تل حلف والجزيرة من خلال مشاهدات البارون فون اوبنهايم 1860-1946
دراسة للدكتور نضال محمود حاج درويش
بداية ، و قبل أن نعرض مقتطفات مما ورد في مذكرات اوبنهايم لا بد من القاء نظرة سريعة على سيرة اوبنهايم الشخصية. ولد ماكس فرايهير فون اوبنهايم عام 1860 في مدينة كولن بالمانيا من عائلية أرستقراطية ،ذات أصول يهودية ، تملك مصرفاً باسم بنك اوبنهايم. اعتنق والد اوبنهايم المسيحية الكاثوليكية ليتزوج والدة اوبنهايم .
بدأ اهتمام اوبنهايم بالشرق في مراهقته بعد أن تلقى قصة ألف ليلة وليلة كهدية في عيد ميلاده. درس القانون وتعلم اللغة العربية وأخذ يدرس عن علم الشعوب والتاريخ القديم. قام بعدة رحلات استكشافية إلى الشرق ودول أخرى. في عام 1893-1894 سافر إلى البادية السورية وبلاد الرافدين ليبدأ اهتمامه بالبدو حيث نشر عنهم 4 مجلدات ، إضافة إلى عدة كتب أخرى. وفي 1895 سافر إلى استانبول وقد استقبله السلطان العثماني عبد الحميد الثاني. أراد اوبنهايم أن يدخل السلك الدبلوماسي لكن قوبل طلبه بالرفض من قبل الحكومة الألمانية بسبب أصوله اليهودية. ولكنه حصل بمساعدة صديقه البروفيسور وعالم الآثار هرتزفيلد على عمل في ملحق السفارة الألمانية بالقاهرة وعمل هناك 13 عاماً (حتى 1910). كان اوبنهايم من المؤيدين للطموحات الاستعمارية الألمانية ، وكان مرتبطاً بالاستخبارات الألمانية وأصبح خلال الحرب العالمية الأولى مسؤولاً عن دائرة المخابرات الشرقية والتي كانت تهدف إلى الدعاية ضد فرنسا وبريطانيا وتأليب العالم الأسلامي ضدهما. في عام 1922 أسس معهد الأبحاث الشرقية وفي عام 1929 أسس منحة اوبنهايم لدعم الأبحاث الشرقية.1
من الرحلات العديدة التي قام بها اوبنهايم ، رحلته التي قام بها في 1899 حيث سافر عبر حلب إلى دمشق وشمال بلاد الرافدين ممثلاً عن البنك الألماني. في 19 نوفمبر، اكتشف خلال هذه الرحلة موقع تل حلف الأثري القريب من رأس العين. وقد نشر، نتائج تنقيباته الأثرية ،عن الموقع في كتاب بعنوان تل حلف. حضارة جديدة في ميزوبوتاميا الأقدم وقد تم نشر الترجمة الانكليزية للكتاب في عام 1933. نشرت أبحاث عدة عن حياة اوبنهايم وتنقيباته الأثرية في تل حلف. في عرضي هذا سأتجنب الخوض في الجانب الأثري و سأكتفي بسرد مقتطفات من مشاهدات اوبنهايم عن المنطقة والتي تعكس فضاءات طبيعة السكان وأوضاعهم من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
عند وصوله إلى المنطقة في عام 1899 تركزت رحلته بصورة خاصة بين نهري الخابور والبليخ رافدا نهر الفرات وكانت قبيلة الملان أعظم قوة قبلية في هذه المنطقة والتي كانت تضم عشائر كردية إلى جانب عشائرعربية عدة بقيادة زعيمها القبلي ابراهيم باشا الملي.3
يحدثنا اوبنهايم عن زيارته إلى مقر ابراهيم باشا في ويرانشهر التي تقع على بعد حوالي 50كم شمال رأس العين في المنطقة الواقعة بين ماردين واورفا وحسب رأيه فأن بناء ويرانشهر يعود إلى عهد الأمبراطور البيزنطي قسطنطين الكبير (272-337 للميلاد). كانت ويرانشهر بقعة مهجورة قبل أن يحولها ابراهيم باشا إلى سوق مهم للسكان الرحل . وقد عمل على جذب التجار المسلمين والمسيحيين وبنى منزلاً دائماً في وسط الخربة.، ويعيش مع قبيلته ، غالباً، حياة البداوة ، ويتنقلون بخيمهم وقطعان مواشيهم وإبلهم من منطقة رعوية إلى أخرى. وقد سمح له السلطان عبد الحميد بتشكيل فرقة من الفرسان غير النظاميين من أبناء قبيلته (الكتائب الحميدية). وتم تزويدهم ببنادق جيدة من قبل الأتراك. استطاع ابراهيم باشا بفضل تلك الأسلحة المتطورة وحنكته السياسية من السيطرة وبشكل تدريجي على كامل المنطقة الواقعة بين الخابور والبليخ من نهر الفرات جنوباً إلى حواف الجبال شمالاً. حتى سكان ماردين واورفا كانوا يخشون منه بالرغم من وجود الحاميات العسكرية العثمانية هناك.
