*محمد شيخ عثمان
مسألة #كركوك# ليست امرا غريبا على احد خاصة الذين يريدون الاستقرار للعراق والمنطقة وضمان استمراره .و بغض النظر عما آلت اليه سياسات الانظمة العراقية المتعاقبة من عدم التحكم الى الحقائق والوقائع والعقل والحوار بخصوص حل جذري لمسالة كركوك الا انه من الضروري ان نركز على فترة معينة وحساسة لمراحل من التطورات السياسية المتعلقة بحلحلة المسالة وهي فترة التسعينيات الى الآن خاصة ويبدو ان الانظار تتجه صوب المدينة والمخاوف المتعلقة بمصيرها بعد سقوط النظام الصدامي .
لكن وقبل الخوض في هذا الموضوع ينبغي تبيان لب وهدف اعداد هذا الملف ألا وهي الخيارات التي تعامل بها #الكرد# في التعاطي مع هذه القضية الشائكة وهل اختاروا العنف ام لجأوا الى اسلوب الحوار العقلاني كطريقة ناجعة .
لقد نص الدستور العراقي الاول بعد تأسيس الدولة العراقية المدنية على حقوق الكرد في العراق و لم يجر الالتزام بهذه الصياغات، وبالتالي خلق جوا متوترا مستديما وموقفا سلبيا ازاء الشعب الكردي الذي يعتبر احد مكونات الشعب العراقي الاساسية.
وبقيت المسالة هكذا حتى مجيء سلطة البعث سنة 1963 في حقبة انقلاب شباط التي وفي اطار نهجها الشوفيني والعنصري بدأت بتنفيذ سياسة منهجية مخططة لتغيير الواقع الديموغرافي لمدينة كركوك و تركيبتها القومية .
ورغم ان عمر هذه السلطة في البقاء كان قليلا ولم يدم طويلا الا انه لم يتم الغاء او تصحيح تلك السياسات وبعد انقلاب 17-30 تموز في 1968 واحتلاله السلطة في العراق مرة اخرى ، واصل حزب البعث سياساته العنصرية بحق المدينة والكرد عموما وصعد من عمليات التغيير السكاني في كركوك بغية محو وجود القوميات غير العربية وبذلك فالكرد لم يكونوا الهدف فقط بل بقية القوميات غير العربية الموجودة في المدينة من التركمان و الكلدوآشوريين ايضا .
بعد تحكم قبضته على السلطة بدأ النظام البعثي الصدامي بحملات تهجير وطرد من المدينة كانت ضحيتها عشرات الآلاف من ابناء مدينة كركوك من الكرد والتركمان والكلدواشوريين بصورة مكشوفة وعلنية وخصص حوافز مغرية للعوائل العربية التي تاتي من بقية مناطق العراق وتسكن كركوك من تخصيص مبالغ مالية قدرها عشرة الاف دينار(الدينار كان يساوي ثلاثة دولارات) وضمان تعينهم في الدوائر والمنشات النفطية التي حرم الكرد منها .
وفي مواجهة هذه السياسة العنصرية المقيتة لم يقف الكرد ساكنا بل تصدوا لها بشتى السبل المتاحة والمشروعة آخذة بنظر الاعتبار عدم الانجرار الى الدخول في حرب مباشرة مع العرب بل استندوا على الوثائق والحقائق اضافة الى الحوار المتبادل.
خلال انتفاضة اذار عام 1991 في كردستان العراق حرر الكرد المدينة من النظام البعثي و هرب شخص علي حسن مجيد فيها و احيا الكرد اعياد نوروز احتفاءا بتحرير المدينة ورغم التعتيم الاعلامي و غياب وسائل الاعلام الاجنبية الا ان ما لم يرتكبه الكرد في المدينة هو الانتقام من العرب الوافدين الذين جاءوا الى المدينة حيث كان بامكانهم اللجوء الى وسيلة انتقامية تدفع العرب الوافدين الى المغادرة وعدم التفكير في العودة مرة اخرى ولكن الكرد لم يفعلوا ذلك ايمانا منهم بامكانية حل المسالة عبر الحوار و القانون دون الانجرار الى حرب كردية عربية التي طالما كان النظام البعثي الصدامي يحبذها .
