أ.د. فرست مرعي
$المقدمة$
مما لاشك فيه أن التصوف في كردستان يرجع الى القرون الهجرية الاولى عندما لاحت تباشير التصوف والطرق الصوفية في البلدان الاسلامية تترى، وكان لمترجمنا (ابن عربي الحاتمي الاندلسي)() الذي لقب بالشيخ الاكبر والكبريت الاحمر تأثير كبير وواضح على بنيات التصوف عامة والتصوف الكردي خاصة لذكائه والمعيته، فغالبية المتصوفة والشعراء الكرد ينهلون من المعرفة الصوفية لابن عربي، ومن المعطيات والافكار التي أبدعها مترجمنا، فمصطلحات ابن عربي حول وحدة الوجود وحول وحدة الشهود لا تزال ترن في قوافي وترانيم أشعار الصوفية الكرد.
ومع الاسف الشديد بأنه لم تجري عملية ترجمة التراث الكردي في القرون الاربعة الاخيرة الى اللغات الاخرى وخاصة لغة الضاد لسان حال مؤلفات ابن عربي (الفتوحات المكية وفصوص الحكم وغيرها)، لكي يتسنى للباحثين الاخرين الاطلاع على عيون الادب الصوفي الكردي وبيان الالفة والمودة التي تجمع بين الاثنين، حيث كان ابن عربي الضيف الدائم على مائدة التصوف الكردي، فعلى سبيل المثال لو تطرقنا الى ديوان الشاعر الكردي الكبير الملا احمد الجزيري لرأينا العشرات من مفاهيم ومصطلحات ابن عربي مبثوثة في ثنايا شعره، فهو يقول في أحد أشعاره:
رووحى ونه جسمى ز جه مالى ب ج ئسمى
ره نك ره نك دبى كه شف وشوهوودى ج كه سى تو
وترجمة البيت هو كما يلي:
أنت روح ولست جسماً فبأي أسماء الجمال تسمى
حيث تظهر للعيان بمظاهر متعددة فمن أنت
ولابن عربي (ت638ﮪ/1240م) في هذا المعنى كلام من المستحسن إيراده في هذا المقام:” إن الله يتجلى لكل محب، تحت حجاب المحبوبة، التي يعشقها إلا بعد ما يتجلى فيها من مشابهة للألوهية، لأن الخالق يحتجب عنا حتى نحبه تحت مظاهر زينب الجميلة، وسعاد، وليلى، وكل الأوانس المحبوبات، التي يتغزل في جكالهن الشعراء بشعر رقيق، فهو وحده الجمال الوحيد الحقيقي الجدير بالحب، وقد احتجبت تحت نقاب الصور الجسمانية”().
وبهذ الصدد لا يمكن نسيان الشاعر الصوفي عبد الرحيم بن سعيد بن شريف الملقب بمولوي، الذي يسير على هدي ونهج الشيخ ابن عربي وايمانه الصرف بفكره، فليخص مسألة خلق العالم وبث الحياة فيها وخلق آدم وجلاء مرآة العالم به كل ذلك في بيت شعري واحد باللغة الكردية:
ئوساى بلوور به ند به نجه ره ى كاوان
ئاينه سازيش وست ئه و شه وتاوان()
وتفسير البيت هو كما يلي:
أن الصانع الذي ركب الزجاجات،
قام بتركيب المرايا على الانهار
فشبه الزجاجات ببلورات المياه
المتجمدة على أطراف الجبال
والمرايا بالمياه الجامدة
على صفحات مياه الانهار.
ولتوضيح الفكرة وتقريبها الى الذهن نورد ما قاله ابن عربي:
إن الله لما أوجد العالم،
كان شبحاً لا روح فيه،
وكان كالمرآة غير مجلوة،
فاقتضى جلاء المرأة،
فكان آدم عين جلاء تلك المرأة
وروح تلك الصورة().
وعندما شرح عبد الرزاق الكاشاني هذه الابيات التي قالها ابن عربي في كتابه (فصوص الحكم):” والحق تعالى يرى نفسه من المرآة، أي من العالم الذي يظهر في عين آدم وورثته، فحينئذٍ” إذا رأيت نفسك رأيت ربك لأنك تعريفه الرسمي”().
والأمر ينطبق على الشاعر الصوفي الثالث (الملا محمد المحوي) الملقب بمحوي، فهو يقول في أحد أشعاره: ” لايؤمل الخير في التمسك، ولا يمكن جني ثماره بدون الاطلاع على كتاب (الفتوحات المكية) لابن عربي، الذي يمثل الحياة الروحية له ولغيره من الصوفية، لأن هذا الكتاب هو مفتاح إجتياز الصوفي للمقامات، وتجلي الروح لمشاهدة الحقائق القدسية، والأنوار الإلهية.
تمهيد
تأثرت بلاد الكرد كغيرها من المناطق الاسلامية بالمذاهب والفرق الاسلامية والتطورات الفكرية، وقد نبغ زهاد ومتصوفة أجلاء من أنحاء متعددة من بلاد الكرد، كرسوا حياتهم للتقوى والعبادة، ونشر الاخلاق والدعوة الى الاسلام، وكذلك نبغ شعراء فحول زينوا الادب الكردي بمعالم الادب الصوفي الراقي(). وأهم الطرق الصوفية المنتشرة في بلاد الكرد، هما: القادرية، وانتشرت هذه الطريقة بين القبائل الكردية بفضل جهود مؤسسها الشيخ عبد القادر الكيلاني(ت1077-1166م)، وكان من كبار الزهاد المتصوفين، انتقل الى بغداد شاباً، ثم تصدر للتدريس والافتاء فيها، وبرع في التصوف ونال الخرقة رمز الطريقة الصوفية ولقب ب (الباز الاشهب)، وقد كثر مريدوه في حياته وبعد وفاته، وانتشرت طريقته في الكثير من البلدان(). وفيما بعد قام بنشر الطريقة القادرية في أنحاء السليمانية في العهد العثماني الشيخ معروف النودهي(ت1254ﮪ/1838م)، الذي كان من رجال المتصوفة المرموقين وألف كتباً في العقائد والفرائض والمنطق وعلم الاصول().
والثانية النقشبندية، وانتشرت بفضل جهود الشيخ محمد بهاء الدين النقشبندي(ت717ﮪ/1317م)(). وفي العهد العثماني انتشرت من جديد بفضل مولانا الشيخ خالد الجاف البغدادي(ت1242ﮪ/1826م) الذي كان مرشداً روحياً و يعد المجدد الحقيقي للنقشبندية في كردستان بعد أن فتح الله له وتمسك على يد شيخ مشايخ الديار الهندية عبدالله بن عبد اللطيف الدهلوي(ت1241ﮪ/1825م)، حيث قام برحلة الى الهند ليسلك الطريقة على يد مرشد ديني صوفي، وذلك بدعوة من أحد خلفاء الدهلوي، وبدأ بنشر طريقته في كردستان بعد عودته من الهند سنة1226ﮪ/1811م، ثم انتقل الى بغداد ومنها الى دمشق الشام حيث وافته المنية، وكان الاقبال عليه مدهشاً وترك اللآلآف من المريدين والخلفاء من بعده()، وله رسائل في تدعيم فكرة وحدة الوجود التي أرساها الشيخ ابن عربي.
