تركيا إلى أين..؟!
#بير رستم#
الحوار المتمدن-العدد: 8174
المحور: القضية الكردية
ربما من الصعوبة استقراء القادم والمستقبل لأي بلد وخاصةً في ظل الظروف الراهنة والمتغيرات الكثيرة في السياسة والتي تشبه حالة التنبؤ بالمناخ وعدم أخذ طيران فراشة في الحسبان، أو كما يسميها علماء وخبراء الأرصاد بجناح الفراشة. وهكذا هو الحال في السياسة حيث لا يمكن الاستشفاف بالمستقبل في ظل متغيرات كثيرة تحيط بكل قضية تفصيلية مما تعاني منها العالم وتحديداً منطقة الشرق الأوسط وبالتالي يصعب على المتابع التنبؤ بما ستؤول إليها الأوضاع، لكن يمكن استشفاف بعض الملامح الأساسية ومنها حال تركيا في ظل موجة الصراعات والتي تحيط بها والذي قال بصددها زعيم الحركة القومية؛ دولت بهجلي؛ “محيطنا تحول إلى حلقة من النيران. وفي ظل هذه الأوضاع، يصبح الاستقرار الداخلي أمرا أساسيا لا غنى عنه”. وإضافةً لما تحيط بتركيا فكذلك ما تشهدها من أزمات داخلية اقتصادية وأمنية أيضاً، تجبرها على البحث عن حلول ومخارج لأزمتها ولو بالانحناء أما العاصفة.
وهكذا ربما يكون في تحرك شريك أردوغان بالحكومة الحالية؛ أي حكومة العدالة والتنمية، وتصريحاته الإشكالية والمفاجأة للكثيرين منا مؤخراً، ونقصد تحركات دولت بهجلي؛ زعيم الحركة القومية التركية بخصوص تصريحاته المدوية والفاقعة عن الكرد ودعوة أوجلان للبرلمان والحديث عن السلام، وهو المعروف بتطرفه وتشدده القومي الفاشي والذي كان يأخذ أقصى اليمين المعادي لكل ما هو غير تركي، وبالأخص فيما يتعلق بالكرد والقضية الكردية، وهكذا فجأةً نراه يتحول لحمامة سلام لحل المسألة الكردية، مما يكشف عن وجود مشاريع ومخططات تهدد تركيا وجودياً حيث قال مؤخراً؛ يوم أمس وأمام كتلته البرلمانية، أن استعداد تركيا بشكل كامل لم يعد مجرد مسألة أمن قومي بل بات مسألة بقاء، وهو تصريح خطير يوضح حجم التهديدات لتركيا!
طبعأ تصريح بهجلي لا يأت عن عبث، كما أشرنا، ولا هو تحليل سياسي، بل عن مصادر معلوماتية استخباراتية وذلك بحكم شراكته بالحكومة وكذلك لعمق علاقته مع ما تسمى بالدولة العميقة في تركيا حيث يعتبر بهجلي وحركته القومية، عماد المافيات التركية عموماً! وبالتالي لها مصادرها وأذرعها القذرة في السياسة التركية وما يتعلق بالأمن القومي التركي، ولذلك هو -بهجلي ومعه الحكومة التركية طبعاً- يحاولون قطع الطريق على تلك المشاريع وذلك من خلال ايجاد صيغة للتفاهم مع الكرد عبر أوجلان، وهو ما دفع ب بهجلي؛ لأن يكرر يوم أمس دعوة أوجلان للبرلمان التركي مجدداً حيث دعا إلى الإسراع في عملية المصالحة مع الأكراد وحل الأزمة المستمرة منذ عقود، طبعاً مقابل أن يعلن من البرلمان حل تنظيم العمال الكردستاني الانفصالي، كما أورده موقع جريدة الزمان التركية.
باختصار جد شديد؛ تركيا تحاول إعادة سيناريو أتاتورك-إينونو، وهذه المرة تحت تحالف أردوغان-بهجلي بحيث يتم إغراء الكرد ببعض الوعود الكاذبة واللعب مجدداً على وتر الأخوة في الدين، كما في المرات السابقة حيث قال أردوغان يوم أمس؛ بأن الإسلام يوحد الأتراك والأكراد والعرب وذلك في كلمة للرئيس التركي ألقاها خلال اجتماعات مجلس الشورى الديني السابع بأنقرة (المصدر وكالة الأناضول التركية). وهكذا فإن العملية؛ دعوة أوجلان للإدلاء بكلمة تحت قبة البرلمان التركي، لا تتعدى إعطاء صك شرعية لهذه الحكومة الحالية والمؤلفة من تحالف الفاشيتين الدينية والقومية وإدانة تاريخ شعبنا النضالي، والأهم من كل ذلك هو القول؛ للأمريكيين والإسرائليين بالأخص: بأن لا علاقة لكم بالقضية الكردية، فهو شأن داخلي، وبذلك تنقذ تركيا نفسها وتفك حبل المشنقة عن رقبتها!
قد يقول قائل؛ بأننا نبالغ في تأويلنا أو حتى تعويلنا على العامل الخارجي وفي المقدمة الخلافات التركية الإسرائيلية وبأن للدولتين عمق العلاقات الإستراتيجية وبالتالي لا يمكن لملف مثل الملف الكردي أن يشكل نقطة صراع أو حتى تبيان في وجهات النظر بين الطرفين وبالتالي نعتمد على تصريح وزير خارجية إسرائيل؛ ساعر، والذي طالب بتحالف الأقليات وفي المقدمة منها مع الكرد! لكن قضية الصراع بين تركيا وإسرائيل أعمق بكثير من قضية دعم تركيا للفلسطينيين وبالمقابل إسرائيل تريد دعم شعبنا، بل هي التي تتعلق بإستراتيجية كل دولة ومخططاتها ومشاريعها الجيوسياسية والمتعلقة بالممرات والنفود والسيطرة؛ أي صراع على النفوذ الإقليمي وبين مشاريع كل طرف حيث إسرائيل تريد أن تأخذ الدور من تركيا في زعامة منطقتنا
وبالتالي تهمها؛ أي إسرائيل، تشكيل شرق أوسط جديد وفق مصالحها والتي هي بالضد من مصالح تركيا وتلتقي مع مصالحنا الكردية في هذه النقطة، ولذلك فإن إسرائيل تهمها دعم الكرد وقضيتهم في سبيل إضعاف الخصم والمنافس لها على زعامة المنطقة، وذاك ما يجعل من حجم المخاوف والتهديدات كبيراً لدى تركيا ولذلك تحاول إنقاذ نفسها من الانهيار والتفكك باللاصق الديني مع الكرد، كما فعل تحالف أتاتورك-إينونو إبان الحرب العالمية الأولى.. ولهذه الأسباب وغيرها قلنا سابقاً ونعيدها هنا مجدداً؛ لا تمدوا يدكم للمصافحة مع أردوغان وبهجلي دون مفاوضات حقيقية وتحت الرعاية الدولية وعلى أساس تركيا دولة اتحادية ديمقراطية لكل من الكرد والترك، مع تغيير اسم تركيا الدول على قومية واحدة، وإلا فلتذهب تركيا إلى السيناريو الآخر حيث التفكك والصراعات الداخلية.[1]