ويمكن اعتبار هذه المسالة اقوى مثال على ان الكرد دائما يريدون حل مشاكلهم مع الاخرين عبر الحوار وليس العنف والانتقام رغم لجوء النظام الصدامي الى ابشع انواع العنف والقمع وسياسة التطهير العرقي بحقهم .
مؤتمرات المعارضة العراقية
عملت القيادة الكردستانية على طرح رؤيتها و تصوراتها بصورة سلمية وعقلانية في كيفية تصحيح مسار الاجحاف الذي ارتكب بحق اجزاء كثيرة من كردستان من قبل الانظمة العراقية المتعاقبة فعند التمعن في البيانات الختامية لمؤتمرات المعارضة العراقية التي لازالت اطراف منها تشكل جزءا اساسيا من العملية السياسية العراقية نجد ان القيادة الكردية كما الآن عرضت رؤيتها لحل هذه المسائل بروح اخوية وعراقية وليس بعقلية شوفينية ولم تحذ حذو الفلسطينيين في ادانة المستوطنين الاسرائليين لسببين لاغير :
اولا : عدم حدوث شرخ في العلاقة الاخوية بين الكرد والعرب .
ثانيا : النظر الى المسالة بمنظار عراقي صرف وليس بعقلية انفصالية ، حيث لو كانت مسالة الانفصال طاغية في عقولها لسلكت طريقا مغايرا معروفة النتائج .
لذلك و عند قراءة نص ميثاق دمشق والمعروف ب ( ميثاق العمل الوطني المشترك) الذي تمخض عن مؤتمر للمعارضة العراقية عقد في دمشق بتاريخ 27 ديسمبر ( كانون الاول ) 1990 نجد هذه العبارة :
ثالثا - تأمين عودة المهجرين والمهاجرين والمبعدين داخل العراق وخارجه الى اماكن سكناهم، واعادة حقوقهم وممتلكاتهم، وتعويضهم تعويضا عادلا .
ڕابعا - الغاء سياسة التمييز القومي وازالة الآثار السياسية والديمغرافية السكانية لمحاولة تغيير الواقع القومي والتاريخي لمنطقة كردستان العراق، وحل المشكلة الكردية حلا عادلا، وضمان الحقوق الثقافية والادارية للاقليات القومية من التركمان والآشوريين وغيرهم .
وكان الموقعون على البيان هم :
- السيد محمد الحيدري، ابو اسراء المالكي، ممثلين عن المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق .
- الحاج ابو بلال الاديب، والسيد جواد محمد، ممثلي عن حزب الدعوة الاسلامية في العراق .
- الشيخ محسن الحسيني، والسيد رضا جواد تقي، ممثلي عن منظمة العمل الاسلامي في العراق
- السيد محمد الآلوسي، ممثلا للكتلة الاسلامية .
-السيد ابو رامز المهدي، ممثلا للحزب الاسلامي العراقي .
- المهندس بيان جبر، ممثلا لحركة المجاهدين العراقيين .
- السيد ابو زيد ممثلا لمنظمة جند الامام .
- السيد مسعود البارزاني، ممثلا عن الحزب الديمقراطي الكردستاني .
- السيد جلال طالباني، ممثلا عن الاتحاد الوطني الكردستاني .
- السيد كريم احمد، ممثلا للحزب الشيوعي العراقي .
- اللواء حسن النقيب، ممثلا للقوميين المستقلين .
- الدكتور مبدر الويس ممثلا للاتحاد الاشتراكي العراقي .
- السيد مهدي العبيدي، ممثلا لحزب البعث العربي الاشتراكي، قيادة قطر العراق .
- السيد صالح دكله، ممثلا للتجمع الديمقراطي العراقي .
