المستشرق السويدي ستيغ فيكاندر و كنوز الأدب الكردي
صالح كوبانی
في سنة 1953 تلقيت دعم الجمعية الملكية و بفضلها قمت برحلة بحثية إلى سورية و لبنان بين شهري حزيران و أيلول و من هناك أعددت تقريراً رئيسياً.
لم ينته التقرير العام بخصوص نتائج بحثي حتى الآن. لأن كل مستلزمات التحضير ليست متاحة من ناحية، و من ناحية أخرى، لأنني في ربيع 1953 عينت بوظيفة بروفسور في جامعة أوبسالا التي استحوذت على كامل وقتي منذ خريف 1953.
يمكن للمرء القول أنني مقبل على عمل ما و قريباً سأكتب تقريراً منظماً و في نهاية التقرير وضعت قائمة بالنتائج الرئيسية التي توصلت إليها و قد قمت بتحضير مادة مطبوعة.
أولى البروفيسور يوران سالغرين اهتماما خاصا بالترجمة السويدية للأغاني الفلكلورية الكردية ، و أمر بطباعة تلك الترجمة وضمها إلى مقتنيات أكاديمية “غوستاف أدولف” فقمت بتدوين تلك الأغاني على الآلة الكاتبة.
كما نوهت سابقاً فللأسباب السياسية و الصعوبات التي واجهتني، هناك مخطوطتان نادرتان باللغة الكردية قد أخفيتهما. و إذا لم اذهب بنفسي مرة أخرى إلى تلك المناطق فليس بالإمكان إيصالهما إلى السويد. كذلك يجب أن تكتمل أشرطة التسجيل و المواد الأخرى و لذلك سأحضرها معي.
لقد ظننت انه قد بقيت أطلال مبعثرة من الأدب الكردي و كنت أظن أن بإمكان المرء أن يستفيد منها فقط في مجال اللغة.
لكن الحقيقة التي اكتشفتها هي وجود أدب شعبي غني مجهول بالنسبة لنا وهو في متناول اليد و جدير بالبحث من الناحيتين المادية و الروحية.
هنا أقول أنها فرصة نادرة لنا نحن السويديين لنجري أبحاثاً على ثروة قيمة بعيداً عن أي عقبات و اعني البحث الأدبي في كل من سورية و العراق. في هذه البلدان يُنظر بعين الريبة إلى ممثلي الدول المستعمرة الكبرى، بينما يستقبل ممثلو الدول المحايدة بكل صدر رحب.
كنت آمل أن استمر في البحث مع بعثة علماء الآثار إلى سورية، و التي كان يخطط لها بعض الأساتذة من جامعة أوبسالا، و يبدو أن تلك الخطة لن تنفذ في وقت قريب. لهذا سأحاول إجراء البحوث بمفردي.
أفكر هذه المرة أن:
1.أوسع مجال البحث لكي يشمل العراق.
2.أوسع الموضوع كي يشمل الحضارة المادية و التصوير السينمائي الملون.
إن هاتين النقطتين لتوسيع بحثي لا تشتتان عملي، و بخلاف المرة الماضية، اعلم هذه المرة و بوضوح ما الذي سأقوم به و من أين ابدأ، و مكان كل قبيلة، و كيفية التواصل مع الناس. إن تجربتي في رحلتي السابقة ستجعل عملي أسهل هذه المرة.
.في 28 آب سافرت إلى حلب و بقيت هناك إلى الأول من شهر أيلول، كما أنني حاولت تسجيل الأغاني في منطقة عفرين، و عفرين منطقة كردية عريقة تقع شمال غرب سورية. و بسبب منع جهاز الاستخبارات السورية لي، رغم عدم أهمية ذكري لهذه المشكلة، لكن عدم ذهابي إلى عفرين كان من حسن حظي. فاضطررت للتوجه إلى عناوين أخرى في قرى سورية. حيث أنني لم أتوقع أبداً أنها على تلك الدرجة من الأهمية و القيمة.
حملت معي رسالتين من دمشق، إحداهما إلى أسرة شاهين في عين العرب /كوباني –المترجم/، التي تعد رئيسة لقبيلة البرازية، و الرسالة الأخرى إلى حاجو في القامشلي – قبور البيض (تربه سبيه بالكردية)، و هو رئيس قبيلة ال(هفيركان). غادرت هذه القبائل تركيا مضطرة في الثلاثينيات من القرن العشرين و استقرت في الأراضي السورية. و مع أن منازلهم عصرية الطراز إلا أنهم حافظوا على تركيبتهم القبلية وعاداتهم، و كضيف على هذه الأسر العريقة، الفخورة بأصولها وحضارتها كانوا يولون اهتماما كبيرا للأشعار الغنائية الشعبية حيث وفروا لي فرصاً نادرة ، استطعت تسجيل القصص و الأغاني الكردية.
مكثت في عين العرب و مقتلة و أرسلان طاش بين الرابع و الثامن من شهر أيلول. و بين التاسع و الثالث و العشرين من أيلول أقمت في القامشلي و قبور البيض و بمساعدة كبيرة من مضيفيَّ تمكنت من تدوين 250 صفحة من القصص و القصائد و الأغاني الشعبية بخط اليد (80 – 90 صفحة طباعية).
قمت بتسجيل قرابة 5 أشرطة كاسيت كل واحدة تستوعب 35 دقيقة.
3.هناك ادعاء في الأوساط الأدبية أن الغناء الشعبي في طريقه إلى الزوال، لم أكن أتوقع لقاء مغنٍ شعبيٍ واحد (dengbêj ) على قيد الحياة، في مقتلة. لكن تبين خطأ توقعي، و اتضح مما توصلت إليه وجود بحر زاخر عريق و أصيل من الأغاني العاطفية (حيران) و الشعر الشعبي الكرديين. ربما كانت القصص المنسوجة شعراً قليلة لكن الملاحم و الشعر الشعبي كانا من الثراء بمكان. يمكن للمرء القول أن المغنين الكرد في شرق سورية، الذين توارثوا الأغاني من الرواة الذين سبقوهم– أولئك الذين لا توجد عنهم أبحاث- معظمهم أميون و لكنهم يمتلكون ذاكرة نقية محافظة على كل تفاصيل الموروث الأدبي.
إن رواة الأدب الشعبي الكردي كانوا من القرويين و الفلاحين البسطاء، أولئك الذين كانوا على استعداد للغناء في الحفلات و المناسبات الاجتماعية، أو في الأمسيات استجابة لطلب الساهرين. و في كل الأحوال بدون مقابل.
توجهت ببحثي نحو مغنيين بارعين: “مشو” في عين العرب و “رمو” في معشوقه (قرية شرقي قبور البيض) حيث كانا على استعداد لغناء تلك الأغاني التي توارثوها عن آبائهم و أجدادهم لساعات طويلة. كما التقيت في القامشلي لاحقاً بشاعرين يعدان من أهم شعراء الكرد و هما: أحمد نامي و جكرخوين، حيث قرآ لي قصائد لهما، و حصلت منهما على قصائد مدونة لهم و من أشخاص آخرين. لقد حصلت على نتاج أدبي نادر بالإضافة إلى مخطوط للإنجيل باللغة الكردية دُوِّن لأجل كنائس الكرد في شرق سورية، لكن لم تتضح لي هوية المؤلف. إن هذا الأثر القديم هو من معتقدات السوريين القديمة حيث يحوي أناشيد دينية بالكردية و لكن بأحرف سريانية و ألحان كردية فلكلورية مفرداتها من الإنجيل.
*ترجمها عن الكردية: غياث حسين.[1]