أقيم في #دهوك# مؤخرا، كونسيرتا موسيقيا للفنان الكردي #عدنان كريم# قدم فيه مجموعة من أغانيه المعروفة باللهجتين الكرمانجية والسورانية، ومن بينها اغنيته الاشهر (هجری تۆ) وكذلك قدم مقاما بالكرمانجية هو بالأصل لمحمد عارف جزيري الذي تحمل القاعة اسمه.
والفنان كريم فنان كردي من مواليد 1963، هاجر من العراق الى السويد بعد العام 1991، ويتميز عدنان كريم بتقديمه للشعر الكلاسيكي الكردي الذي يمتد تاريخه إلى القرن السابع عشر لشعراء معروفين مثل: مولوي، محوي، #نالي#، سالم، وغيرهم. ويغني باللهجات الكردية المختلفة، ومع علمه بالعروض الشعري الكردي قدم روح القصائد التي غناها بألحانه، وكان هذا سببا لجذب المستمعين إليه من الكرد والأوروبيين وغيرهم.
بعد انتهاء الكونسيرت التقت به العالم الجديد وكان لها معه هذا الحوار، الذي يعد أول حوار للفنان مع الإعلام العربي:
- إذا أردنا أن نعرف القارئ العربي على عدنان كريم، وهو أحد أشهر الفنانين الكرد وأكبرهم، ماذا نقول وكيف تقدم نفسك بنفسك لهم؟
-أرى ان القارئ العربي قد لا يعرفني لأنني غادرت العراق منذ زمن والآن أنا أعيش في السويد، وقدمت ما يقارب 80 كونسيرتا موسيقيا في القارة الأوربية في دول متعددة لكني لم أقدم أي كونسيرت في بغداد مثلا، وهذا قد يكون سببا أولا، وأعتقد أنني أحتاج أن أقدم النشاطات الموسيقية في بغداد وفي الدول العربية الأخرى، وتعلمين أن هذا كان بسبب عدم الاختلاط بيني وبين الجمهور العربي أو العراقي، فأنا قدمت أكثر من 15 كونسيرتا موسيقيا في إيران مثلا مع موسيقيي (كامكاران) ولم تكن تلك الحفلات خاصة بكردستان إيران وإنما حتى في المناطق الأخرى مثل طهران التي قدمت فيها كثر من حفل، وفي كردستان العراق أكثر من عشرين كونسيرتا، وأيضا في الدول الأوربية كلها، لكن جمهوري فيها كان إما من الأوربيين أو من الكرد، وهذا أعتقد انه السبب الثاني لكون الجمهور العربي لا يعرفني، لكنني أطمح لأن ازور بغداد وأقدم فيها عملا في المستقبل، ولا سيما مع هذه المجموعة من الموسيقيين (كروب كامكاران) الذين هم جميعا أساتذة للموسيقى في المعاهد ومن أكاديميات الفنون الجميلة وهم محترفون في عملهم وقد كنتم في الكونسيرت وسمعتموهم، ونحن نعتقد أننا بحاجة للذهاب إلى بغداد، لكن نبحث عن الوسيلة لتقديم الكونسيرتات في بغداد. وبالمناسبة كان لدي تعاون مع الفرقة السنفونية العراقية في بغداد في العام 2006، في كونسيرت موسيقي قدمته في مدينة السليمانية وكنا آنذاك بحاجة للآلات الهوائية وقدم إلينا من الفرقة السنفونية حوالي 30 عازفا، (جامه كه ى نالى) وهي رسالة للشاعر الكردي (نالي)(*) وهو من السليمانية، عاش قبل مئتي عام في السليمانية، وعندما اسقط العثمانيون الإمارات البابانية كان هو في دمشق، فأرسل رسالة مع النسيم من الشام إلى السليمانية، يسأل في تلك الرسالة عن أحوالها بعد سقوط الامبراطورية البابانية بيد العثمانيين، هذه الرسالة الشعرية لحنتُ منها 48 بيتا، الفرقة السنفونية التي قدمت هذه الرسالة على المسرح كانت مختلطة بين الموسيقيين الكرد وموسيقيي الفرقة السنفونية العراقية إذ اعتلى المسرح آنذاك 90 أو 91 موسيقيا لتقديمها، هذا هو التعاون الذي كان بيننا وبين الموسيقيين من الفرقة السنفونية العراقية، وبعد هذا لم يتجدد التعاون أو أي نشاط مشترك، ولم أذهب إلى بغداد أو أقدم أي أداء هناك.