يصف اوبنهايم خيمة ابراهيم باشا عند سفح جبل تكتك جنوب غرب ويرانشهر: لم أصادف خيمة بهذه الضخامة في حياتي، فهي ربما تتسع لألفي رجل. استضافني الباشا مع 25 من رجالي لمدة ثلاثة أيام. كان ذو شخصية مميزة وكان من دواعي سعادتي البقاء معه. تحدثت معه باللغة العربية،ولساعات ، عن أعدائه ومعاركه العديدة معهم وبهذه الطريقة اكتسبت صداقته.
عندما سمع اوبنهايم في خيمة الباشا عن تماثيل غريبة عثر عليها أثناء دفن أحد الموتى في تل يقع بالقرب من قرية رأس العين، انطلق إلى رأس العين في رحلة استغرقت خمسة أيام. يبدو من خلال وصف اوبنهايم بأن المنطقة الواقعة بين ويرانشهر ورأس العين كانت خالية من القرى وكان التحرك ضمنها محفوفاً بالمخاطر نتيجة انعدام الأمن حيث يخبرنا بأنه خلال توجهه إلى رأس العين قد تعرض ثماني مرات إلى غزوات من قبل قطاع الطرق من البدو وأنه استطاع في كل مرة التفاهم معهم. وأخذ اوبنهايم مع مرافقيه بعض الطعام معهم ،أما بالنسبة للماء فأنهم وأحصنتهم كانوا يشربون من بعض برك المياه الموجودة في المنطقة. 4
ويسرد اوبنهايم في مذكراته رأس العين وقصة اكتشاف تل حلف حيث يقول: كانت قرية رأس العين مسكونة بالشيشان الذين جاؤوا كلاجئين من منطقة القفقاس وذلك بعد احتلال روسيا لبلادهم . قبل 30 عاما. استقر هنا 50 ألف شيشاني أما الأن فقد بقي فقط 200 عائلة يعيشيون في رأس العين وقرية صفح المجاورة. حيث فقدوا حياتهم لعدم تحملهم الحرارة والحمى وكذلك نتيجة حروبهم مع البدو.5 ذهب اوبنهايم إلى منزل المختار و اجتمع حوله الشيشان ، وعندما بادرهم بالسؤال عن مكان التماثيل ،التزم الجميع بالصمت وأنكروا معرفتهم بمكان وجودها. حيث كان الشيشان يعتقدون بأن لهذه التماثيل مفعول سحري سيء عليهم ولهذا قاموا بطمر التماثيل ثانية ودفنوا الميت في مكان آخر. وصدف أن جاء الجفاف ومرض الكوليرا في نفس العام ، فضلاً عن موجات الجراد، وقد عزا الشيشان هذا الأمر إلى قوى الشر المسكونة في تلك التماثيل، لهذا تجنبوا الحديث عنها. ودعاهم اوبنهايم إلى الحلف بالقرآن ولكن دون جدوى، عندها استشاط غضباً ولعن من حلف كذباً بالقرآن ،ذكرهم سبب عدم البوح بمكان التماثيل هو إيمانهم بالخرافات، فمدّ بعض الجالسين في مضافة المختار أياديهم إلى خناجرهم لقتل اوبنهايم، ولكن بعد تدخل المختار الذي شعر بالخجل تم السيطرة على الموقف ودلوا اوبنهايم إلى مكان التماثيل.6
تم الحفر في التل مدة ثلاثة أيام بمساعدة الشيشان وبعض البدو الذين كانوا ينتمون الى قبيلة نصف رحل والتي كانت تجلب بعض الأحيان المحاصيل للشيشان إلى رأس العين. 7وكشفت خلال أعمال التنقيب عن واجهة القصر إضافة الى بعض التماثيل (الصورة 3).و قام اوبنهايم بإعادة طمر ما اكتشفه لأنه لم يكن يحمل أي تصريح رسمي بالتنقيب من قبل السلطات العثمانية. بعد ذلك توجه اوبنهايم إلى قرية حسجة (الحسكة) ومن ثم عاد إلى ألمانيا بنهاية 1899.8 بعد حوالي 12 عاماً من رحلته الأخيرة عاد اوبنهايم إلى تل حلف ثانية ومعه رخصة للتنقيب في الموقع. يظهر من خلال سرد اوبنهايم بأن المنطقة كانت ما تزال تفتقد إلى الخدمات الأساسية من طرق معبدة ووسائل مواصلات متطورة وأسواق قريبة يمكن للمرء أن يعتمد عليها في شراء حاجياته الأساسية، أضف إلى ذلك أن حياة البداوة كانت النمط السائد في المنطقة و التغيير اللافت هو ،فقط ، زيادة الفوضى بعد قضاء الاتحاديين الأتراك على إمارة ابراهيم باشا الملي.
