عنوان الكتاب: حب في ظلال طاووس ملك
اسم الكاتب: حمودي عبد محسن
مكان الأصدار: بغداد
مؤسسة النشر: بيت ألكتاب ألسومري
[1]
من فصل : عصا الراعي
اصطفا الجد أن يكون ميرزا راعيا في جبل بحزاني ، ليقوى عظمه ، ويشتد أزره ، ولا تخور قواه أو تهن في الأيام الصعبة ، إذ في ذلك تكمن حكمة المعرفة بأسرار الجبل ، وليبسط الجبل ظلاله على ميرزا ، وتقيل عنه العثرات إذا حدثت ، ذلك يجعله طينة صلبة حسنة تتشكل كجزء من سلالته الأيزيدية التي كانت دائما طينة حسنة صلبة في شعبه عبر مر العصور ، هذا كان مآرب جده لتتعاظم روح ميرزا ، ويتعاظم حبه للجبل ، ففيه يبتهج قلبه لسماع أنغام القطا والدراج وحمام الحب الذي غالبا ما يسمى حمام الصخر الرمادي أو حمام زهرة الجلنار ، فهو المختار في الرعي ، وهو المختار في منزلة القلب ، القلب الذي يصطفي بالصفاء ، ويتدفق بالنبل عندما تبسط على جسده ظلال الأشجار ، فقد أراد الجد أن تكون روحه أيزيدية صالحة طيبة ، فيها قدسية لعهده الأيزيدي الذي كان هذا الشعب يساق من فرمان عثماني إلى آخر في أسر ، ويساق إلى الموت على أيدي الطغاة ، فتصادر أراضيه ، ومواشيه ، ومحصولاته الزراعية التي جناها بعرق الجبين ، هذا التاريخ الذي ارتبط بالمذابح في قطع الرؤوس ، والتمثيل في الأوصال ، وجر حشود الأيزيديين بالحبال مقهورين دون أن تهزم أرواحهم أو تتلوى ألما ، لكن لا ، الراعي البحزاني يرعى الماشية من جديد ، فها ميرزا في السابعة عشرة من عمره ، فتى وسيم ، ذو شعر أسود نحيف القامة ، قوي البدن ، وقد نبت الشعر في ذقنه وشاربيه ، شديد سواد العينين مع سعة المقلتين ، بيده عصا الرعاة يهش الماشية أمامه ، يقودها بكلمات : دع ... دع ... دع ... ثم يصفر ، ثم يصرخ ، فيكون لصراخه دويا في وجه الماشية التي يقودها كبش أبيض قوي قد علقت في رقبته أجراس فضية ، هذا الكبش راعي الرؤوس البيض المتعفرة بالتراب ، ماشية مدجنة من خراف تلتهم الحشائش والأعشاب وأوراق الأشجار ، وتنهل المياه من أحواض صنعتها طبيعة الجبل الصخرية لتكون ورود الماشية ، فالكبش يقفز فوق الصخور ، ويتسلق ، ويمد رقبته لينهل من أوراق البلوط الخضراء ، وأجراسه ترن ، وتتبعه الماشية ، فهو الراعي المرشد ، وهو الرئيس للقطيع ، يتقدم دائما مع صفير أو كلمات ميرزا ، ويقود القطيع على السفوح والوديان يطيعه القطيع ، ويستسلم إليه ، وهو دائما يتقدم أقرانه ، وميرزا يهش بعصاه على رؤوس الماشية ، ويصفر ، فالمراعي خصبة ، والكلأ وفير ، ومجاري المياه متدفقة في هذا الربيع الأخضر ، ربيع الإخصاب ، تارة يتوقف القطيع على بركة مياه بينما ميرزا يشم روائح عطرة منبعثة من أزهار برية أو تفتقت توا من براعمها ، تارة يتفيء في ظل شجرة عندما تكون الشمس في أوجها الربيعي ، فيوغل ذهنه إلى عالم فيه صور متعددة : فهذا جدي يتسلق شجرة عملاقة هاربا من سبع يلاحقه ليوقع الشر فيه ، فالشجرة العملاقة ملاذه الأمين ، يستجير بعلوها وضخامتها ، وهذا كائن خرافي مجنح يطلق دويا في الوادي ، فيلوذ القطيع إلى الكهوف والمغارات ، وبعصا الرعاة يقاوم ميرزا الكائن الخرافي ، ولا يسمح له أن يلحق الأذى بقطيعه ، فعصا الراعي تكون دائما سلاح المقاومة ، فبها يقاوم الوحوش الضارية ، والطيور الجارحة ، والماشية ترفع رؤوسها إليه ابتهالا وتوسلا لعصاه التي تقاوم المهاجم الشرس ، وحتى الغزلان الكثيرة التواجد في أرض بحزاني تلتمس الحماية من العصا كأنها تؤدي طقوس البقاء ، طقوس مباركة دينية في رد هجوم الكائن الخرافي ، هكذا تكون عصا الرعاة تؤدي واجبها في مكافحة الشر ، وبث إحساس الأمان ، فالعصا رمز الحماية ، ورد الأذى حتى إذا كان هجوم الضواري من الخلف .
