لماذا تقع قوات سوريا الديمقراطية في مرمى هدف حكومة الجولاني؟
عندما كان النظام السوري البائد يتربع على عرش السلطة في دمشق، قبل الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، كان الهجوم على #قسد# يأتي من جانبين متناحرين، هما النظام من طرف، والقوى المعارضة المسلحة من طرف آخر. أما العلاقات بين هيئة تحرير الشام وقوات قسد، فيمكن وصفها بأنها كانت علاقات باردة، تتخللها أحيانًا حرب إعلامية تستند إلى الجانب الأيديولوجي لكل منهما، وكان يترافق ذلك وجود علاقات تجارية بينهما.
بعد تسلّم أحمد حسين الشرع السلطة في دمشق بعيد تحرير سوريا على يد غرفة ردع العدوان - حيث تعتبر هيئة تحرير الشام المكون الرئيس فيها - من يد نظام الديكتاتور بشار الأسد، وقيامه بعد ذلك بتشكيل حكومة اللون الواحد (المؤقتة) لإدارة البلاد خلال الفترة (الانتقالية). مع اليوم الأول للحكومة، بدأت سياساتها تجاه المكونات الأخرى تظهر شيئًا فشيئًا إلى العلن، وبالرغم من أن أحمد حسين الشرع قد أعلن أن الكورد هم جزء من الشعب السوري، وأن الحكومة لن تضايق الأقليات الدينية عند ممارسة طقوسها، إلا أنه في ذات الوقت يدعو إلى سوريا مركزية ويرفض كل أشكال الإدارة الذاتية. هذا التوجه يعيد الوضع في البلاد إلى الوراء مجددًا.
إن أحمد حسين الشرع يتناسى أن أحداث التاريخ في سوريا أثبتت فشل السلطة المركزية في إقامة بلد ديمقراطي، وأوصلت البلاد إلى الوضع الكارثي الذي يعيشه السوريون الآن. إن مركزية السلطة في سوريا التي نشأت بعد الاستقلال كانت السبب في الانقلابات العسكرية المتكررة في البلاد، وسيطرة العسكر على السلطة، وفتح المجال أمام النزعات الشوفينية العربية ضد المكونات القومية السورية الأخرى من كورد وتركمان وغيرهم. وكانت هذه الانقلابات العسكرية السبب أيضًا في تخريب الاقتصاد الوطني. لقد دمرت السياسة المركزية للدولة الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بالإضافة إلى إحداث شرخ كبير بين السوريين.
في السابق، وقبل تحرير سوريا، كانت تركيا والمجموعات العسكرية المرتبطة بها تحارب قسد عسكريًا وأيديولوجيًا، وكان الهدف من هذه الحرب تنفيذ مخططات تركية أردوغانية تتمثل في السيطرة على سوريا وفرض الوصاية التركية عليها، مثلما فعل نظام حافظ الأسد ومن بعده ابنه بشار بفرض الوصاية على لبنان منذ أواخر السبعينيات من القرن الماضي حتى خروج القوات السورية من لبنان في عام 2005.
المعضلات بين قسد وهيئة تحرير الشام:
1. موضوع المرأة: تفسح قوات سوريا الديمقراطية، ومعها الإدارة الذاتية، المجال أمام المرأة للمشاركة في المحافل المجتمعية والعسكرية والسياسية. بينما يرى القادة الجدد أن للمرأة دورًا محدودًا يتمثل في كونها أمًا ومربية فقط.
2. شكل الدولة: تدعو قوات سوريا الديمقراطية إلى دولة مدنية لا مركزية تحقق المساواة القومية والدينية، بينما تهدف هيئة تحرير الشام إلى دولة مركزية بمرجعية إسلامية سنّية.
3. الجيش الجديد: تسعى هيئة تحرير الشام إلى حل قوات سوريا الديمقراطية، بينما تدعو إلى انضمام العناصر المسلحة الأخرى إلى الجيش السوري الجديد.
4. العلاقة مع الغرب: قامت قسد بتحالف مع التحالف الدولي لمحاربة داعش، بينما تتهم هيئة تحرير الشام بوجود ارتباطات سابقة لها مع التنظيمات الإرهابية.
إن التباعد الأيديولوجي بين الطرفين، بالإضافة إلى التدخلات التركية، يعقّد المشهد السوري. ولعل الحوار البناء دون شروط مسبقة هو السبيل الأمثل لبناء سوريا ديمقراطية لا مركزية، بعيدًا عن النزاعات المسلحة أو الوصاية الخارجية.[1]