الجزيرة الفراتية في مطلع القرن العشرين من خلال كتاب مارك سايكس “ميراث الخلفاء الأخير”
(تنشر المادة بالتزامن بين مجلة “الحوار” العدد76 و”مدارات كرد” )
د. نضال درويش
الجزء الأول :
الكولونيل مارك سايكس Mark Sykes (1879–1919م) دبلوماسي وسياسي بريطاني معروف ارتبط اسمه باتفاقية سايكس وبيكو السرية (1916) والتي عقدت بين بريطانيا وفرنسا بغاية تقسيم إرث الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى (1914-1918). عمدت بريطانيا وقبل رسم سياساتها بخصوص الشرق إلى ارسال دبلوماسيين وجواسيس إلى المنطقة ومن بينهم مارك سايكس، للقيام بدراسة أحوال المنطقة وشعوبها من مختلف النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ولتحقيق هذه الغاية قام مارك سايكس برحلة طويلة ضمن مناطق سوريا والأناضول وكردستان. ويخبرنا سايكس في كتابه “ميراث الخلفاء الأخير״[1] بأن المعلومات التي جمعها في كتابه هي نتائج تجوالٍ لنحو (12 ألف كلم) على ظهر الخيل، ومحادثات لا تعد ولا تحصى مع رجال الشرطة والمسلحين والملالي والرعاة وتجار الأغنام وتجار الخيول وشركات النقل وغيرهم من الأشخاص القادرين على إعطاء معلومات مباشرة.
يتألف كتاب سايكس من جزأين يحوي كل منهما عدة فصول: في الجزء الأول يعرض سايكس وبشكل مختصر تاريخ المنطقة والإمبراطوريات والممالك التي حكمتها منذ القدم وحتى الفترة العثمانية. أما في الجزء الثاني فيعرض فيه معلومات عن الجزيرة والعراق والأناضول وكردستان وسوريا. في هذه الأسطر سأعرض فقط المعلومات التي عرضها سايكس عن منطقة الجزيرة و التي أفرد لها فصلاً خاصاً في الصفحات 298-340 من الكتاب.
بدأ مارك سايكس رحلته إلى الجزيرة من مدينة حلب وذلك سنة 1906، انطلق منها باتجاه مسكنة وبحسبه فإن الناس في المنطقة الممتدة بين المدينتين يسكنون في قرى بنيت منازلها من الطين ، وينتمي سكان تلك القرى إلى خليط من الأثنيات، يتحدثون التركية والكردية والعربية. وبعض تلك القرى كانت تخص أثرياء حلب، وكان لهم نفوذ كبير بحيث يستطيعون حماية مستأجريهم من السلطات، الأمر الذي يشير إلى فساد السلطات العثمانية والفساد المستشري في مؤسساتها. ثم يبدأ سايكس بوصف مكونات شرق حلب حيث يقول: إلى الشرق من حلب يوجد شعب مميز، حيث يتمتع الكرد والعرب بمزايا آبائهم المفعمة بالاحترام. يبدو لي أن شباب الجيل الأول يتمتعون ببشرة جميلة وبنية جسدية قوية وقلوب طيبة وهم بطبيعتهم أناس كادحون . وقبل سرده لتفاصيل رحلته إلى منطقة الجزيرة يتحدث سايكس عن مكونات الجزيرة بالشكل الآتي: خلف الفرات تقع الجزيرة وهي مسكونة بقبائل كردية وعربية ويزيدية (إيزيدية – المترجم). وقد انتقل عدد جديد من السكان الكرد والعرب إلى المنطقة. لقد اندفع العرب نحو الشمال نتيجة للجفاف والجوع أما الكرد فقد اندفعوا إلى الجنوب من منطقة الجبال نتيجة لحروب سليم الأول في سنة 1566.(توفي سليم الأول عام 1520 م وتوفي سليمان القانوني عام 1566م ) ويشير سايكس إلى حالة الفوضى والصراعات بين قبائل الجزيرة حيث يذكر الآتي: في شهري آذار ونيسان توجد حروب في جميع جهات الجزيرة، ليس لأن الناس دمويون وليس لأنهم متوحشون وجشعون بل لأنه أمر ممتع بالنسبة لهم (ص 303).
انطلق سايكس من مسكنة وعلى بعد أربعة أميال باتجاه الجنوب التقى بشيخ نايف، شيخ عشيرة الولدة، وهي حسب وصفه عشيرة فقيرة لا تملك الجمال والأحصنة وتعتمد على الحمير في نقل خيمها وأغراضها. ثم يصف سايكس رحلته من هناك نحو تل السمن: في منتصف الطريق صادفنا عشيرة العنزة وفي الصباح الباكر صادفنا مجموعة من الكرد ظهروا من وادي دوشان وامتطوا أحصنتهم وتوجهوا نحو تل السمن، وفي الطريق عند الكويلة [2]Guela (وهي بحيرة ربيعية ترتبط مع البليخ عن طريق قناة) التقى سايكس ب شيخ خلف شيخ قبيلة الفلاحين (هكذا ورد الاسم من قبل المؤلف Fellahin tribe) الذي كان يخضع لسلطة إبراهيم باشا الملّي الكردي. ومن خلال حديث سايكس مع الشيخ خلف يبدو جلياً ما جلبته غزوات القبائل من دمار ومآسي لأبناء الجزيرة، وكنتيجة لتلك الغزوات فأن أبناء المنطقة لم يكن بإمكانهم ممارسة الزراعة والاستقرار في القرى، بل أن قبيلة الكيكان وكما سنرى أدناه قد اضطرت إلى ترك قراها والتوجه نحو الشمال نتيجة لغزوات الشمر، وكانت القبائل الأقل قوة وعدداً مضطرة إلى ممارسة البداوة وتقديم الطاعة للقبائل القوية ، التي كانت تفرض سطوتها على المنطقة وتغزو القبائل الصغيرة وتنهب مواشيها وممتلكاتها، وأورد هنا ما قاله الشيخ خلف لسايكس: على ماذا يتقاتلون؟ على عدة جمال؟، إن ضفة البليخ اذا تم زراعتها ستكفي مليون شخص ليعيشوا برفاه (ص 304-312).
