*د.محمد نورالدين
اعتبر الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان ، أن مرحلة جديدة بالكامل قد بدأت في سوريا، التي يعني استقرارها «استقرار المنطقة».
وإذ أشاد خلال استقباله في أنقرة، ، رئيس الحكومة اللبناني، نجيب ميقاتي، بلبنان، قائلاً إن هذا البلد «مثل تركيا، فَتَح أبوابه للاجئين السوريين، وأولويّتنا إعادة الإعمار وعودة الناس إلى حياتهم الطبيعية»، فهو اعتبر ذلك «هدفاً مشتركاً» للبلدَين. وجاء ما تقدّم في وقت تستمر فيه النقاشات على مختلف المستويات في تركيا، حول دور هذه الأخيرة في سوريا، سواء ما يخص صيغة الحكم الجديدة فيها، أو المسألة الكردية التي يبدو أنها باتت تضغط بقوة على الميدان إذ تُظهر أنقرة إصراراً على الدخول إلى شرق الفرات، بعدما تمكّنت، عبر «الجيش الوطني السوري» التابع لها، من السيطرة على تل رفعت ومنبج، مقتربةً من «سد تشرين»، فضلاً عن حشدها جيشها وحلفاءه للسيطرة على كامل منطقة «روجافا» شرق الفرات، مع البدء من منطقة كوباني ووصْل جرابلس بتل أبيض.
صحيفة «قرار»
ووفقاً للكاتب المعروف عاكف باقي، في صحيفة «قرار»، فإن «تركيا أنفقت، إلى اﻵن، 40 مليار دولار، ويبدو أنها ستنفق مثلها، فيما خسائرها ليست فقط مالية، بل أيضاً اجتماعية». وقال: «صحيح أن يد تركيا أصبحت أقوى في سوريا مع خلع الرئيس بشار الاسد، لكن المخاطر التي نشأت عن ذلك كثيرة والصورة غير واضحة. فمع ذهاب الاسد، طويت مرحلة صعبة، لكن مرحلة أكثر صعوبة قد بدأت».
وفي الصحيفة نفسها، تساءل عثمان سرت عمّا إذا كانت أيام «قسد» قد أصبحت معدودة، بعدما تغيّر التوازن الذي كان قائماً، والموزّع على ثلاث بؤر، هي: منطقة «الجيش الوطني السوري» الذي تدعمه تركيا، و«هيئة تحرير الشام» في إدلب، و«قسد» في شرق الفرات.
أمام تركيا أسئلة كثيرة
ورأى سرت أن «أمام تركيا أسئلة كثيرة؛ أولها حول طبيعة الحكم في دمشق. والثاني عمَّا سيكون عليه مستقبل وحدات الحماية الكردية في شرق الفرات»، لافتاً إلى أنه «بعد تراجع الجيش السوري عام 2012، سلّم الاراضي التي كانت تحت سيطرته في شرق الفرات، إلى وحدات الحماية الكردية، وذلك بهدف تقسيم المعارضة وجعل الكرد ضدّها.
ولكن الكرد حوّلوا حربهم ضدّ النظام، لاكتساب مشروعية على الارض، ثم جاءت الولايات المتحدة لتدعمهم ضد داعش وتكسبهم مشروعية أخرى. لكن كون تركيا تدعم النظام الجديد، فإن سقوط الاسد يعني أن الوحدات الكردية هي من ضمن الخاسرين أيضاً.
ولذا، نعتقد أن بنية الوحدات لن تستطيع الصمود أمام سعي الجولاني إلى توحيد جميع القوى المسلّحة في جيش واحد». كما ثمة سبب آخر لتوقُّع نهاية القوى الكردية، وهو «البنية الديموغرافية في شرق الفرات وشمال سوريا، حيث لا يشكّل الكرد غالبية مستقرّة، سوى في عفرين وكوباني والقامشلي، فضلاً عن أن الرقة ليست في غالبيتها كردية، فيما مركز الثقل في الشمال السوري، حلب وليس الرقة»، وفقاً للكاتب.