- السيد سامي عبد الرحمن، ممثلا عن حزب الشعب الديمقراطي الكردستاني .
- الحركة الديمقراطية الآشورية
***وجاء في البيان الختامي لمؤتمر بيروت لقوى المعارضة العراقية الذي عقد في 11 13 آذار /1991 ماياتي :
7 يوصي المؤتمر بتشكيل لجنة لجمع المعلومات وتوضيحها ، حول انتهاك النظام الصدامي لحقوق الإنسان الأساسية ، ومصادرتها ، مثل الاعتقال الكيفي ، والمحاكمات الصورية ، والتعذيب ، والاختطاف والسجن والإعدامات الجماعية ، والعقاب الجماعي بحق الأحياء السكنية والمدن ، واستخدام الأسلحة الكيماوية ، وعمليات التهجير ، وحرق القرى ، وسياسة الأرض المحروقة
وكانت الاطراف الموقعة هي :
المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق .حزب الدعوة الاسلامية في العراق .منظمة العمل الاسلامي في العراق .الكتلة الاسلامية .الحزب الاسلامي العراقي .حركة المجاهدين العراقيين .منظمة جند الامام .الحزب الديمقراطي الكردستاني .الاتحاد الوطني الكردستاني .الحزب الشيوعي العراقي .القوميين المستقلين .الاتحاد الاشتراكي العراقي .حزب البعث العربي الاشتراكي، قيادة قطر العراق .التجمع الديمقراطي العراقي .حزب الشعب الديمقراطي الكردستاني .الحركة الديمقراطية الآشورية .
***وجاء في البيان الختامي الصادر عن الاجتماع الموسع للجمعية الوطنية العراقية الذي عقد في صلاح الدين -الاول من تشرين الثاني 1992 ماياتي :
وعند دراسة القضية الكردية وسبل الحل المنشود اكد الاجتماع حقيقة التنوع والتعدد في تركيبة المجتمع القومية والمذهبية والسياسية واجمع على اهمية تعزيز وترسيخ الوحدة الوطنية الطوعية والمساواة التامة بين جميع المواطنين، معبرا عن احترامه للشعب الكردي وارادته الحرة في اختيار الصيغة المناسبة للشراكة مع ابناء الوطن الواحد وتوقف عند قرار الاتحاد الفدرالي، وناقش صيغة وتجارب النظام الفدرالي واعتبره يمثل صيغة مستقبلية لحكم العراق ينبغي الاستناد اليها كأساس لحل المشكلة الكردية في أطار المؤسسات الدستورية الشرعية بعد القضاء على نظام صدام حسين وإحداث التغيير المنشود .
وفي هذا الصدد أكد المؤتمر الوطني العراقي الموحد ما توصل اليه اجتماع صلاح الدين _ شقلاوة في ايلول الماضي ومؤتمر فينا في حزيران الماضي حرصه الشديد على وحدة العراق والتعايش بين قومياته على اساس الاتحاد الاختياري، مبددا بذلك كل المزاعم والتخرصات حول خطر التقسيم ومحاولات الانفصال أو التفتيت والتجزئة تلك التي يروج لها النظام الدكتاتوري الذي فرط بسيادة الوطن ورهن ارادته وثرواته وقبل بقرارات مجحفة، كما ان استمرار بقائه يشكل تهديدا حقيقيا لوحدة العراق وسيادته وخطرا دائما ومستمرا على الشعب وعلى الجيران والسلم والأمن الدوليين .
وشدد الاجتماع على تلبية المطامح المشروعة والعادلة للشعب الكردي وتصفية جميع مظاهر الاضطهاد والقمع العنصري على اساس المبدأ القانوني الذي يقر حقه بتقرير المصير وتأكيد روح الاخوة والاتحاد والشراكة في الوطن الواحد.
