الشهيدة ليلى قاسم في قصيدة للشاعر الكردي جگرخوين
د. إبراهيم إبراهيم
تمتلك شخصية الشهيدة ليلى قاسم خصوصية في التاريخ الكردي المعاصر، فهي أول امرأة كردية أُعدِمت بسبب نضالها السياسي، وأصبحت رمزاً من رموز النضال النسوي الكردي، ألهبت مشاعر الشعراء والفنانين والمغنين، فبات اسمها لامعاً في كردستان إثر انهيار الاتفاقية المعلنة بين القيادة الكردية والحكومة العراقية في 11 اذار في عام 1974م، حيث لوحق السياسيون الكرد، ومن ضمنهم ليلى قاسم التي لم تترك بغداد، وأصرّت على متابعة النضال فتم اعتقالها في نيسان لتُعدم لاحقاً في 12 أيار 1974م.1
تأثر الشاعر الكردي جكرخوين كثيراً بإعدام ليلى قاسم، فكان الإلهام الشعري حاضراً بقوة حيث نظّم قصيدة رثاء ومدح في هذه الشخصية الرمز بعنوان (Leyla Şehîd)، هذه القصيدة المشبعة بالصور الشعرية الجميلة والبلاغات والاستعارات والكنايات، ومن البيت الأول، يبدأ الشاعر بالمدح مستحضراً المثل الكردي الذي يرى الأسد أسداً ولا فرق بين ذكرها وأنثاها (اللبوة)، والأسد كما هو متعارف عليه يمثل رمز الشجاعة والقوة، وملك الغابة لا أحد يضاهيه قوة وإقداماً وشجاعة، وليس كذلك فقط بل إنّ راية كردستان كانت في يدها، فهي أبت أن ترحل وأصرّت على النضال، فالراية رمز القيادة، ومن المتعارف أنّ أول المستهدفين في المعارك ومنذ القدم هم حملة الرايات، فكانت ليلى مستهدفة، وكانت من أوائل ضحايا انهيار ذلك الاتفاق المعقود بين الكرد والحكومة العراقية.
إنّ الشاعر يمدح عنفوان ليلى وجبروتها، فهي صلبة صلابةَ الفولاذ، وهكذا قلبها والذي حوّل روحها إلى شعلة من الجسارة والإقدام، ويصرّ الشاعر ويكرّر أن ليلى هو ليلاه، مجسداً نفسه ممثلاً عن الكرد فليلى هي ليلى الكرد جميعاً، فيقول:
Şêr, şêr e, mêr e yan jin e
Nîşan bi dest, Leyla min e
Pola ye dil wek asin e
Leyla kî ye?
Leyla jin e
Leyla min e
Leya min e ….2
لقد جعلتْ ليلى من قلب الشاعر لهيباً وناراً، وجعلت من لحظة رحيلها بشرى للكرد بأن يومهم قادم، وأن المستقبل ينتظرهم، فما فعله العدو ليس إلاّ خوفاً ورعباً من إصرارها على النضال والثبات في الموقف، ويكرر الشاعر بأن ليلى ليلاه هو لتصبح هذه لازمة للقصيدة حتى آخرها حيث ينهي بها كل مقطع، فتغدو مثل أغنية جميلة لها أثر مباشر في النفس، والروح، فيقول:
Leyla min e, Leyla welêt
Wê dil li min kir ar û pêt
Mizgîn li kurd roja me têt
Dijmin ji tirsan maye şêt
Leyla kî ye?
Leyla jin e
Leyla min e
Leya min e ….3
يستغل الشاعر الموروث الثقافي عند الناس، فعندما كان يٌلمح سقوط “نجمة” من السماء، كان الاعتقاد أن ّ ثمة من رحل من هذه الدنيا، وقد رأى الشاعر أن نجمة قد سقطت من السماء، ولا ريب أنّها نجمة ليلى، “ماتت ليلى”، فحزنت الأشجار على رحيلها واصفّرت الأوراق، وأصاب اليباس البساتين وأصبح كل شيء يوحي بالحزن، ولكن لا بدّ أن تكون ليلى رمزاً وحافزاً لكل الطلاب لينهضوا من غفوتهم وليتابعوا النضال كما أصرّت ليلى على ذلك، ونرى هنا أنّ الشاعر لا يخرج عن سياق الواقع الذي كان، هو يوثّق حدثاً تاريخياً، لا يريد أن يبالغ، إنّه يسرد الحقيقة، فهكذا كانت ليلى، ولهذا أعدمت ليلى، فيقول:
Sitêr ji ezman hate xwar
Zer bûn li min bax û bihar
Rabin ji xew ey xwendewar !