يصف اوبنهايم رحلته كالآتي:
جلبنا المعدات الثقيلة والأجهزة العلمية وأدوات التنقيب من أوربا إلى حلب وقد احتجنا ألف جمل لنقل تلك المعدات من حلب إلى تل حلف في رحلة استغرقت 20 يوماً. بينما كان بالإمكان شراء بعض الأشياء البسيطة والخشب من ماردين واورفا لبناء منزل البعثة, كان السفر إليهما يستغرق عدة أيام على ظهر الجمال. وفي إحدى المرات (4/11/1911) تعرضت القافلة المتجهة من ماردين إلى تل حلف للنهب من قبل مجموعة من قطاع الطرق. 9 ويذكر اوبنهايم ما حدث لإمارة الملان كالآتي:
عندما وصلت إلى رأس العين كان الأمير القوي ابراهيم باشا قد مات بعد أن قضى الإتحاديون على إمارته وفرضوا سيطرتهم على المنطقة بفترة قصيرة قبل عزل السلطان عبد الحميد. ذهب ابراهيم باشا برفقة حوالي ألف فارس من قواته الكردية والعربية ليساعد في حماية خط الحجاز الذي يؤدي إلى مكة والمدينة. بسبب السقوط المفاجىء للسلطان عبد الحميد عاد ابراهيم باشا إلى ويرانشهر وأصبح يتعرض لهجمات من موالين للعثمانيين. طلبت حكومة تركيا الفتاة من ابراهيم باشا تسليم جميع الأسلحة الحديثة التي في حوزته لكنه رفض ذلك، فعمد الأتراك إلى إرسال قوة عسكرية مدعومة بقوة من عدد من القبائل المجاورة للحرب على ابراهيم باشا، حيث قامت تلك القوات بقصف ويرانشهر ونتيجة لذلك انسحب ابراهيم باشا إلى رأس العين وتعرض هناك لهجوم الشيشان أيضاً. في النهاية توفي الرجل المريض بصورة غامضة وحيداً في الصحراء بالقرب من تل حسجة, لكن صدى شخصيته كانت قد بقيت مع عائلته. بعد وفاته تسلمت زوجته الذكية قيادة القبيلة والتي بدأت بعملية سلام مع الحكومة التركية الجديدة وبذلك استعادت الملية مكانتها واحترامها بين قبائل المنطقة. كان أبناء ابراهيم باشا رجالاً مقتدرين تربوا على الفروسية والجود. عندما نصبوا خيمتهم الكبيرة بالقرب من تل حلف ذهبت إليهم فرحبوا بي بحرارة باعتباري صديق قديم للعائلة. فكانوا يخاطبونني بالعم وما زال جميع أعضاء العائلة ينادونني كذلك.10
وبحسب اوبنهايم فإن أكثر من استفاد من تحطيم قوة الملان هم الشيشان إذ حصلوا على دعم القائمقام التركي في “صفح ” الذي حماهم من شمر وأتاح لهم المجال للقيام بأعمال النهب والسلب وبدون أي رادع أو خوف من العقوبة. كانت ديرالزورفي ذلك الوقت مركز المتصرفية وتستغرق الرحلة من تل حلف إليها حوالي 5 أيام عبر الصحراء الذي كان محفوفاً بالمخاطر لهذا فأن القائمقام تمتع بامتيازات كبيرة واستغل منصبه في جمع الأموال وبمختلف الطرق. كان هناك علاقات وثيقة بين القائمقام والشيشان الذي تغاضى عن تصرفاتهم في المنطقة، ففي احدى المرات قام الشيشان بالهجوم على قافلة سلمية للإيزيديين كانت متجهة من ماردين إلى سنجار وتحمل المستلزمات الشتوية وقاموا بقتل العديد وجرح آخرين منهم و جلبوا كامل ما كان في حوزتهم إلى قريتي صفح ورأس العين. ويؤكد اوبنهايم بأن القائمقمام كان مشرفاً على تلك الغزوات حيث كان يحصل على ثلث الممتلكات المنهوبة. بالرغم من العدد القليل للشيشان فأنهم استطاعوا السيطرة على المنطقة الممتدة بين جبل تكتك (قرب ويرانشهر) وجبل سنجار، لأن القبائل الكبيرة في المنطقة كانت تخشى من محاسبة الحكومة لهم لذلك تجنبوا الصدام معهم ولم يسعوا إلى تحطيم قوة الشيشان في رأس العين وقرية صفح. نتيجة لذلك أصبحت القبائل الصغيرة حوالي رأس العين تابعة للشيشان وأخذت تمارس الفلاحة لديهم مقابل حصص بسيطة.11 وحسب اوبنهايم فأن قبائل الشرابيين والنعيم والحرب قد اعتمدوا في معيشتهم على الشيشان وشاركوهم في عمليات النهب في المنطقة.12
ثم يأتي اوبنهايم بعد ذلك على ذكر بعض المصاعب التي واجهها خلال وجوده في تل حلف وكيفية مواجهته لها وكذلك طبيعة العمال المشاركين في التنقيب وظروف العمل وكيفية تأمين العمال وعلاقاته الشخصية مع شيوخ القبائل وعمال سكة حديد بغداد. بدأ اوبنهايم بالتنقيب في تل حلف في #05-08-1911# واستمر إلى الشهر 12 من عام 1913. سكنت البعثة في البداية في الخيم في الجانب الشرقي من التل وقد انتقل أعضاء البعثة فيما بعد إلى المنزل الذي تم بناءه خصيصاً لأعضاء البعثة.
