اسماء في قائمة المجتمع المدني ، كما تم استبعاد ممثلي الادارة الذاتية بسبب الفيتو التركي الذي يرفض مشاركة هؤلاء رفضا قاطعا ، اضافة الى الحضور الكردي الغير وازن - اثنان او ثلاثة فقط – وهذا لا يتناسب مع النسبة العددية للكرد ووجودهم الجغرافي .
كل المعطيات تشير بان هذا المسار لا يمكن ان ينتج شيئا جيدا يوائم طموحات السوريين والاهداف التي خرجوا من اجلها كما هو واضح بسبب عدم وجود اليات مرنة لاتخاذ القرار وتجاوز الخلافات ، وتركيبة اعضاء اللجنة واختلاف مرجعياتهم ، ووجود اختلاف في تفسير القرار الاممي 2254 ومضامينه اذا اعتبرناه مرجعية ، اضافة الى ان غياب الية لعمل اللجنة والخبرة التقنية لإنتاج الدستور والصياغة القانونية والاباء القانونيين قضايا حقيقية تعقد عمل اللجنة ولا تسهلها .
حتى لو اصبح لدينا دستور توافقي لا يرضي الجميع كيف سيطبق ؟ ومن الذي سيطبقه ؟لان الاطر السياسية هي التي تفعل الدستور، وبالتالي كل ما جاء يؤدي الى القول بان الدستور ليس هو الدواء .. اذا هل الدستور السابق هو المسبب الرئيسي للازمة... ايضا نقول لا ...
المشكلة الاساسية تكمن في الدستور وفي تطبيق النصوص الدستورية وتفعيل المؤسسات ، فمثلا لو طبق الغاء المادة الثامنة من الدستور السابق رغم انها الغيت ، لربما ما وصلنا الى ما نحن عليه اليوم ، فرغم الغاء المادة الثامنة من الدستور الا ان حزب البعث بقي قائدا ومستأثراً بالدولة والمجتمع ..
مما سبق نستنتج باننا لا يمكن ان نخرج من دائرة الحرب السورية بمجرد انتاج الدستور والمصادقة عليه ، وهذا بحد ذاته موضوع اشكالي.
الحل في سوريا يكمن في انهاء الحرب وتطبيق القرار الدولي 2254 ، وحماية حقوق جميع مكونات الشعب السوري دستوريا ، ومشاركة المرأة على نحو هادف في العملية السياسية بما يلبي التطلعات المشروعة لجميع السوريين ويعيد اليهم قرارهم الوطني والمستقل.[1]