مؤتمر المعارضة العراقية في لندن
ومن خلال البيان السياسي لمؤتمر المعارضة العراقية في لندن الذي عقد في 14-15 كانون الأول/ ديسمبر 2002 تم وضع فقرة حول كيفية حل مسائل التعريب والتطهير العرقي الذي تعرض له اجزاء من كردستان العراق تحت اسم حول التهجير والتطهير العرقي وتغيير الواقع القومي وجاء في تفاصيلها ماياتي:
حول التهجير والتطهير العرقي وتغيير الواقع القومي
يدين المؤتمر التهجير القسري والتطهير العرقي واستخدام الأسلحة الكيماوية وتغيير الهوية القومية وما جرى من تغيير في الواقع القومي لمناطق كركوك ومخمور وخانقين وسنجار والشيخان وزمار ومندلي وغيرها ويدعو المؤتمر إلى إزالة آثارها, وذلك عبر الإجراءات التالية:
.عودة المهجرين إلى ديارهم وإعادة ممتلكاتهم إليهم وتعويضهم عما لحق بهم من خسائر.
. إعادة الوافدين الذين جلبتهم السلطة لإسكانهم في المناطق المشار إليها أعلاه إلى أماكنهم السابقة.
.عودة الكرد الفيليين وجميع العراقيين المهجرين بذريعة أصولهم الإيرانية إلى خارج البلاد بغض النظر عن أصولهم والذين جردتهم السلطة دون وجه حق من مواطنتهم العراقية، إلى العراق وضمان تمتعهم بجنسيتهم العراقية وإعادة ممتلكاتهم إليهم وتعويضهم عن الخسائر التي لحقت بهم والكشف عن مصير المعتقلين الفيليين منذ أبريل/نيسان 1980.
. إلغاء جميع الإجراءات الإدارية التي قام بها النظام منذ العام 1968 والتي استهدفت تغيير الواقع الديموغرافي في كردستان العراق.
بعد اسقاط نظام صدام
بعد سقوط النظام العراقي قامت قوات البيشمركة بتحرير مدينتي كركوك والموصل و سلمتهما الى القوات الامريكية في اطار اتفاق بين الجانبين وكان باستطاعة هذه القوات الاقدام على اتخاذ بعض الاجراءات ايضا داخل كركوك والمناطق التي تعرضت للتطهير العرقي ولكنها لم تفعل ذلك من منطلق ايمانها بان الحوار واللجوء الى مبدأ القانون و الوثائق هو انجع السبل لتصحيح المسار وليست القوة والعنف .
و خلال اجتماعات مجلس الحكم و صياغة قانون ادارة الدولة العراقية المؤقتة وخاصة المرافعة التاريخية للرئيس مام جلال في اجتماع لمجلس الحكم يوم الثلاثاء #09-02-2004# ،عملت القيادة الكردستانية على تحويل الاقوال الى الافعال عبر ادراج ما طالبت به اثناء مؤتمرات المعارضة العراقية التي لاتزال تشكل اطراف منها جزءا اساسيا من العملية السياسية العراقية في مادة سميت بالمادة (58) من قانون ادارة الدولة العراقية المؤقت وتنص على ماياتي :
المادة ال(58) من قانون ادارة الدولة العراقية المؤقت
(أ)- تقوم الحكومة العراقية الانتقالية ولا سيما الهيئة العليا لحل النزاعات الملكية العقارية وغيرها من الجهات ذات العلاقة، وعلى وجه السرعة، باتخاذ تدابير، من اجل رفع الظلم الذي سببته ممارسات النظام السابق والمتمثلة بتغيير الوضع السكاني لمناطق معينة بضمنها كركوك ، من خلال ترحيل ونفي الافراد من اماكن سكناهم ، ومن خلال الهجرة القسرية من داخل المنطقة وخارجها، وتوطين الأفراد الغرباء عن المنطقة ، وحرمان السكان من العمل، ومن خلال تصحيح القومية.
