الكرد الفيلية بين الإبادة وانكار الهوية
د.أحمد سينو
من دواعي الكتابة والدراسة في هذا الموضوع، أنه يجري الالتباس والخلط بين الكرد الفيلية والكرد اللور الذين يقطنون جغرافياً في لورستان إحدى الأقاليم داخل الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي هي امتداد لكردستان روج هلات أي لكردستان الشرقية، وتعد حالياً إحدى المحافظات الإيرانية داخل جغرافية إيران، وحقيقة الأمر أنهم كرد ولهم خصوصية ثقافية ودينية بأنهم من الشيعة الجعفرية وقلة منهم من السنة الشافعية أو الكاكائية. وفي جغرافية العراق يقطنون المناطق الحدودية مع إيران في جلولاء وخانقين ومندلي في محافظة ديالى وفي مناطق من محافظة واسط العراقية، وطيف كبير منهم يسكن بغداد منذ أمد بعيد ومعاناتهم مزمنة وثلاثية الأبعاد منها، أنهم كرد يتعرضون للحرمان والإبادة وتطبق بحقهم كافة المشاريع العنصرية من الإبادة والصهر والتطهير العرقي، والبعد الثاني أنهم من الشيعة الجعفرية ومذهب الاثنا عشرية التي لا تقبل من المحيط السني العربي والكردي وغيره، والبعد الثالث في معاناتهم أن الكثير من نخبهم انضموا للحركة الوطنية العراقية أو الإيرانية أو الكردية، بمعنى أن وجودهم أظهر تعقيداً وإشكالية كبيرة في محيطهم القومي والوطني والديني والثقافي وأحدث مفارقة كبيرة وإشكالية في الإنتماء الجغرافي العراقي والإيراني وجعلهم مستهدفين سياسياً من الجانبين المذكورين إضافة إلى الجانب الكردي .
وتتركز أسباب وأوجه معاناة الكرد الفيليين بجوانب عدة، فمن المعروف العداء التاريخي المستحكم بين الدولة العثمانية السنية والدولة الصفوية الشيعية والصراع السياسي والمذهبي بين الجانبين وصراع النفوذ على احتلال الأرضي المتاخمة للدولتين التي تمثل كردستان كوطن وجغرافيا تضم لورستان أو مناطق الكرد الفيلية التي كانت غير مستقرة كالرمال المتحركة فتارة تصبح ضمن النفوذ العثماني وأخرى ضمن النفوذ الصفوي ورغم الاتفاقيات المعقودة بين الدولتين على مدى أكثر من أربعة قرون مثل اتفاقية القسطنطينية 1555م وآخرها اتفاقية استنبول 1931م سرعان ما تنهار بعد حين، للتغيرات السياسية وتجدد الحروب التي كثيراً ما كانت على حساب معاناة الكرد عامة والكرد الفيليين خاصة والتي كانت تؤدي إلى انقسام العشيرة الواحدة بين طرفي الحدود، قسم منها في جانب الصفوي والقسم الاخر في الجانب العثماني، حتى قيام الحرب العالمية الأولى وتشكيل الدولة التركية والدولة العراقية وقدوم الاستعمار البريطاني، الذين ورثوا المشكلات المستمرة والقائمة من عمليات الإبادة والتهجير القسري والتغيير الديموغرافي والتطهير العرقي خاصة بعد وصول حزب البعث إلى استلام السلطة في العراق، الذي اتبع سياسة قومية عنصرية تجاه كل مكونات الشعب العراقي، ماعدا المكون العربي وفق ايديولوجيته القومية، ومثل الكرد بكل مكوناتهم المذهبية سنةً أو شيعة أو إيزيديين أو غيرهم، وأمثلة الإبادة والتغيير الديموغرافي كثيرة كما هو معروف في حلبجة التي ضربت بالغازات الكيماوية وخير دليل مقابرهم ونصبهم التذكارية في مدينة حلبجة والسليمانية والحملات التي سميت بالأنفال التي راح فيها أكثر من ثمانين ألفاً من الكرد التي ضمت في غالبيتهم النساء والأطفال والشيوخ ومقابرهم خير شاهد على ذلك، ولازالت بعض بقاياهم في مقابر مخفية في بادية العراق، ولم يستثنى من ذلك الأشوريين والسريان والصابئة وإن كان على نحو أخف ،أو أن وسائل الإعلام لم تكشف النقاب عن الكثير من المجازر والتهجير القسري الذي طال الكرد الإيزيديين وترحيلهم إلى مستوطنات وتجمعات بقصد تغيير معالم الجغرافيا لتحقيق أهداف سياسية .ولم يكن الكرد الفيلية بمعزل عن ذلك خاصة في عهد الرئيس العراقي صدام حسين . الذي مارس الإبادة والتهجير القسري وإنكار الهوية بشكل ممنهج ضد الكرد الفيلية بين عامي 1970م و2003م والذي أدت حملاته إلى ترحيل الكرد الفيلية وهروبهم ونفيهم من أراضيهم خاصة بعد القرار 666 الذي حرم الفيلين من الجنسية العراقية واعتبرهم إيرانيين، واستمرت عمليات الملاحقة والإعدام في بغداد وخانقين عام 1979 م ثم امتدت إلى باقي العراق وكردستان وتم تهجير 350 ألف كردي فيلي إلى إيران، واختفى أكثر من 15 ألف منهم ولم يعثر على رفاتهم، كما تم ترحيل 70ألف آخر من الكرد الفيليين إلى إيران وكان ذلك عام 1970م على خلفيتهم العرقية والدينية، وطال ذلك بشكل خاص التجار والأكاديميين، وتم سحب الجنسية العراقية منهم وتهمة صدام الجاهزة بأنهم من أصل اجنبي ولا ولاء لهم للشعب والأرض ولا للمبادئ السياسية للثورة أي أنهم غير بعثيين. وفي عام 2011م دعا البرلمان العراقي للاعتراف بمذبحة تمت بحق الكرد الفيليين 1980 م ووصفها بالإبادة الجماعية التي ارتكبها نظام صدام حسين ورغم عودة الكثير من الكرد الفيليين إلى وطنهم ومدنهم ولكن لايزال قسم كبير منهم يعاني من انكار الهوية الوطنية ولم يستعيدوا الجنسية .وتبقى المعاناة مستمرة . [1]