بلدة تربسبيه تقع على نهر الجراح الذي ينبع من شمالي كوردستان, وعلى مسافة 6كم جنوب هذا الحدود (شمالي كوردستان) وعلى مسافة 30كم شرقي مدينة قامشلو وشرقها ديركاحمكو على مسافة 63 كم. ولها ثلاثة اسماء تغيرت خلال حقبة سيطرة حزب البعث, اسمها الأصلي «تربسبيه», سميت بهذا الاسم بسبب وجود أحجار بيضاء على القبور التي ترقد فوق التلة الجنوبية لهذه البلدة ,ومن ثم سميت بقبور البيض الترجمة الحرفية للمعنى, ولكن النعرة الشوفينية البغيضة لم يهدأ لها بال بهذا الاسم المترجم إلا وتلصقها ببني قحطان وهم من عرب اليمن العاربة, حيث تبتعد تربسبيه عنها مسافة اكثر من 2500كم.
تاريخ هذه البلدة العريقة يعود إلى عام 1840م حيث استقر عجو كوشتي على الضفة الشرقية من هذا النهر وهو من أحد بطون (جودكا) الذي ينحدر من عشيرة دوركا المعروفة بدفاعها عن أرضها وعرضها تاريخياً. وقد قام ابنه حسن عجو كوشتي عام 1895م ببناء طاحونة للدقيق تعمل بالطاقة المائية ولا تزال آثارها ظاهرة للعيان حتى تاريخ اليوم, وهي موجودة على النهر وفي وسط البلدة بين الشمال والجنوب. ومن الجدير ذكره أن كثيراً من سكان هذه البلدة القدامى والذين هم لا يزالون على قيد الحياة ذكروا: إنه حتى عام 1960م لم يوجد شخص من أصل عربي قد سكن هذه البلدة الوادعة سوى راعي غنم واحد فقط, وأما التغيير الديموغرافي فقد حدث بعد أن بدأ العمل بتنفيذ مشروع محمد طلب الهلال الشوفيني (الرجل الضابط الامني) ومن محافظة درعا.
وأصبح التهجير من وإلى تربسبيه وعلى طول الحدود مع كردستان الشمالية وبعمق(10-15)كم ولطول 270كم من سري كانيه (واشوكاني) وإلى ديركا حمكو حيث بدأ ببناء 40 قرية نموذجية عصرية تتوفر فيها جميع وسائل الخدمات, وبدأ التهجير بالفلاح الكردي وترك داره وأرضه على قدم وساق. وقد استقر في هذه القرى النموذجية المذكورة آنفاً عرب الرقة وحلب, الذين انغمرت أراضيهم بمياه بحيرة سد الفرات ومن ضمن هذه القرى تم اسكانهم (هؤلاء المغمورون) بلدة تربسبيه ومن ثم بدأت هجرة عرب الطويل ومحيطها من الجوالة إلى تربسبيه بعد السبعينيات من القرن الماضي, حيث تم منحهم مقاسم من الأراضي الزراعية التابعة لقرية كرداهول بعد أن أصبحت ضمن المخطط التنظيمي للبلدة مساحة المقسم الواحد 400 متر مربع, وتم توزيعها لكل فلاح عربي بعثي وافد من قرى الطويّل وبدون ثمن بغية التغيير الديموغرافي المبرمج, وإذا تمعنّا حالياً في الوضع السكاني للبلدة نرى أن نسبة العرب تكاد تكون تساوي أو أكثر من جميع المكونات الأخرى من الكرد والسريان والإيزيديين ولكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن ترى لماذا طرأ هذا التغيير السكاني للمكونات؟ الجواب: السبب يعزى بالدرجة الأولى إلى تهجير العرب بشقيه الغمر وأبناء المنطقة إلى المناطق الكردية, والدرجة الثانية من الأسباب يعود إلى هجرة الكرد من مناطقهم ولا سيما تربسبيه وبالأخص أولئك الذين كانوا يدعون بأنهم أصحاب تربسبيه والقرى الشمالية والشمالية الشرقية منها, وما تسمى بقرى الجراح حيث اغتنموها أيام الاستعمار الفرنسي اللعين وحينما جاء حزب البعث 1963 في 8 آذار ولا سيما بعد عملية الإصلاح الزراعي, حيث بدأت تلك العائلة المالكة أيام المحتل الفرنسي بالتفكير والبحث عن الفردوس المنشود ألا وهو أوروبا ودارت ظهرها للوطن المزعوم ولم تتوقف الهجرة حتى أن أفرغت هذه البلدة عن ساكنيها ولم يبق من تلك العائلة إلا قلة قليلة, والتي قد يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة بعد أن كانت تناهز المئات من البشر, وإذا عدنا أكثر من خمسين سنة إلى الوراء نجد بأن بلدة تربسبيه قد تعرضت إلى كارثة طبيعية (الفيضان الذي حدث) عام 1962م حيث كان الشهر 27 نيسان -يوم السبت -الساعة العاشرة صباحاً, وقد كان الجو مشمساً ومن ثم أنقلب واكفهرت الغيوم واصبح الجو بارداً ومن ثم بدأت السماء تسقط برداً وبغزارة واستمر سقوط البرد من السماء العاشرة صباحاً وحتى الساعة الرابعة عشر تقريباً, ومن ثم بدأ البرد بالذوبان وتعرضت البلدة لمياه السيول والفيضان ولا سيما من الطرف الشرقي والشمالي من البلدة, واصبحت البيوت والدور والمحلات التجارية خاوية من محتوياتها, وغرق من البشر سبعة وعشرون إنساناً ومن عائلة سريانية واحدة غرق خمسة اشخاص.[1]