توجه مارك سايكس من تل السمن باتجاه الرقة ومنها إلى تل حمام حيث صادف عشيرة تركمانية صغيرة كانت قد تم معاقبتها من قبل السلطات العثمانية التي أجبرتها على الانتقال إلى منطقة البليخ، وكانت تلك القبيلة تخضع بداية لسلطة القبائل العربية ولكنها خلال زيارة سايكس كانت تخضع لسلطة إبراهيم باشا المللي (ص 315). توجه سايكس من منطقة البليخ باتجاه الشرق وبعد مسيرة دام سبع ساعات وصل إلى مضارب قبيلة العدوان. وهنا يزوّدنا سايكس بمعلومات هامة عن طبيعة السكان في الجزيرة، حيث يقول: أن موقف عشيرة العدوان تعطينا نظرة ثاقبة عن التاريخ السياسي للمنطقة، هذه العشيرة هم في الأصل فرع من العنزة وقد هاجرو إلى الجزيرة من محيط تدمر بعد غزو قبيلة الشمر وذلك بنهاية القرن الماضي. منذ ذلك الوقت ابتعدت عشيرة العدوان تدريجياً عن وسطها العربي وارتبطت مع القبائل الكردية وبسبب المصاهرات مع الكرد أصبحوا كرداً تقريباً. يُدعى شيخهم محمود آغا ويتحدث العربية بصعوبة (ص 316) وخلال حديثه عن سلوك الشيخ الذي يصفه سايكس بغير اللائق، يصفه سايكس بالآغا الكردي.[3]
ويشير سايكس إلى الأمان الذي كان يتمتع به التجار خلال تحركهم ضمن مناطق القبيلة الملُية[4] وبشكل خاص التجار الأرمن إذ يقول: اليوم الثاني من الرحلة كان مشابهاً لليوم الأول حيث أننا في وضع جيد وآمن وصادفنا قوافل التجار الصغيرة التي تتاجر بين مختلف قبائل الاتحاد الملّي، وقد ساهم في تلك التجارة بعض تجار القرى الأرمنية حول ويران شهر[5] الذين كانوا يشعرون بأمان كبير ويتم معاملتهم بلطف واحترام في منطقة الملّان، في حين أنهم كانوا عرضة للسرقة في مناطق الحدود الجنوبية من قبل العنزة والشمر (ص 316-317). بالطبع لم تكن القبائل العربية وحدها تمارس الغزو وإنما كانت تلك حالة عامة مارستها جميع القبائل التي وجدت في نفسها القوة لمهاجمة من هم أضعف منهم.
ويسرد سايكس ما سمعه أو شاهده خلال رحلته إلى إبراهيم باشا ، زعيم قبائل الملّية: اجتزنا عدة مخيمات للكرد ولم نحصل إلا على معلومات قليلة من قبل الناس وقد وصلنا خبر نهب المبشرة السيدة شاتوك في أورفا من قبل قبيلة البرازية وتم سجن الكثير من الناس بسببها. وبعد المسير لمدة ساعة وصلنا إلى خيمة إبراهيم باشا (ص 317)، الذي خرج لاستقبالي وقبّل كتفي واستقبلني في خيمته الضخمة التي تحملها مئة عمود وتبلغ مساحتها 150 متر مربع. ينقل لنا مارك سايكس معلومات تاريخية هامة على لسان براهيم باشا، وهنا سأكتفي بسرد أهمها وأتجنب ذكر ما أورده أحمد أبو بكر عثمان في كتابه المعنون: أكراد الملّي وابراهيم باشا، والذي صدر في بغداد 1973.
لا يتوفر وصف.
سايكس مع ابراهيم باشا في ويران شهر 1906
يذكر سايكس بأنه في بداية القرن 19، في عصر السلطان محمود كان يوجد ثلاثة أمراء أقوياء في المنطقة الغربية من الإمبراطورية العثمانية، أحدهم أيوب بك وهو والد جد ابراهيم باشا وكان يسيطر على الجزيرة من بحيرة بنكول (Bengol) في الغرب إلى جبل سنجار في الشرق، أما الأمير الثاني فكان مير محمد ، حاكم رواندوز، وكان سيداً على كامل المنطقة بين الموصل والحدود الشرقية، في حين أن صفوق شيخ الشمر كان رئيس جميع قبائل البدو في الجنوب. وعاش هؤلاء الأمراء في حالة حرب دائمة على الزعامة ولم يعيروا هتماماً كبيراً بالسلطان العثماني وكذلك بوالي بغداد العثماني، ولهذا بعث السلطان العثماني رشيد باشا لمحاربتهم، وقد تمكن من القبض على الأمير محمد الرواندوزي وقتله، أما صفوق وأيوب فقد تم القبض عليهما وسجنهما في ديار بكر، وقد توفيا في السجن (ص 319).
خلف تيماوي أيوب في حكم قبيلة الملاّن، وعند اندلاع الحرب بين ابراهيم باشا ابن محمد علي باشا والي مصر وقف أيوب إلى جانب المصريين ضد العثمانيين وهاجم القوات العثمانية في ماردين ليمنعهم من المشاركة في الجيش المرسل إلى نزيب (بلدة قريبة من جرابلس). سيطر تيماوي على ماردين لكنه قُتل خلال المناوشات. بعد خسارة المصريين تعرّضت القبيلة المليّة لنكبات وساد الفقر بينهم وسادت النزاعات بين أبناء القبيلة وتم نهبهم من قبل الشمر والطي الذين دمروا قراهم ودفعم للانسحاب نحو جبل قره جداغ، بينما منعتهم السطات العثمانية من الأقتراب من بنغول أو دياربكر حيث كانوا يخيمون هناك قديماً. وظل الوضع على هذا الحال إلى أن شب محمود بك ابن تيماوي وبدأ بقيادة القبيلة ولكن لم يحالفه الحظ في لم شمل القبيلة، فأرسل له والي دمشق العثماني ،بناءاً على طلبه، بعض الجند (100 رجل) حيث استطاع بمساعدتهم طردَ عشيرتي الطي والشمر ، وجمع قواته في ويران شهر وبنى قلعة هناك. لكن عمر باشا والي دياربكر سحق هذا التحرك وأسر محمود بك وحرق قلعة ويران شهر.