ومما تجدر الاشارة إليه كانت في بلاد الكرد طريقة صوفية أخرى باسم (الطائفة العدوية)، والتي سميت باسم شيخ الطريقة الشيخ عدي بن مسافر الهكاري الأموي (ت557ﮪ/1162م)، وقد تبعه الكثير من الكرد وحسنوا الظن به، وقد لجأ الى قرية لالش الواقعة شرق مدينة الموصل وابتنى فيها زاوية للعبادة، وكانت بعده مركزاً للطريقة الصوفية العدوية، والطائفة في بداياتها كانت تنتهج مبدأ الزهد الاسلامي ، غير أنها لم تبق عليه، لا سيما بعد وفاة مرشدها الشيخ عدي المذكور، حيث مالت الى النزعة الصوفية والغلو فيها على يد الشيخ (حسن العدوي) حفيد أخي الشيخ، ثم تحولت الى فرقة باطنية، ومن ثَم الى ديانة مستقلة باسم اليزيدية().
المبحث الاول: سيرة حياة
أولاً: الجزيري
هو الشاعر الأشهر في تاريخ الأدب الكردي، وشيخ الأدباء الكرد على الإطلاق، أحمد بن محمد الجزيري(975-1050ﮪ/1567-1631م)، المشهور ب (الملا الجزيري) نسبة إلى جزيرة بوتان أو جزيرة ابن عمر – كما كانت تعرف في المصادر الإسلامية-، ينتمي إلى العشيرة البوهتية (البوطية) الشهيرة التي تقطن في مدينة الجزيرة منذ مئات السنين، وقد وجد في أكثر من نسخة خطية لديوانه قول الناسخ في نسبه: ” الجزري الأنصاري، الشيء الذي يدفعنا إلى القول بأنه ينتمي إلى الأسرة الأنصارية المعروفة في الجزيرة، والتي ينتسب إليها بعض مشاهير علماء الجزيرة قديماً وحديثاً. تخلص في شعره بلقبين اثنين هما: (ملا) ويعني بها في اصطلاح الكرد: العالم الديني الذي نال الإجازة العلمية من المشايخ، و(نيشاني) نسبة إلى (نيشان) التي تعني الهدف والعلامة أو الشامة، وكأنه عد نفسه هدفاً لسهام المحبة، أو أنه ينسب نفسه إلى شامة في خد الحبيب().
وقد أشار الجزري في قصيدة له إلى تاريخ ولادته ب (حساب الجمل) والتي تتحدد بسنة 975ﮪ المصادفة لسنتي 1567م أو1568م، وإن كان صحيحاً ما يقال من أن الشاعر (فقي تيران المكسي) – وقد كان زميلاً للجزيري، وله معه مساجلة شعرية- قد نظم مرثيته الشهيرة: (ئيرو ورن...) في وفاة الجزيري، فسيكون تاريخ وفاته هو سنة 1050ﮪ التي تصادف1640م 1641م لأنها منظومة في تلك السنة كما يفهم من إحدى رباعياتها... وهو ما تؤيده الروايات الشفوية التي تقول بأن الجزري عاش خمساً وسبعين سنة.
لم يصلنا شيء من تفاصيل حياته وطريقة نشأته من المصادر التاريخية الموثوقة.، يقول محمد على عوني (1897-1952م) اعتماداً على المصادر الشفوية:“ إن الجزيري دخل المساجد والمدارس الدينية وهو طفل لم يبلغ الحلم على عادة أطفال الكرد، وبتوجيه من أبيه الذي كان عالماً دينياً، درس القرآن وبعض المبادئ الأولية على والده، ثم رحل في طلب العلم وانتقل بين الجزيرة وهكاري ودياربكر والعمادية، وفي الثانية والثلاثين من عمره نال إجازته العلمية من الملا طه في قرية (سترباس) التابعة لدياربكر، بعد ذلك أصبح إماماً ومدرساً في قرية (سربا) التابعة لدياربكر هي الأخرى، وانتقل فيما بعد إلى حسنكيفا (=حصن كيفا) وأصبح فيها مدرساً يجيز التلاميذ، وبعد مدة رجع إلى الجزيرة وبقي فيها يؤم الناس ويجيز طلبة العلوم الدينية حتى وافته المنية هناك وهو في الخامسة والسبعين من عمره. والظاهر -على ما يروى شفوياً كذلك- أنه لم يتزوج مطلقاً حتى وفاته“().
والمشهور المتواتر على ألسنة أهل بلدته أنه بعد حصوله على الإجازة العلمية التي تؤهله للإمامة والتدريس، واشتهاره كعالم ديني، جلس في المدرسة الحمراء التي تعد من أشهر مدارس الجزيرة الدينية، يعظ الناس ويدرِّس التلاميذ ويجيزهم حتى وافته المنية، ووجود قبره اليوم في قبوٍ بتلك المدرسة يؤكد هذا الرأي ويسنده، وله ديوان شعر شهير بالكردية، يعد أشهر ديوان شعر في اللغة الكردية، وقد أشار الجزيري في إحدى قصائده إلى تاريخ وضعه والذي يتحدد في 1/1/1041ﮪ/29/7/1631م حين كان عمره يومئذ (66) سنة، ومعنى هذا أنه عاش تسع سنين بعد وضعه لأصل ديوانه، وهذا يفسر لنا وجود بعض القصائد في بعض نسخ ديوانه الخطية دون بعض.
ولما كان الجزيري الشاعر واحداً من أبرز رموز التصوف في الأدب الكردي، وقد طبع ديوانه المستشرق الالماني (فون مارتن هارتمان) سنة1322ﮪ/1904م في برلين، فقد أحيط ديوانه -المطبوع– حتى الآن أكثر من عشر مرات والمترجم إلى عدة لغات شرقية وغربية- بهالة من القدسية الدينية، وأعتبر من أسمى آثار الأدب الصوفي في الكردية، وكان أئمة المساجد وطلاب العلوم الدينية يكثرون من استنساخ هذا الديوان واقتنائه، وكانوا ينشدون قصائده في حلقاتهم المسجدية بألحان مؤثرة، وكان بعضهم يصر على اصطحاب هذا الديوان معه أينما حل وارتحل تيمناً ببركاته، وعلى أية حال فقد توفي الشيخ الملا الجزيري على أصح الاقوال في (سنة1050ﮪ/1640م)().
ثانياً: المَولَوي
هو السيد عبدالرحيم بن الملا سعيد بن شريف بن محمود(1221-1300ﮪ/1806-1883م)، من سلالة الملا يوسف جان ابن العلامة الكبير، شهير عصره، وفريد دهره السيد المعروف بملا أبي بكر المصنف الجوري، وهو من سلالة السيد محمد زاهد المشهور ب (بيرخضر الشاهوئي) الذي ينتهي نسبه إلى الحسين بن علي(رضي الله عنهما). ولد السيد عبدالرحيم في حدود سنة(1221-1222ﮪ/1806-1807م) من أسرة دينية محترمة في قرية (سرشاته) من منطقة (تاوكوزي) في قضاء حلبجة التابعة لمحافظة السليمانية، تعلم القرآن الكريم ومبادئ النحو والصرف والأدب الفارسي على يدي والده. ثم تجول، كعادة الطلاب الدينيين آنذاك، في مدارس العراق وإيران الدينية، وأخذ ينهل من ينابيعها الصافية ما كان متعارفا تحصيله من: النحو والصرف، والبلاغة، والمنطق، والفقه وأصوله، والكلام، والتفسير.. وأخذ الإجازة العلمية من العالم النحرير والفقيه الألمعي (الملا عبدالرحمن النودشي) مفتي السليمانية آنذاك. وبعد أخذ الإجازة أقام مددا مختلفة منشغلا بالعبادة والتدريس في القرى التابعة لقضاء حلبجة مثل: (جرستانة) و(بياويلة) و(كونة) و(شه ميران) و(سه رشاتة) والأخيرة كانت مسقط رأسه، وبقي فيها إلى أن التحق بالرفيق الأعلى، واختار لنفسه اللقب الشعري (معدومي) واشتهر في أوساط الأدب ب (مولوي). يعتبر مولوي من أعظم الشعراء الكرد في عصره، وتعد أشعاره من روائع الأدب الكردي، وتحتل الآن مكانة مرموقة لدى المثقفين الكرد، توفي شاعرنا سنة(1300ﮪ/1883م)().
