كرد الرقة في أرشيف الدولة العثمانية
محمد علي أحمد
من الملفت , في وثائق الأرشيف العثماني , أنها لا تذكر كلمتي ( كرد ) و ( الرقة ) معاً في جملة واحدة , إلاّ وتأتي التكملة ذماً و تذمراً و استياءً من التصرفات الصادرة عن العشائر الكردية التي سكنت , أو أسكنت , الرقة و ما حولها خلال الحكم العثماني للمنطقة .
فالكرد , تارة معتدون على ممتلكات الغير , وتارة سالبو أموال و قطاع طرق , وتارة قتلة مجرمون , حتى تصل التهم لدرجة انتهاك أعراض ” الآمنين ” من سكان القرى المجاورة لهم .
ولعل التحيز القومي المبكر لدى مدوني الأرشيف , قد فعل فعلته , ما أوصل إلينا هكذا نعوت في وصف , وتبيان حال العشائر الكردية التي تواجدت في الرقة .
ففي الوثيقة ذات الرقم 289 من المجلد 14402 رمز الخزانة C..DH.. تاريخ 1712 م , نجد الكرد يقومون بالاعتداء على الأهالي :
[يؤمر والي الرقة الوزير يوسف باشا بوضع حد للظلم الذي يرتكبه أكراد ” قليجلي ” الذين تم اسكانهم بجوار ناحية البستان(1) وتعديهم على الأهالي مستقوين في ذلك بانتماء الوالي إليهم .]
و الوثيقة ذات الرقم 292 من المجلد 14592 رمز الخزانة C..DH تاريخ 1762 م , نجد الأرشيف يتحدث عن الحاق العشائر الكردية المللية الأضرار ببعض القرى :
[إلى ” بيلربي “(2) الرقة محمد باشا : يسمح للعشائر الكردية المللية الساكنة حول أورفا و التي اعتادت الانتجاع إلى مراعي أرزوروم بشكل دوري , بالوصول إلى المراعي المذكورة , بعد أن كانت قد منعت من ذلك و فرض عليها غرامة مالية تقدر بخمسين ألف قرش بموجب تقديرات “هيئة المعرفة الشرعية ” , نتيجة شكاوي مقدمة من أهالي منجم ” أرغاني “(3) بخصوص قيام العشائر المذكورة بإلحاق أضرار ببعض القرى , و من ثم قيام أهالي القرى المذكورة بالتبرع بالمبلغ المذكور للدولة و تعهد زعيم العشيرة الكردية الجديد بعدم تكرار ماحصل .]
و الوثيقة ذات الرقم14 من المجلد 682 رمز الخزانة C..DH تاريخ 1763 م تتحدث عن النقل القسري لبعض الكرد من مواطنهم إلى ولاية الرقة بفعل ” أعمالهم السيئة ” :
[ إلى” بيلربي ” مرعش سليمان باشا روشن زادة :
يطلب إليكم ترك المحاولات غير المجدية و التكاسل في تنفيذ الحكم الصادر بحق أكراد ” العمرانلي ” المتواجدين في سنجق مرعش , بخصوص نقلهم و إسكانهم فوراً و مهما حدث في محيط الرقة بسبب أعمالهم السيئة . ]
و الوثيقة ذات الرقم 38 من المجلد 2270 رمز الخزانة C..ADL.. تاريخ 1777 م تصف استغاثة بعض الأهالي من ” الاجرام اللامحدود ” الذي تعرضوا له على يد بعض الكرد :
[المعروض المعمم الموقع من قبل عثمان آغا باسم أهالي القرية حول قيام الأشخاص المذكورين بالاسم من ” الطائفة ” الكردية التي تم إسكانها في الرقة و ريفها بسلب أموال , و قتل أشخاص , و هتك أعراض سكان قرية ” جاشنيكير كوبروسي “(4) التابعة لناحية ” كونور ” من قضاء ” كسكن قلعجيك “(5) واسترحامه رفع الظلم عنهم .]
و الوثيقة ذات الرقم 6 من المجلد 265 رمز الخزانة C..DH.. تاريخ 1797 م تروي العدول عن تعيين أحدهم في منصب رفيع فقط لكون أحد أبويه من أصول كردية !! :
[حكم بلزوم بقاء المدعوحسين آغا ” زعيم عينتاب ” و أحد فرسان قضاء ” خاصة “(6) في عينتاب في الوقت الراهن رغم تعيينه مرافقاً لوالي الرقة , وذلك لكون احتمال قيامه بأعمال شغب قائماً في أية لحظة كون أصوله كردية من جهة وتركمانية من جهة أخرى .]
