حي عشوائي في مدينة دمشق، حارات ضيقة وبيوت متلاصقة كأنها وِحدة واحدة، لون ترابي وآخر رمادي يغطي معظم الجدران الخارجية للبيوت والأبنية، صعود ونزول في طرقات جبلية متعرجة، كثافة سكانية عالية، بشر من كل المناطق السورية، مع وجود أغلبية كردية وتواجد فلسطيني ملحوظ.
هذا أول ما عرفت من العالم حين بدأت رحلتي فيه. وُلدت في حي الأكراد في العاصمة السورية دمشق، أو حي ركن الدين، حسب الاسم الرسمي، وعشت فيه سنوات طفولتي الأولى، قبل أن تغادر عائلتي إلى القامشلي، شمال شرق البلاد، ومن ثم تعود وأنا في العاشرة إلى دمشق، لأقضي فيها سنوات مراهقتي وشبابي، حتى خروجي من البلاد سنة 2011.
انتقلتْ عائلة والدي من القامشلي، حيث كانت تعيش بعد تنقلات عديدة، إلى دمشق في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي، ومنذ ذلك الحين كان بيتنا، في المنطقة نفسها، ركن الدين.
يشكل حي ركن الدين، ما يشبه عاصمة لأكراد العاصمة السورية، رغم توزعهم وسكنهم في جميع مناطق دمشق وريفها.
العائلة تنقلت بين بيتين أو ثلاثة في الحي قبل أن تشيد البناء، الذي أحسبه بيتي الأول، في بداية الثمانينيات. وُلدت أنا وأحد أعمامي وأخي الذي يكبرني بسنوات أربع، وأبناء عمتي وأبناء عمي فيه، وزاره كلّ أقربائنا، فكان مركز العائلة في العاصمة. كلّما توجه أحد إلى الجامعة للدراسة، أو إلى السفر خارج البلاد، أو لأداء الخدمة العسكرية الإلزامية، أو إلى سجن من السجون أو فرع أمني، مرّ/ت بهذا البيت، وعاش/ت فيه، قبل أن يحتله الغبار بعد هرب وهجرة سكانه.
حي ركن الدين بدمشق - المصدر: صفحة المصور السوري حسن بلال
زور آفا
يشكل حي ركن الدين، ما يشبه عاصمة لأكراد العاصمة السورية، رغم توزع الأكراد وسكنهم في جميع مناطق دمشق وريفها، إلا أن مكاني التجمّع الرئيسيين كانا ركن الدين، وجبل الرز- وادي المشاريع (واسمه الكردي زور آفا) في الطرف الآخر من العاصمة. واسم هذا الحي قصة متداولة بين الأكراد.
زور آفا حي جديد في أطراف دمشق، عكس ركن الدين. بُني في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، بعد بدء هجرة الأكراد الكبيرة نحو العاصمة، تاركين خلفهم مدن الشمال المبعثرة، وذلك بعد أن جردتهم الحكومة السورية من أراضيهم الزراعية وقراهم وأعطتها لسكان عرب ضمن مشروع الحزام العربي.
معنى الاسم زور آفا هو بُني بصعوبة أو بُني بالغصب. ففي البداية، بنت عائلات قليلة بيوتاً دون تنظيم في إحدى ضواحي دمشق، بالقرب من مشروع دمر، على الطرف الآخر من طريق الربوة، فهدمت الحكومة البيوت. أعادت العائلات الكَرّة وبنت بيوتاً جديدة، فهدمتها الحكومة، وهكذا إلى أن كثر عدد البيوت ولم تستطع الحكومة هدمها كلها، وصار اسم الحي الجبلي زور آفا، ويسكنه اليوم عشرات الآلاف من الأكراد.[1]