ثالثاً: مَحوي
ولد محمد بن عثمان الكبير بن ملا علي(1247-1321ﮪ/1831-1904م) في قرية بالخ التابعة لناحية ماوت بمحافظة السليمانية، تشوب تاريخ ولادته الكثير من الغموض ما بين سنة 1252ﮪ/1836-1837م، وسنة1247ﮪ/1831-1832م، وتوفي على الرأي الراجح سنة1324ﮪ/1904م، باستخراج الشاعر (بيخود) التاريخ من أرقام الحروف الابحدية في قوله:
جوبشند (بيخود) وه فاتى سلف
بتاريخ كفتا عمر ما شد خلف()
أي أرخ الشاعر (بيخود) تاريخ وفاة محوي ب (عمر ما شد خلف) بعد أن سمع بوفاته، ويخرج التاريخ ب (1324ﮪ) الموافق ل1904م.
لقد جاء تصوف الشاعر محوي متأخراً بعد وفاة والده، وإن كان قد تربى صوفي الفكر منذ بداية نشأته، لكونه من أسرة دينية وصوفية في الوقت نفسه، ولكن تصوفه لم يثنه عن واجبه الديني في الامامة والتدريس، فإلى جانب قيامه بالتوجيه والارشاد كان خانقاه (= تكيته) عامراً بطلاب العلم وأرباب المعرفة، لذلك وزع محوي أوقاته الى ثلاثة أقسام، قسم منها للتدريس، والثاني للارشاد، والثالث قضاه في الخلوة والعبادة والانشغال بحياته الروحية.
المبحث الثاني: خصائص الاسلام الصوفي ومقوماته بين ابن عربي والصوفيين الكُرد.
اولا: الحب الإلهيً
مما لا شك فيه أن الحب الالهي هو عنوان المتصوفة والخاصية الاولى المركزية للاسلام الصوفي، كيف ولا وطريق التصوف عندهم هو طريق الحب؟. ولعل من أدق تعريفات التصوف أن نقول إنه طريق الى الحق المطلق نحركه هو الحب(). والحق أن هذا الامر ليس مقصوراً عليهم، بل إننا لنجده في جميع الاديان والفلسفات التي اتخذت التصوف فكرةً ومنهاجاً. إن المحبة عند المتصوفة هي أهم أحوال العارف وأسمى صفاته، وهي من الأصول المهمة في مباني التصوف().
وقد اتفقت المصادر والمراجع على أن رابعة العدوية (ت185ﮪ/801م) هي أول من صدع ب (نظرية) في الحب الإلهي وأنها أشهر رواده الذين رويت عنهم بعض الاقاويل فيها لمحات من الحب الالهي عند بعض العباد الاوائل من أمثال: كهْمس بن الحسن القيسي التميمي(ت149ﮪ/766م) وكان يقول في جوف الليل: مخاطباً ربه:” أراك معذبي وأنت قرة عيني ياحبيب قلباه”()، وعبد الواحد بن زيد(ت177ﮪ/793م) في قوله:” وعزتك وجلالك لا أعلم لمحبتك فرحاً دون لقائك والاشتفاء من النظر الى جلال وجهك في دار كرامتك”(). إن تلك الاشارات المتعلقة بمعاني الحب الإلهي لم يكن الحب فيها فناءً في الله وذوباناً في محبته وإنما كانت ضرباً من التأمل العميق في الروح الإلهية الخالدة().
وهكذا صارت المحبة من بعد رابعة المحور الذي تدور عليه الحياة الصوفية والهدف الذي تتجه إليه. فالمحبة هي ” سِمة الطائفة (= الصوفية) وعنوان الطريقة ومعقد النسبة”().
وقد ظهر في القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي خاصةً رجال عرفوا بمقالات في المحبة منهم: الحارث بن أسد المحاسبي(ت243ﮪ/857م)، والجنيد البغدادي(ت298ﮪ/910م)، والجنيد البغدادي(ت298ﮪ/910م)، والسري السقطي(ت254ﮪ/868م)، وذوالنون المصري(ت245ﮪ/859م)، وسهل بن عبدالله التستري(ت283ﮪ/896م)، وأبوبكر الشبلي(ت384ﮪ/945م) وغيرهم، ثم بلغت فكرة الحب الإلهي ذروتها عند أصحاب وحدة الوجود ولاسيما عند ابن الفارض(ت632ﮪ/1235م) وابن عربي(ت638ﮪ/1240م)().
لقد برزت نظرية الحب الالهي لتؤدي دورها التاريخي في حل ما استعصى من المشاكل الكلامية في بيئة ظهرت فيها نزعات ريبية وتعصبات مذهبية واصطرعت فيها الفرق الدينية والاحزاب السياسية. فحاول الصوفية أن ينأوا بالفكر الاسلامي عن الصراع والشقاق باعتناق عقيدة الحب الالهي. ذلك أن الحب بين العبد والرب وبين الرب والعبد كفيل بأن يذيب الحدود ويهدم السدود. ومن ثم فلن يكون حديث في الجبر والاختيار والفعل الالهي والفعل الانساني والثواب والعقاب والمسؤولية والجزاء إلا من خلال هذه العاطفة المشبوبة من جانب العبد والحانية من جانب الرب والمتبادلة بينهما وهي عاطفة قديرة على تجلية الطريق وحل المشكلات().
وعلى أية حال فقد طور ابن عربي (الحب الإلهي) ، فقد (فَلسَفَه) من حيث ماهيته وبواعثه أحياناً، وأضفى عليها منازع ميتافيزيقية، فجعله أصل الوجود حيناً آخر، وهو بالاضافة الى ذلك يفسر الحب الإلهي من خلال وحدة الوجود التي هي غاية هذا البحث عنده، بل هي مرتكز فلسفته الصوفية، وعندئذٍ يكون الكلام على الحب الإلهي تحليلاً فلسفياً يعكس ثقافته الدينية والفلسفية معاً().
ابن عربي وأهوال الحب:
يقول ابن عربي:
الهوى راشقي بغير سهام الهوى قاتلي بغير سنان()
يقول: إن حبي سرمدي فلا يتأثر بالقرب والبعد لأن تأثيره يلازمني في كل الاحوال، وأمره متحكم، وأن هذا التأثير ليس بعامل سهم أو سنان، وإنما من مشهد الغيب والملكوت لا من جهة الجوارح().
