آثار #عفرين# تُنهب وتُدمر بشكل ممنهج
المحامي صالح عيسى*
منذ احتلال تركيا ومرتزقتها من الفصائل الراديكالية الإسلامية لمنطقة عفرين في 18-03-2018 ، وقعت انتهاكات وجرائم خالفت كل الأعراف والعهود والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والشعوب، خاصة لما ورد في ديباجة ميثاق الأمم المتحدة حيث نصت «نحن شعوب الأمم المتحدة وقد آلينا على انفسنا… (أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب….. )… و(أن نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد….) «.
بقراءة بسيطة وسريعة وإطلاع على الأوضاع في عفرين منذ /14/ شهر، نستطيع أن نكشف زيف وخداع المحتل التركي وبأنه جلب ويلات الحرب على منطقة آمنة وليس الأمان والاستقرار، عدوان على دولة جارة، حيث أن الوقائع تؤكد مراراً بأن حكومة أنقرة لا تؤمن بالحقوق الأساسية للإنسان ولا تؤمن بكرامة الفرد، ممارسات لا قانونية ولا إنسانية، أبشع واقذر أنواع الجرائم تندي لها جبين الإنسانية، خطف وقتل وتعذيب، بل وصل الأمر إلى حرق غابات وبساتين، ناهيك عن تدمير متعمد لقرى ومنازل وبنى تحتية، وتغيير ديموغرافي ممنهج.
لقد تجاوز الحقد الدفين تجاه الكُرد إلى ما هو أبعد من الشعب والأرض، ليطال باطن الأرض أيضاً، بعد أن دُمرت مواقع أثرية وتاريخية بصورة متعمدة، والتي تعتبر من التراث الثقافي العالمي المسجل لدى منظمة الأمم المتحدة (اليونسكو)، خاصة موقعي تل عين دارة و النبي هوري .
أولا: تعريف التراث:
التراث هو نتاج الحياة البشرية على مرّ العصور، ينتقل من جيل إلى جيل، منه ما يتم الحفاظ عليه أو تطويره ومنه ما يندثر لأسباب مختلفة، ولهذا بادرت منظمة الأمم المتحدة في عام 1972 إلى التصديق على الاتفاقية الدولية لحماية التراث العالمي، التي صنفته إلى نوعين، التراث الثقافي والتراث الطبيعي، وما يهمنا هنا هو التراث الثقافي، وهو الذي يشمل المعالم الأثرية والمباني الفنية والتاريخية، كموقعي نبي هوري وتل عين دارة والجسور الرومانية على فرعي نهر عفرين والعشرات من التلال وألأماكن الأثرية الأخرى.
1- نبي هوري:
يقع هذا الموقع الأثري إلى الشمال الشرقي من عفرين بحوالي (40) كم وإلى الغرب من إحدى فروع نهر عفرين والمعروف ب (صابون سي)، حيث يضم قبة الضريح المشهورة في المقبرة، وإلى الشمال الغربي بحوالي (800) م من القبة يوجد المسرح الروماني المدرج، وقد تعرض الموقع للحفر في بعض الأماكن من قبل المحتل التركي، بحثاً عن مدفونات وآثار.
2- تل عين دارة:
يقع إلى الجنوب من مدينة عفرين بحوالي (6) كم، وهو عبارة عن قسمين الشمالي والجنوبي، ويشتهر بآثار الأقدام والأسد البازلتي، وكان يعتبر إحدى المواقع السياحية الرئيس في عفرين، وبتاريخ 22/1/2018 تعرض هذا الموقع لقصف جوي عنيف من قبل طيران العدوان الترك،ي مما أدى إلى تدمير أجزاء كبيرة منه، وبهذا التصرف الإجرامي قد حرم الأجيال القادمة من مشاهدة تلك الآثار والتي تعتبر من التراث العالمي الثقافي.
3- الجسرين الرومانيين:
يقعان بالقرب من قلعة نبي هوري في الجهة الشرقية منها على بعد (1) كم، وهما بحالة جيدة ولكنهما بحاجة إلى الحماية .
4- مقبرتي الشهداء في متينا- شرّان و كفرصفرة- جنديرس:
تعرضت هاتين المقبرتين لتدمير متعمد من قبل المحتل التركي ومرتزقته، وتم تخريبهما بصورة متعمدة، في محاولة لطمس معالمهما ومكانتهما لدى الأهالي، حيث تضمان رفاة المئات من الشهداء، وبهذا التصرف اللا إنساني والإجرامي أضاف المعتدون إلى جرائهم جريمة التعدي على الأضرحة، رغم أن ومن واجب الإنسان المسلم احترام حرمة الأموات، ومع الأسف وقعت تلك الجرائم باسم الإسلام.
ما ذكرناه على سبيل المثال وليس الحصر، فمنطقة عفرين تضم المئات من المواقع والتلال الأثرية التاريخية، وتعرض منها الكثير للنبش والتخريب بغية سرقة محتوياتها.
ثانياً: سرقة الآثار وتهريبها:
بعد أن قام المحتل التركي وأذنابه من الفصائل المسلحة بسرقة كل ما وقع تحت أياديهم مما هو على سطح الأرض، فقد قاموا بنبش باطن الأرض أيضاً بحثاً عن المدفونات، كما فعلوا في عين دارة و مسرح الروماني في نبي هوري وتل جنديرس الأثري الذي تحول الآن إلى مهبط للطائرات المروحية بعد تسوية سطح التل وسرقة ما كان مدفونا فيه، وفي أماكن أخرى كثيرة؛ إن المحتل التركي جلب معه آلات وأجهزة حديثة خاصة لكشف باطن الأرض لأجل البحث عن المدفونات من الآثار، ولم تتوقف هذه العملية للحظة واحدة منذ أن وطئ المحتل أرض عفرين ودنسها.