عندما أراد اوبنهايم البدء بالتنقيب في الموقع جاء إليه القائمقام العثماني وبرفقته بعض الشيشان والجنود ومنعوا البعثة من التنقيب، حيث ادعى أحد الشيشان وهو سوكه أحمد Sogh Ahmad بأن تل حلف هي من أملاكه الخاصة وطلب من اوبنهايم مبلغ من المال مقابل السماح له بالتنقيب. ولأن اوبنهايم كان يملك تصريحاً رسمياً بالتنقيب في الموقع فقد تمكن بعد التواصل مع السلطات العثمانية من حل المسألة. وقد واجه أيضاً صعوبة في تأمين العمال، لأنّ البدو المخيمين في أطراف تل حلف وبسبب الخوف من الشيشان والقائمقام امتنعوا عن العمل مع البعثة، فاضطر اوبنهايم إلى الذهاب إلى ماردين واستطاع تأمين 200 عامل من الأرمن الذين كانوا يسكنون في القرى المحيطة بالمدينة.13
بعد ذلك توجه اوبنهايم إلى بكارة الجبل الذين كانوا غير خاضعين لسلطة الشيشان وكان البكارة حسب وصفه يخيمون عادةً في الحافة الشمالية من جبل عبد العزيز. ويخبرنا اوبنهايم في مقدمة كتابه عن ما دار بينه وبين شيخ البكارة: تناقشت مع شيخ البكارة محمد سلطان14 حول آخر غزوة قام بها ، فأخبرني عن الأحصنة والجمال التي تم الاستيلاء عليها. وعندما سألته عن ما خسره فأجانبي بأنها كانت مساوية لما كسبه. اقترحت عليه بأن يشارك بعض أولاده وبناته في التنقيب وبسعر خاص الأمر الذي سيدفع الناس العاديين في القبيلة للمشاركة في التنقيب وبالمقابل سيحصل على جزء من أجورهم ووعدته بالحصول على منحة مالية مني تناسب مقامه كشيخ وقد فهم ما أقصد. وقد حصلنا منه على بعض العمال الذين شاركوا الأرمن في التنقيبات. بعد ذلك استغنى اوبنهايم عن عماله الأرمن واستفاد من تغيير القائمقام العثماني في دير الزور إذ غدا بإمكانه توظيف بعض الشرابيين والنعيم والحرب في أعمال التنقيب وبدون تدخل من الشيشان.15
وقد ازداد عدد البدو الذين التحقوا بالبعثة بحيث وصل عدد العمال الى 650 بدوي. كان بعض العمال يتركون العمل بعد عدة أيام من العمل نظراً لصعوبة العمل وظروف الطقس والنزاعات أو الاضراب من أجل رفع الأجور أو نتيجة للإشاعات الخارجية، ففي بداية 1912 على سبيل المثال سرت شائعة بأن هذا الشتاء لن يكون هناك مطر لأن تمثال المرأة (الصورة 5) التي تم اكتشافها في التل والتي تحمل كأساً في يدها قد تعرض للشمس وهذا الأمر سوف يؤدي لمنع سقوط المطر.
كان العمال الذين يعملون في الحفر يحصلون على رواتب مختلفة خلال اليوم، حيث كان العامل الذي يحمل أدوات حديدية يحصل على 80 سنتاً بينما الرجال الآخرون يحصلون على 60 سنتاً، أما الصبيان والبنات فكان دخلهم اليومي 40 سنتاً. مقابل ذلك الراتب كان عليهم العمل 10 ساعات وكان تأمين طعامهم يقع على عاتقهم. 16 حسب ما يظهر في مذكرات اوبنهايم كان راتب العمال الأرمن أعلى بكثير من رواتب البدو وهو الأمر الذي دفعه بحسب رأيي إلى استبدالهم بالبدو،لأنّ البدو كانوا يعانون من أوضاع مادية صعبة في ذلك الوقت جرّاء الظروف المناخية (بين عام 1910-1912) غير الملائمة لتربية الماشية في شمال سوريا. كان الشتاء قاسياً وفقد بعض مربي المواشي كل شيء الأمر الذي دفعهم للعمل في تل حلف. 17
ويذكر اوبنهايم بأن تعامله الجيد مع العمال ومساعدته لهم جعلهم يكنون له احتراماً كبيراً ويعاملونه بمثابة والدهم، ويضيف: عندما حدثت مجاعة كبيرة في منطقة بلاد الرافدين العليا عام 1913، قمت بتوزيع الذرة التي اشتريتها سابقاً من ماردين واورفا والتي جلبتها عن طريق قوافل الجمال وخزنتها في منزل البعثة، وزعتها على البدو وقمت مقابل ذلك بخصم ثمنها من رواتبهم. وبهذه الطريقة تمكنت من الاحتفاظ بعمالي من البدو وإلا فأنهم كانوا سيعودون إلى حياة البداوة السابقة. في أيام دفع مستحقات العمال كان الشيشان يأتون وبأعداد كبيرة للحصول على حصص من أجور العمال الذين كانوا يخضعون سابقاً للشيشان ولكني منعتهم من ذلك.