ولمعالجة هذا الظلم ، على الحكومة الانتقالية العراقية اتخاذ الخطوات التالية :
فيما يتعلق بالمقيمين المرحلين والمنفيين والمهجرين والمهاجرين، وانسجاماً مع قانون الهيئة العليا لحل النزاعات الملكية العقارية، والإجراءات القانونية الأخرى، على الحكومة القيام خلال فترة معقولة، بإعادة المقيمين إلى منازلهم وممتلكاتهم، وإذا تعذر ذلك على الحكومة تعويضهم تعويضا عادلا.
بشأن الافراد الذين تم نقلهم الى مناطق و اراض معينة ، وعلى الحكومة البت في امرهم حسب المادة 10 من قانون الهيئة العليا لحل النزاعات الملكية العقارية، لضمان امكانية اعادة توطينهم ، اولضمان امكانية تلقي تعويضات من الدولة ، او امكانية تسلمهم لأراض جديدة من الدولة قرب مقر اقامتهم في المحافظة التي قدموا منها ، او امكانية تلقيهم تعويضاً عن تكاليف انتقالهم الى تلك المناطق .
بخصوص الاشخاص الذين حرموا من التوظيف او من وسائل معيشية اخرى لغرض اجبارهم على الهجرة من اماكن اقامتهم في الاقاليم والاراضي،على الحكومة ان تشجع توفير فرص عمل جديدة لهم في تلك المناطق والاراضي .
اما بخصوص تصحيح القومية فعلى الحكومة الغاء جميع القرارات ذات الصلة ، والسماح للاشخاص المتضررين، بالحق في تقرير هويتهم الوطنية وانتمائهم العرقي بدون اكراه او ضغط.
(ب)- لقد تلاعب النظام السابق ايضاً بالحدود الادارية و غيرها بغية تحقيق اهداف سياسية . على الرئاسة والحكومة العراقية الانتقالية تقديم التوصيات الى الجمعية الوطنية وذلك لمعالجة تلك التغييرات غير العادلة. وفي حالة عدم تمكن الرئاسة الموافقة بالإجماع على مجموعة من التوصيات، فعلى مجلس الرئاسة القيام بتعيين محكم محايد و بالاجماع لغرض دراسة الموضوع وتقديم التوصيات .
وفي حالة عدم قدرة مجلس الرئاسة على الموافقة على محكم، فعلى مجلس الرئاسة أن يطلب من الأمين العام للأمم المتحدة تعيين شخصية دولية مرموقة للقيام بالتحكيم المطلوب.
(ج)- تؤجل التسوية النهائية للاراضي المتنازع عليها ، ومن ضمنها كركوك ،الى حين استكمال الاجراءات أعلاه، وإجراء إحصاء سكاني عادل وشفاف والى حين المصادقة على الدستور الدائم.
يجب ان تتم هذه التسوية بشكل يتفق مع مباديء العدالة، آخذاً بنظر الاعتبار ارادة سكان تلك الاراضي.
وقد حظيت هذه المادة بموافقة اغلبية الاطراف الاساسية في العملية الديمقراطية العراقية ولم تدون من قبل الكرد وللكرد فقط بل جاء ت في اطار توافق هذه الاطراف بغية حل المسالة حلا قانونيا يقبل الجميع بنتائجها .
وبعدها تشكلت الحكومة العراقية المؤقتة التي لم تبت في حل المسالة وتطبيق المادة بصورة جدية وطيلة الفترة الانتقالية لم تجد قضية كركوك سوى المماطلة والتأجيل ،والحكومات التي تعاقبت على الحكم لم تعمل بتعهداتها لتنفيذ المادة المذكورة والتي تمخضت عنها تداعيات سلبية منها عودة النغمة الشوفينية العنصرية لدى البعض بخصوص كركوك و المادة المذكورة اضافة الى انتشار الشائعات والدعايات المغرضة من قبل جهات مشبوهة لتشويه الحقيقة واعطاء صورة مزيفة عن المسالة برمتها.