- وهل ترى أن أحد أسباب هذا أن المستمع العربي لا يجيد اللغة الكردية وبالتالي لايستمع إلى الأغاني الكردية؟
-أنا اعتقد أنني لكي اجيب على هذا السؤال احتاج إلى تجربة معهم، فالموسيقى لغة خاصة عالمية يمكن للجميع الاستماع اليها، وأذكر أنني كنت في السويد على المسرح في أحد المهرجانات السنوية، وكان الجمهور من المواطنين السويديين، ومن الفرنسيين، وكنت أغني المقام الكردي، وبعد أن انتهيت جاءت لي سيدة تبلغ من العمر حوالي 60 عاما، وقالت ماذا تقول في هذه الأغنية؟! وكيف أن الجميع يستمعون بصمت؟ مامعنى هذه الأغنية؟ فهي تأثرت بالمقام الذي قدمته دون أن تفهم مايقال، وهذا دليل أن اللغة ليست هي وحدها ضرورية للتأثر وإنما الموسيقى هي اللغة العالمية المشتركة، يستمع إليها الجميع.
وانا سعيد بأنك تفهمين وتتفاعلين مع أغنياتي مع إنك لا تعرفين اللغة، وأحيانا أعتقد أن الإحساس هو من يؤثر وينتقل إلى مشاهدي وسامعي الكونسيرت الذين يتأثرون بالصوت والإحساس ويودون لو علموا ماذا تعني الكلمات، وأعتقد ان السبب الرئيسي في هذا هو أنا، فلو كنت اختلطت بالجمهور العربي ربما كان الوضع سيكون مختلفا، وأريد أن أخوض هذه التجربة.
- وهل هذا يعني أنك لم تغن سابقا بلغات أخرى غير الكردية، ولا بالعربية على وجه التحديد؟
-لا، لم أغن باللغات الأخرى، ولم أغن بالعربية سابقا، لكنني أسمعها كثيرا، أسمع لوديع الصافي، أم كلثوم، عبد الحليم حافظ وفريد الأطرش، واسمع فيروز كثيرا وأحبها. وأعتقد أن الفن العربي بهذا العصر يذهب إلى مرحلة ،مع احتراماتي، أراها مرحلة سيئة، لأن الكلمة واللحن كان لهما أهميتهما سابقا، فعندما تستمع لوردة الجزائرية تجد الطرب حاضرا، والآن الموسيقى العربية بدأت تكون موسيقى تجارية أكثر منها موسيقى روحية، لأن أكثرية الفنانين من العراقيين والعرب بدأوا بالاتجاه للغناء في النوادي والفنادق، ولا يقدمون عروضا فنية حقيقية أو كونسيرتات موسيقية، وأرى أن الكونسيرت له أهمية كبرى، وهو مقدس عندي، فالجمهور يأتي للقاعة لأجل الاستماع، فاليوم كنت أغني وأنا سعيد عندما شعرت أن الجميع يستمع إلي، وهذا مرده إلى المستوى الثقافي للمجتمع، الذي لابد له من التقدم، والسبب الرئيس لتقدمه هو الفنان الذي يساهم بتقدم المجتمع، فان اهتممت فقط بالغناء بالنوادي والفنادق، كل يوم، لن يتبقى لي عندئذ الوقت للتلحين، أو القراءة، والفنان يحتاج العمق، ويحتاج أن يبدع، فإن قمت بإنتاج ألبوم كل عام، وتقدم مجموعة كونسيرتات، فهذا ما أرى أن الجمهور بحاجة إليه.