وتابع: «المعايير السورية لتركيا قد تغيّرت بعد الثامن من كانون الاول، ولكن لا يمكن التكهّن إلى أين تسير التطوّرات. لاشكّ في أن كلفة الوضع الجديد ستكون أكبر.
وعمر تشيليك، الناطق باسم العدالة والتنمية، محقّ في القول إن التنظيم الكردي سيفقد ركائزه ويبحث عن جهة أخرى تموّله وتدعمه، وعلى تركيا أن تكون متنبّهة إلى ذلك».
مستقبل الكرد في سوريا
ومن جهته، كتب فهيم طاشتكين عن مستقبل الكرد في سوريا، إذ رأى أن «الامور عادت إلى نقطة الصفر مع تجدد الحديث التركي عن معركة لاسقاط كوباني». وقال إن أنقرة «تعمل على تحشيد أوراقها قبل استلام ترامب السلطة، وتريد من الحكم الجديد في دمشق أن يعيد صوغ سوريا وفقاً لِما تريده هي».
ولفت طاشتكين إلى أن «الجولاني يربط كل مخطّطاته بتركيا، ويقول ما يريد إردوغان أن يسمعه. وأركان الجولاني يقولون إنهم يرفضون الفدرالية في سوريا، ويرون أن الحلّ هو بسيطرة تركيا على المناطق الكردية. وعلى ما يبدو، فإن هدف أنقرة التالي بعد تل رفعت ومنبج هو كوباني ومهاجمتها من ثلاث جبهات شمالية وغربية وجنوبية». ولكن «حين يتعلّق الوضع بكوباني ومنبج والصدامات العسكرية، فإن لعبة إردوغان قد لا تسير على ما يرام».
ظهرت صورة جديدة
أمّا الكاتب المعروف علي بيرم أوغلو، فقال إن «الدولة التركية كانت تنظر إلى الإدارة الذاتية في روجافا على أنها تهديد وخطر على أمنها القومي. لكن بعد سقوط الاسد، ظهرت صورة جديدة. تركيا التي تسيطر على غالبية غرب الفرات، تريد التقدُّم إلى شرقه. ولكن، هل يمكن تركيا القيام بذلك، ولا سيما في ظلّ وجود القوات الاميركية هناك؟».
وأجاب: «لا أحد يعرف، لان أنقرة تريد ترحيل كل الكرد الذين أتوا من تركيا والعراق وإيران إلى سوريا، كما أن وزير الدفاع، ياشار غولر، قال إنه أبلغ الاميركيين بنيّة تركيا تصفية الوجود الكردي الإرهابي، فيما يتمّ اقتراح نزع السلاح من كوباني بإشراف أميركي، وربّما من هذه النقطة يمكن أن تُحلّ المسألة الكردية في سوريا بالمفاوضات بدل العمل العسكري».
الجولاني لتركيا: الأولوية لكم
لمّح رئيس «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع (الجولاني)، إلى وجود محاولات للتوصل إلى حلّ وسط لِما تطالب به تركيا من نزع سلاح «قوات سوريا الديمقراطية»، وترحيل قادتها وعناصرها من غير السوريين، إلى خارج البلاد. وقال الشرع إن كلّ الميليشيات التي كانت موجودة في سوريا، يمكن أن تكون جزءاً من الجيش السوري الجديد.
ومن جهته، بادره القائد العام ل»قسد»، مظلوم عبدي، بالقول إنه يمكن إقامة كانتون كردي منزوع السلاح بإشراف الولايات المتحدة. وكتب في تغريدة: «(أنّنا) نؤيّد الدعوة إلى وقف إطلاق النار بالكامل في سوريا.
ونحن مستعدّون لإقامة منطقة بإشراف الولايات المتحدة. هذه المبادرة هي لتبديد القلق التركي وضمان الاستقرار البنّاء في المنطقة». وبعثت الرئيسة الموازية ل»الإدارة الذاتية» الكردية، إلهام أحمد، بدورها، برسالة إلى الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، تشكو فيها من أن تركيا تستعدّ لاحتلال شرق الفرات قبل أن يتسلّم هو الرئاسة، معتبرةً أن «نتائج ذلك ستكون كارثية».