ففي 28-05-2014 قامت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) بإنشاء مرصد للتراث في سورية، مقرها بيروت، ومن أهدافها (نزع السلاح من المواقع الأثرية المهددة، ومحاربة تهريب الآثار… الخ)، وكذلك (الحفاظ على التراث الثقافي والطبيعي الذي يحتوي على قيمة عالمية متميزة)… وهذا يضع القارئ في موقع السائل؟.
ثالثاً: هل يمكن ملاحقة هؤلاء قانونياً:
هل نستطيع ملاحقة هؤلاء المجرمين الذين سرقوا ونهبوا آثار منطقة عفرين المصنفة ضمن التراث العالمي الثقافي؟،
بكل سهولة، يمكن الإجابة بكلمة نعم، ويمكن ملاحقة هؤلاء المجرمين بتهمة ارتكاب جرائم العدوان وجرائم الحرب لدى محكمة الجنائية الدولية في لاهاي.
من يحق له رفع الدعوى ضد المجرمين؟
الإجابة في غاية الصعوبة، ما بين الواقع والمأمول وكذلك ما بين السياسة والقانون ، لا ضرر إن نظرنا إليها من الناحية القانونية.
فمن الناحية السياسية، الدولة السورية قد تخلت عن واجبها السيادي في الدفاع عن المنطقة رغم مطالبات أبناء المنطقة مراراً وتكراراً منها، وبذلك قد ولد فكرة لدى أبناء المنطقة بأن الدولة السورية قد تخلت عنهم وعن السيادة الوطنية عن تلك المنطقة.
ولكن من الناحية القانونية فالدولة السورية هي المسؤولة عن رفع الدعوى كون المنطقة تقع ضمن الحيز الجغرافي المعترف دوليا بأنها جزء من الدولة السورية/ ومستند الدولة السورية وثيقة نظام روما الأساسي في المادة الثامنة منها والتي تنص (إن استهداف الممتلكات الثقافية أثناء النزاعات المسلحة تدخل ضمن نطاق اختصاص المحكمة الجنائية الدولية) سواء أكانت النزاعات المسلحة الدولية أو ذات الطابع غير الدولي .
أما اتفاقية لاهاي لحماية التراث العالمي الثقافي قد نصت في المادة السابعة الفقرة الأولى منها على (تتعهد الأطراف السامية المتعاقدة بأن تدرج، منذ وقت السلم، وفي اللوائح والتعليمات الخاصة بقواتها العسكرية أحكاماً تكفل تطبيق هذه الاتفاقية، وأن تعمل منذ وقت السلم على أن تغرس في أعضاء قواتها المسلحة روح الاحترام الواجب إزاء الثقافات والممتلكات الثقافية لجميع الشعوب)، وهذه المواد تعزز من قوة حجج الدولة السورية بمواجهة المحتل وأذنابه.
ولكن ما حصل ويحصل في عفرين بخصوص الممتلكات الثقافية سواءً في نبي هوري أو تل عين دارة أو مقبرة (زيارة حنان) أو في مزارات الإيزيديين، وكذلك قصف أماكن أثرية مسيحية في جبل ليلون، ونبش وتجريف تلال أثرية(كمروك، زرافكه، قيبار، كتخ، درومه، كئورا…)، ترتقي إلى مصاف جرائم الحرب، وهذا يفند مزاعم المحتل باحترامها للقوانين المحلية والدولية، حيث غرس في نفوس جنوده ومرتزقته روح الكره والحقد تجاه كل ما يمت بالكُرد بصلة، سواء أكان تراثاً أو غيره .
في المحاكمة :
هناك سابقة قانونية لمحاكمة هكذا مجرمين وعدم إفلاتهم من العقاب، كما حصل في دولة (مالي)عندما قامت جماعة أحمد الفقيه المهدي بتدمير الأضرحة ومسجد في موقع (تمبكتو)، حيث جُرَّ المذكور إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بعد أن تقدم دولة مالي بشكوى رسمية ضده إلى المحكمة التي حكمت على المتهم (أحمد الفقيه) بالسجن /9/ سنوات.
وكذلك المادة الثامنة والثلاثون من اتفاقية لاهاي لحماية التراث العالمي الثقافي تنص (تتعهد الأطراف السامية المتعاقدة بأن تتخذ في نطاق تشريعاتها الجنائية كافة الإجراءات التي تكفل محاكمة الأشخاص الذين يخالفون أحكام هذه الاتفاقية أو الذين يأمرون بما يخالفها، وتوقيع جزاءات جنائية أو تأديبية عليهم مهما كانت جنسياتهم)، والغريب في الأمر أن الذين يقومون بأعمال تخريب الآثار وسرقتها من عفرين (المجرمون) يتم ترقيتهم بعد تقاسم المسروقات باسم الغنائم مع سلطات الاحتلال، ويتم تكليفهم لإدارة فصيل عسكري تابع للمحتل، حيث يطلق العنان لأيادي هؤلاء المجرمين ليعيثوا فساداً ويمارسوا الاستبداد، بغية التهجير القسري لما تبقى من أبناء المنطقة الأصليين عن ديارهم.
وهناك المادة /14/ في اتفاقية لاهاي لحماية التراث العالمي الثقافي المادة الفقرة الأولى تقول: (تتمتع الممتلكات الثقافية بالحصانة ضد الحجز والاستيلاء والغنيمة ).
إن حماية ما بقي من آثار في منطقة عفرين تتطلب تحركاً عاجلاً على المستوى المحلي والدولي، باتجاه الضغط على تركيا لتتحمل مسؤولياتها كدولة احتلال في حماية الممتلكات الثقافية من التدهور والعبث والسرقات والتخريب وإيقاف التعديات والإجرام بحقها.[1]