عندها كان ابراهيم باشا في السابعة عشرة من عمره توجّه بأمر من والده ابراهيم برفقة 50 فارسٍ إلى مصر ساعياً إلى طلب المساعدة من الخديوي اسماعيل. لكن الخديوي قدم له فقط بعض المال. لهذا توجه ابراهيم إلى دمشق لطلب المساعدة من أمير الحج الكردي الذي نصحه بالتوجه إلى السلطان العثماني ووضع طلبه أمام السلطان مباشرة. عندما وصل ابراهيم باشا إلى القسطنطينية ولحسن حظه كان الخديوي اسماعيل موجوداً هناك، الأمر الذي أتاح له الفرصة ليذكّره بالعلاقة بين قبيلته المليّة ومصر. توسط الخديوي اسماعيل لدى السلطان عبد العزيز وحصل منه على أمر بإطلاق سراح محمود بك. عاد ابراهيم مع والده إلى ويران شهر وبدأ بإدارة القبيلة مع والده. توفي محمود مباشرة بعد إطلاق سراحه من السجن. تولى ابراهيم رئاسة القبيلة, وبدأ بنهب القوافل والتجار الأمر الذي دفعت بالسلطات للتدخل والقبض عليه وارساله إلى سيواس مع ستة شيوخ آخرين. بقي إبراهيم هناك لمدة ستة أشهر واستطاع بعدها الهروب والعودة إلى ويران شهر ، في رحلة شاقة استغرقت عدة أيام وهي قصة مشوقة بكل تفاصيلها وقد سردها أحمد أبو بكر عثمان في كتابه عن الملّان نقلاً عن سايكس. نظراً لأن العثمانيين كانوا على وشك الدخول في حرب ضد روسيا فأنهم لم يسعوا إلى إلقاء القبض عليه، بل أن السلطات حرصت على أن تبقى المنطقة آمنة في ذلك الوقت. بدأ ابراهيم بتحسين علاقاته مع “الشيشان” وتمكن من كسب ولاء شيوخ القبائل الصغيرة في المنطقة. في ذلك الوقت بدأ السلطان عبد الحميد بإنشاء فرق الفرسان الحميدية. زار ابراهيم باشا السلطان (سنة 1902) وحصل منه على لقب باشا وبدأ بانشاء فرق الخيالة التي زادته قوة واستطاع مقاومة شمر وعنزة وطردهم إلى مناطقهم. [6]
تميز ابراهيم باشا بحسن تعامله مع المسيحيين، حيث شجع الأرمن والكلدان باللجوء إلى ويران شهر وأسس سوقاً في المدينة. بينما كانت القبائل الأخرى تقوم بقتل ونهب الأرمن كان ابراهيم باشا يحميهم ويشجعهم على الهجرة إلى منطقة نفوذه. ويقدر عدد الذين أنقذهم ابراهيم باشا من مجازر العثمانيين بحوالي 10 آلاف أرمني. وكسب ابراهيم السيادة على قبيلة قيس (جيس) بعد أن تزوج من أخت شيخهم، وتبعه العفادلة والبكارة والشرابيين والشيشان والكرد المحيطين بماردين، بينما أصبح الطي والشمر والجبور والعنزة أعداءه الدائمين. استفاد ابراهيم من العداء الطويل بين طرفي شمر واستطاع بحكمته واتباع اسلوب الرشوة والخطابة من كسب الشيخ جار الله إلى جانبه وكان يتبعه 1500 خيمة. ازداد الباشا قوة وغنى ً واستطاع جذب القوافل إلى منطقة نفوذه وأمّن لهم الحماية. كان على جميع القوافل التي تتاجر بين ديار بكر وماردين المرور من منطقة نفوذ ابراهيم باشا. وعندما بدأ قبيلة قرةكيج Qeregêçبنهب القوافل احتج ابراهيم باشا 1904 لدى والي اورفا لكنه لم يتدخل ، فأراد بنفسه وضع حد لتصرفاتهم، فهاجمهم لكن والي أورفا أرسل قوة لمنع ابراهيم باشا من مهاجمة القره كيجية ، فقام ابراهيم بقتل الضابط العثماني وتجريد جنوده من السلاح ثم قام بمحاسبة القرةكيجية وجلب خيامهم وممتلكاتهم إلى ويران شهر. بعد ذلك حدثت مصاهرات بين العشيرتين وأعاد ابراهيم إليهم جميع ممتلكاتهم وأكثر مما كان قد أخذ منهم. ولتجنب غضب السلطان العثماني قام ابراهيم باشا بإرسال حمولة 500 جمل من السمن إلى السلطان. بدأ الباشا بعد ذلك بالهجوم على قرى العشائر المحايدة كالبرازية لإجبارهم على قبول سيادته. وكان له جواسيس في كل مدينة (ص 325-327).
يشير سايكس إلى أسباب سيادة نمط البداوة وعمليات الغزو في الجزيرة كالآتي:
الأكراد والعرب الأوغاد (يقصد سايكس من يقوم بأعمال السطو) ليسوا أغبياء بأي حال من الأحوال ، قد تم فرض حياة القرصنة الرعوية عليهم بسبب سياسة الحكومة لتشجيع العداوات القبلية. من الصعب تقدير ذلك ، لكني أرى أن الجزء الأكبر من البدو في شمال الجزيرة سيتحولون إلى حالة الاستقرارعلى الفور إذا تم ضمان الأمن لهم فقط. وأنا على يقين من أن قوات الشرطة الحالية للحكومة كافية للحفاظ على النظام ، إذا سمح للضباط فقط باتخاذ الخطوات اللازمة للتحقق من المداهمات ومعاقبة المخالفين (ص 330-331). وقد أشار إلى هذه الحقيقة باحثين ورحالة آخرين كالعالم الروسي ديتيل على سبيل المثال الذي قام بجولة سياحية في الشرق بين عام 1842-1845، حيث ذكر بأن ״السلطات التركية قلما تتدخل لاصلاح خلافات القبائل لانها لا ترى في ذلك منفعة لها فهي تفرح إذا ترى القبائل تستأصل بعضها البعض في سبيل سلامة تركيا.[7
انطلق سايكس من ويران شهر باتجاه رأس العين وعندما وصلها كان يسكنها خمسة آلاف عائلة شركسية (يقصد الشيشان Çeçan)، أسكنهم العثمانيون هناك ليمارسوا الزراعة، ولكن بعد وصول الشيشان إلى المنطقة بفترة قصيرة انتشر بينهم مرض الجدري والكوليرا والحمى، وبحسب مارك سايكس فإنه كان للملابس التقليدية التي كان يرتديها الشيشان دور كبير في ازدياد أعداد الضحايا. يصف سايكس وضعهم كالآتي: في وقت قصير احتوت المقبرة على عدد من السكان أكثر من سكان البلدة الجديدة وهجر الشيشان مستوطنتهم في حالة فزع، ولم يتركوا وراءهم سوى عدد قليل من الرجال ذوي العزم، الذين تمسكوا بعناد بأرضهم الجديدة. لكن هذه الكارثة يجب ألا تثبط أولئك الذين يأملون في استعادة الجزيرة. الشركس هم أناس يتمتعون بصفات عديدة مثيرة للإعجاب. لكن النظافة ليست واحدة منها. الشعور الخاطئ بالشرف جعلهم يحتفظون بثيابهم الأصلية وقبعاتهم الصوفية، التي رفضوا التخلي عنها خوفًا من فقدان هويتهم. كان نتيجة هذا العناد أن ضربة الشمس والسكتة الدماغية والجدري والكوليرا تمكنت منهم بشكل أسهل مما كان يمكن أن يكون عليه الحال مع أي نوع آخر من المستوطنين (ص 328). قدم الشيشان إلى رأس العين من مناطق القفقاس نتيجة للحرب ضد روسيا القيصرية وقد بدأ هجرتهم إلى منطقة رأس العين منذ عام 1854 واستمرت حتى سنة 1888، حيث استقروا بداية في رأس العين وقرية السفح ومن ثم توزعوا في 16 قرية حوالي رأس العين. [8]