الملا الجزيري وأهوال الحب:
يقول الجزيري:
جه نده كى صادق جه مابن
ئه رب بيزى جان فدا بن
وه ك (مه لى) لازم تو نابن
وى ز دل جانى خوه دايه()
أي: أنافس جمع العشاق واتحداهم فيما إذا كانوا قائمين بأداء واجبات المحبة، بقدر ما أديته أنا في التضحية والبذل والتفاني بالروح، كل ذلك بطيب نفسي بلا تردد، إن حب ملا لا مراء فيه‘ بخلاف غيره من المحبين، مهما زعموا الاخلاص والصدق في محبتهم، إن قلبي شاهد ودليل ثابت على ادعائي().
مولوي وأهوال الحب:
يقول مولوي:
مه برسو به و مه يل بى سامانه وه هاى ج خه به ره ن جه ردامانه وه
واجه بر تو جه وى فه راموش من ديم تو حالش نه ز نه وى وه كوش
ديده ش يه ن خه يال بالات بى تيشدت راكه ى خاو نه بى بويه روبيشدا()
أي: يوصي المحب ريح الصبا لتكون ترجمان حاله عند المحبوب، وهي تقود سيل دموعه لتصب في (السلاسل)() و(الردهات)()، وتحمل الابخرة الصاعدة من أزيز قلبه الى أعلى قمم الجبال، وتلون أوراق الاشجار بلونه الشاحب الأصفر، عسى ولعل أن يسأل المحبوب عما يجري، لأبلاغه حال المحب الضنين الرث الذي يملؤه الحب، وهو غافل حتى عن نفسه، وتقول له أن النوم لا يمر في عينيه ولو للحظة لأن المحبوب قريرهما().
محوي و أهوال الحب:
يقول محوي:
دوزه خ له عيشقه خالييه و وجه ننه ت له ده ردو داغ
عاشق له حه شريشا نيه تى جى دلى فه راغ
كه ر عازيمى زياره تى كه عبه ى مه حه ببه تى
رى جاكى دل عه لامه تى رى داغ وشوينى داغي()
أي: بما أن نصيب قلب العاشق الاشجان والضنى، والجنة خالية منهما، فلا مكان للعاشق في الجنة، كما أن الجحيم ينفي العاشق ولا يقبله، ولا يناسبه لأنه يعيش بعشقه، والعشق محروم على أهل الجحيم وهو خالٍ منه، وحاصل الكلام أنه حتى في الآخرة لا يوجد محل راحة العاشق.
وفي البيت الثاني يرشد السالك بقوله: فإذا أنت عازم عاى زيارة كعبة المحبة، وتنوي أن تسلك الطريق إليها، فخذ (نيسب)() القلب ومرصاده، وإمارته أنه مكوي بنار المحبة وآثاره ظاهرة للعيان.
ثانياً: تقديس الحب
إن تقديس الصوفية للحب يتجاوز الى حد يقولون أن سر خلق العالم يكمن في حرفين هما (ح ب)، حيث شاء الحق واقتضى بالحب الذاتي أن يرى أعيانها بظهورها، وظهور اقتضاؤها لوجود العالم وما فيه، وبما أن الاعيان عينه في كونه جامع يحصر الامر كله، ومع أن الحق تعالى أزلي الذالت والصفات وهو بصير منذ الازل بذاته وبغيره، لكن مشيئته في الخلق هو لأن رؤية الشيء بنفسه ليس مرؤية نفسه في شيء آخر يكون له كالمرأة، وكان آدم عين جلاء تلك المرأة، وإذا كان العالم خاتماً فالانسان فصه().
ابن عربي وتقديس الحب
يقول ابن عربي:
فالحق خلق بهذا الوجه فاعتبروا وليس خلقاً بذاك الوجه فاذكروا
من يدر ما قلت لم تخذل بصيرته وليس يدريه إلا من له بصر
جمع وفرق فإن العين واحدة وهي الكثية لا تبقي ولا تذر()
الجزيري وتقديس الحب
يقول الجزيري:
جوشش كودا ده رياى جود دئاينه يا تيسمى وه دود
جارهك ته جه للا بوو وجود فوره ك ز نورى زى فه دا
فوره ك ز نورى وى فه كر كه نجا فهورى بى فه كر
كه نزا خوه قفل ومفته كر هيز حه بيب زى ئافراند()
إن الملا الجزيري في هذا الشعر متأثر بفكرة ابن عربي في خلق العالم والحب والمرأة وآدم، وفيما يتعلق بمشيئة الحق في حبه للكشف عن الكنز المخفي، يقول الملا: بعد أن فار بحر الجود، تجلى الوجود في مرآة اسم الودود؛ وذلك بعلة مشيئة الحق تعالى التي اقتضتها محبته في هذا التجلي، وكان هذا التجلي دفعة واحدة، ولمع من هذا التجلي رزمة النور وشعلتها، فأرسلتها وفتح بها الكنز المخفي، أي أصدر حكم خلق الكائنات العاقلة وغير العاقلة والجمال، ثم قفل الكنز وانتهى الخلق للابد، وفي أثناء تنفيذ حكم الخلق حسناً منزهاً، فخلق نور محمد من ذلك الحسن، ونفخ جبريل في كل ذي روح من ذلك الحسن المنزه().
مولوي وتقديس الحب:
يقول مولوي:
سه رمه وداوى قه له م حه كا كه ى عه شق
نه قشش نه عه قيق دلدا كه رده ن مه شق
زهورت كه رده ن نه مه غزو به يدا
جون قووه ى نه شى وه جه عه ينى مه بدا
ته ما مى ئه عزام مه ملوى مه يلى تون
ليم حالى نيه ن هه ستيى ويم جه كون
زوانى ته وبيخ نمه كه رده ش باك
ئه رسه د تيغ به يو سينه م كه رو جاك
كائينات جه لام كرد ته سويرى تون
ئه ربانه ن ئه ر ده شت، ئه ر شاخه ن ئه ر كون()
يبدو أن المولوي متأثر بالشيخ ابن عربي هو الآخر في مجال الاعيان والتجلي، حيث يقول: أن محبتك منقوشة على صفحة قلبي المرجاني، أنت يا حبيبي ظاهر في عقلي وموجود في كل شعيرة من أعضاء بدني، يكمن في فيض حسنك سحر لذائذ أحاسيسي، وبهجة روحي مثلما يكمن سر النشوة في المدام، كلي مملوء بحبك، فيض وجودك في كياني ضاعني عن نفسي فلا أعرف أين وجودي ومكاني وكأني غائب عن حالي، لا أبالي بكلام العذال والوشاة، ولو تقطع صدري أرباً أرباً بالحسام فلا أحيد عن اقتناعي واعتقادي أن جميع الخلائق من البشر والشجر والجبال والصحراء والحجر، كلها أعيان ومجالي لصورتك().