استعدادات الجيش التركي للهجوم
وعلى المقلب التركي، نشرت صحيفة «حرييات»، ، تقريراً عن استعدادات الجيش التركي للهجوم على مدينة عين العرب (كوباني)، وقالت إن «الهدف هو وصْل مناطق درع الفرات غرباً بمناطق تل أبيض شرقاً، حيث الجيش التركي، لتمتدّ بذلك سيطرة الجيش من دون انقطاع، وصولاً إلى رأس العين.
ومنطقة كوباني كانت حتى الأمس تحت إشراف المراقبين الروس، لكنّ العلم الروسي أُنزل، وانسحب الروس بعد سقوط النظام، ووصلت إلى كوباني قوّة أميركية ورفعت بدلاً منه علم الولايات المتحدة، في رسالة إلى تركيا بعدم التقدّم للهجوم»، وفقاً للصحيفة التركية.
أمّا الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، فأكّد، خلال لقاء جمعه إلى رئيسة المفوّضية الأوروبية، أورسولا فون دير لايين، أن «سوريا الجديدة يجب ألّا تكون وكراً للإرهاب»، وأن «تركيا هي بلد مفتاح للتطوّرات في سوريا»، داعياً المجتمع الدولي إلى مساعدة هذا البلد في المرحلة الجديدة. ودخل الناطق باسم «العدالة والتنمية»، عمر تشيليك، أيضاً، على خط الجدل حول إزالة «هيئة تحرير الشام» من قائمة الجماعات المصنّفة إرهابية في تركيا والغرب، إذ قال إن «رئيس الاستخبارات، إبراهيم قالين، التقى مع كلّ الأطراف، بمَن فيهم الجولاني، الذي التقى أيضاً الأميركيين والأوروبيين. لذلك، نحن حذرون ما دامت القائمة هكذا، ولكن نجري لقاءات معهم. وحين يلتقي مسؤول رسمي، الهيئة، فهذا يعني أنها لم تَعُد إرهابية».
الشرع في مقابلة مع صحيفة تركية
في هذا الوقت، أجرى الشرع أول مقابلة له مع صحيفة تركية، مؤكداً في حديث إلى ياسين أقتاي، في «يني شفق»، أن تركيا هي «الدولة الأكثر مساعدة لسوريا وستكون علاقاتنا معها استراتيجية، وسنعطي الأولوية لها في معظم المجالات، ولا سيما في التجارة والاقتصاد، وسنستفيد من تجربتها، ونؤسّس روابط اجتماعية معها. وهذا الانتصار ليس فقط للشعب السوري، بل أيضاً للشعب التركي».
ونفى الجولاني أن يكون هناك أيّ اتفاق مع إيران أو روسيا سرّع في إسقاط الأسد، بل «كان الانتصار نتيجة جهد دؤوب وخطّة منظّمة واستخدام للتقنيات الحديثة»، على حدّ قوله. وبالفعل، وكعربون وفاء لدعم أنقرة للمعارضة السورية، قال مدير الطيران المدني الجديد في سوريا، أشهد الصليبي، إن «أول رحلة خارجية ستكون اليوم الخميس أو الجمعة، إلى تركيا، وتنطلق من مطار حلب». وأضاف الصليبي أنه «لولا الدعم التركي، لَما وصلنا إلى هنا. والآن ليس هناك من ذريعة لإسرائيل لتضرب المطار، فهو مدني بالكامل».
تصريحات ترامب وإشادته بإردوغان
وفي هذا الوقت، لا تزال تصريحات ترامب وإشادته بإردوغان ووصفه له ب»الرجل القوي والذكي والعاقل»، مثار تعليقات مؤيّدة ومنتقدة.