ففي السليمانية أعلنَّا عن إقامة كونسيرت، نفذت قسائم الحضور قبل خمسة أيام من موعده، مع ان القاعة هناك كانت أكبر بكثير من قاعة جزيري هنا، فقاعة السليمانية تتسع لألف وسبع مئة أو ألف وثمان مئة مقعد، والجمهور كان يستمع إلي، وهذا ما يعطي اندفاعا أكثر للفنان لأن يعمل بجد في المستقبل، والفنان، واقعا، يحتاج لهذا الإحساس الذي يستمده من الجمهور. في بعض الأحيان مجموعتنا الموسيقية عندما نجري تمريناتنا يقولون لي: أستاذ نحتاج لأن نتمرن أكثر على هذه الأغنية، لكني أجيبهم: أن دعوا هذه الأغنية هي سهلة، فإن كان الجمهور جالسا ويستمع، فنحن كلنا سنؤدي بطريقة أفضل، أنا سأطرب أكثر وأنتم ستعزفون أجمل فالجمهور مهم جدا لأداء الفنان على المسرح، فاليوم عندما رأيت الجمهور كله مصغٍ في القاعة، هذا التواصل بيني وبينهم جعل من الحياة جميلة جدا وأنا على المسرح، إذ أن أجمل أوقاتي هي عندما أكون على المسرح، وقد قدمت كونسيرتات أفريقيا وكندا وامريكا وأستراليا وأوروبا كلها، واليوم قدمت هنا وبعد يومين في 11 حزيران أقدم كونسيرتا آخر في أربيل، ولا أطيق الانتظار حتى أعتلي المسرح في أربيل مجددا. أنا جدا أحب وجودي على المسرح مع الجمهور.
- أغلب أغنيات عدنان كريم من الشعر الكلاسيكي الكردي قد تتجاوز نسبتها 80% أو أكثر من مجموع ما غنيت، فكيف تختار القصائد التي تغنيها؟ هل الموضوع، أم الوزن أم الكلمة هي السبب؟ أم شخصية الشاعر؟ وما المميز في الشعر الكلاسيكي الكردي حتى اعتمده عدنان كريم في اغلب اغنياته؟
- هذا صحيح، وأشكرك على هذا السؤال الذي أحبه جدا. الشعر الكلاسيكي الكردي عميق جدا وله محتواه الخاص، في ذلك الوقت كان الشعراء يكتبون الشعر بروحهم وقلبهم، ولم يكونوا يكتبون الشعر بوسائل التكنولوجيا التي لا أحبها جدا مثل وقتنا الحالي، فأفضل الشعر الذي يكتب بإحساس، ولدينا في الشعر الكلاسيكي الكردي شعراء مهمين جدا، مثل جگر خوین، وملاي جزيري، وأحمدي خاني، من الشعراء الذين كتبوا بالكرمانجية في منطقة بهدينان، وإن ذهبنا إلى منطقة السوران وقرأنا نالي، وسالم، وكردي، وحمدي، وكمالي، ومحوي، وفقي تيران، كلهم كانوا يكتبون بعمق، وهذا العمق هو السبب الرئيس الذي يجعلني لا أستطيع أن اقدم أي لحن بدون أن أقرأ الشعر وأفهمه وأعرف ظرف كتابته، كيف كتب ولماذا، وبعد تحليل كثير، أبدأ بتلحين الشعر، وأكثرية أغنياتي من الشعر الكلاسيكي، وتعطيني إحساسا بأني أعيش زمنهم الذي عاشوا فيه، ولذلك اعتقد أنه سبب رئيس يجعلني باستمرار أقرأ الشعر الكلاسيكي، وإلى الآن، وبعد أكثر من 200 أغنية أغلبها من ألحاني، لازلت كل يوم أجد أمورا جديدة في الشعر الكلاسيكي، إذ فيه من المميزات ما لا يمكن مضاهاتها في الشعر الحديث، ولدينا من الشعراء الحديثين شعراء مهمين مثل الأستاذ شيركو بيكه س و لطيف هلمت، وكثير غيرهم، لكن إلى الآن لم اجد شعرا عميقا كما هو العمق في القصائد الكلاسيكية.