مَحوي وتقديس الحب:
يقول محوي:
له ئولكه ى عيشقه دا بو هه ر كه سى سه ردارييه مه نظوور
عولووى مه رته به ى سه رداره، بوته به يره وى مه نصور
دهلى دانام ودل خوشى ده خاته داوى زولف وخه ت
ئه كه ر عه قلى هه يه بوجى حه زه رناكا له ماروو موور
كه ما لات ومه عارييف مه بيه، بى ده خلى هه وينى عيشق
عه جه ب بشكووتووه له م جه زوه ناره بر به عاله م نوور()
أي: من أراد أن يعتلي عرش المحبة ويرقى الى أرفع المنازل، ليتلألأ نجمه في أديم السماء عليه أن يهتدي بهدي (الحلاج) ويسلك نهجه، فلا تسمع مزاعم القلب بأنه قد أوتي الحكمة، في حين يتعثر في أوكار الضفائر والشامات، لأن من ديدن هذه الاوصاف فيض من الاهوال والمكابد، يبدو أن القلب ضاع عقله وتاه سبيله لأنه ابتلى بلواعج (= عكامسهما)()، وهو في الواقع في جحر الحيات والنمال، ثم يقول: بأنه لا يمكن التجرع من منهل ( الالقاء السبوحي)()، وانتزاع الكمال الباطن والظاهر، الكمال الباطن يتجلى في صفات فاضلة أمهاتها أربع ، وهي: (الحكمة، والفقه، والشجاعة، والعدالة)، وتتفرع من هذه الصفات سائر الفضائل المكملة لذات الانسان، والكمال الظاهر، باجتماع محاسن صفات الاجسام اللائقة بها وهو يختلف باختلاف الذوات، كما لا يمكن نيل المعارف الربانية من دون الولوج من بوابة العشق، فالعشق خميرة الكمال والمعارف، والمخلوق من فيض هذا العشق، ومن جذوة نار هذا العشق انبثق نور الخلائق().
ثالثاً: المحبة والدين والمعبود
يعتقد الصوفية أنه ليس ثمة دين أعلى مرتبة من دين قائم على أساس المحبة التي تثمر السعادة الابدية، إذا كانت المحبة سمة انسانية بارزة في معناها ودلالاتها وآثارها، تكون المحبة مرادفة للدين من دون تمييز بين الاديان والانبياء، فالمحبة والدين مترادفان في كثير من الاعراض والآثار والغايات؛ فإذا تهدم بنيان الدين في مجتمع ما يحل به الفساد ما يحل به عند هدم بنيان المحبة، لذلك تكون مقومات الدين في العلاقات الاجتماعية هي مقومات المحبة الى حد بعيد” الحب حجر الزاوية من الرؤية الصوفية وعليه تأسست نظريتهم في المعرفة”()، وبذلك يقابل الدين المعرفة” من صحت معرفته مع توحيده ومن صح توحيده صحت محبته، فالمعرفة لك والتوحيد له، والمحبة علاقة بينك وبينه بها تقع المنازلة بين العبد والرب”().
ابن عربي والدين والمحبة
يقول ابن عربي: ان الحب هو أصل العبادة وسرها وجوهرها، فلا معبود إلا وهو محبوب، فالحب يهدي الى عبادة الاشياء سواءً أكان انساناً أم حيواناً أو شجراً أو كوكباً أو صنماً، فمنشأ القديس والعبادة هو الحب، يقول:
وحق الهوى ان الهوى سبب الهوى
ولو لا الهوى في القلب ما عبد الهوى
يقسم بقدسية الهوى(= الحق) أن الهوى الساري في جميع المخلوقات بجميع صورها هو علة الحب في جزئيلته، لذلك فعبادة الجزء هي عبادة الكل، وأنه لولا وجود الحق في صور المعبودات وقلوب العابدين، لما كان هناك عابد ولا معبود.
وبما أن جميع المعبودات تمثل عيناً واحدة في الوجود من دون أن تتناهى في الصور، فإن كل المعبودين صور ومجالي للمعبود الواحد هو الحق وهذا ما يصرح به سبحانه وتعالى بقوله:{ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ…}()، ويعتقد ابن عربي أن الصوفي الصادق هو من يرى معبوده في مجالي الصور، ينظر الى معبوده الخاص بأنه صورة من تلك الصور اللامتناهية التي تتجلى في قلب العابد، يحذر ابن عربي من أن يقصر العابد معبوده على صورة بعينها، ويعد هذا شركاً().
ويقول أيضاً بهذا المعنى :
لقد صار قلبي قابلاً كل صورة فمرعى لغزلان ودير لرهبان
وبيت لاوثان وكعبة طائف وألواح توراة ومصحف قرآن
أدين بدين الحب أنى توجهت ركائبه فالحب ديني وإيماني()
انتهى ابن عربي الى أن يجعل من الحب ديناً، فنظر الى مختلف الاديان، مع اختلاف المرسلين ورسالاتهم تشترك جميعها في أصل واحد هو الحب، وجاء على لسان الصوفية():
صح عند الناس أني عاشق غير أن لم يعرفوا عشقي لمن()
الجزيري والدين والمحبة:
يقول الجزيري:
بزو نارا د ديريدا ل هندافا جليبايى
بمحرابى مه برسه جده به لى (أما) خيال ئه برو()
أي: نشد ( الزنار) على وسطنا، ونسجد في دير النصارى كما نسجد في محراب مسجد المسلمين، لا نفرق بين مواطن العبادة، القلب السليم هو المهم في أداء السجدة وأينما حصلت العبادة، فما دام المقصود واحد فلا فرق بين الاماكن مسجداً، كان أم بيعةً، أو كنيسة، لأن المعبود واحد في كل مكان.
مولوي والدين والمحبة
يقول مولوي ملمحاً الى وحدة المعتقدات:
به ى جيش هه ركووه سف وه ش نيكارانه ن
جه نى عه قيده ى دل ئه و كارانه ن
تو زه ننت جيشه ن ئه ويج به و ته وه رن
ئه ر مه يله ن، مه يله ن، وه ر جه وره ن، جه وره ن()
يستذكر مولوي الحديث القدسي في قوله تعالى على لسان نبيه محمد (صلى الله عليه وسلم): [ أنا عند ظن عبدي بي، وأنا مع عبدي إذا دعاني أو(وأنا نعه إذا ذكرني)، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه، وإن تقرب إلي شبر تقربت إليه ذراعاً، وإن تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة]()، ويقول تعالى:{ …فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }()، فكل صورة من الصور ناطقة بالالوهية الحق وكل معبود من المعبودات وجه من وجوهه()، ويقول تعالى:{ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ…}().
يقول مولوي موبخاً القلب: أيها القلب لا تيأس أبداً من المحبوبة وحنانها ودلعها، لأن من سجايا الغادة أنها تتعامل مع نعتقد حبه، فكيف يظن بها تظن به، فالظن الحسن يثمر المحبة عند المحبوبة، وظن السوء يثمر اليأس والنقمة عندها، ويجني صاحبها الحسرة والندامة فهي تقابل الوفاء بالوفاء، والجفا بالجفاء، وبذلك يجعل مولوي المحبة مقياساً للعلاقة القائمة بين المحب والمحبوب أو العابد والمعبود.
مَحوي والدين والمحبة:
مع أن الشاعر محوي لم يصرح بذكر الاديان ووحدتها، ولكننا نستشف الفكرة بوضوح في شعره، إذ يجعل المحبة واللقاء بالمحبوب أصل الايمان والاديان يقول:
دينتم ئيمانه خو كوفره نه كه ينم به تو
قوربه سه رم دينه جوو كافرييه بوو ئه وا()
في هذا البيت يجعل محوي الحب واللقاء بالمحبوب ركيزة الحياة الدينية والروحية بغض النظر عن تسمية الاديان، ويعد الحب ركن الايمان ومحوره، يقول: إذا حصل اللقاء ثبتت الشهادة، وإلا فلا إيمان للمحروم منه، ويثبت فكرته هذه على نفسه قبل غيره مع أن محوي كان فريد عصره في علمي الظاهر والباطن، فقد اعترف بحرمانه من الايمان وبالفكر لكونه لم يشرف بلقاء المحبوب، وإن حبه لم يثمر بعد().