وفي لحظات تخيلات ميرزا يجد نفسه تارة رامي نبال باتجاه سبع مهاجم ، لتمط الماشية أعناقها ، وتطاول أوراق الشجر ، عندئذ لا يستطيع أن تطال مخالب السبع القطيع ليبطش بها ، فيردعه ميرزا من أن يكون وحشا دمويا ، وتارة أخرى يجد نفسه يحمل رمحا ، ويوجهه ضد الحيوان الخرافي المجنح ، ليمنعه أن ينقض على بقرة تلد ، ويمنعه أن ينقض على وليدها لافتراسه ، فيعاجله بطعنة في بطنه ، وتتمزق أحشائه ، ويسقط على الأرض وهو ينزف دما ، أجل إنه يسقط بين قدميه ، وميرزا يرى مولودا جديدا يخرج من رحم أمه . في هذه الصور التخيلية صارت العصا مرة قوسا ونبالا ، ومرة رمحا ، ومرة عصا تقدح نورا في رد عدوان الظلام ، ثم قدم نفسه منقذا حاميا مصارعا منتصرا على آفة الشر ، وبذلك يكون قد صان القطيع ذا الرؤوس البيض ، آمنا في الكلأ الوفير ، يرتوي من المياه العذبة ، وبذلك صارت عصاه خير ، وصارت حماية ، وفيها صان شجرة الحياة ، ومياه الحياة ، وتجدد الإخصاب ، ووضع قدمه على صدر آفة الشر ، ذلك رمز القوة والمناعة التي راحت تتجذر في أعماقه ، حينئذ يكون الرضيع يرضع من ثدي أمه بأمان ، حينئذ يستطعن البيريات أن يستدرن الحليب من الماشية . أهذا ما أراده جده أن تتجذر روح ميرزا في الرؤيا وتأمل الذات ؟! أن الراعي دائما يتأمل أيضا ما يحيط به ، ويتأمل السماء ، والأفق الممتد بعيدا ، لكن في هذه المرة كأنما يرى أعجوبة الأرض ، وهو يتجاوز بقطيعه قمة جبل بحزاني الممتدة بفسحة عدة كيلومترات شرقا وغربا ، وهي أرض الحنطة والشعير منذ أقدم الأزمان ، فكانت قديما تعج بسنابلها الذهبية التي تحصد بالمنجل ، والتي كانت تدرس أولا بأقدام الحيوانات ثم تكدس بأكوام عالية كبيادر خير ، ثم تنقل على ظهور الحيوانات إلى القرية ، لتدرس نهائيا بآلة الجرجر الشهيرة البدائية ، التي امتهنت صناعتها عائلة النجار سليمان قطي ، وقد توارثت المهنة أجيال بعد أجيال ، والتي يطلق أهل بحزاني على هذه الآلة الجغجغ ، آلة خشبية عجلاتها من حديد ، تجرها حيوانات ، فتدور بدوران الحيوانات ، وينفصل القش عن بذرات الحنطة والشعير . أجل ، الآن ينزل بقطيعه إلى أسفل تاركا أرض مزارع الحنطة والشعير ، وهو يرى مندهشا أن الأرض مزينة بخواتم زفاف زهور برية ذات ألوان جذابة مبهرة ، ألوان بنفسجية وقرمزية وأرجوانية وقرنفلية وصفراء وبيضاء ، هي على مقربة من قمة جبل بحزاني التي تسمى العقبي وغالبا ما تسمى سنكي ، كانت مكسوة بالأبهة والحلي ليغدو ميرزا مبتهجا في أسفل عقبة الجبل ، وكانت تتشرب روحه بروائح عطرة زكية تفوح من أنواع العطور ، لكن كان يشد بصره إلى تلك الزهور ذات الحمرة الشديدة المتشربة حمرتها بحمرة الدم ، والتي سلبت الجمال من كل زهور أسفل عقبة الجبل كما لو أنها تخجل من كبريائها ، ومنظرها المختال ، فهي تنتصب وسط عشب أخضر بساق رفيع غض متفرع بأوراق رمحية ، حافاتها مسننة ذات أعناق ، إذ من آباط الأوراق يبرز الساق الطويل الوحيد ليرتفع بتاجه الأنيق ، بزهرة أحادية رائعة ، ذات أربعة وريقات شفافة تستقر في كأسها بقعة داكنة من بذور سوداء محاطة بدائرة بيضاء ، فمد ميرزا يده الخشنة ، وداعب شعيرات بيضاء منتشرة على الساق ، وتذكر حديث جده الذي غرس حب الجبل في روحه عندما سأله ميرزا :
جدي لماذا تسمى شقائق النعمان ؟!
خوێندنەوە / داونلۆدکردنی پەرتووکی: حب في ظلال طاووس ملك
ژمارەی داونلۆد:
248 جار
داوا لە نووسەر، وەرگێڕ و دەزگای پەخشەکان دەکەین ئەگەر پێیان باش نییە ئەم پەرتووکە لێرەوە داونلۆدبکرێت! ئەوا پێمانی ڕابگەیەنن.
ئەم بابەتە بەزمانی (عربي) نووسراوە، کلیک لە ئایکۆنی
بکە بۆ کردنەوەی بابەتەکە بەو زمانەی کە پێی نووسراوە!
دون هذا السجل بلغة (عربي)، انقر علی ايقونة
لفتح السجل باللغة المدونة!
ئەم بابەتە 1,251 جار بینراوە
ڕای خۆت دەربارەی ئەم بابەتە بنووسە!