كتاب مختلق عن الكرد لمؤلف زائف قبل قرن !
الدكتور جبار قادر
حكایة تلفیق الراویات التاریخیة عن الكرد قدیمة ؛ وقد أصبحت ظاهرة معروفة للقاصي والداني ، بلْ أنّ الأمثلة عن تألیف كتب بهدف تزویر تاریخ الكرد وتشویە صورتهم من قبل من عرفوا ب (كلاب السلطة) و (كتبة البلاط) و (وعاظ السلاطین) أكثر من أن تعد أو تحصی في هذه الفسحة، فمنهم مثلاً ضبّاط شاركوا بصورة مباشرة في قمع حركات التحرر الكردیة وقتل المدنیین الآمنین وتدمیر بیوتهم ومزارعهم، وبعد إنتهاء صولاتهم العسكریة وخلودهم إلی الراحة، راحوا يدبّجون الكتب عن الكرد وتاریخهم وحیاتهم الإجتماعیة. ونفس الشئ یقال عن نظرائهم من الضباط الذين عملوا في المؤسسات الأمنیة والمخابراتیة في كردستان، لیتحولوا فیما بعد إلی (باحثین!) في الشأن الكردي. بطبیعة الحال لم یكن إهتمامهم بالموضوع الكردي نابعا من حبهم للعلم والمعرفة، بل كان همهم الأول هو تسویق السیاسات العنصریة بحق هذا الشعب وإیجاد المبررات لما قاموا به هم وأسیادهم من جرائم كبری في كردستان.
سنتجاوز حملات التشویە والتضلیل الحالیة ضد الكرد كشعب، ولیس كقیادات أو أحزاب سیاسیة، والتي أصبحت تشكل القاعدة العامة للخطاب السیاسي والإجتماعي في العدید من بلدان المنطقة، لنشیر إلی كتاب مختلق عن الكرد قبل مائة عام من قبل مؤلف مغامر و زائف، فقد لعب هذا الكتاب دوراً مؤثّراً مهمّاً في التمهید لعملیات التشویە الواسعة لكل ما یتعلق بالكرد خلال القرن الماضي وقد مثل اللبنات الأولی في صرح التوجهات العنصریة لدی الأمم السائدة في الشرق الأدنی.
حدیثنا هنا عن كتاب صدر في إسطنبول عام1334/ 1918 بعنوان (كردلر: تاریخی وإجتماعی تدقیقات - الكرد: دراسة تاریخیة وإجتماعیة).
جاء على غلاف الكتاب بأن مؤلفە الدكتور فریچ وهو مستشرق ألماني من (الأكادیمیة الشرقیة ببرلین) والكتاب مترجم إلی التركیة العثمانیة من قبل (المدیریة العامة للعشائر والمهاجرین) التابعة لوازرة الداخلیة، حيث حمل الكتاب رقم (3) ضمن سلسلة إصدارات المدیریة المذكورة. وبعد مرور حوالي قرن نشر الكتاب مرة أخری، لكن بالتركیة الحدیثة سنة 2014.
والنسخة المصورة من الطبعة الأصلیة التي بین یدي، قد أرسلها لي الصدیق الكاتب والمترجم المبدع الأستاذ بكر شواني، فقمت بدراسة مفصلة (باللغة الكردية) عن الكتاب ومؤلفە المریب، الهدف من إصدارە والأفكار والطروحات الأساسیة التي تضمنها، وقدمتها الی مؤتمر حول التاریخ بجامعة دهوك والذي لم یعقد بسبب جائحة كورونا. وهذا المقال عبارة عن خلاصة مكثفة لبعض ماورد في تلك الدراسة .
یبدو أن عدم ذكر إسم المترجم واللغة المترجم عنها علی غلاف الكتاب لم یثیرا في حینە إهتمام أو شكوك أحد، بلْ رحب به كاتب كردي إشتهر فیما بعد وهو الدكتور كامران بدرخان باعتباره أول كتاب صادر عن الشعب الكردي من قبل مؤسسة رسمیة في الدولة العثمانیة !. كما أن شیخ المؤرخین الكرد محمد أمین زكي أشار إلیە في كتابە الرائدخلاصة تاریخ الكرد وكوردستان في عدة مواضع علی أنە مؤلف من قبل مستشرق ألماني بإسم الدكتور فریچ. وذهب مترجم كتاب زكي الی اللغة العربیة المرحوم محمد علي عوني أبعد من ذلك عندما وصف فریچ هذا بالعلامة.