بالرغم من الأوضاع الأقتصادية السيئة للبدو فأن مسألة تعدد الزوجات كانت سائدة بينهم كما هو الحال في بعض المناطق في الوقت الحاضر، حيث يذكر اوبنهايم بأن الأموال التي اقتنوها من التنقيب دفعوها في شراء زوجة جديدة (الوصف حرفياً لاوبنهايم). وتماشياً مع العادات كان على أهل العريس تقديم الخيول والجمال والغنم أو النقود كمهر لأهل الفتاة.18
بفضل تنقيبات اوبنهايم أصبح تل حلف يعج بالحياة حيث بلغ أعداد الخيم التي كانت تأوي عائلات عمال التنقيب ورجال القبائل عدة الأف وكان منزل البعثة يحتضن بعض الأحيان 70 شخصاً من المشرفين على البعثة من الذين جاؤوا مع اوبنهايم من الخارج. و كان يوجد في منزل البعثة جناح ل 12 عسكري من الحرس الأتراك. وبفضل علاقات اوبنهايم الوثيقة مع البدو أصبح شيوخ القبائل البعيدة من عنزة وشمر وبكارة الزور يأتون لزيارته في تل حلف، أضف إلى ذلك علاقاته الوثيقة مع عائلة الباشا. 19
أثناء وجود اوبنهايم في تل حلف وصل المهندس المشرف على سكة حديد برلين-بغداد إلى المنطقة ( في عام 1912) وسكن بالقرب من حران.20 في عام 1913 وصل عمل بناء سكة القطار قرب تل حلف . وجد المهندسون مصاعب مختلفة في المنطقة من عواصف رملية وهجوم عصابات من البدو التي كانت تخلف غالباً ضحايا وراءها . وكانت المنطقة عموماً تشهد حروباً بين قبائل المنطقة، وفي عام 1913 كانت هناك تهديد بحدوث حرب خطيرة بين الملان والشمر والعنزة. 21
كان الطقس صعباً جداً في المنطقة حيث توفي الدكتور لوفلر في 1911 لعدم تحمله طقس تل حلف.22 من خلال وصف اوبنهايم نستنج بأن العمل في المنطقة كان محفوفاً بالمخاطر ويعتبر بمثابة مغامرة خطيرة. إضافة إلى الطقس السيء وانعدام الأمن والخدمات السلكية واللاسلكية والبريد وكان هناك حيوانات مفترسة في المنطقة: حيث دخل في إحدى المرات ذئب إلى باحة منزل البعثة محاولاً الانقضاض على نعجة ولكن كلب الصيد تمكن من طرده، وفي يوم آخر رصد عمال اوبنهايم المسيحيين أسداً.23 وكانت المنطقة تفتقر إلى الخدمات الطبية وانعدم فيها الأطباء حيث يذكر اوبنهايم بأنه قد جلب معه طبيباً من ألمانيا وكان عمال البعثة يحصلون منه على الأدوية مجاناً.24 ويبدو بأن الحيوانات البرية كانت منتشرة في المنطقة حيث أن أعضاء البعثة كانوا يذهبون في بعض الأحيان في أوقات فراغهم لصيد الغزلان في المنطقة المحيطة بتل حلف.25
بنهاية عام 1913 توقفت البعثة عن أعمال التنقيب وقامت بجلب التماثيل إلى منزل البعثة حيث سلمتهم إلى عمال سكة قطار برلين- بغداد الذين أنشأوا مقرهم الرئيسي هناك في عام 1914. أراد اوبنهايم العودة إلى تل حلف في 1914 لكن الحرب العالمية الأولى منعته من ذلك.يصف اوبنهايم في مذكراته الاوضاع السياسية في المنطقة بعد الحرب العالمية الاولى والتغييرات التي طرأت على رأس العين السورية بعد أن أصبحت تابعة لفرنسا الأمر الذي يعكس التغييرات التي طرأت على المنطقة عموماً في ظل الإنتداب الفرنسي. وحسبه فأن منطقة منبع الخابور شهدت صراعاً عنيفاً في تلك الفترة، فبموجب اتفاق سايكس بيكو الأنكليزي الفرنسي كانت منطقة بلاد الرافدين العليا من حصة فرنسا ولكن الأتراك تحت قيادة مصطفى كمال بدأووا بالحرب ضد الفرنسيين واستطاعوا طرد الحامية الفرنسية الصغيرة الموجودة قرب رأس العين وأجبروها على الانسحاب إلى دير الزور.