أما الوثيقة ذات الرقم 114 من المجلد 5160 رمز الخزانة C..ML.. تاريخ 1807 م يبين وصول الأمر إلى حدِ احتاج فيه العثماني لقوة عسكرية مسلحة للجم تمادي الكرد في ” غيهم ” !! :
[كتاب والي الرقة يوسف باشا المتضمن فرز 300 عسكري مسلح , للتنكيل بالمجرمين ” الأشقياء ” الكرد و التركمان و العربان في الرقة و محيطها .]
و الكرد دائماً مديونون للذمة الأميرية , و لابد من ملاحقتهم لتحصيل ما بذمتهم كما تصف الوثيقة ذات الرقم 188 من المجلد 7819 رمز الخزانة C..ML تاريخ 1814 م :
[بيان بالأموال الأميرية المتبقية في ذمة الكرد و العشائر الكردية القاطنة في الرقة .]
أما الوثيقة ذات الرقم 765 من المجلد 36091 رمز الخزانة CHAT تاريخ 1816 م تصف حيرة العثماني في التعامل مع الكرد في بعض الأحيان :
[كتاب رجاء مختوم من قبل والي ديار بكر أبو بكر باشا بوساطة من والي الأناضول خورشيد أحمد باشا و الموقع من قبل متصرف مرعش السابق أحمد عبدي
” منذ القدم تمنح ولاية ديار بكر و ولاية الرقة لوالِ واحد , ولأن الوالي دائماً ما كان يقيم في ديار بكر كانت عشائر الرقة تقوم بالعصيان و التجاوزات , وحين كان الوالي يأتي إلى الرقة كان كرد ديار بكر يبدؤون بالشقاوة و العصيان .لذا لا بد من بيان أن تعيين والِ مستقل لكل من ديار بكر و الرقة على حدا سيكون من شأنه ضبط الأمور و النظام في كلتا الولايتين .]
و الوثيقة ذات الرقم 329 من المجلد 19070 رمز الخزانة FHAT تاريخ 1835 م تحمل نفس المضمون السابق :
[انتقال تبعية سبعة قرى من قضاء قلعة الروم يسكنها كرد الرشيد بين ولاية الرقة و ولاية عينتاب عدة مرات بناء على التماسات مختلفة مقدمة من قبل كل من والي الرقة و والي عينتاب و إدارة المناجم العثمانية .]
و أيضا يتكرر ” ظلم الكرد ” فنجد والياً عثمانياً يتدخل لدى السلطان ليحث والياً آخر على ردع الكرد عن ظلمهم !! في الوثيقة ذات الرقم 160 من المجلد 7970 رمز الخزانة C..DH..تاريخ 1839 م :
[كتاب محرر من قبل والي ديار بكر حاج علي باشا بخصوص استصدار أمر إلى والي الرقة حسن باشا لبحث ومنع الظلم الذي يتعرض له أهالي سويرك (7)على يد الكرد المليين القاطنين في ولاية الرقة .]
و من الملفت أيضاً , أنه و رغم تحدث الكثير من المصادر و المراجع التاريخية عن مآثر الكرد و دورهم في “الإقليم السوري” تاريخياً , نجد الرواية التاريخية الرسمية للدولة العثمانية تغفل تماماً كل ما هو ايجابي فيما يتعلق بهم , ولعل أكثر التحاليل ايجابية تعزو هذا الأمر لسياسة الجمهورية التركية في تعاملها مع موضوع عرض الأرشيف العثماني , وليس للمدون العثماني للأرشيف نفسه ,الأمر الذي ذهبنا سابقاً .
هوامش:
1 – ناحية البستان- سنجق مرعش – ولاية ذو القادرية, أسماء الأماكن العثمانية – طاهر سازان – من منشورات المديرية العامة لأرشيف الدولة التركية – أنقرة 2006- صفحة 163.
2 – بيلربي هو منصب عثماني يطلق على رئيس هيئة بيكاوات سنجق أوولاية ما , و هو على الغالب الوالي نفسه – معدّ الدراسة .
3 – منجم أرغاني – ولاية ديار بكر – المصدر السابق – صفحة 172.
4 – قرية جسر چاشنيكير, تحولت هذه القرية إلى قضاء تابع لولاية أنقرة عام 1849م – المصدر السابق – صفحة 110.
5 – قضاء كسكين قلعه جيك – ولاية أنقرة – المصدر السابق – صفحة 266 .
6 – قضاءخاصة – سنجق مرعش – ولاية حلب , وقد سمي بهذا الاسم لاتخاذ أول طابور من الطوابير الخاصة لفرقة “الاصلاحية ” مقراً له في هذا المكان . المصدر السابق – صفحة 226.
7- كانت سويرك حتى عام 1910 م قضاءً تابعاً لولاية ديار بكر ثم أنتقلت تبعيتها الإدارية لولاية شانلي أورفا في عهد الجمهورية – المصدر السابق – صفحة 452.[1]