قبل وصول الشيشان إلى رأس العين بحوالي 40 سنة مر جون مكدونالد كينير، الوكيل السياسي لشركة الهند الشرقية، بالمكان (سنة 1813) وذلك خلال رحلته من سيرت إلى ماردين، ووصف المكان على أنه خربة وأن مضيفه شاهد هناك أنقاض معبد رائع، حيث وُجِد ثمانية أو عشرة أعمدة رخامية جميلة مقلوبة في الرمال. لسوء الحظ لم يعطي جون مكدونالد معلومات أخرى بخصوص المكان ولا نعلم على ماذا ارتكز في وصفه لتلك الأعمدة على أنها بقايا معبد.[9]
تابع سايكس طريقه من رأس العين باتجاه نهر الزركان Zirgan التي كتبها بصيغة Girgan ولكن من خلال الوصف يتبين أنه يقصد نهر الزركان لأن سايكس وقبل وصوله إلى الزركان اجتاز نهر الجرجب ومن بعد اجتيازه نهر الزركان توجه غرباً واجتاز نهر العويج (كان يسمى أيضاً اوكسس ويمر غرب بلدة الدرباسية مباشرة ويسمى حالياً نهر جتلي Çetelê). وهنا صادف سايكس خيم قبيلة الكيكية وألتقى برئيسهم عبد الرحمن آغا ، ونظراً لأهمية الحديث الذي دار بينهما ننقل لكم ما ذكره سايكس عن اللقاء وبشكل شبه مفصل:
في زركان وجدنا معسكراً كبيراً للكرد الكيكية ، تحت قيادة الشيخ عبد الرحمن آغا. دخلت وحسب عادات البادية إلى باب خيمة الشيخ وألقيت عليه التحية المعتادة ولكن بدلاً من الترحيب العميق على الطريقة البدوية سمعت فقط صوتاً مشوشاً وغاضباً إلى حد ما ومع ذلك جلست على وسادة واتخذت لي مكاناً عند النار، ولكن لم يتم التحدث بكلمة. كان الآغا ، وهو رجل طويل القامة ذو مظهر غير لطيف ، وشيء في وجهه يذكرني بوزير اسكتلندي صارم لا يلين عرفته ذات مرة ، كان يحدق في وجهي من تحت حواجبه المتدلية. أصبح الصمت لا يطاق. إن النظرة الثاقبة لخمسين رجلاً مسلحاً مشوشة إلى حد ما وهذا الصمت الذي يشبه الموت جعل من الوضع أكثر من محرج. عجزت عن الحديث. بدأ يعقوب في تولي المهمة ببعض الخوف ، وأمره الآغا بالهدوء ونهض بدون كلمة، وفي هذا الوقت بدأت أشعر بعدم الارتياح حقاً ، تساءلت عما سيحدث بعد ذلك. ومع ذلك ، عاد الآغا فجأة ، ويتبعه ما لا يقل عن أربعة رجال ، محملين بالطعام من جميع الأوصاف. قال “أكل” ، ذلك الرجل الحجري بصوت مهدد ، وبسبب جوعي، كنت سعيداً بما يكفي للامتثال لطلبه. كان تعليق يعقوب وهو يبتلع كمية من الأرز: “هؤلاء الناس فضوليون ، لكنهم ليسوا سيئين تماماً”. بعدما تناولنا الطعام ، خرج عبد الرحمن عن جموده قليلاً ، ووصل إلى حد الاستفسار عن جنسيتي ، وأصبحت الأمور أقل توتراً قليلاً ، ثم لاحقاً تمكنت من الجلوس في خيمتي. بعد الظهر بقليل زارني الآغا وبصحبته ابن أخيه والملا .
لم يوافق عبد الرحمن حتى الآن على مناقشة مشروع سكة الحديد الجديدة (يقصد سايكس سكة حديد برلين بغداد التي بدأ المباشرة بتنفيذها من قبل ألمانيا سنة 1906). لقد كان هو والملا مؤيدين بشدة للمخطط. كان الملا فخوراً بمعرفته ، بدأ بسرد أسماء قائمة من المدن العظيمة التي كانت موجودة سابقاً تحت حكم الخلفاء في بغداد، ودفع نظارته إلى حواجبه، وعبر عن أمله بالاستعادة السريعة لمجدهم السابق وأنهى حديثه بالقول في ظل أي حكومة أخرى كان يمكن القيام بهذا الأمر منذ فترة طويلة”. قاطعه الآغا وقال له أنت غبي لقول ذلك أمامه (أي أمام سايكس)، وانهار الملا وابتسم وغمز في اتجاهي. ومع ذلك ، واصل الآغا نفسه مناقشة الأمر وقال: ” في السابق كان الكيكان يعيشون هنا في القرى، ثم جاء الشمر وقاموا بطردنا. لقد هجرنا آخر قرانا قبل حوالي 12 عاماً، وبنينا قرى جديدة على جبل “قره جداغ” ، حيث نزرع الأرض الآن. ما زلنا نأتي إلى هنا لرعاية قطعاننا في الربيع، لإظهار حقنا بهذه الأرض “.سألته إذا كان الشمر قد سبب له أي مشكلة. “سابقاً” ، كان رده مقتضب. سألته لما ليس الان؟، قال: في السابق “كان لدينا فقط رماح ، والآن الشمر بارعون في استخدام الرماح وأحصنتهم سريعة أيضاً. إلى جانب ذلك فهم أكثر عدداً من رجالي. لكنني اشتريت مؤخراً وبثمن باهظ خمسين بندقية من نوع مارتيني. وجدير بالقول أن المارتيني لا فائدة منه لرجال على ظهور الخيل ضد رجال يحملون الرماح. يصرخ البدويون ويجرون بسرعة نحو الرجال المسلحين ببندقية المارتيني فينتابهم الخوف ويهربون. وقد علمت ذلك حين اشتريت المارتيني ، وكذلك علمت الشمر. لكن شمر لم يكونوا يعلمون ما كنت أعرفه ، وهو أن الرجل الذي يسير على الأقدام وهو مسلح ببندقة المارتيني يساوي العديد من الرجال الذين يحاربون بالرماح. في العام الماضي نهب الشمر عدة آلاف من أغنامنا. فاخذت معي خمسين رجلا ومعنا بنادق المارتيني وسرنا خلفهم. وعندما وصلنا بالقرب منهم أمرت رجالي بالترجل عن أفراسهم.