وقف الشيشان في رأس العين إلى جانب الأتراك في حين أن الملان تحالفوا مع الفرنسيين وذلك بسبب التعامل السيئ الذي لاقوه من الأتراك بسبب كرديتهم. 26كان تل حلف مركزاً للصراع بين الفريقين حيث تحصن الأتراك والشيشان في منزل البعثة الألمانية وحفروا أنفاق على قمة تل حلف. هاجم الفرنسيون وبمساعدة الملان التحصينات التركية لكنهم انسحبوا ثانية، ونتيجة لهذه الحرب تم تدمير منزل البعثة الأمر الذي أدى إلى تغطية التماثيل الموجودة في الداخل تحت أنقاض جدران اللبن المتساقطة ما أدى إلى حمايتها من الدمار. كان الوضع في المنطقة غير مستقراً حتى تم ترسيم الحدود بين تركيا وفرنسا بموجب اتفاقية فرانكلين بويلون Franklin-Bouillon سنة1925 في انكورا Angora .( هي أنقرة )
فصلت سكة حديد برلين-بغداد الحدود بين كلا الدولتين وكانت الأحجار التي ترسم الحدود تقع على بعد 100م جنوب مسار خط القطار. كان خط الحجاز يعبر الخابور إلى الغرب من تل حلف مباشرة ومن ثم يتوجه إلى الشمال الشرقي. ظل تل حلف وقرية رأس العين الشيشانية (على حد تعبير اوبنهايم) ضمن حدود سوريا وأصبح أولاد ابراهيم باشا تابعين لسوريا. خليل بك ابراهيم باشا وهو سياسي ذكي انتقل إلى السكن في منزل برأس العين أما أخوه محمود الابن الأكبر لإبراهيم باشا فقد مارس حياة البداوة مع اتحاد قبيلة ملان الكبيرة. لحسن حظ الطرفين فأن العلاقة بين الفرنسيين وأولاد الباشا كانت ممتازة. وفي فترة متأخرة أنتقل عبد الرحمن وهو الابن الأصغر لابراهيم باشا للعيش في الجانب التركي. ترك الشيشان- باستثاء ثلاثة أو أربعة عوائل-رأس العين. انتقل بعضهم إلى تل أرمن جنوب ماردين التي كان معظم سكانها سابقاً من الأرمن قبل ارتكاب المجازر بحقهم خلال الحرب العالمية الأولى. فقط شيشان قرية صفح بقوا فيها. أصبحت رأس العين في مأوى الحصن الفرنسي الذي بني الآن هناك سوقاً صاعدة وأصبح بإمكان البدو في منطقة الحصن-الفرنسية من شراء ما يحتاجون بدلاً من الذهاب إلى ماردين. 27
عاد اوبنهايم إلى تل حلف في عام 1927 على متن القطار وقضى 5 أشهر في سوريا وبلاد الرافدين ،منها شهران في تل حلف قضاها في ضيافة الموقع العسكري الفرنسي. يقول: ألتقيت أصدقائي البدو القدماء وبالأخص أولاد ابراهيم باشا. بدأنا باستخراج التماثيل من تحت انقاض منزل البعثة في تل حلف. الكثير من التماثيل التي كانت خلال ذلك في باحة المنزل تم تحطيمها من قبل الأرمن الذين استخدموها في البناء أو للطاحونة في رأس العين وتم إزالة المنحوتات عنها بطريقة بربرية. ولكن ولحسن الحظ أنني كنت قد صورت تلك القطع وتم صنع نسخ منها من الجبس من قبل مختص ألماني. 28 تم السماح لي من قبل السلطات الفرنسية بالتنقيب في كامل منطقة الخابور وكذلك سمح لي بتوزيع القطع الأثرية. القطع التي تم اكتشافها في الموسم الأول تم نقل معظمها سابقاً إلى حلب في 1927 وذلك ضمن 13 عربة من عربات القطار.
وبني محطة للقطار في رأس العين وأصبح بالإمكان الآن السفربالقطار من حلب إلى رأس العين، تلك المسافة التي كان علينا قطعها في عدة أيام على ظهر الجمال والأحصنة. القطع التي كانت من نصيبي نقلتها بالشحانات الكبيرة من حلب إلى الاسكندرية ومنها بحراً إلى أوربا. بالنسبة لحصة سوريا من القطع فقد نظمت متحف صغير في حلب من أجلها.