Tev mêr û jin bibne şiyar
Lyla kî ye ?
Leyla jin e
Leyla min e
Leya min e ….4
يستغل الشاعر الفرصة المناسبة ليربط ما يحدث في التاريخ المعاصر بذلك التاريخ القديم الذي كان الكرد فيها أسياداً لجغرافيتهم، واستدعاء ليلى قاسم في هذا النص الشعري هو لذاتها، فالقصيدة لها، لتمجيدها، وتمجيد حالة استشهادها، واستشهاد ليلى جعلتها تكتسب صفة الملوك قدراً وقيمةً، فهي لا تقل عن أردشير ملك إيران، بل إنها هي من تستحق ذلك التاج الملكي، وهي تستحق بجدارة ان يدوّن الشاعر اسمها في التاريخ بماء من ذهب، فقد أكّدت أنّ المرأة الكردية لا تختلف عن الرجل الكردي في الإقدام والشجاعة، هي ابنة أسلاف الكرد (الميتانيين والميديين)، فدت وطنها بروحها، فلتحيا ليلى وليحيا كل الفدائيين، والأبطال، كما وأنّ الكرد سيتذكرونها دوماً، وسيكونون أوفياء لذكراها، فيقول:
Da ser te taca Erdeşêr
Navê te dinvîsim bi zêr
Jin nû dibin wek şêr û mêr
Leyla kî ye ?
Leyla jin e
Leyla min e
Leya min e ….
Leyla keça Mît û Meda
Canê xwe da di ber meda
Bijîn heçî ku canfida
Xweş bin ji te jar û geda
Leyla kî ye ?
Leyla jin e
Leyla min e
Leya min e ….5
يحاول الشاعر ان يستدعي كل الكلمات المعبرة والجميلة ليخبر المتلقي مدى قيمة ليلى واستشهادها، ويصبح الشاعر جزءاً من نصه الشعري فهو لا يتخلى عن ليلاه، ليلى المدللة الكثيرة النشاط والحركة، المجتهدة، الجميلة، الرائعة، اليافعة، ….. أراد الشاعر أن يبّين كل تلك الخصائل الحميدة التي اجتمعت فيها، وكل ما يوحي إلى القوة والعنفوان، ولذلك يصف الشاعر عزمها وقوتها بقوة النمر والأسد، وهي أفضل الرموز التي توحي وتدل على القوة الجبارة، واستملاك الحدث، ولأجل ذلك ذاع صيتها بين الكرد، وصيت شجاعتها ومقاومتها، وصمودها، فيقول:
Leyla delal û pir çeleng
Leyla ciwan û şox û şeng
Xwe daye kuştin wek piling
Şêr e li nav kurd daye deng
Leyla kî ye ?
Leyla jin e
Leyla min e
Leya min e ….6
ويشبهها الشاعر بالقنديل الذي أنار الدرب، وأزال الظلام عن المكان، هي من جعلت الكرد يؤمنون بأنه مازالت المقاومة مستمرة، وأنه ثمّة أمل بالمستقبل، لذك عَلت الابتسامة وجوه الناس بدلاً من البكاء، فليلى أصبحت نيّرة وسطعت بضيائها كلّ محيطها، وكأنّ الشاعر يوحي بأن العتمة كانت سيدة المكان قبل ليلى، وربما تكون إشارة إلى الحالة الاجتماعية التي كانت تعيشها المرأة بشكل عام، والمقيدة بقيود العادات والتقاليد، فليلى أعادت الثقة بالمرأة لتتابع نضالها جنباً إلى جنب مع الرجل، بل أنها حببت الموت إلى الناس، الموت في سبيل القضية والوطن، هي التضحية من أجل إزالة الظلم، والاضطهاد عن كاهل الشعب، التضحية بالروح من أجل الاستمرار وغرس قيم التضحية في الأجيال القادمة، لذلك كان استشهادها، منعطفاً في حياة المرأة الكردية لتشارك بشكل أكبر في الحياة السياسية، ولذلك يقول الشاعر أنّ كل النساء أصبحن كليلى، والمقصود كليلى في صمودها وتضحيتها، وحبّها لقضيتها، وتشبثها بالمكان حتى الرمق الأخير، إن ضياء ليلى كان قادراً أن يزيل العتمة عن الليل كله ويجعله مثل شعلة من النور الوضاءة، هي أزالت تلك العتمة السائدة في الوسط الاجتماعي الكردي، وأعطت رسالة مفادها لابد من المقاومة ولا نفع للهرب، لا بد من النضال، حتى تحقيق الحرية، ومن أجل ذلك لابدّ من الوحدة، ورصّ الصفوف، والتعاون، ولتتشابك الأيادي معاً لبناء مستقبل مشرق، فيقول:
Leyla çiraxa şevreş e
Wê rû li kurdan kir geş e
Kuştin bi me kurdan xweş e
Zordarî îdî nameşe
Leyla kî ye ?