فظن الشمر أننا قد أتينا للاستسلام ، وركضوا نحونا كأشباح، يصرخون ويلوحون برماحهم حسب العادة. قلت لرجالي أن يقفوا بلا حركة على الأرض وينتظروا. عندما جاء الشمر على بعد دقيقة واحدة، طلبت من رجالي أن يطلقوا النار في الحال. هرب الشمر ، لكن أطلقنا النار أربع مرات قبل أن يكونوا على مسافة آمنة. غضب شيوخهم ، وقالوا إن ذلك مخالف لقواعد الغزو، ومخجل ، لأننا جرحنا أثني عشر منهم. لكننا تمكنا من استعادة كل أغنامنا، وأنا لا أهتم بما يقوله الشمر ، فهم الآن يخشون لمس أي من ماشيتي ، وعليهم أن يبحثوا عن السرقة في مكان آخر. إن البدو لا يفهمون “المارتيني” أكثر مما أنا أفهم الرماح. هذه الغزوات أعمال حمقاء ولكن ابراهيم يحبها وهي لا تجلب الثروات، بعكس عمل الفلاحين والزراعة. عندما يتم مد سكة الحديد سأصبح غنياً للغاية. سأجلب كل شعبي هنا ، ستضطر الحكومة لحمايتهم ، وسوف يبنون العديد من القرى ، ربما ستمائمة أو سبعمائة قرية”. سألته عمّا سيفعله الشمّر عندما تمتد خط سكة الحديد، قال: سيعودون إلى نجد ( في شبه الجزيرة العربية) أو سيعملون كرعاة لدينا. أنقل إليكم آراء عبد الرحمن أغا كما سمعتها منه ، وأعتقد أنها، في الواقع، هي الآراء التي يحملها عموماً قادة المسلمين الأكثر ذكاءً في الجزيرة ، باستثناء شيوخ الشمر وأغاوات الكرد السيئين (ص 328-330).
هوامش :
[1] Sykes, Mark, The Caliphs’ last Heritage, A short History of the Turkish Empire, London 1915, 553.
[2] ربما هي من كلمة gol الكردية التي تعني حرفياً بحيرة.
[3] كانت عشيرة العدوان منضوية ضمن تحالف القبيلة الملّية، وكان الباشاوات يعتمدون على أبناء هذه العشيرة والإيزيديين (شرقيان) في حراستهم الشخصية وكانون يسمون عبرة الباشا، انظر:
Driver, G.R., Kurdistan and the Kurds, 1919, 27.
[4] يقطن الملّيون على منحدرات جبل قره جة داغ، بين بلدات بيرجيك وسيفيريك وديار بكر وماردين وويران شهر وأورفا، وهم رعاة ومزارعون يقضون شهر كانون الثاني حتى نيسان على المنحدرات السفلية لقره جداغ وفي شهر نيسان ينزلون إلى السهول التي تقع حول رأس العين ويصلون حتى جبل عبد- العزيز. من منتصف حزيران وحتى أيلول كانوا يتجهون شمالاً نحو ديار بكر ، بينما من تشرين الأول إلى كانون الأول فأنهم كانوا يعودون ببطء إلى أماكنهم في قره جداغ ؛ يبدو أن أقصى حد شرقي لهم هو قرية ديريك، انظر:
Driver, G.R., Kurdistan and the Kurds, 1919, 26.
[5] تقع ويران شهر جنوب جبل قره جداغ (بين اورفا وماردين)، حوالي 50 كم شمال بلدة رأس العين، كان ويران شهر مقر للقبيلة الملّية، بعد وفاة ابراهيم باشا عام 1908 تم نهب البلدة من قبل العرب والأتراك وقتل الكثير من سكانها، انظر:
Driver, G.R., Kurdistan and the Kurds, 1919, 7-8.
[6] تم تشكيل ستة أفواج للفرسان الحميدية ضمن قبيلة الملّان، وبعد أن فرض ابراهيم باشا سلطته على القبائل الأخرى أصبح يشرف على 20 فوج بشكل مباشر أو غير مباشر. وكان يسمح للمسلمين السنة فقط تشكيل تلك الأفواج التي تأرجحت عدد فرسانها بين 500 إلى 1150 فارس. لكن أحد الأفواج التي كانت تحت أمرة ابراهيم باشا ضمت فرعاً من قبيلة تورينان الإيزيدية وكانت تحت قيادة القائد الإيزيدي بيساري كولوز. وقد بلغ عدد الفرسان في الأفواج الخاضعة لابراهيم باشا 16 ألف فارس. وحصل أولاد ابراهيم، محمود وخليل وتيمور، على رتبة قائمقام. في بداية حياته المهنية كقائد فوج ، فرض إبراهيم سلطته على منطقة تمتد من ويران شهر إلى سيفريك وديريك ودياربكر ؛ في مطلع القرن العشرين ، سيطر ابراهيم باشا على منطقة واسعة جدًا ، تُعرف الآن باسم مقاطعات ماردين وأورفا ودياربكر، انظر بالتفصيل حول دور ابراهيم باشا في:
Jongerden, Joost, Elite encounters of a violent kind MilliIbrahim Paşa, Ziya Gökalp and political struggle in Diyarbekir at the turn of the 20th century.2012, 61-64.
[7] خالفين، أ،الصراع على كردستان، ترجمة أحمد عثمان أبو بكر، في الآثار الكاملة للدكتور أحمد عثمان أبو بكر،الجزء الأول، إعداد آزاد عبيد صالح، السليمانية 2009. ص 32.
[8] انظر في حاج درويش، نضال محمود، دراسات في آثار ميديا وبلاد الرافدين العليا، دمشق 2020، 55.
[9] Kinneir, J.M., Journey through Asia Minor, Armenia, and Kurdistan in 1813–14, with Remarks on the Marches of Alexander the Great and of the Ten Thousand Greeks (London, 1818) 431.