یحمل غلاف النسخة المصورة لديّ ختم كل من مجلسي المبعوثان العثماني والوطني الكبیر في تركیا، وهذا یعني أن الكتاب كان في متناول النوّاب والسیاسیین الأتراك علی مدی عقود طویلة، ومن المؤكد أنە شكّل مصدرا مهما وحیویا للكثیر من الطروحات والسیاسات المتعلقة بالكرد وكردستان والتي تبنتها الدولة التركیة علی مدی القرن الماضي.
خلال العقود الماضیة ألقی عدد من الباحثین المجدّین في تركیا الأضواء علی الجوانب المسكوت عنها من تاریخ الدولة العثمانیة والجمهوریة التركیة. وبطبیعة الحال یأتي الموضوع الكردي في مقدمة لیس المسكوت عنە فقط، بل والمحظور منە كلیا. فقد بقیت الكتب والوثائق المتعلقة بالكرد وقضیتهم بعیدة عن أنظار الباحثین، ووضعت في خزائن مختومة بالشمع الأحمر لعقود طویلة من القرن العشرین، فقد كانت السیاسة الرسمیة في تركیا وغیرها تتلخص في محاولة إزالة الكرد وكردستان من التاریخ والجغرافیا ومسحها من ذاكرة شعوب الشرق الأدنی!.
وعندما تأكدت الأوساط الحاكمة إستحالة إنجاز مهمتها الخیالیة هذە، إذ لا یمكن مسح أمة یمتد تاریخها علی هذە الأرض الی آلاف السنین من ذاكرة التاریخ وجغرافیة المنطقة.
ومع رفع الحظر في أواخر القرن الماضي عن الكتب والوثائق التاریخیة المتعلقة بالكرد وكردستان، بدأنا نلمس إهتمام الباحثین الذین كشفوا الكثیر من الحقائق والقضایا التاریخیة التي بقیت خافیة علی الناس لسنوات طویلة. ومن بین ما أثار إهتمامهم هذا الكتاب ومؤلفە الغریب، إذ بدأوا یدققون فی كل ما یتعلق بە من أخبار ومعلومات. بطبیعة الحال لم یجرِ فك الألغاز المتعلقة بالكتاب ومؤلفە الحقیقي مرة واحدة، بل إستغرق ذلك سنینا طویلة وبدأت الحقائق تتكشف شیئا فشیئا..
لقد بحثوا طویلا عن مستشرق ألماني بإسم (دكتور فریچ) فلم یعثروا علی أي أثر لشخص بهذا الإسم عمل في مجال الدراسات الشرقیة في برلین وألمانیا كلها. كما لم یعثر لا في المكتبات ولا في البیبلیوغرافیات المتخصصة علی كتاب باللغة الألمانیة تحت هذا العنوان، أو عنوان قریب من ذلك. وهكذا إكتشف الجمیع حقیقة عدم وجود مستشرق ألمانی بإسم فریچ أصلا، وبالتالي لایمكن أن یكون قد ألف مثل هذا الكتاب. وبعد التدقیق في المعلومات المتوفرة عن العاملین في (المدیریة العامة للعشائر والمهاجرین) وبخاصة بین أعضاء الفریق المكلف بدراسة الأقوام والقبائل في الولایات الشرقیة العثمانیة من قبل حكومة الإتحاد والترقي. وكانت الحكومة قد إستعانت بالعدید من المتخصصین الأوروپیین للقیام بهذە الدراسات وذلك للإستفادة منها في وضع سیاسات خاصة لكیفیة التعامل معها أثناء الأزمات. تبین أن شخصا ألبانیا یعرف الألمانیة یعمل كمترجم مع هذا الفریق وإسمە (ناجی إسماعیل). وكان ناجي إسماعیل هذا من المقربین من طلعت پاشا أحد أبرز أقطاب الإتحاد والترقي، وعمل لفترة من الزمن في شعبة الترجمة بمدیریة الأمن العامة في إسطنبول. وكلف ناجي إسماعیل بترجمة العدید من تلك الدراسات الی التركیة العثمانیة، كما أنە إستفاد من هذە الدراسات فی كتبە حول القبائل التركمانیة والكرد والتي نشرها بأسماء علماء ومتخصصین أوروبیین، إختلق أسماءهم بنفسە وإكتفی بوضع إسمە علی غلاف هذە الكتب كمترجم فقط ! وحتی في هذە الحالة لم یستخدم إسمە الحقیقي ناجي إسماعیل، بل لجأ الی إسم مستعار هو (هابیل آدم)! وكان قد نشر جزءا من مذكراتە في جریدة لە كان یصدرها عام 1930. كما أنە نشر الكثیر من المقالات بإسمە المستعار هابیل آدم، والذي لم یكن إلا القلیلون یعرفون بأن هابیل آدم هذا هو نفسە ناجي إسماعیل. وبعد صدور قانون إسم العائلة في تركیا عام 1934 أصبح یعرف بە ناجي إسماعیل پیلیستر. ویشیر لقبە هذا الی عدد من المواقع الجغرافیة في ألبانیا والجبل الأسود وغیرها من دول البلقان.