المادة 140
وخلال فترة الحكومة الانتقالية و انشغال لجان كتابة الدستور بصياغة دستور يعبر عن تطلعات و طموحات العراقيين جميعا ورغم ما لمسته من عدم التزام الاخرين بتعهداتهم تجاه المادة (58) وتطبيق تنفيذها الا ان القيادة الكردستانية اصرت على موقفها المؤيد لتطبيق المادة و تثبيتها في الدستور الدائم وتنفيذها في فترة ليست ببعيدة وهي اواخر عام 2006 الا ان بقية الاطراف العربية الحت على ان تحدد اواخر عام 2007 كموعد نهائي لحل المسالة برمتها ورغم ضغوطات الشعب الكردي الا ان القيادة الكردستانية وافقت على هذه المدة بعد تاكيد الاطراف على الالتزام بهذه المدة الزمنية واحترامها و قد تمت المصادقة على الدستور وثبتت المادة (140) بهذا الخصوص واشارت المادة ( 143 ) منه الى إلغاء قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية وملحقه عند قيام الحكومة الجديدة، باستثناء ما ورد في الفقرة(أ) من المادة (53) والمادة (58) منه ،اي أن نص المادة 58 من قانون أدارة الدولة العراقية أصبحت له الغطاء القانوني والدستوري هذا ودون ان ننسى ان المادة (140) لم تكن ضمن المواد المختلف عليها بين الاطراف المشاركة في كتابة الدستور حيث ادرج بعض المواضيع فيه بانه قابل للتراجع والتعديل من خلال توافق الجميع عليها.
وبعد ذلك عرضت مسودة الدستور على الشعب العراقي وبعدها وفي 15/10/2005 جرت عملية الاستفتاء على الدستور الذي حاز على موافقة اغلبية العراقيين .
نص المادة (140)
اولاً : تتولى السلطة التنفيذية اتخاذ الخطوات اللازمة لاستكمال تنفيذ متطلبات المادة (58) من قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية، بكل فقراتها.
ثانياً : المسؤولية الملقاة على السلطة التنفيذية في الحكومة الانتقالية، والمنصوص عليها في المادة (58) من قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية، تمتد وتستمر الى السلطة التنفيذية المنتخبة بموجب هذا الدستور، على أن تنجز كاملةً (التطبيع، الاحصاء، وتنتهي باستفتاء في كركوك والمناطق الاخرى المتنازع عليها، لتحديد ارادة مواطنيها) في مدةٍ أقصاها الحادي والثلاثون من شهر كانون الاول سنة الفين وسبعة.
برنامج الحكومة
وعقب الموافقة على الدستور جرت الانتخابات العامة و انتخابات مجالس المحافظات في عموم العراق بتاريخ 15/12/2005 وقد حازت قائمة (التآخي)التي تتكون من احزاب كردية وغير كردية على اغلبية الاصوات في انتخابات مجالس المحافظة بكركوك مقارنة ببقية الاحزاب في اقوى دليل على كردستانيتها .
وفي بغداد تم تشكيل الحكومة برئاسة الدكتور نوري المالكي الذي ادخل مسالة تطبيق تنفيذ المادة ال(140)في برنامج عمل حكومته الذي عرضه على مجلس النواب وحاز على موافقة المجلس باغلبية كبيرة وجاء في برنامج عمل حكومة المالكي بخصوص المادة (140) من الدستور و في فقرته ال(22) ماياتي:
22- تلتزم الحكومة بتنفيذ المادة 140 من الدستور ، والمعتمدة على المادة ال 58 من قانون إدارة الدولة والمتمثلة بتحديد مراحل ثلاث : التطبيع والإحصاء والإستفتاء في كركوك وغيرها من المناطق المتنازع عليها ، وتبدأ الحكومة إثر تشكيلها في إتخاذ الخطوات اللازمة لإجراءات التطبيع بما فيها إعادة الأقضية والنواحي التابعة لكركوك في الأصل وتنتهي هذه المرحلة في 29/3/2007 م حيث تبدأ مرحلة الإحصاء فيها في 31/7/2007 م وتتم المرحلة الأخيرة وهي الإستفتاء في 15/11/2007 م.