ووفقاً للخبير في شؤون الإرهاب، جوشكون باشبوغ، فإن «الجملة المفتاح في تصريحات ترامب هي: إردوغان واحد من الذين أتَفاهم معهم جيداً». وقال: «عندما انتخب ترامب، توجّه إردوغان إليه بالتهنئة، قائلاً: صديقي ترامب، وهذا كان مهمّاً جداً. إردوغان لا يستخدم مثل هذا الوصف إلّا قليلاً. فلم نسمع قبلاً أنه قال ذلك للرئيس الفرنسي أو المستشار الألماني». وبيّن أن «إردوغان يوازن جيداً بين علاقته بترامب، وعلاقته بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين»، مشيراً إلى أن «تركيا هي البلد الأكثر محاربةً لداعش»، ومذكّراً بأن «ترامب قال خلال الفترة الأولى لحكمه: إنّنا ننسحب من سوريا وقد أنهينا داعش، وإذا كان بقي بضعة إرهابيين، فإن إردوغان سيتكفّل بهم». وبحسب باشبوغ، فإنه «على الرغم من أن تركيا لا تظهر مباشرة في صورة التطوّرات الميدانية حيث تنحصر الأمور بهيئة تحرير الشام، فإن تركيا هي أكبر الرابحين في سوريا، فيما أميركا التي تدعم الكرد تَظهر واحدة من الخاسرين. ولا يجب نحن الأتراك ألّا نرى ذلك».
إشارات قوية إلى ملامح المرحلة المقبلة
ورأت رئيسة برنامج السياسة الخارجية في وقف أبحاث السياسات الاقتصادية التركية، غول رو غيزير، من جهتها، أن «كلام ترامب عن تركيا وإردوغان يعطي إشارات قوية إلى ملامح المرحلة المقبلة من العلاقات بين أنقرة ودمشق في السنوات الأربع المقبلة». وقالت إن «سياسة أميركا تجاه سوريا ستكون على ما يبدو بالتنسيق مع تركيا»، وإن «ترامب لم يكن ذا خبرة في المرحلة الأولى، لكنه الآن يحيط نفسه بفريق متناغم معه بالكامل. ولذلك، عندما يقول إنه يجب التحرّك في سوريا مع تركيا، فإن أحداً لن يعارضه».
فيلم معدّ مسبقاً
وكتب النائب السابق المعارض، مصطفى بلباي، بدوره، في صحيفة «جمهورييات»، متسائلاً عمّا إذا كان ترامب يمدح إردوغان أم لا. ورأى أن «التطوّرات في سوريا تسير كما لو أنها فيلم معدّ مسبقاً ومنظّم بحيث سارت بكل دقة. إردوغان يقوم بالدور الأكبر في هذا الفيلم وبتغطية كاملة من الرئيس الأميركي الجديد». وقال إن «الأوروبيين يهمّهم اللاجئون، ويعطون إردوغان المال لإبقائهم في تركيا. أمّا جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ففي خبر كان». وأضاف بلباي أن «ما يقوله ترامب يعني أنه لا وجود لتركيا. يوجد فقط إردوغان. وهذا أمر مخجل. قال عنه إنه قوي وذكي وأسّس جيشاً قويّاً، يمكن التفاهم معه بشكل جيد. هذا ترجمته بالتركية ما يلي: بعد الآن أيّ شيء سلبي يطرأ، سيدفع إردوغان فاتورته. أنا لن أضع يدي تحت الحجر في هذه المنطقة وأنت تعرف مسؤولياتك. وإذا أردت شيئاً في المستقبل، فلا تقل لي برلمان وفلان. المخاطب الوحيد هو أنت. وأنت تعرف من التجارب الماضية (ماذا يحدث) إن لم تسر الأمور كما أشتهي». وانتهى بلباي بالقول: «الآن، أبو محمد الجولاني زعيم سوريا الأوحد، وإسرائيل تدمّر سوريا وتحتلّ أراضيَ جديدة والعالم العربي ساكت والدول الإسلامية ساكتة، أمّا ترامب فيقول إن إردوغان هو المفتاح في سوريا. لا حاجة إلى أيّ تعليق إضافي».
هناك كتلتان مسرورتان
أما زعيم «حزب الشعب الجمهوري» المعارض، أوزغور أوزيل، فقال في اجتماع لتكتُّل حزبه، إن «الوجوه التي ابتسمت مع وجود إردوغان في الحكم واضحة: إسرائيل وترامب. ممّا يجري في سوريا الآن، هناك كتلتان مسرورتان: إسرائيل وحزب العدالة والتنمية. أن يُسرّ حزب العدالة والتنمية وإسرائيل للشيء نفسه، فهذا أمر سيّئ لتركيا».[1]