بدأت معارفنا عن شخصیة ناجي إسماعیل المغامر والمقامر تزداد منذ سبعینات القرن الماضي، عندما نقل عنە الكاتب عابدین نسیمي الكثیر من القصص الروایات، وكیف أنە كان يختلق أسماء العدید من المستشرقین الأوروبیین، لیضعها علی غلاف كتبە ویكتفي هو بوضع إسمە المستعار هابیل آدم كمترجم لهذە الكتب فقط .
لقد إعترف ناجي إسماعیل شخصیاً في مقدمة أحد مؤلفاتە (عام 1923) بأنە نشر إثني عشر كتاباً من كتبە بأسماء هؤلاء المستشرقین الذین إختلق أسماءهم وقد برر ذلك بأن السلطة العثمانیة لم تكن تتقبل آراءە وطروحاتە، لذلك كان مضطرّاً إلى أن یخفي شخصیتە الحقیقیة ویلجأ إلی إختلاق أسماء أوروبیة ویكتفي هو بصفة مترجم فقط، وحتی الأخیر تحت إسم مستعار. ومبررە الآخر هو أنە كمترجم لم یكن یتعرض للمحاسبة، فهو في نهایة الأمر لیس بصاحب الأفكار، لذلك فهو لا یتحمل المسؤولیة عنها. ورغم أنە لا توجد أیة إشارة علی غلاف الكتاب الذي نحن بصدد الحدیث عنە هنا توحي الی إسمە حتی كمترجم، إلا أن الحقائق والمعلومات التي أصبحت بین أیدينا تؤكد حقیقة أنە ألف الكتاب أصلا بالتركیة العثمانیة.
وهكذا أصبحت الحقیقة جليّة للعيان، إذْ لم یكن هناك كتاب ألفە دكتور فریچ بالألمانیة وقام ناجي إسماعیل/ هابیل آدم بترجمتە الی التركیة العثمانیة، بل ألفە هو بالتركیة وإختلق إسم دكتور فریچ لدوافع نشیر الیها فیما یلي من الأسطر.
یعبر كتاب (كردلر) بوضوح تام، وخصوصا الجزء الذي كتبە ناجي إسماعیل بنفسە وهو في ال(17) صفحة الأولی من مجموع صفحات الكتاب البالغة (384) صفحة، عن سیاسة الإتحادیین بعد أن تأكدوا كلیا من زوال الدولة العثمانیة في الأیام الأخیرة للحرب العالمیة الأولی. وتلخصت هذە السیاسة بمحاولة الحفاظ علی الدولة ككیان خاص بالعنصر التركي فقط. بدأت أسس وخطوط هذە السیاسة تتوضح بعد إبادة الأرمن عام 1915 وطرد الیونانیین من البلاد، كما تمرد العرب بالتعاون مع البریطانیین ضد الدولة العثمانیة، وبذلك لم یبق من یعیق مشروع دولة الأمة الواحدة سوى الكرد والعلویون. وإعتقد الإتحادیون بأنهم سیتمكنون من تتریك الكرد والعلویین لكونهم مسملین ویعیشون منذ قرون جنبا الی جنب مع الأتراك. وكان لابد من تهیئة الأرضیة لتلك السیاسات وذلك من خلال إنكار الوجود الكردي لغة وثقافة وتاریخا وإعتبار لغتهم هجینة وجل كلماتها مقتبسة من اللغات الأخری وخاصة التركیة. وهذا ما قام بە فعلا ناجی إسماعیل/ هابیل آدم المقرب من طلعت پاشا والعامل تحت إشراف منظر الفكر القومي التركي ضیاء گیوك ألپ، ففي الصفحات التي خصصها للحدیث عن أصل الكرد ولغتهم وتاریخهم أنكر وجود قوم بإسم الكرد وأنكر وجود لغة كردیة قائمة بذاتها. وقد عمل كل ذلك بلغة دقیقة، دبلوماسیة ومحایدة كي تظهر قائلها علی أنە عالم أوروبي موضوعي لا مصلحة لە في تشویە الحقائق العلمیة أو معاداة طرف والإنحیاز الی طرف آخر. لم یتمكن الإتحادیون بسبب زوال سلطتهم وهروب قادتهم الرئیسیین من البلاد من تنفیذ جمیع بنود مخططهم الرهیب، ولكنهم أوكلوا مهمة تنفیذها الی ورثتهم المخلصین من القومیین المتطرفین بدءا بالكمالیین وإنتهاء بقطعان الذئاب الغبر والإسلامیین الحالیین.