الجزء الثاني :
…وخلال حديثه لسايكس ربط عبد الرحمن آغا نَسَبه بالعباسيين (ص 577) ربما لاعتقاده بأن هذا الأمر يعزز من مكانتهم السياسية والاجتماعية، وقد كان هذا الأمر مألوفاً في الماضي حيث ربط الكثير من الزعماء الكرد وكذلك العرب نسبهم بالصحابة أو آل الرسول، على سبيل المثال ادّعى أمراء بدليس وبادينان وجمشكزك تحدّرهم من العباسيين. وادّعى أمراء جزيرة بوتان/ جزيرة ابن عمر بأنهم انحدروا من خالد بن الوليد. وربط بعض الأمراء الكرد نسبهم بالأيوبيين على غرار أمراء شيروان وأردلان، وأدّعى أمراء بدليس وساسون بأنهم ينحدرون من إحدى السلالات الفارسية.i
من خلال سرد ما دار بين سايكس وعبد الرحمن آغا يظهر بأن أقساماً من قبيلة الكيكان، وعند وصول سايكس إلى المنطقة سنة 1906 ، كانت تسكن في القرى في منطقة جبل “قره جداغ”، شمال رأس العين، الواقع بين أورفا وماردين،ii الأمر الذي يؤكده درايفر أيضاً، حيث ذكر بأن الكيكان يسكنون حوالي رأس العين ويمتدون نحو ماردين،iii وفي فترة الشتاء والربيع كانوا يتجهون نحو مناطقهم التاريخية في منطقة الخابور لرعي مواشيهم، حيث كان الكيكان وقبل ذلك التاريخ بفترة طويلة يسكنون القرى في منطقة الخابور وقد اضطروا لترك آخر قراهم قبل حوالي 12 سنة من لقاء سايكس مع عبد الرحمن آغا أي في سنة 1894 نتيجة لغزوات شمر على المنطقة، حيث أن الشمر وتحت ضربات الوهابيين قد أُجبروا على ترك بلاد نجد في الجزيرة العربية في عام 1800 م وبدأوا بالتوسع نحو سنجار والمناطق الشمالية اعتباراً من عام 1806.iv ويرد ذكر تدمير قرى قبيلة كيكان في منطقة الخابور من قبل عشيرة شمر في أحداث عام 1827 في كتاب ألّفه مفتي ماردين عبدالسلام الماردينيّ (1785-1843 م) بعنوان “تاريخ ماردين”.v قبل ذلك التاريخ بحوالي 70 عاماً يرد اسم الكيكان في وثيقة من الأرشيف العثماني تعود إلى سنة 1758م وفيها يرد استيلاء قبيلة الملّان على ماشية قبيلة الكيكان في منطقة الخابور وأمر السلطان العثماني لكل من والي بغداد والرقة بطرد الملّان من منطقة الخابور وتدمير حصنهم هناك.vi وخلال مرور الرحالة الدانماركي (الألماني الأصل) كارستن نيبور بمنطقة الجزيرة (سنة 1764) كانت قبيلة الكيكان ‶‶Kikie تهيم في منطقة الجزيرة إلى جانب ستة قبائل أخرى (انظر الخارطة في الأسفل)،
وهي الملّية والدقورية والآشيتية والشيخان Dukurie Schechchanie, Mullie, Aschetie,) (وكانت تسكن في القسم الشمالي من الجزيرة) وقبيلة طي العربية Araber Tai (وكانت تجوب المناطق الجنوبية)، وكانت هذه القبائل تدفع الضرائب لوالي ماردين.vii ويظهر على خريطة نيبورز بأن الكيكان كانوا في نفس المنطقة التي التقى بهم مارك سايكس. علماً أن المسعودي (957م) هو أقدم مصدر ورد لديه ذكر قبيلة الكيكان .viii ولعلّ من المفيد أن أذكر هنا بعض معالم قبيلة الكيكان في منطقة الخابور، والتي ما تزال محتفظة بأسمائها والتي تشير إلى قدم وجود الكيكان في المنطقة، بالرغم من أن أغلب تلك المناطق لم تعد مسكونة من قبلهم:
– كبز كيكان (Kepezê Kîkan) وهي هضبة معروفة تقع على يسار الطريق الواصل بين الدرباسية ورأس العين /سري كانيه. يوجد على قمة الهضبة قبران: أحدهما يعود لشخص اسمه عزيز الخال والقبر
الآخر يعود لشخص يُدعى( سيدايي قسيري seydayê Qesîrî) . ويرد ذكر كبز Kepez في الأرشيف العثماني العائد إلى سنة 1564، كاسم لناحية تضم 16 قرية و31 مزرعة.ix
القوج الكبير (Qȗça Mezin) الذي كان يسمى قوج ميرزة أوغلي ويسمى حاليا “قصرك” جنوب شرق تل تمر ، وكذلك “القوج الصغير” وكان يعرف بقوجا جلوكي.
-خربة سينكان: تقع غرب هضبة “كبز” وتسمى حالياً تل دياب ويسكن فيها حالياً عشيرة الحرب العربية، وكان ينطلق منها 90 خيالاً اثناء الحروب.
– قرية الركبة (Riguba) جنوب تل تمر وكانت تسمى بوزي دفة بوينيه .(Pozê Deve Boynê)
– فيضة سينكان وخفسة سينكان: تقعان غرب الحسكة بالقرب من جبل عبد العزيز ويسكن فيها عشيرة أبو معيش العربية.
–قرية دردرة: تقع شمال تل تمر وقد سميت بهذا الأسم لوجود كثيف لشجرة تسمى دري Darê Diriyê أي أشجار دري التي كانت تنمو على طرفي نهر الزركان وكانت ترتبط مع بعضها البعض بحيث يستطيع المرء العبور من فوقها من طرف النهر إلى الآخر.
– تل شنان: بالقرب من تل تمر كان يسمى كري كو (Girê Gȗ).
–تل رمان: بالقرب من تل تمر وكان يسمى كلا كاسو (Kela Gaso).
– قرية علوني: على طريق الحسكة كانت تسمى كري معي لولي (Girê Miyê Lȗlî) نسبة إلى معي لولي من عشيرة كوردكان الكيكية، ويقع التل بالقرب من الفرع الشرقي لسد الخابور (حوالي 15 كم من الحسكة).
– واركي بَرو (Wargê Pero)، غرب قرية عين العبد وشرق قرية تل شنان، سمي التل بهذا الاسم نسبة إلى زوجة حجي شيخموس خليل التي دفنت هناك.x
بعد لقائه بعبد الرحمن توجه سايكس إلى عين السوفية Ain-es–Sufiyeh على نهر جقجق، وقد مر بنهر العويج، xi ويذكر أنه خلال رحلته ذلك اليوم والتي بلغت 30 ميلاً (48 كم) بأنه لم يجد أية دلائل على الاستقرار في المنطقة من حيث وجود آثار خيم مهجورة أو أي شيء آخر يشير إلى السكن في المنطقة. رأى سايكس في عين السوفية أسس جسر قديم وكان يسرح على ضفة النهر حوالي ثلاثين جاموساً ويشير إلى أن ملكية تلك الحيوانات كانت تعود إلى رجل دين (شيخ)، ونظراً لمكانته الدينية فأن قطعانه كانت محمية من هجمات اللصوص أو الغزوات، لاعتقاد الناس بأن الشخص الذي يتعرض بالضرر للشيخ أو يسرق ممتلكاته فأنه سوف يموت أو يتعرض للمصائب. ثم يروي سايكس قصة خرافية سمعها هناك عن سارق ما ، استولى ذات مرة على قيد أحد أحصنة الشيخ ، فالتصق يده بالمعدن حتى الصباح ، وعندما جاء الشيخ- الذي عرف ما حدث من خلال رؤية- إلى مكان السارق نفخ في يده وأطلق سراحه (ص 332).
