تل لیلان هو تل أثري يقع في الجزء الشرقي من سهل الخابور في الجزيرة السورية العليا، وهو قيد التنقيب منذ الثمانينيّات من قبل بعثة أمريكية من جامعة يل برئاسة هارڤي وايس H.Weiss.
تعود آثار الاستيطان الأولى في التلّ إلى الألف السادس والخامس والرابع ق.م؛ عصر حلف والعبيد والوركاء، عندما كان الموقع مستوطنة صغيرة مساحتها نحو20 هكتاراً، وبقيت كذلك حتى الألف الثالث ق.م حين غدا التل مدينة كبيرة، تجاوزت مساحتها 100هكتار، وحملت المدينة القديمة اسم شِخْنا Shekhna في حين كان اسم المنطقة سوبير Subir.
يتألف الموقع من المدينة المنخفضة في الجنوب، وهي الأكبر، والمدينة المرتفعة، الأصغر في الشمال. وقد شُيدت معظم الأبنية المهمة في المدينة المرتفعة، ومنها مجمع ديني: هو معبد بلغت أبعاده 10×15م، بُني من الِلبن على مصطبة مرتفعة، وُجد فيه العديد من القبور وأختام أسطوانية تشبه تلك التي وُجدت في جنوبي بلاد الرافدين، وهي دليل العلاقة المبكرة بين مناطق السومريين والجزيرة السورية العليا منذ ذلك العصر.
في منتصف الألف الثالث ق.م تقريباً، حققت المدينة نهضة عمرانية كبيرة دلّت عليها معابد المدينة المرتفعة والسور الدفاعي الضخم الذي حمى المدينة العليا، وفصل السلطة السياسية والدينية عن بقية السكان في المدينة المنخفضة. وهكذا تبلورت صورة واضحة لهذه المدينة- الدولة وتنظيماتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وبين 2300-2200ق.م تقريباً صارت مدينة شخنا جزءاً من الامبراطورية الأكّدية؛ بقيادة العاهل الأكّدي نارام سين الذي أقام العديد من المراكز الأكّدية في منطقة الخابور. ومن أهم شواهد الوجود الأكّدي الرُّقُم الكتابية المسمارية والأختام الأسطوانية التي عُثر عليها في الموقع.
لقد أحاط الأكّديون المدينة المنخفضة بسور دفاعي ضخم بلغت سماكة بعض أجزائه ثمانية أمتار، وتزامن وجودهم مع نشاط اقتصادي- زراعي ملموس رافقه إنتاج أنواع جديدة من الأواني الفخارية وتحركات سكانية كبيرة ضمنت سيطرتهم على المنطقة. كما بُني المزيد من المنشآت العامة، وبينها المعابد التي مورست فيها الطقوس الدينية الأكّدية.
بعد انهيار الامبراطورية الأكّدية في نهاية الألف الثالث ق.م هُجرت شخنا في تلّ ليلان، مثلها مثل كثير من المواقع في المنطقة. ويعتقد بعض الباحثين أن تدهوراً كبيراً في المناخ كان أحد أهم الأسباب الرئيسية لهذا الخراب في الفترة الواقعة بين 2200-1900ق.م، ولكن الحياة لم تلبث أن عادت بوصول الآشوريين إلى منطقة الخابور التي أخذت اسم آبوم Apum، وقد اختار الملك الآشوري «شمسي حدد» في بداية القرن التاسع عشر ق.م مدينة شخنا؛ لتكون عاصمة ثانية له بعد العاصمة الامبراطورية آشور، وأُطلق عليها اسم شُباط إنليل Shubat-Enlil (أي قصر الإله إنليل)؛ كما دلت على ذلك الرقم المسمارية التي وُجدت في الموقع، وعُرفت من ماري أيضاً. جعل شمسي حدد من شباط إنليل مركزاً تجارياً مهماً (كارو Karu)، وجدّد نهضتها العمرانية التي دل عليها المعبد المتميز في المدينة المرتفعة، والذي جُدد بناؤه على مراحل عدة، أفضلها حفظاً المرحلة الثالثة، إذ تألف من قاعة مركزية كبيرة مستطيلة الشكل، من النوع المسمى «المعبد المستطيل»، تحيط بها الغرف الأصغر، ويُعتقد أن هذا المخطط كان النموذج الأول الذي بُنيت على نمطه المعابد الآشورية على امتداد النصف الأول للألف الثاني ق.م. إن أهمّ ما يميز هذا المعبد هو نمط واجهاته الطينية؛ خاصة الواجهة الشمالية والجنوبية التي تتألف من تجاور عضادات وأخاديد تفصل بينها أعمدة زُخرفت بخطوط حلزونية بما يشبه جذع شجرة النخيل. وقد طبع هذا النمط الزخرفي للأعمدة الحلزونية العمارة الآشورية في العديد من المدن الرافدية القديمة، مثل كارانا (تلّ الرماح) ولارسا (تلّ سنقرة) وغيرهما.
كُشف في المعبد عن أرشيف كتابي قدّم معلومات غزيرة عن الواقع السياسي والاقتصادي للعصر الآشوري الذي تعود له أبنية عامة ضخمة وكثيرة، أهمها قصر ملكي ضخم في القسم الشرقي من المدينة المنخفضة، تُقدّر مساحته بنحو عشرة هكتارات، كُشف فيه عن عشرات الغرف وبعض الباحات وقاعة العرش بمداخلها الستة. كما وُجد في القصر أرشيف ملكي ضمّ المئات من الرقم المسمارية التي احتوت رسائل ملكية ومعاهدات دولية ونصوصاً إدارية ودينية وسياسية، بينها أجزاء من نسخة متأخرة عن قائمة الملوك السومريين الشهيرة التي كُشفت في مدينة كيش القديمة في جنوبي العراق، وتعود إلى النصف الأول للألف الثالث ق.م، وهي من أقدم الكتابات المسمارية في تاريخ الشرق القديم. في القسم الشمالي من المدينة المنخفضة كُشف عن قصر ملكي آخر وُجدت فيه أيضاً مئات الرقم الكتابية، تتعلق كلها بعمليات إعداد شراب البيرة واستهلاكه.
بعد موت شمسي حدد مرّت المدينة - التي عاد لها اسمها الأول شخنا- بمرحلة فوضى واقتتال بين خلفائه الضعفاء، وخضعت مدة لحكم ملك المدينة المجاورة أنداريج Andarig. كما هاجمها العيلاميون، ثم دُمّرت بالكامل على يد الملك البابلي سامسو إيلونا Samsu-Iluna، وبقيت مهجورة حتى مطلع القرن العشرين عندما نشأت في المكان قرية حديثة.
[1]