*لقد ابتهج الكرد كثيرا عندما لمسوا الاصرار لدى رئيس الحكومة على تطبيق المادة في موعده المحدد وقامت الحكومة العراقية بتشكيل لجنة لتنفيذ المادة المذكورة برئاسة وزير العدل العراقي هاشم الشبلي و بعضوية ممثلي مكونات مدينة كركوك وواجهت عمل اللجنة صعوبات جمة الا انها تمكنت من اصدار 4 قرارات هامة بخصوص تعويض المهجرين والوافدين و اعادة الموظفين المفصولين الى اماكنهم و تسهيل عودة الراغبين في العودة الى اماكنهم الاصلية .
احدى ابرز النقاط التي يجب الوقوف عندها هي ان القيادة الكردستانية و ايمانا منها بضرورة الابقاء على الاخوة الكردية العربية لم تصر على ضرورة مغادرة الوافدين العرب لمدينة كركوك رغم ما ثبت في مؤتمرات المعارضة العراقية والمواد الدستورية التي تنص على عودة المهجرين و مغادرة الوافدين الى المدينة وهذا ما يجب ان يؤخذ عند الكرد بنظر الاعتبار من انهم دائما يفضلون لغة الحوار والتفاهم على العنف واللجوء الى القوة في نيل مطالبهم المشروعة قانونا وتاريخيا وجغرافيا .
ومع تنصل الحكومات العراقية المتعاقبة بعد السقوط في تنفيذ المادة 140 نجد ان هناك شعورا بالاحباط لدى الكرد من المماطلة والتسويف التي شهدها تطبيق المادة مما فتح الباب امام التدخلات الخارجية واعطاء صورة معقدة لحل المسالة للذين يجهلون حتى جذور مشكلة كركوك و كان لزاما على السلطة التنفيذية الأهتمام الكافي والمعقول بتنفيذ متطلبات النص المذكور ، وبالرغم من حجم المشكلة وأنعكاس اضراراها الإنسانية على مجمل من تعنيهم القضية لم تكن هناك سوى المماطلة والوعود الشفوية ، ولم نر اي تجسيد للحلول الدستورية.
الكرد ينظرون الى مدينة كركوك بانها مدينة عراقية ذات صبغة كردستانية يعيش فيها الكرد والعرب والتركمان، والكلدواشوريون بالاخوة والرفاهية والتمتع بجميع حقوقهم دون تمييز ومن يتابع تصريحات القيادات الكردستانية يدرك ذلك وهي التي تطالب برفع المظالم التي لحقت بالمدينة وان استعادة المظلومين لحقوقهم هي اعادة للحق وترسيخ جاد لمفهوم العدالة .
الخلاصة
الهدف من عرض هذه الحقائق هو فقط لاعطاء صورة اوضح واشمل لما اقدم عليه الكرد بخصوص التعامل مع احدى قضاياها المصيرية وكيف اتخذوا نهج الحوار السلمي المسؤول بدلا من اللجوء الى العنف والانتقام لحل مشاكلهم ونيل حقوقهم والدفاع عن مكتسباتهم واختيارهم لهذا الاسلوب هو لشعورهم بالمسؤولية تجاه العراق اولا و الاخوة العربية الكردية ثانيا وليس بسبب الضعف وهذا ما ينبغي ان يدركه الاخرون وان يتيقنوا بان الوقع الحالي لكركوك والمناطق المتنازع عليها لن يخدم استقرار العراق برمته بتجاهل الحلول التي يكرسها الدستور العراقي في المادة 140 التي لاتنتهي صلاحيتها بمرور الزمن وتبقى واجبة التنفيذ على كاهل كل من يستلم دفة السلطة ويؤدي اليمين الدستورية كحامي الدستور وملتزم به .
*رئيس تحرير المرصد[1]