في بداية آذار 1929 بدأ اوبنهايم بحملة التنقيب الثالثة والأخيرة في موقع تل حلف. حيث يذكر بأن علاقته القديمة مع أولاد ابراهيم باشا أفادته بشكل خاص. كانت خيمتهم الضخمة منتصبة ومنذ وقت طويل بالقرب من تل حلف وقد قضى اوبنهايم وقتاً طويلاً معهم ومع والدتهم الخاتون خنسة أرملة ابراهيم باشا والتي يصفها بالمميزة. في هذه المرة أيضاً وظف البدو للعمل في الحقل، البعض منهم كان من عماله القدامى، وقد بلغ عددهم حوالي 200 شخص من الرجال والنساء وكان بينهم بعض الكرد. 29
إلى جانب تنقيبات اوبنهايم في تل حلف فأنه نقب في موقع جبلة البيضا (رأس التل) أيضاً. وهو مرتفع صغير يقع جنوب جبل عبد العزيز مباشرة وهو على بعد حوالي 70 كم جنوب تل حلف يبدأ اوبنهايم بالحديث عن كيفية اكتشافه للموقع من خلال قيامه بجولة على ظهر الفرس في منطقة جبل عبد العزيز سنة 1913 وبعد أن رأى عدة تماثيل هناك على قمة المرتفع قام بإخفائها ليأتي لاحقاً وينقب في الموقع في سنوات 1927 و1929. ومن خلال أحاديثه يظهربأنه لاقى صعوبات كبيرة في المنطقة، حيث يقول: كان بكارة الزور يعيشون في الخيم في شمال جبل عبد العزيز وحاولت أن أؤمن بعض العمال للتنقيب من بينهم ولكنهم رفضوا العمل في الحفر، حيث يبدو بأن شيخهم لم يكن له تأثير عليهم. لهذا توجهت إلى أولاد ابراهيم باشا وبفضل مساعدتهم تمكنت من تأمين 100 عامل من الملان بعضهم عمل معي سابقاً في تل حلف. وقد خيمو بالقرب منا و في خيمتنا البدوية الكبيرة. لكنهم لم يكونوا يحبون العيش في وسط الصحراء بعيدين عن عائلاتهم. بعد أن وصل الملان تمكننا من توظيف 20 إلى 30 عامل من البكارة. كنا نسمع تقريباً كل يوم بمفاجآت على جبلة البيضا تتعلق بالثأر أو الإعتداءات أو خلافات عائلية. كانت توجد أفاعي وبأعداد كبيرة وكنا نعاني من العواصف الليلية والأمطار الغزيزة وهو أمر لم يكن معتاداً في ميزوبوتاميا في فترة الصيف.في أحد الليالي سقطت خيامنا نتيجة لعاصفة مطرية. ولتأمين مياه الشرب كنا نجلبها على ظهور الجمال من نبعة تبعد حوالي 8 كم عن الموقع. أضف إلى ذلك أن المكان لم يكن آمناً بسبب القرب من الحدود التركية حيث كان من السهل على البدو أن يجتازوا سكة القطار،30 حيث قام بعض قطاع الطرق من البدو الأتراك في إحدى المرات بالإعتداء على صديقنا الفرنسي جوزيف داروس الذي كان يشغل وظيفة مدير دائرة الآثار في شمال سوريا وميزوبوتاميا، عندما كان يجلب لنا بعض الأغراض إلى جبلة البيضا، وتم قتله بالقرب من رأس العين ونهب ما كان بحوزته.31
في نهاية هذه الأسطر أود الإشارة إلى أن اوبنهايم كغيره من الدبلوماسيين الأوربيين الذي بدأوا أولى عمليات الحفر في المنطقة مثل هنري لايارد وإميل بوتا ولورنس العرب وغيرهم، قد سعوا إلى خدمة بلادهم سواء بالتجسس أو الإنخراط بين أهالي المنطقة للتعرف على طبيعتهم والإستفادة من طاقاتهم ووضعها في خدمة مصالح بلادهم. وخلال تنقيباتهم تلك دمروا الكثير من آثار المنطقة وسعوا إلى نقل أكبر عدد ممكن من التماثيل واللقى الأثرية إلى متاحف بلادهم .
ومن المفيد أن أذكر هنا وبشكل موجز عن مصير آثار تل حلف: أسفرت تنقيبات اوبنهايم عن الكشف عن أعداد هائلة من المنحوتات واللقى الأثرية، اللقى التي تم اكتشافها في عام 1911-1913 تم توزيعها بين حلب وألمانيا، إضافة إلى ضياع قسم كبير منها نتيجة الإهمال وتركها في منزل البعثة الذي دمر خلال سنوات الحرب العالمية الأولى. في عام 1914 وأثناء نقل اوبنهايم لبعض المنحوتات إلى ألمانيا استولت عليها بريطانيا في البحر المتوسط وتم نقلها إلى المتحف البريطاني.