-حتى نبقى في المجال نفسه والشعر الكلاسيكي الكردي أجد أن الكثير من القصائد التي غنيتها فيها روح صوفيه سواء في الكلمات أو في استعمال الالات كالدف وغيره من المرتبطه بالصوفية هل هذا يعود إلى خلفية اجتماعية أو انه ذوق أدبي أو فني بحت؟
-أنت تعرفين أن الشعر الكلاسيكي له لحنه الخاص به، أما كيف يستطيع الملحن إيجاد لحنه الخاص، فمن روح الشعر، وهذا أمر مميز، فالعثور على المحتوى العميق للشعر وإيجاد لحنه الخاص، يتأتى من التجربة العميقة التي يستطيع الملحن من خلالها اختيار اللحن مرة بعد أخرى، ويستطيع اكتشاف هذا اللغز الذي عند الشاعر، ويكون هذا نتيجة لقراءة عميقة للشعر، فأنا أقرأ الشعر وثم أكتبه على دفتري الخاص، وبعد ذلك أُحضر عودي، ولا أدري كيف يأتيني اللحن، أعتقد أن اللحن يأتيني من روح الشاعر، وأحيانا اعتقد أن الشاعر يكون جالسا بقربي ومعي وأنا ألحن قصيدته، يجلس في غرفتي ويسمعني، لأن الشعر واللحن كلها نابعة من العمق الإنساني وتصل للروح، حتى لو كان الشاعر قد عاش مئات السنوات قبلنا.
- شكرا على هذه الإجابات الشعرية التي لا نريد معها اختتام الحوار، لكن بودي أن أنتقل إلى محور آخر يتعلق باللغة الكردية فأنت غنيت الكثير من اللهجات الكردية، هل تجد أن إحداها تتمتع بخصائص تجعلها انسب للغناء والموسيقى من الاخرى؟ وايها المفضلة عنده؟
-أساس اللحن الكردي باعتقادي هو اللحن الشمالي، أي الألحان الكرمانجية الشمالية، وكذلك الالحان الهورامانية، فهما أساس وروح اللحن الكردي، لكن كيف يمكن أن نجد الهوية الكردية، أجد أن مجموعة من المغنين يغنون الالحان التركية أو العربية، وهذا مؤسف، لأن لكل إنسان هويته، ولابد من أن نحترم تلك الهوية، وأعتقد أن الهوية الأساسية للحن الكردي جاءت من روح الموسيقى الكرمانجية والهورامانية، فأنا عندما ألحن أريد أن أمزج اللحن الكرمانجي والهورامي ومع اللحن السوراني، فعندما يسمع أي أحد ذلك المزيج يقول مباشرة هذا كردي فالفنان لابد أن يجد هويته الخاصة ويحترم هويته التي باحترامها يكون احترام الفن والمجتمع والنفس والقومية كذلك.
- إذا كان لديك مشاركة في تجربة سينمائية ماهي هذه المشاركة وكيف تمت؟
-لم أشارك بأية تجربة سينمائية، لكني شاركت بتجارب متعددة في مسلسلات تلفزيونية منذ العام 1986، في مسلسلات كردية مثل (ژاله) و (گلاله) الذي كان من تلحين الأستاذ صلاح رؤوف في السليمانية، وكنت في بداياتي، فغنيت آنذاك فيها. وأول أغنية غنيتها كانت في بغداد كانت مع فرقة السليمانية في (قاعة الخلد) وكنت أبلغ من العمر آنذاك 16 سنة كانت الاغنية (دسماية) وبعد ذلك استمريت مع الفن، وفي عام 1986 سجلت أغنية (ژاله) للمسلسل الذي كان من 20 حلقة يحمل العنوان نفسه، وبعد ذلك كلالة، وشاركت أيضا في مسرح السليمانية، وقدمت ثلاث مسرحيات كمغني وممثل أيضا.
- ختاما كلمة للصحيفة وكيف ترى اهتمام الإعلام الاخر والعربي خاصة بالفن الكردي عموما والموسيقى بالتحديد.
-أنا أشكركم، وأشكر إحساسك واهتمامك، واسئلتك التي كانت مميزة وممتعة لي استطعت فيها أن تصلي للإحساس الذي اريد أن أصله بفني.
(*) ولد الشاعر نالي وهو (الملا خضر بن أحمد الميكائيلي) في شهرزور عام 1800، وتوفي عام 1856 في القسطنطينية، وهو شاعر ولغوي ومترجم وعالم رياضيات، يعد من أعظم الشعراء الكرد في الفترة الكُرديّة الكلاسيكية، وأحد المؤسسين للمدرسة الشعرية الكردية السورانية البابانية، ومن أركان مدرسة الشعر الكلاسيكي الكردي المدون باللهجة السورانية في القرن التاسع عشر.[1]
صحيفة العالم الجديد