وفي بيت آخر يتخذ محوي من المحبة أساساً لوحدة الاديان بوضوح وأن المحبوب هو المعبود، فيقول:
ساعدى ده ركه ت وعاله م بوو به مووسايى هه موو
موعجيزه ى ليوى كه ده رخا جومله ده بنه عيسه وى()
أي: عندما كشف المحبوب عن ساعده، آمن الجميع بموسى وأتبعوه، حيث كانت معجزته في قوله تعالى:{ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ}()، وفي قوله تعالى:{ وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوء…ٍ}()، وكأن يد المحبوب اشعار بقبول صاحب المعجزة وهو موسى (عليه السلام) نبياً وقبول دينه ديناً، وفي العجز يقول: وعندما كشف المحبوب عن شفتيه يؤمن الجميع بعيسى حيث كانت معجزته فيها، قال تعالى:{ وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ…}()، ويقول تعالى: {… إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا …}()، وكأن شفتي المحبوب اشعار بقبول صاحب المعجزة عيسى (عليه السلام) نبياً وقبول دينه ديناً.
بهذا الاسلوب يستطيع محوي أن يؤكد أن المحبوب هو عين الرسل والرسالات، وأن المحبة هي الدين بعينها.
رابعاً: التغزل بالحب الإلهي والحب الحسي
شعر الغزل هو تعبير الشاعر المحب عن حبه للمحبوب، سواءً أكان الغزل مادياً، أم عفيفاً بريئاً، وهكذا الغزل الإلهي فهو تعبير عن الحب البريء اللامنفعي لله. هناك وشيجة متينة بين الغزل العفيف والغزل الإلهي، فيكون حب الصور الكونية والتغزل بها سبيلاً، ويرتقي فيه المحبوب من المحسوس الى المعنوي، ويسمو الحب الحسي الى معنوي (= الإلهي)، وبذلك يكون الحب الإلهي امتداداً للحب أو استمراراً للحب الانساني، وقد يشتد التشابك في التغزل بالحبين الإلهي والانساني الى درجة من الصعب جداً التمييز بينهما؛ إلا بوجود قرائن توجه الغزل الإلهي بمنحى يمكن فصله عن الانساني، لقد برأ شعراء الصوفية موقفهم في اختيار الغزل عن حياتهم الروحية بوصفه وسيلة مفضلة في شرح وبيان معانيها، ولكونه محبباً الى النفوس ويتماشى مع أحاسيس الانسان وعواطفه()، والرمز هو أداة الصوفي غالباً، وقد يكون هذا الرمز عن وعي في بعض الاحيان أي عن قصد، أو يكون عن لا وعي().
إن شعار الحب للحب هو أهم وشاجة تربط الغزل العذري الانساني بغزل الحب الإلهي لأنهما بمعزل عن المآرب العاجلة والموقوتة، وقد تسربت أفكار غريبة عن الروح الإسلامي فامتزج الحب الإلهي بخواطر تأملية وأفكار فلسفية حول طبيعة الحب الإلهي وماهيته ومدارج الحب.
بغض النظر عن المواقف والآراء فيما يخص عبور الغزل من ضفة الغزل الانساني الى الغزل الالإلهي فهذا واقع لا يمكن إنكاره، وهذا ما حصل مع الشيخ ابن عربي في الادب العربي وأثر بدوره على الملا الجزيري في الادب الكردي.
ابن عربي مع الغَزَلَين:
لغزليات ابن عربي ظاهر وباطن، فأما الظاهر أو من حيث البنية السطحية فإن وظيفته ارضاء المألوف وما اعتاد عليه العامة، أما لغرض الوصول الى الباطن أي البنية العميقة، فيحتاج الى جهد فكري عاطفي أو قلبي لتفجير معاني النص، وبذلك فإن غزليات ابن عربي تتوجه الى نوعين من المتلقي، بحسب ظاهرها قصيدة غزلية عادية تندرج في سياق شعر غزل عربي واضح، وبحسب باطنها أو عند فك رموزه ومصطلحاته فإنه قصيدة صوفية تدور حول تجارب حياة معنوية عرفانية مر بها الناظم().
ويتم الانتقال من الظاهر الى الباطن عبر تغيير دلالات الكلمات، وصرفها من معانيها اللغوية الى معانٍ صوفيةٍ رمزيةٍ، ولكن ابن عربي لكي يثبت براءته من الحب الانساني وبعد أن اشتد الخناق عليه، قال:
فاصرف الخاطر عن ظاهرها وأطلب الباطن حتى تعلما()
إن هذا البيت بمثابة القنطرة للانتقال بين ضفتي الغزل الانساني والغزل الالإلهي، أوللاقلاع عن حالة غليان بعض من أهل الشريعة الى تهدئة وإسكات أصوات اعتراضهم بعد أن وصف (نظام) الملقبة بعين الشمس ابنة ( مكين ابي الشجاع)، وصفها ابن عربي بأنها منهل الهامه : ” فقلدنا من نظمنا في هذا الكتاب أحسن القلائد بلسان النسيب اللائق… ويقول كل أسم أذكره في هذا الجزء فعنها أكنى، وكل دار أندبها فدارها أعني…”.
ويقول:
كل ما أذكره من طلل أو ربوع أو مغان كل ما()
الى نهاية القصيدة…
إن كل الاوصاف التي ذكرها ابن عربي، وكل ما أفرزه هاجس الحب عنده للغادة(= نظام) تتحول الى رموز أو واردات إلهية يتنور بها قلب ابن عربي.
الجزيري مع الغَزَلَين:
إذا هام ابن عربي بحب (نظام)، فقد هام الملا الجزيري بغادة من غزلان جبال بلاد الكرد وهي (سلمى) ابنة الملك (الكامل)() أمير اقليم حسنكيفا الواقعة في تركية الحالية.
ومما يذكره أهل الجزيرة ، أنه (= الملا الجزيري) كان يعشق فتاة من عائلة أمراء الجزيرة (= جزيرة بوتان – جزيرة ابن عمر في المصادر الاسلامية ) في زمانه، كانت تسمى (ستيا بسك كه سك = السيدة ذات الأصداغ الخضراء)، ولكن لم نعثر على كونه قد تزوج من إحداهما، أو من أية من النساء().
وقع الملا الجزيري في وكر العشق لم ينفك منه الى أن تحول هذا العشق الى نوع آخر وهو العشق الإلهي اقتداءً بسلفه ابن عربي، فانقلبت غزلياته الانسانية الى غزليت الإلهية في جوهرها، وفي معناها الباطني، كان الملا الجزيري يصيح بملء فمه في بداية حبه معلناً جهاراً ونهاراً حبه ل( لسلمى)، بقوله:
شوخ و شه نكى زوهره ره نكى دل ز من بر دل ز من بر
ئاورين هه يبه ت بلنكى دل ز من بر دل ز من بر()
أي : أن الغزالة الحسناء اللطيفة، ذات القامة الهيفاء، والوجه المنير كنور كوكب الزهرة، قد اغتصبت قلبي وملكته الى الأبد، لقد خطفت قلبي بنظراتها الملتهبة التي تشبه مهابة نظرات النمر عند غضبه. يستمر ويقول أيضاً:
وى شه بالى مسكى خالى ديم دورى كه رده ن شه مالى
جه بهه تا بسكان سه مالى دل ز من بر دل ز من بر()
أي: أن صفحة وجه المحبوبة اللطيفة تشبه الدرر والآلي في اللمعان، وعليها خالات سوادها سواد المسك وجيدها كالشمعة، إن وجه الشبه بين الجيد والشمعة يكون في الطول والنور، يقول إن خصلات شعرها ترقص على ناصيتها يداعبها نسيم الصباح.
