عنوان الكتاب: الكورد والدولة العثمانية موقف علماء كوردستان من الخلافة العثمانية في عهد السلطان عبد الحميد الثاني 1876- 1909.
اسم الكاتب: محمد زكي ملا حسین البرواري
مكان الأصدار: دمشق
مؤسسة النشر: دار الزمان
تأريخ الأصدار: 2009
رقم الطبعة: الاولی
یقدم الكتاب قراءة متأنية وموثقة لموقف علماء كردستان من الخلافة العثمانية، ولاسيما في عهد السلطان عبد الحميد الثاني (1876 1909). هذا العهد الذي تميز بتصاعد وتيرة العنف، وازدياد الضغوطات الخارجية الغربية الطامعة في تركة السلطة العثمانية أو (الرجل المريض)، بالإضافة إلى الإصلاحات الكبرى التي حاولت بعث روح القوة في السلطنة من جديد.
وإذا كان المثقفون والكتاب قد اختلفوا حول الموقف من الدولة العثمانية، بين مؤيد ينظر إليها على أنها أعادت الاعتبار والقوة للمسلمين بعد سقوط الخلافة العباسية، باعتبارها وحدت الشعوب الإسلامية واستمرت في التوسع بالفتوحات حتى داخل أوروبا، وبين معارض لها يحملها مسؤولية تأخر الشعوب الإسلامية وانتشار الظلم والفقر والقهر بين المسلمين. فإن المؤلف ينحاز للموقف الأول ويعتبر إن وجودها واستمرارها حقق للمسلمين الكثير من القوة والعزة والكرامة. وهذا الموقف ليس موقف المؤلف وحسب، بل موقف غالبية فقهاء وعلماء كردستان، الذين أيدوا الخلافة العثمانية ودافعوا عنها في وجه الأطماع الاستعمارية، بالرغم من تقصير تلك الخلافة تجاه أكراد كردستان، وحقوقهم السياسية والثقافية. ويركز المؤلف على موقف علماء كردستان من عهد السلطان عبد الحميد الثاني، ليجد أن موقفهم كان موقف المؤيد والمدافع عن سياسات الخلافة وداعماً لوحدة الأمة الإسلامية، بالرغم من الانتقادات اللاذعة للسياسات الجائرة بحق الشعب الكوردي، والمتمثلة بقضاء العثمانيين على جميع الإمارات الكوردية التي كانت تتمتع بنوع من الحكم ذاتي.
بالنسبة للوضع الاقتصادي في كردستان، الذي يمكن وصفه بأنه «غير مزدهر» ويعاني من أوضاع الفقر والجهل، بسبب تكريس الخلافة المركزية كل الإمكانات الاقتصادية لمواجهة الأطماع السياسية والعسكرية الخارجية. فإن علماء كردستان وفقهاءها، ولاسيما الملا (سعيد النورسي الكوردي) والملا (طه أفندي الدهوكي) قد لخصا موقف علماء كردستان من الأوضاع الاقتصادية على النحو التالي:
على الكردي أن يحافظ على ثلاثة أمور هي (الإسلام، الإنسانية، القومية)، كما أن له ثلاثة أعداء لا بد أن يعمل على النيل منهم، وهؤلاء الأعداء هم (الفقر، الجهل، الأمية)، ومحاربة الأعداء الثلاثة تتم بحمل الكوردي لثلاثة سيوف هي «سيف العدل والمعارف، سيف الاتفاق والمحبة القومية، سيف الاعتماد على النفس لا على الغير».
كما أن الموقف العام لعلماء كردستان كان موقف «المتفهم» للحملات التي كان يعدها عبد الحميد الثاني، وما يترتب على تلك الحملات من أعباء اقتصادية مرهقة. بل إنهم كانوا من «الدعاة إلى الجهاد»، اعتقاداً منهم أن المجاهدين يصونوا كرامة الأمة ويدافعون عن الأرض ويحمون العقيدة.
أما موقف علماء كردستان من الأوضاع الاجتماعية، فيتمثل في أن لرجال الدين عدة وظائف وأدوار في مختلف الجوانب الاجتماعية العامة، بحيث شكّل رجال الدين مركز نفوذ وتأثير لا يستهان به داخل المجتمع الكردي. أما الدور الذي لعبه رجال الدين فهو دور إيجابي يدعو إلى التماسك الاجتماعي والاهتمام بالعلم وتعزيز العادات والتقاليد المأخوذة من الشرع الإسلامي.
أما موقفهم الاجتماعي من خلافة السلطان عبد الحميد الثاني فيقوم على «دعم الأجهزة الرسمية» وتكميل عملها، من خلال مساعدة الخليفة في ضبط السلوك الاجتماعي دينياً، والعمل على بث روح الصبر على المصائب واحترام العقائد والتقاليد والرموز الاجتماعية والعشائرية والدينية في المجتمع الكردي. كما أصدر رجال الدين الكثير من الفتاوى التي تدعو إلى التضامن ضد أعداء الخلافة العثمانية، والتعالي على الخلافات المحلية وحسم المنازعات الداخلية بالعودة إلى الشريعة الإسلامية ومبادئها السمحة.
كما أدرك علماء كردستان أهمية العلوم العقلية الحديثة. ولذلك طالبوا الخلافة العثمانية بتطوير مدارسهم وتوسيع التعليم فيها، بحيث لا يقتصر على العلوم النقلية، بل يشمل أيضاً العلوم الفلكية والهندسية والطبية.. وهذا يعني أنه كان لديهم إدراك بدور العلوم الحديثة في حل مشاكل المرض والفقر والجهل.
ويبين المؤلف، أن مواقف علماء كردستان الإيجابية من خلافة السلطان عبد الحميد الثاني، لم تقتصر على الجانب الاقتصادي والاجتماعي، بل شملت أيضاً الجانب السياسي. فبالرغم من الثورات والانتفاضات التي حدثت في كردستان ضد ظلم وجور الخلافة.
وبالرغم من القضاء على تلك الانتفاضات بكل قسوة ووحشية، إلا أن علماء كردستان لم يصدروا الفتاوى ضد الخلافة، وظلّوا يدعون إلى البقاء في ظل الخلافة وإيجاد الصيغ التوافقية معها. بل إن هناك من العلماء من «استنكر» الانتفاضات وأيد السلطان في إجراءاته القمعية، محتجاً بحجج شرعية تقوم على طاعة أولي أمر المسلمين وتحريم التمرد عليهم.
ويعزي المؤلف هذه المواقف السياسية الإيجابية تجاه السلطنة إلى العلاقات الطيبة التي كانت تربط رجال الدين وشيوخ العشائر الكردية عموماً بالسلطان عبد الحميد الثاني، وإلى المكانة التي يكنها السلطان نفسه لتلك الرموز الدينية والعشائرية، ولاسيما عندما شكل البرلمان العثماني، وأدخل نحو عشرة نواب أكراد إليه، الأمر الذي خفف احتقانهم السياسي وجدد الآمال باستقرارهم السياسي تحت راية الخلافة الإسلامية.
المؤلف في سطور
محمد زكي البرواري، ولد في محافظة دهوك عام 1945، حصل على الدكتوراه من كلية الإمام الأوزاعي قسم الدراسات الإسلامية العليا وعين مدرسا في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية لجامعة دهوك ويعمل حالياً في كلية التربية بجامعة دهوك ومحاضراً في معهد الأئمة والخطباء بدهوك، له برامج إسلامية في قناة كوردستان العالمية.
[1]