كوردستان في التاريخ المعاصر: استكشاف الأبعاد السياسية والاجتماعية
خالد علي سليفاني
شاعر وكاتب ومترجم
(Khaled Ali Silevani)
الحوار المتمدن-العدد: 8138
المحور: القضية الكردية
يُعدّ كتاب كوردستان في التاريخ المعاصر للمؤرخ الأستاذ الدكتور علي تتر نيروي من الأعمال الأكاديمية البارزة التي تسلط الضوء على تاريخ كوردستان خلال فترة معاصرة حاسمة. يتميز هذا الكتاب بمحتواه الغني والتحليل العميق للأحداث السياسية والاجتماعية التي ساهمت في تعزيز الهوية الكوردية. يُظهر المؤلف قدرة فائقة على استعراض الأحداث التاريخية بشكل شامل، مما يجعله مرجعًا مهمًا للباحثين والمهتمين بتاريخ كوردستان.
تتجلى قيمة الكتاب في تقديمه رؤية تحليلية متكاملة للمسارات التاريخية التي عاشها الشعب الكوردي. يبدأ المؤرخ علي تتر بتقديم خلفية تاريخية دقيقة تُسلط الضوء على الظروف الاجتماعية والسياسية التي أسهمت في تشكيل الفكر القومي الكوردي على مراحل متعددة. يُبرز المؤلف، بأسلوب منهجي، كيف أن الهوية الكوردية ليست مجرد نتيجة لتقلبات التاريخ، بل هي نتاج صراع طويل من أجل الاعتراف والحقوق.
يستعرض الكتاب رسائل غير منشورة لزعماء القبائل الكوردية حول الحرية وحقوقهم القومية، مما يُظهر وعي المجتمع الكوردي ورغبتهم القوية في تحقيق حقوقهم. تُعتبر هذه الوثائق جزءًا حيويًا من الفهم الكوردي للحرية، وتُظهر قدرة تتر على استخراج المعلومات القيمة من المصادر الأولية وتحليلها في سياقها التاريخي.
يتناول الكتاب أيضًا الحقوق التي سعى الشعب الكوردي لتحقيقها في نيسان 1919، مُشيرًا إلى أهمية هذه الفترة في تشكيل الوعي السياسي الكوردي بعد الحرب العالمية الأولى. يُسلط تتر الضوء على الاتفاقية العربية الصهيونية لفيصل - وايزمان 1919، مما يُظهر تأثير هذه الاتفاقية على القضية الكوردية وقدرة المؤلف على الربط بين الأحداث التاريخية وتأثيراتها المباشرة على مستقبل الكورد.
كما يتناول المؤلف معركة شكريازي، والتي تُعتبر من أكبر انتصارات سمكو الشكاك العسكرية عام 1920، مما يعكس روح المقاومة والتحديات التي واجهها الشعب الكوردي، ويضيف بُعدًا إنسانيًا لتحليلاته. بالإضافة إلى ذلك، يُعالج القضية الكوردية في شمال كوردستان منذ نهاية الحرب العالمية الأولى حتى تأسيس الجمهورية التركية (1918 - 1923)، مما يساعد القارئ على فهم التعقيدات التي أحاطت بتلك الفترة.
يتميز الكتاب بتناوله الحركات السياسية الكوردية وحق تقرير المصير بعد الحرب العالمية الأولى، حيث يُبرز دور الأحزاب والجماعات السياسية في كوردستان، مما يُعزز الوعي السياسي بين صفوف الشعب الكوردي. كما يُظهر تتر كيف أن الكورد كانوا ضحايا حل قضية الموصل عام 1925، مما يعكس تعقيد العلاقات بين القوى الكبرى وتأثيرها على حقوق الكورد.
علاوة على ذلك، يسلط الكاتب الضوء على الأحداث الداخلية مثل مقتل كور حسين باشا الحيدري ونوح بك الموتكي في منطقة بارزن عام 1928، مما يكشف التوترات الداخلية ويعكس حقائق جديدة مستندة إلى شواهد ووثائق تاريخية. يُعالج المؤلف أيضًا تدخل الجيش العراقي في الشؤون السياسية بين عامي 1927 و1937، موضحًا كيف بدأت المؤسسة العسكرية تتحول إلى آلة قمع ضد المواطنين في ظل الصراعات السياسية حول السلطة.
يُظهر كتاب كوردستان في التاريخ المعاصر قدرة الدكتور علي تتر على تقديم دراسة شاملة تُعزز الفهم الأكاديمي للقضية الكوردية. يُعد الكتاب مرجعًا هامًا في الأدبيات المتعلقة بكوردستان، ويظهر تفاني المؤلف في توثيق الأحداث التاريخية وتحليلها، مما يجعله أداة قيّمة للباحثين والمثقفين الراغبين في فهم تاريخ كوردستان وتطورات الهوية الكوردية في ظل التحديات التاريخية المعقدة. من خلال عمله، يُبرهن الكاتب على أن التاريخ ليس مجرد سرد للأحداث، بل هو دراسة عميقة للمسارات التي شكلت هوية الشعوب.[1]