انطلق سايكس من عين السوفية نحو بحيرة خاتونية ويذكر بوجود جزيرة في وسط البحيرة ترتبط باليابسة عن طريق جسر صغير. وكانت توجد على الجزيرة قرية صغيرة يسكنها فلاحون عرب وبيوتها عبارة عن أكواخ متداعية نصفها مبنية ونصفها الآخر محفورة بالأرض. وهي أشبه بمساكن الوحوش البرية حسب تعبير سايكس, الأمر الذي يشير إلى سوء الأحوال الاقتصادية في المنطقة. بعد ذلك توجه سايكس إلى سنجار وألتقى اليزيديين (الإيزيديين-المترجم) وسرد بعض مما رآه بخصوص سلوكهم ومظاهرهم، ومنها إلى الموصل وبعد مسيرة يوم وصل إلى خان مدمر كان يوجد على مدخله صورة تمثل رجلين يقتلان تنينين.وكان يخيم بجوار الخان قبيلة منديكان، وحسب سايكس كان معظم أبناء القبيلة يعتنقون الديانة اليزيدية ، لكن شيخ القبيلة إضافة إلى عدد من العائلات كانوا من المسلمين، وهذا الأمر كان مألوفاً بين القبائل الكردية مثل الملّان والهفيركان وغيرهما.
وبعد جولات في المنطقة توجه سايكس نحو زاخو واجتاز نهر بيشخابور ووصل إلى قصروك (ورد الاسم لدى سايكس بصيغة كسروخ Kesrukh) ومن ثم تسلق سفح جبل إيليم داغ ، حيث التقى باليعقوبيين الذين كانوا يدينون بالمسيحية. وحسب سايكس فأنهم كانوا يتحدثون بالكردية ويدّعون بأنهم كرد وينقسمون بين القبائل المحيطة بهم، ولا يختلفون في المظهر عن الكرد. ويذكر سايكس بأنه كانت توجد في الجوار قبيلة أخرى تضم بين أعضائها المسيحيين والإيزيديين والمسلمين ، وأنهم عاشوا معًا بقدر ما يعيش المندكان في سنجار (ص 354-356). وبعد جولة طويلة لسايكس في مناطق عديدة من كردستان (ص 422-424) عاد إلى الرقة ومنها إلى تل السمن ومن ثم عين عيسى التي كانت تتألف ربما من عشرين منزلاً من الطين. انتقل سايكس من عين عيسى إلى تل سحلان وقد التقى بشيخ القرية الذي تحدث له عن تنامي قوة إبراهيم (يقصد إبراهيم باشا الملّي) وكيف أنه جهز جيشاً بلغ تعداده حوالي 18 ألف رجل لطرد عنزة ،وبعدها دمر أربعين قرية بالقرب من ديار بكر لاستفزاز وجهاء تلك المنطقة وقام ببناء ما لا يقل عن 400 قرية حول ويران شهر وخضع له تقريباً جميع اعدائه. استدعاه والي حلب العثماني لكنه أدعى المرض وأنه غير قادر على الحركة وأقنع الوالي بزيارته. ويذكر سايكس بأن إبراهيم باشا قام في العام السابق بأعمال النهب ضد القبائل أكثر من أي وقت مضى ، حيث كانت قبيلة البرازية نصف مدمرة ، وقبيلة الجيس مدمرة بالكامل تقريباً. وكان يتم بيع الأغنام والمسروقات للقرويين وللتجار الأرمن الذين كانوا تحت حماية إبراهيم باشا نظراً للمساعي الحميدة للسيدة شاتوك المبشرة الأرمينية في أورفة (ص 424).
من دبشية توجه سايكس جنوبا إلى خربة الهِدل, وفي الطريق صادف خيم رعاة عرب يخدمون لدى قبيلة البرازية. في اليوم الثاني توجه سايكس إلى جعبر وفي منطقة قريبة منها توقف في مخيم للبرازية، حيث يصف آغا البرازية بالصامت والرصين وأنه كان يرتدي معطفاً رمادياً ويضيف القهوة. ثم يذكر سايكس العشائر المنتمية إلى القبيلة البرازية وعدد أفرادها، وهي كالآتي:
كيتكان( xii) : 700
شيخان: 600
اوخيان: 700
شدادان: 700
معفان: 700
علادينان: 700
زرواران: 500
بيجان: Pijan 800
قرة كيجان: 500
دنان(13): 1000xiii
مير: 1000
ديدان: 300
أي أن عددهم يقارب 32000 شخص ، وهو قريب للصحة بالنسبة إلى 360 قرية الموجودة في سروج (حوالي 10 كم شمال شرق مدينة كوباني الحالية) (ص 454-455). وقد بلغ عدد العائلات البرازية حوالي 9000 عائلة وكانوا بالأصل فرع من Berizanli البرزانلي المنتمية إلى قبيلة حسنان،xiv وقد هاجر البرازية في فترة غير معروفة إلى سروج: ويضيف أن حقيقة وجود القرةكيجان Qeregêçanفي القائمة لا يثبت أن تاريخ استيطان القسم الباقي من القبيلة في سروج يعود إلى حقبة ما بعد السلطان سليم الأول. يدعي البرازية تقليدياً بأنهم ينحدرون من بحيرة وان، وانتقلوا منها إلى سروج في سنة قحط ومجاعة. ويدعي سايكس بأن البرازية كانوا آنذاك مستعربين إلى حد ما ، ويرتدي الكثير منهم الزي العربي واتخذوا العربية لغة للتحدث. ربما يدعي سايكس هذا الأمر نظراً لأن القسم الأكبر من الرجال من أبناء القبائل الكردية في الجزيرة بدأو بارتداء الزي العربي مثل الدشداشة والفستان. وحسب سايكس فأن قسم من البرازية كانوا يمارسون فقط حياة البداوة، وقسم آخر مستقرين بشكل كامل والقسم الآخر شبه رحل، ويضيف بأن البرازية يتمتعون بسمعة سيئة إلى حد ما نظراً لأنهم يمارسون النهب ، لكنهم مجتهدون وأذكياء (579-580). لكن هذه الرواية الشفوية المتداولة بخصوص أصل البرازية لا تتفق مع ما أورده المؤرخ الكردي شرفخان البدليسي (1543–1603م) عن البرازية كأحد أقسام قبيلة السليماني التي استقرت وحكمت ولاية قلب ” كليب ” ،القريبة من دياربكر. في حين أن المؤرخ الكردي علي أكبر كردستاني (وهو من مؤرخي القرن التاسع عشر) يذكر أن الأمير الكبير تيمورلنك (1336 – 1405م)، قام بترحيل ما يقارب من ألفين إلى ثلاثة آلاف من الأسر البرازية من أطراف أورفة في الأراضي العثمانية إلى كردستان الإيرانية، xv الأمر الذي يشير إلى قدم قبيلة البرازية في منطقة سروج (كوباني الحالية وجوارها).