أما باقي صفحات الكتاب فهي عبارة عن إعادة نشر وتلخیص لما ورد في (الشرفنامة) الذي ألفە شرفخان البدلیسي قبل كتاب آدم هذا بأكثر من ثلاثة قرون ولكن هذە المرة بالتركیة العثمانیة بدلا من لغة الكتاب الأصلیة أي الفارسیة. ولا نعرف هل قام هو شخصیا بترجمتە أم نقلها عن المترجمین الذین سبقوە.
یعتقد بأن لجوء ناجي اسماعيل/ هابیل آدم المؤلف الحقیقي لكتاب (الكرد: دراسة تاریخیة وإجتماعیة) الی وضع أسم أوروپي علی غلاف كتابە هذا یعود الی عدة أسباب منها: أن ما یقولە ویكتبە عالم ألماني حول التاریخ الكردي، سیكون أكثر مصداقیة ومقبولیة وموضع ثقة من كاتب إتحادي من أصول ألبانیة غیر معروف ومقرب من أحد أقطاب الثلاثي الإتحادي طلعت پاشا ومشبوە عمل في دوائر الأمن العامة. ونعتقد أن عاملاً آخرا لعب دورە في إخفاء إسم المؤلف الحقیقي ویتلخص في أن أحدا لم یكن یجرؤ أن یقول آنذاك في الكرد وتاریخهم ولغتهم ماقالە هابیل آدم المختفي هذا وراء إسم المستشرق الألماني الدكتور فریچ ، فقد كان عدد كبیر من الكرد یتسنمون أرفع المناصب في الدولة العثمانیة، كما كانت هناك جمعیات سیاسیة وثقافیة كردیة عدیدة تمارس نشاطاتها في إسطنبول وتصدر الصحف والمجلات. لذلك لم یكن بإمكان أحد أن ینكر وجود الكرد ویعتبر لغتهم عبارة عن 300 كلمة كردیة حقیقیة فقط كما إدعی هابیل آدم في كتابە! ولعلّ الغریب والأنكى من كل ذلك هو أن المحاكم التركیة بقیت حتی بدایة قرننا الحالي تستند في قراراتها الجائرة علی ماورد في هذا الكتاب من طروحات وخزعبلات في محاكمة الكتاب والشباب الكرد وإنكار لغتهم وثقافتهم القومیة!.
