تعريب كوردستان سوريا
أنكر جميع الأنظمة التي حكمت #سوريا# منذ تأسيس الدولة السورية، وتنكر وجود جزء من أرض كوردستان ضمن أراضيها. يأتي هذا الإنكار بينما تشهد المصادر التاريخية، بخلاف هذا الإنكار، على وجود أراضي كوردستانية في هذا البلد. من جانب آخر، لم تعترف الدولة السورية رسمياً بعد بالكورد كقومية متميزة عن العرب في الدستور.
الحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا الذي تأسس سنة 1957، كان أول حزب سياسي كوردستاني. لكن بعد فترة وجيزة من اعتقال السلطات السورية قيادات هذا الحزب في 1960، نشب خلاف داخل قيادة الحزب في السجن. فالذين مع نور الدين زازا كانوا يرون ضرورة التعريف بأنفسهم كأعضاء في الحزب الديمقراطي الكوردي في سوريا، بينما أصرت جماعة عثمان صبري على عدم التراجع عن اسم حزبهم، مؤكدين على ضرورة الإبقاء على تسمية الحزب الديمقراطي الكوردستاني - سوريا. فتح هذا الخلاف الباب أمام سلسلة انشقاقات، وخروج عدة أحزاب صغيرة من رحم الحزب الديمقراطي الكوردستاني - سوريا.
يقول صلاح بدرالدين في برنامج (پەنجەمۆر = بصمة): كنا نحن كورد غرب كوردستان محظوظين بأن لم نخض نضالاً مسلحاً ولم يظهر أي حزب إسلامي بين كورد الغرب، وخلافاتنا إن وجدت كانت خلافات أيديولوجية نعبر عنها كتابة وليس بالسلاح. لأننا لو كنا مسلحين، لربما كنا سنخوض حرباً أهلية واقتتالاً داخلياً مثل الأجزاء الأخرى.
كان صلاح بدرالدين من أبرز الفاعلين السياسيين في غرب كوردستان وكان له دور في انشقاق الحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا، ورغم إنكاره وجود مشكلة شخصية بينه وبين الأستاذ حميد درويش، إلا أنهم بلغوا بالأمور نقطة اللارجعة كما يقال. يدافع عن نور الدين زازا الذي قال في السجن إن لم نتخلّ عن استخدام اسم كوردستان، سنواجه متاعب كثيرة وسنبقى في السجن لسنوات. لكنه يعارض نفس الموقف من حميد درويش ويقول إن موقف نور الدين زازا كان تكتيكياً، بينما كان ستراتيجياً عند حميد درويش الذي لم يكن يقول الشعب الكوردي حتى الآونة الأخيرة، بل كان يستخدم لفظة الأكراد، حسب صلاح بدر الدين. فكان حميد الحاج درويش وصلاح بدر الدين خصمين متنافسين.
هناك حقيقة تاريخية، رغم أن البعض لا يقر بها، وهي أن انفصال المكتب السياسي عن الجنرال البارزاني بعد 1964 أثر على الأجزاء الأخرى من كوردستان أيضاً. فنظرة سريعة على تاريخ أحزاب غرب كوردستان تبيّن بوضوح تأثير وبصمات خلافات جنوب كوردستان عليها.
ما أريد التوقف عنده هنا هو مشكلة التعريب التي كانت أكبر خطر على الكورد وأرض كوردستان على مدار التاريخ. اتخذ التعريب شكلاً مختلفاً بوصول حزب البعث للحكم في العراق وسوريا، إذ تسارعت العملية، وأُنشئت وحدات خاصة لهذا الغرض، ووُضعت خطط متعددة الجوانب من استخدام القوة وصولاً إلى التعليم والفتن لتحقيق أهدافها. يعتقد صلاح بدر الدين أن التعريب بدأ مع كتابة الدستور وتأسيس الدولة السورية، لأن دستور البلاد لم يذكر أي قومية غير العرب. أي أنهم تلاعبوا منذ البداية، ثم مع مجيء الفكر الناصري وفكرة الوحدة العربية التي بدأت بالوحدة بين سوريا ومصر، اشتعلت جذوة التعريب أكثر. تبدأ قصة التعريب عند صلاح بدر الدين منذ أن كان وزير الإصلاح الزراعي في الدولة المتحدة المصرية السورية يزور المزارعين، فيسأل: هل أنت كوردي أم عربي؟ فإن أجاب بأنه كوردي، كان يقول مباشرة: إذن ليس لك شيء عندي.
سحب الجنسية وعدم منح الهوية السورية لعدد كبير من الكورد، وإجبارهم على النزوح إلى مناطق أخرى، وتوطين العرب في أراضي الكورد شكّل مرحلة التعريب الممنهج. لذا كان لا بد من تشكيل وحدة لتنفيذ هذه الخطط، فعينت الحكومة أحد ضباطها الشوفينيين، لكنه كان ذكياً ومتكيفاً، في قامشلو التي كانت تُعرف آنذاك باسم الجزيرة، وأوكلت إليه القيادة العملية لتعريب غرب كوردستان، إنه محمد طلب هلال. فكان أول ما اقترحه إنشاء الحزام العربي ونشر العرب بين القرى الكوردية ومنحهم الأراضي وإنشاء قرى جديدة لغرض التعريب.
في تقريره الذي قدمه إلى قيادة حزب البعث، تحدث محمد طلب هلال عن المنهج الذي استخدمه الإسرائيليون ضد الفلسطينيين، واقترح استخدام نفس الأساليب ضد الكورد! ومن هناك بدأ البعثيون يتحركون ضد الكورد، واتخذت دولة البعث من تقرير هلال خارطة طريق لتعريب غرب كوردستان.
وسّع الحزام العربي المسافة بين عفرين وكوباني، وعزل الجزيرة عن كوباني، وتم إسكان عرب في كل هذه المناطق. ألحقت هذه الخطة أضراراً كبيرة بالكورد، وقُسم هذا الجزء من كوردستان إلى عدة أجزاء.
المثير للدهشة أنه بينما نتحدث عن أحداث وقعت خلال ستين أو سبعين عاماً مضت، وهذه الأحداث التاريخية تتكرر بأشكال مختلفة في سوريا وغرب كوردستان، هذه المرة يهجّر الكورد وشعوب المنطقة من ديارهم، وفي بعض المناطق يتعرضون للإبادة الجماعية، خاصة الكورد الذين هم الأكثر تعرضاً للخطر والتهديد، باسم الدين والمذهب والعروبة. مع ذلك، لم نتعلم بعد من ماضينا، وما زال كل منا يغني على ليلاه. من المعيب أن تعزف الأجيال القادمة بعد ستين عاماً نفس ألحاننا، ولكي لا نخجل من التاريخ، يجب على الكورد كأمة أن يواجهوا التحديات.
بلا شك، تحتوي حقيبة (پەنجەمۆر) على الكثير من المواضيع التاريخية الأخرى، من الأفضل أن تشاهدوها وتسمعوها بأنفسكم، فهناك المزيد من المعلومات في برنامج (پەنجەمۆر) مع صلاح بدر الدين.[1]