المنحوتات التي اكتشفها اوبنهايم في حملات التنقيب التي تمت في 1927 و1929 تم تقسيمها بالتساوي بين اوبنهايم والسلطات الفرنسية. رفض اوبنهايم إعطاء حصته من المنحوتات إلى المتحف الألماني وقام في عام 1930 بوضعها في مبنى مصنع مهجور في برلين وأطلق عليه اسم متحف تل حلف وقد تعرض ذلك المتحف للقصف سنة 1943 من قبل الطائرات الأمريكية والبريطانية خلال أحداث الحرب العالمية الثانية ما أدى إلى تحطم التماثيل إلى 27 ألف قطعة صغيرة تم نقلها لاحقاً إلى مخزن متحف برلين سنة 1944 وفي سنة 2001 -2010 وبفضل التبرعات استطاع علماء الآثار الألمان من إعادة ترميم 40 قطعة. وعندما مر اوبنهايم بضائقة مالية نقل بعض القطع إلى أمريكا وحاول بيعها هناك، وهكذا توزعت آثار تل حلف بين عدة متاحف وكان من الممكن أن يشكل متحفاً خاصاً بها في تل حلف.32 ولكن بالرغم مما ذكرناه فأن أولئك الدبلوماسيون نقلوا إلينا من خلال تدوين ما شاهدوه صورة واضحة عن أوضاع المنطقة من جميع النواحي.
-Abenteuer Orient – Max von Oppenheim und seine Entdeckung des Tell Hala
https://bundeskunsthalle.de/fileadmin/user_upload/01Ausstellungen/tell-halaf/pr_pm_tellhalaf_dt.pdf
–Cholidis, N./Martin, L. (Hrsg.), Tell Halaf. Im Krieg zerstörte Denkmäler und ihre Restaurierung. Berlin 2010.
-Cholidis, N./ Martin, L. (Hrsg.): Die geretteten Götter aus dem Palast vom Tell Halaf. Begleitbuch zur Sonderausstellung des Vorderasiatischen Museums „Die geretteten Götter aus dem Palast von Tell Halaf“, vom 28.1. – 14.8.2011 im Pergamonmuseum. Berlin 2011.
–Von Oppenheim, Max Freiherr, Der Tell Halaf. Eine neue Kultur im ältesten Mesopotamien. Leipzig 1933.
– Von Oppenheim, B.M., Tell Halaf, A New Culture in Oldest Mesopotamia, Translated by Gerald. Wheeler (London and New York 1931)
1 Kunst- und Ausstellungshalle der Bundesrepublik Deutschland (ed.) (2014). Abenteuer Orient – Max von Oppenheim und seine Entdeckung des Tell Halaf .
https://.bundeskunsthalle.de/fileadmin/user_upload/01Ausstellungen/tell-halaf/pr_pm_tellhalaf_dt.pdf
3 Von Oppenheim 1933, 2; Cholidis/ Martin 2011, 108.
4 Von Oppenheim 1933, 4-6; Cholidis/ Martin 2011, 8-13.
5 Von Oppenheim 1933, 4-6.
6 Von Oppenheim 1933, 4-6; Cholidis/ Martin 2011, 8-13.
7 Von Oppenheim 1933, 7.
8 Von Oppenheim 1933, 8; Cholidis/ Martin 2011, 8-13.
9 Cholidis/ Martin 2011, 8-13; Von Oppenheim 1933,12.
10 Von Oppenheim 1933,12.
11 لا أعتقد بأن عمل أبناء تلك العشائر لدى الشيشان كان نابعاً من سطوة الشيشان كما يصفه اوبنهايم وانما كان هذا النظام شائعاً في ذلك الوقت، وباعتبار أن الشيشان قد وضعوا ايديهم على تلك الأرض البور فأنها أصبحت ملكاً لهم وقاموا بايجارها للفلاحين مقابل نسب معينة.
12 Von Oppenheim 1933,13-14.
13 Von Oppenheim 1933, 15-16.
14 لكن خوليدس ومارتين يذكرون بأن شيخهم كان محمد الحسي (فرع حماد الحسين) وكان من ضمن الحلف الملي, انظر:
Cholidis/ Martin 2011, 8-13.
15 Cholidis/ Martin 2011, 155.
16 Cholidis/ Martin 2011, 8-13.
17 Cholidis/ Martin 2011, 155.
18 Cholidis/ Martin 2011, 8-13
19 Von Oppenheim 1933, 18.
20 Cholidis/ Martin 2011, 13.
21 Von Oppenheim 1933, 18.
22 Von Oppenheim 1933, 19-20.
23 Cholidis/ Martin 2011, 13
24 Cholidis/ Martin 2011, 8-13.
25 Von Oppenheim 1933, 19-20.
26 Von Oppenheim 1933, 26.
27 Von Oppenheim 1933, 27.
28 Von Oppenheim 1933, 28; Cholidis/ Martin 2011, 13.
29 Von Oppenheim 1933, 30-31.
30 Von Oppenheim 1933, 227-226.
31 Von Oppenheim 1933, 30-31.
32 Cholidis/ Martin 2010.
[1]