لقد قام هذا الكاتب المغامر والأفاق ناجي اسماعيل، والذي وصفە صدیقە نسیمي بأنە من أذكی وألمع الأشخاص الذین إلتقاهم في حیاتە، لكنە إستخدم ذكاءە في ممارسات سیئة، بانتحال أسماء عدیدة ومارس نشاطات مریبة، فقد نشر كتابا بإسم عالم ألماني إختلقە هو البروفیسور (جونز مول) حول مؤتمر یفترض أنە عقد في لندن وناقش المجتمعون خلالە مسألة تقسیم ممتلكات الدولة العثمانیة وطرد الأتراك حتی من إسطنبول الی أعماق الأناضول. وعندما واجە سفیر ألمانیا طلعت پاشا بأنە لم یجد في ألمانیا مستشرقا بهذا الإسم وما جاء في الكتاب لا یعبر بحال من الأحوال عن رأي ألمانیا الحلیفة للدولة العثمانیة. كما طالبە السفیر بمحاسبة المؤلف/ المترجم. عند ذاك إضطر طلعت پاشا أن یواجهە، فبدأ یختلق أكاذیب جدیدة، إذ قال أن المؤتمر لم یكن في لندن بل في بودابست، ولم یكن هناك أي كتاب، بل إن ما كتبە كان عبارة عن ملاحظات دونها هو من خلال إستماعە الی مداخلات المشاركین في المؤتمر. لا نعرف هل صدقە طلعت أم لا، ولكنە نصحە بالإبتعاد والاختفاء حتی تهدأ الأمور ولكي لاتحدث مشكلة دبلوماسیة بین الدولة العثمانیة وألمانیا.
و فعلاً ظهر بعد فترة قصیرة في إیطالیا، لیستمر في ممارسة نشاطاتە المشبوهة من أجل الحصول علی المال، إذ أقنع خدیوي مصر بأنە سیقوم بتزویر وثیقة ویقوم بالتعاون مع أحد القسس في إیطالیا بختمها بختم الكنیسة ومن ثم یضعها في أرشیف الكنیسة الكاثولیكیة، لیقوم بعد ذلك بإعلان كشفها للعالم ولیثبت بأن عائلة محمد علي پاشا القللي تنتمي الی نفس عائلة كاستروت، وهي آخر عائلة مسیحیة حكمت ألبانیا قبل إحتلال الأتراك العثمانیين لبلادهم، وبذلك یصبح الخدیوي الوریث الوحید للعرش الألباني. طبعا أكد للخدیوي، الذي فرح بخطتە، بأن الأمر سیكلفە مبلغا كبیرا من المال، ولم یبخل علیە الأخیر بل وضع تحت تصرفە أموالا طائلة!
لقد نشر الكثیر من القصص والروایات عن الأسالیب اللاقانونية لناجي اسماعيل النصّاب والمحتال والمنتحل، لكسب المال خلال ثلاثینات القرن الماضي، فقد جمع حولە شلة من الرجال بلغ عددهم أكثر من 12 رجلا، یصرف علیهم وینفذ خطتە من خلالهم دون أن یظهر هو في الصورة. لقد حصل علی إجازات بأسماء أولئك الرجال لإصدار العدید من الصحف والمجلات. كما لجأ الی إبتزاز الشركات الكبیرة والبنوك لیحصل منهم علی إعلانات تجاریة ینشرها في الجرائد والمجلات التابعة لە، وكان یرفع أسعار نشر الإعلانات بصورة مستمرة. وفي حالة رفضهم لعملیات الإبتزاز التي كان یقوم بها، كان ینشر مقالات وتحلیلات سلبیة عن تلك المؤسسات، وكانت تتضمن في أغلب الأحیان معلومات وتحلیلات إقتصادیة دقیقة، إذ كان الرجل یمتلك من المعرفة ما تعینە علی ذلك، فقد ذكر في سیرة حیاتە بأنە ذهب في شبابە الی ألمانیا لدراسة الهندسة الكهربائیة، ولكنە فضل دراسة الفلسفة حتی یقال أنە نال فیها شهادة الدكتوراە. ومن بین القصص التي تروی عنە، أنە إستغل الوضع المادي الصعب للشاعر التركي المعروف ناظم حكمت وعینە مدیرا للتحریر في صحیفتە وذلك بهدف الحصول علی إعلانات تجاریة من الشركات القریبة من الإتحاد السوفیتي. وحاول أن یرسل عن طریقە الی هذە الشركات مجموعة من المقالات السلبیة ضد الإتحاد السوفیتي مهددا إیاها بأنە سوف ینشرها إذا لم تتجاوب مع طلباتە. رفض ناظم حكمت القیام بهذە المهمة التي لا تلیق بە.
وأخيراً إخذت ممارسات هذا القبەدایی (قبضاي- الشقاوة) وعصابتە تزعج حكومة عصمت إینونو فقررت منع نشاطاتە المافیاویة وسحبت إجازات جرائدە ومجلاتە وفرقت رجالە، فاضطر أكثرهم بعدها الی السفر الی المجر.
[1]