أما تباشير التحول من غزلياته فتظهر في قوله:
ما بلعلين جانفه زا نافى مه بينت جاره كى
بالدعاء بلغ تحياتي لسلمى يا بريد()
يتساءل الملا الجزيري، هل يحالفنا الحظ؟ في أن تبادر المحبوبة (سلمى) بذكر اسمنا فتمر حروف أسمي بين شفتيها الحمراوين، إن حصل هذا فيكفينا لتنتعش الروح بريقها ورضابها الحلو، ثم يوصي ريح الصبا المعهودة بوساطتها بين الاحبة وكبريد، يوصيها أن تبلغ (سلمى) تحيات الملا العطرة والحارة مع دعائه من اللله أن يتلطف قلبها وتستجيب لطلبه المذكور().
إن هذا البيت يكشف عن نزوع الجزيري الى نهاية حبه الانساني وإن كان لا يزال يحتفظ برمق منه، ولكنه يعزى الى فراق أبدي مع (سلمى) عندما يوصي ريح الصبا (= البريد) أن تمر بها وتبلغها تحياته العطرة، وإن نهاية حب الجزيري (لسلمى) كانت بداية حب آخر حقيقي لازمه مدة حياته، وقدم له الروح والبدن، وهكذا ينتقل بحبه وبغزلياته من المجازية الى الحقيقية، ليقول في النهاية:
توز ( ملايى) هو ببرس اسرار عشقى حل دكت
فى معمايى جه زانن صد ملاو مستعيد()
أي: إذا نويت معرفة أسرار العشق وفك رموزه، فأسأل من مارسه وجربه واختص به، وهو الملا الجزيري، وليس غيره، لأنه وقف على خفاياه وألغازه، وهو أهل لهذا العلم الذي يغيب عن ادراك ومعرفة مائة من الملالي ومائة من أقران الملالي من المستعدين، ويقصد أن أهل الشريعة وعلماؤها محرومون من هذه الهبة الإلهية.
وأخيراً يؤكد الجزيري على أهمية الحب المجازي للولوج الى الحب الإلهي، بقوله:
لا معا حوسن و جه مالى دى زى علمى بيته عه ين
عيشق دا زى هلبتن كى دى حقيقه ت بى (مجاز) ()
أي: يجب أن يتلألأ نور الحسن والجمال ليكون ظاهراً للعيان ويخرج هذا النور من نار تشتعل في الاحشاء، لأن ما من كائن إلا يستبطن في داخله حرارة نور الحسن والجمال، ولكن إذا لم يقع البصر على محبوب مجازي يكون مظهراً للحسن والجمال فلا تشب نار العشق الحقيقي ولا تخرج من مكمنها الباطني، فلا سبيل الى العشق الحقيقي بغير واسطة العشق المجازي() ومن أعظم العوامل التي أرست التصوف على قاعدة المحبة إنما هو الاعتقاد بوحدة الوجود().
المبحث الثالث: وحدة الوجود عند الصوفيين الكُرد
لم تظهر فكرة وحدة الوجود في صورة نظرية كاملة متسقة قبل محي الدين ابن عربي (ت638ﮪ/1240م)، وإن ظهرت بعض الاتجاهات نحو هذه النظرية نجدها بين الحين والآخر في أقوال الصوفية السابقين عليه(). ولم يكن ابن عربي أول من أرسى دعائم مذهب كامل في وحدة الوجود فحسب، بل ظل حتى اليوم الممثل الاكبر لهذا المذهب، ولم يأتِ بعده ممن تكلموا في وحدة الوجود نثراً ولا شعراً إلا كان متأثراً به أو ناقلاً عنه، أو مردداً لمعانيه بعبارات جديدة().
أولاً: الشيخ ابن عربي مؤصل نظرية وحدة الوجود
إن تلقيب ابن عربي ب ” الشيخ الاكبر والكبريت الاحمر” لم يأتِ من فراغ فهو بحق قمة ما انتهى إليه التصوف الاسلامي (معاملة) و(مكاشفة). فما سبقه من تراث المتصوفة على أختلاف أذواقهم ومشاربهم وتنوع أحوالهم وتجاربهم، بمثابة الرافد، وهو المصب().
ولكنه لم يكن مجرد وارث لذلك التراث العظيم الذي خلفه المتصوفة السابقون، بل كان مطوراً له منظماً منظراً، فبذهم غزارة تأليف، وعمق تفكير، وجرأة تأويل، وإبداع اصطلاح، وتجديد لغة، وابتكار اسلوب. لقد أتيح له أن ينفصل عن تجربته الصوفية ليحللها، وينتقل بها من نطاق الأحوال والمقامات، والأذواق والمواجيد، الى ميدان التفكير والتأمل ومجال التنظيم والتدبر().
لقد انتشرت أفكار ابن عربي في العالم الاسلامي أجمع، أما هو فقد أصبح له أتباع لا حصر لهم في المناطق الإيرانية (= الفارسية) والعثمانية؛ لأن التحولات السياسية التي شهدها القرن السابع الهجري/ الثالث عشر الميلادي بإجتياح المغول معظم اقاليم العالم الاسلامي الشرقي بما فيها تركستان وبلاد ما وراء النهر وايران وأذربيجان وتوغلهم في آسيا الصغرى(= الاناضول) وتدميرهم الممنهج لمناطق واسعة ذات حضارات متطورة؛ كل هذه التطورات المذهلة أفضت الى هروب العلماء والشعراء وكبار رجال الصوفية الى الاناضول قادمين من اقاليم بخارى وسمرقند وخراسان وفارس حيث أسهموا في تطوير الحياة الدينية والروحية.()
ومن مشاهير الصوفية الذين اتجهوا الى آسيا الصغرى واستقبلتهم سلطنة سلاجقة الروم في عاصمتها قونية بترحيب بالغ الصوفي الكبير محي الدين بن عربي()(560-638ﮪ/1166-1240م)، ويعد ابن عربي من أكبر فلاسفة التصوف في العصور الوسطى حيث جعل من التصوف نظاماً دينياً فلسفياً في آنٍ واحدٍ. ولقد تجول ابن عربي في بلدان المشرق الاسلامي فيما بين سنتي589-620ﮪ/ 1201-1204م، كما تجول كثيراً في أسفاره بين مدن آسيا الصغرى، وفي سلطنة سلاجقة الروم استقبله السلطان بحفاوة بالغة” ركب له يوماً صاحب الروم (= السلطان السلجوقي) فقال: هذا تذعر له الاسود فسئل عن ذلك فقال: خدمت بمكة بعض الصلحاء فقال يوماً: الله يذل لك أعز خلقه، أو كما قال. وقيل إن صاحب الروم أمر له بدار تساوي مائة ألف درهم”().
