الصراع على غزة، لمن ستؤول إدارة الأزمة؟
ياسر خلف
إن تداعيات الحرب في غزة كانت لها انعكاساتها على المواقف الدولية وتحالفاتها والتي كانت هي الأخرى مرهونة بمصالح هذه الدول وخاصة الدول الإقليمية كإيران وتركيا والدول العربية. فتركيا التي تأنت في بداية هذا الصراع رغبة منها في إيجاد منفذ للدخول على الخط لتحقيق مصالحها تماماً كما قدمت نفسها كوسيط في الحرب الأوكرانية، لم تحظَ بما كانت تتمنى من لعب دور دبلوماسي وسياسي أو اللعب على تناقضات القوى العظمى كما كانت تفعل وفعلت في أغلب الأزمات والصراعات الدائرة في المنطقة ابتداءً من ليبيا وسوريا وقرباخ وأوكرانيا…. وذلك لأسباب عديدة، قد تكون أهمها هو تعقيد المشهد في غزة، ووجود فرقاء أكثر ضلوعاً وتأثيراً، مثل، مصر ودول الخليج والأردن وإن كانت قطر حليفة اردوغان قد قدمت نفسها كوسيط في صفقة تبادل الأسرى لكنها هي الأخرى تمارس هذا الدور في إطار محدد لها مسبقا.
يبدو أن إيران قد كان لها دور أكثر تأثيراً على مجريات الصراع الدائر في غزة، وذلك عبر تحريك أذرعها في كل من لبنان والعراق وسوريا واليمن وحماس نفسها ولم تلتزم الحياد التكتيكي كما فعلت تركيا، على العكس فقد صعَّدت ميدانيا وكانت في مواجهة مباشرة مع إسرائيل وأمريكا، وقد تمكنت، إلى نحو ما، استغلال النتائج لمصالحها وخاصة فيما يتعلق بملفها النووي.
التأني التركي في إبداء موقف محدد حيال الصراع بغزة لم يدم طويلاً، فأطراف الصراع المتداخلة لم تجد في تركيا كطرف محوري كما في قرباخ وأوكرانيا وسوريا، وعلى العكس، فالجانب الغربي همشتها تماماً لإدراك الغرب أن تركيا ستمارس الابتزاز السياسي لتحقيق مصالحها وأن اقتصادها المتهاوي وارتفاع نسبة التضخم فيها تجعلها تبحث عن فرصة لتمارس الضغط على الغرب لإنقاذها من الانهيار، فأردوغان يدرك جيداً أن أوراقه في صراع غزة ضعيفة، لذلك نجده قد شرع في تصعيد خطابه الشعبوي، مظهراً نفسه مدافعاً عن حماس كقضية إسلامية، ومراهناً في الوقت عينه على بعض الدول في المنطقة كقطر وإيران الى حدٍّ ما وروسيا بطبيعة الحال كطرف مجابه للموقف الأميركي من هذه الحرب، وهو ما قد يخلق مزيداً من التأزم والتناحر رغم أن خطاب العدالة والتنمية هذا له أهداف داخلية مرتبطة بمعركة الانتخابات المحلية المقررة في آذار المقبل؛ حيث يطمح أردوغان إلى استعادة بلديتي إسطنبول وأنقرة التي تديرهما حزب الشعب الجمهوري المعارض إثر خسارته في الانتخابات المحلية الفائتة.
فأردوغان الذي يرى في نفسه خليفة ومرشد روحي للجماعات الاخوانية والارهابية، أخذ يتلمس الخطر من التوجه الأمريكي والغربي الذي يسعى الى نزع سلاح حركة حماس وإنهاء إمارتها كما حدث مع داعش في آخر معاقله في الباغوز، وأن هذه السياسة ليست سوى خطوة في استراتيجية الولايات المتحدة الهادفة إلى تغيير وجه المنطقة تشمل تركيا نفسها، كما تروجها الأوساط التركية في الآونة الأخيرة، وهذا ما جعل اردوغان وأركان حكمه يشنون حرباً قذرة ضد شمال وشرق سوريا ومناطق الدفاع المشروع في جنوب وشمال كردستان.
الخلاف والتناقض بين أنقرة وأمريكا ظهر بشكل واضح خلال الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين إلى تركيا حيث كان البرود والتنافر طاغياً على المشهد لينتهي دون مؤتمر صحفي أو بيان ختامي.
فأردوغان الذي فتح مؤخراً حرباً دعائية ضد إسرائيل، وحمَّل أمريكا المسؤولية عن نتائج الحرب على غزة واصفة إسرائيل بمجرمة حرب، يدرك جيداً أن بلاده عضو في الناتو، وسفارة إسرائيل موجودة في تركيا ولم يقم بأي قطيعة دبلوماسية معها، على عكس ادعاءاته ليبقي الباب موارباً لأي دور يكفل تحقيق مصالحه ويكفل طرح تركيا كدولة ضامنة في التسويات القادمة من خلال رهانها على علاقتها بكل من حماس وقطر.
يبدو ان الصراع الدائر على غزة أكثر تعقيداً مما تتأمل تركيا، والمشهد على الأرض لا تسير كما يبتغيه اردوغان، فهناك أطراف فاعلة أخرى ضالعة في إدارة الأزمة، وتجد في التوجه التركي هذا تهديداً لمصالحها وخاصة دول الخليج كالسعودية والامارات وجمهورية مصر، وهي على خلاف مع حماس ولها علاقات جيدة مع حركة فتح والولايات المتحدة، وتركيا غير قادرة على الذهاب إلى مواجهة أو صِدام مع هذه الدول التي راهنت على تحسن علاقاتها معها خلال السنوات الماضية كاستراتيجية لاستعادة دورها الإقليمي انطلاقا من سياستها الخارجية.
على ما يبدو ان المواقف الدولية والعلاقات الدبلوماسية في الصراع الدائر في غزة في تنافر وتجاذب، وفيها الكثير من رهانات المنافع والمصالح ومن غير الواضح تلمس شكل التحالفات النهائية فيها، ويبدو ان حجم الخلافات في تصاعد مستمر وخاصة بين تركيا وامريكا من جهة وبين دول المحور العربي وتركيا من جهة أخرى، ومن المرجح ان يقدم كل طرف أوراقه الضاغطة في مقبل الأيام التي ستكون كفيلة بتجلي المشهد وآلية فرز الحلول للكثير من الصراعات الدائرة في المنطقة وليست في غزة وحدها. [1]