وفي الطريق إلى قلعة جعبر مرّ سايكس بقبر سليمان شاه العثماني الذي غرق في نهر الفرات وبجانبه قبران آخران يعودان ، حسب البعض، إلى أبنائه. وبحسبه كان يوجد على الجانب الأيسر من القبر مكان يحتفظ فيه العرب المحليون بصفيحة زيت كيروسين مليئة بالملح يأكلونها لاعتقادهم بأنها تجلب الحظ ، ويرمون بطاقاتهم وإيصالات الضرائب والأوراق الأخرى في كوة في القبر لأنهم يعتقدون بأن القبر مقدس وآمن من اللصوص (ص 454-456).
ومن جعبر قام سايكس برحلة إلى مخيم قبيلة الولدة وألتقى بشيخهم الذي وصف ما قام به عنزة من دمار في المنطقة، حيث ذكر الشيخ بأن العنزة عندما وصلوا المنطقة قبل 6 سنوات كانوا كالمتسولين أما الآن فهم يسيطرون عليها وأصبحوا مثل الأمراء ويدفعون بقبيلة الولدة للذهاب للغزوات، ثم يسأل الشيخ ما الذي نعلمه من الغزوات ؟ نحن قوم فلاحين .لقد أخرجونا العام الماضي لمحاربة الشمر ونحن نرتعش خوفاً واختبأنا في الوديان وفقدنا عشرة أحصنة وخمسة عشر بندقية مارتيني وأصيب اثنان من رجالنا ، فماذا نعرف عن الغزوات؟ لكن هؤلاء العنزة لا يمكنهم أن يستريحوا. فلتنقذنا السماء ، هذا العام سيجبروننا على الخروج مرة أخرى. ثم أفصح الشيخ عن رغبته في الخلاص من هذا الحال ويسأل سايكس متى سوف يسيطر الأنكليز على الجزيرة؟ (ص 457-458).
ثم يصف سايكس رحلته إلى خيم العنزة في برج نيشاب وكانوا تحت قيادة هاشم بك، الذي يبلغ دخله السنوي 4392 باونداً (الباوند عملة بريطانية، 1000 باوند يعادل تقريباً 1300 دولار)، وهي من الضرائب التي يفرضها على خراف قبيلته (1300 باوند)
– الضرائب المفروضة على بيع الذرة 500 باووند.
-ابتزاز التجار 1600 باوند.
-الحقوق الرعوية التي يدفعها البرازية وآخرون 300 باوند.
-هدايا من التجار 500 باوند.
– ومبلغ من الحكومة التركية قدره 192 باوند (ص 459).
وحسب سايكس فإن الشيخ هاشم أخبره بأنه يتمنى أن يستولي الأنكليز على الجزيرة وأنه يصلي لأجل ذلك. ما يذكره سايكس على لسان الشيخ هاشم ومن قبله على لسان شيخ الولدة بأنهم يتمنون سيطرة الأنكليز على المنطقة يؤكد نية البريطانيين القديمة في السيطرة على المنطقة وأنهم كانوا يهيؤون أنفسهم لذلك، خاصة وأن العشائر لم تكن تعلم بما يخطط لمستقبل المنطقة. وبينما كان سايكس في ضيافة العنزة أرسل الشيخ هاشم 500 مقاتل لنهب قبيلة الرولة Roala في الشامية (ص 459). بعدها توجه سايكس إلى قلعة نجم ومن ثم إلى حلب.
ملاحظة: الخارطة المرفقة مقتبسة من كتاب :
Niebuhrs, Carsten, Reisebeschreibung nach Arabien und andern umliegenden Ländern (Band 2) — Kopenhagen. Hamburg, 1778, Tab. L. تم إضافة الأسماء بالعربية من قبل الكاتب(ن،د)
قائمة المصادر
1– Driver, G.R., Kurdistan and the Kurds, 1919.
2– Göyünč, Nejat und Hütteroth, Wolf-Dieter, Land an der Grenze, Osmanische Verwaltung im heutigen türkisch-syrisch-irakischen Grenzgebiet im 16 Jahrhundert . Istanbul 1997.
3– Jongerden, Joost, Elite encounters of a violent kind MilliIbrahim Paşa, Ziya Gökalp and political struggle in Diyarbekir at the turn of the 20th century. In Jongerden, Joost and Verheij, Jelle, Social Relations in Ottoman Diyarbekir, 1870–1915. Leiden/Boston 2012.
–4Kinneir, J.M., Journey through Asia Minor, Armenia, and Kurdistan in 1813–14, with Remarks on the Marches of Alexander the Great and of the Ten Thousand Greeks (London, 1818) 431.
5–Carsten Niebuhrs Reisebeschreibung nach Arabien und andern umliegenden Ländern (Band 2) — Kopenhagen. Hamburg, 1778.
6-Sykes, Mark, The Caliphs’ last Heritage, A short History of the Turkish Empire, London 1915.
7-Winter, Stefan, Die Kurden Syriens im Spiegel osmanischer Archivquellen (18. Jh.) in: György, Hanzai, Sonderdruck aus Archivum Ottomanicum, Wiesbaden 2010, 211-239.
8– أسكندر، سعد بشير، قيام النظام الإماراتي في كردستان وسقوطه ما بين القرن العاشر ومنتصف القرن التاسع عشر (نبذة تأريخية عن اهميته السياسية وإرثه الثقافي)، ط2، السليمانية 2008.
9–المسعودي، علي بن الحسين المتوفي سنة (346) هجرية، التنبيه والأشراف، طبعة مصر 1357 ﮪ -1938م.
10– رؤوف، عماد عبد السلام، دراسات وثائقية في تأريخ الكرد الحديث وحضارتهم ، دمشق 2012.
11– حاج درويش، محمود حسين، معارك قبيلتي الكيكان والبكارة في الجزيرة السورية (1944-1946)، مجلة الحوار – العدد 70، 2017.
12– حاج درويش، نضال محمود، دراسات في آثار ميديا وبلاد الرافدين العليا، دمشق 2020.
13- خالفين، أ،الصراع على كردستان، ترجمة أحمد عثمان أبو بكر، في الآثار الكاملة للدكتور أحمد عثمان أبو بكر،الجزء الأول، إعداد آزاد عبيد صالح، السليمانية 2009. ص 32.
14– وليامسون،جون فريدريك، قبيلة شمر العربية مكانتها وتاريخها السياسي، ترجمة مير بصري، لندن 2017.
15– نيبور، كارستن، رحلة إلى شبه الجزيرة العربية وإلى بلدان اخرى مجاورة لها، الجزء الثاني، ترجمة عبير المنذر، ط1، بيروت 2007.
16– علي، بدرخان، “عامودا” وجوارها في القرن 18-19م ( من خلال كتاب” تاريخ ماردين” للمفتي عبدالسلام الماردينيّ (1785-1843 م ) ورحلة “الآلوسي” 1852م)، المنشور في موقع مدارات كرد .
17– سيدا، محسن، حركات الاحتجاج القبلي في عهد ‹التنظيمات› العثمانية المنشور في موقع مدارات كرد .[1]