Leyla jin e
Leyla min e
Leya min e ….
Bi wê li kurd ron bûye şev
Jin bûne wek Leyla me tev
Îdî nema hêjaye rev
Ey kurd de destan bidne hev !
Leyla kî ye ?
Leyla jin e
Leyla min e
Leya min e ….7
بلغ الحماس بالشاعر حدوده العظمى، حتى نسي أنّه هو من يكتب القصيدة، بل وكأنه هو المتلقي، ولذلك يرغب وبعزيمة كبيرة أن يلتحق هو الآخر بليلى فما نفع الحياة دون نضال، هذه الحياة البائسة، التي ماعادت لها طعم ولا رائحة ولا حتى ذلك الشكل المرغوب فيه، وحتى نصبو إلى ما نريد يرى الشاعر بأن التضحية بالدماء والأرواح كفيلة لإيصال الكرد إلى مبتغاهم، ولذلك يمجّد الشاعر بحياة ليلى (عاشت ليلى، تحيا ليلى، طوبى لليلى)، فيقول:
Divêm li pey te bêm ejî
Çibkim bi vê jîna rijî ?
Xwînê nerêjî napijî
Leyla bijî, Leyla bijî !…
Leyla kî ye ?
Leyla jin e
Leyla min e
Leya min e ….8
وهكذا يستمر الشاعر إلى نهاية القصيدة مادحاً ليلى قاسم، ومحاولاً استنهاض الهمم لدى المتقاعسين عن النضال والذين فقدوا الأمل بالحرية، ويرى في استشهادها فرصة للشباب ليُعيدوا النظر في حياتهم، واتّخاذ ليلى عبرة ومثالاً للنضال، لبلوغ الحرية والمجد، ويختتم الشاعر قصيدته بأنّ ليلى بلغت درجة من القداسة والعظمة تُضاهي درجة الدين، والإيمان، وأنّ إعدامها أثّرت كثيراً في نفسيته، وجددت آلامه، و تفتحت جراحاته من جديد، هذه الآلام والجراحات التي طغت على قلب الشاعر وروحه، فالشاعر يحاول أن يزاوج بين فكرتين اثنتين، الحزن على فقدان ليلى، والفخر باستشهاد ليلى، فطوبى لليلى، وتحيا ليلى، فيقول:
Lelya bijî, sed aferîn
Ji bo me bûye ol û dîn
Dîsa li min derbûn birîn
Hetta ciger min bûye xwîn
Leyla kî ye ?
Leyla jin e
Leyla min e
Leya min e ….9
إنّ الشاعر اختار لهذه القصيدة شكلاً مغايراً لقصائده الأخرى في هذه المجموعة الشعرية، وأراد أن تكون افتراش الكلمات على الصفحة متميّزة كتميّز ليلى، وكذلك الكلمات المستحضرة لبناء القصيدة التي تليق بعفّة ليلى ومكانتها ودلالها، وقد نجح في إعطاء موسيقى خارجية للنص الشعري متوازية مع الايقاع الداخلي لها، أمّا الصور الشعرية فقد كانت حاضرة فيها وبكثافة، بعضها تليق بشجاعتها، وأخرى تليق برقتها ودلالها، وأخرى تليق بدرجة نضالها وتضحيتها.
1 – محمود الوندي: “ليلة القبض على ليلى قاسم”، الحوار المتمدن– العدد: 2277 – 10 / 05 / 2008م، https://cutt.us/HsqbA
2 – Cegerxwîn, Şefaq, ç.1, weş. Roja nû, Stokholm 1982. r. 59.
3 – Cegerxwîn, Şefaq, r. 59.
4 — Cegerxwîn, Şefaq, r. 59.
5 – Cegerxwîn, Şefaq, r. 60.
6 – Cegerxwîn, Şefaq, r. 60.
7 – Cegerxwîn, Şefaq, r. 61.
8 – Cegerxwîn, Şefaq, r. 61.
9 – Cegerxwîn, Şefaq, r. 62.[1]