ومن مؤلفات ابن عربي الصوفية والتي انتشرت تعاليمها في آسيا الصغرى كتب: التجليات، ومفاتيح الغيب، والعبادة والخلوة، ومناصحة النفس، وترجمان النجوم ومطالع أهل الاسرار والعلوم، ومشكاة الانوار فيما روى عن الله من الاخبار، وغيرها من المؤلفات الكثيرة(). وأثناء تنقل ابن عربي بين مدن آسيا الصغرى زار صاحبه وأشهر تلاميذه صدر الدين القونوي (ت673ﮪ/1274م) شيخ الاعاربة بقونية صاحب المؤلفات العديدة في التصوف مثل: النفحات، وتحفة الشكور، والتجليات، وتفسير سورة الفاتحة، الذي يمكن عده شارحاً لآراء الشيخ محي الدين بن عربي بالفارسية(). وقد استأنف ابن عربي رحلاته عبر المدن السلجوقية في آسيا الصغرى فزار مدن: ملطية، وسيواس، وقونية، وتبعه تلميذه عفيف الدين التلمساني المتوفى (ت690ﮪ/1291م) الذي استقر في سطنة سلاجقة الروم لحقبة كبيرة().
وقد انتشرت في آسيا الصغرى العديد من الطرق الصوفية، من أهمها: البكتاشية والخلوتية والقلندرية والحيدرية والنقشبندية وغيرها.
ثانياً: تأثير ابن عربي على عقيدة النقشبندية
يأخذ التوحيد حيزاً مهماً في نظر النقشبندية، وأحد أقسامه الرئيسية هوالتوحيد الوجودي: ومعناه أن يؤمن المرء أنه لا موجود في الكون وما رحب سوى الله عزوجل، وكل ما سواه عدم محض. ويضيف أحد شيوخهم الامام الرباني احمد الفاروقي السرهندي(ت1034ﮪ/1624م) أن هذا التوحيد ما جعل الحلاج(ت309ﮪ/922م) يأتي بقولته المشهورة:” أنا الحق”، وكذا أبا يزيد البسطامي (ت261ﮪ/875م) الذي يقول ” سبحاني ما أعظم شأني”. ويفسر النقشبندية أنَ هذا يحدث للعبد حينما يتجلى الحق على قلبه ب (تجلي الجلال) أي القهري، عندئذٍ يمحو منه الغير والسوى ولا يبقى فيه إلا الله، فلا جرم يسمع في القلب لمن الملك اليوم لله الواحد القهار. وينطلق السالك آنذاك بما قاله كل من الحلاج وأبو يزيد البسطامي . ولكن هذا لا يعني الحلول والاتحاد كما يزعم البعض، بل معناه أنه فنَي عن ذاته، أو بتعبير آخر فنيت عنه نفسه؛ ويحيا بالله في تلك اللحظة فلا وجود له كإنسان بل وجوده نابع من روحه التي هي نفخة من روح الله تعالى، وهذه مسألة ذوقية لا يقف عليها إلا من تذوق هذه المعاني الصوفية وعَرّفها.
وتنقسم النقشبندية الى ثلاث شُعب من حيث مفهومها لوحدة الوجود وهي:
الاولى: فرقة تقول بأن العالم موجود في الخارج بإيجاد الحق.
الثانية: تقول بأن العالم ظل الحق سبحانه وتعالى، وأن الوجود قائم بوجود الحق قيام الظل بالاصل، فلو لم يكن الله موجوداً فما كان للعالم من وجود.
الثالثة: طائفة تقول بوحدة الوجود وتعتقد أنه لا وجود إلا وجود الواحد الاحد، وهو ذات الحق وأن الحق متصف بصفات وجوبية وإمكانية. ويثبتون مراتب التنزلات ويقولون بإتصاف الذات الواحدة في كل مرتبة بأحكام لائقة بتلك المرتبة، ويلتمس الصوفية الكُمَل لهم العذر بنطقهم بهذه الاقوال؛ لأنها من قبيل غلبة المحبة، وسببها السكر، وكلما خلق صورة قبضها، والسَكر في معناه الصوفي ليس المتعارف عليه في المعاجم اللغوية؛ بل هو أكيد في دلالته على المعرفة الالهية وتلقي العلم الالهي().
وقد ترد في اشعار الصوفية النقشبنديين تلك المعاني التي لا يفهمها غيرهم، فيقول قائلهم على سبيل المثال:
إذا ما أردت أن تبلغ الكمال
قل الله وأترك الوجود وما حوى
وإذا ما تحققت تشاهد أن لا شيء
سوى الله فالكل عدم بتفصيل وإجمال
وأعلم أنك وكل العوالم لولا عنايته في محو واضمحلال
فالشيء الذي لا وجود لذاته من ذاته
فلا يمكن أن يوجد لولاه
لقد فني العارفون فلم يجدوا شيئاً سوى الله المتكبر المتعال
وتحققوا أن غيره عدم في الماضي والحاضر والمستقبل().
ويتجلى تأثر الشاعر الشاعر بمحي الدين بن عربي، حيث يقول في بيته هذا:
الشيء الذي لا وجود لذاته فلا يمكن أن يوجد لولاه
وإذا ما تحققنا معناه لرأيناه ينطبق تمام الانطباق على البيت الذي ورد عن ابن عربي:
من لا وجود لذاته من ذاته فوجوده لولاه عين محال().
ومن جانب آخر فإن الغالبية العظمى من الكرد هم من أهل السنة والجماعة على مذهب أبو الحسن الاشعري(260-324ﮪ/890-940م) في العقيدة، وعلى مذهب محمد بن ادريس الشافعي(150-204ﮪ/700-750م) في الفقه، وهناك علاقة وثيقة بين العقيدة الاشعرية والتصوف، ولذلك كان لهذا الاثر دور كبير في إصطباغ غالبية الملالي والشعراء الكرد بالتصوف.
وكان الملا احمد بن محمد الملقب ب (مه لايى جزيرى- الملا الجزيري) من مريدي الطريقة النقشبندية ، يدل على ذلك قوله:
كو نوورى عشقى لامع دت ل طوورى قه لبى جامع دت
دسه يرا (برزخ الأسماء، نهايات بداياتي)()
أي: إذا لمع نور العشق وشعَ على طريق السير والسلوك وتدرجي في برزخ مراحل مقامات أسماء الله الحسنى وتحققي بها تتحول نهايات، أي تندرج نهاية سلوكي في بدايته، كما هي خاصة الطريقة النقشبندية()، وكان من القائلين بوحدة الوجود().
أما الشاعر الثاني عبدالرحيم بن سعيد بن شريف الملقب ب(مولوي) فقد استطاع أن يوفق بين الشريعة والحقيقة، فبعد نيله الاجازة العلمية سنة1257ﮪ/1841م ذهب الى قصبة طويلة مركز الطريقة النقشبندية وتمسك على يد الشيخ عثمان سراج الدين(ت1283ﮪ/1866م)، وبعد وفاة الشيخ سراج الدين، يجدد مولوي تمسكه بالطريقة على يد ابنه الشيخ محمد بهاء الدين(1298ﮪ/1881م)، وبعد وفاته حل محله في رئاسة الطريقة شقيقه عمر ضياء الدين() ومع ذلك لم تنقطع صلته الروحية به ايضاً().
وقد تأثر مولوي بالادب العربي ولا سيما شعراء الصوفية الكبار امثال ابن عربي والحلاج، يظهر ذلك بمعاينة شعره فكراً ومقارنته مع أفكار ابن عربي والحلاج وغيرهما من شعراء الصوفية().
أما الشاعر الثالث محمد بن عثمان الكبير بن ملا علي الملقب ب (محوي) فقد مرت مراحل حياته الروحية بعدة مراحل، حيث كان في بداية عمره يعيش في فراغٍ روحي، لذا أملت عليه الضرورة بالبحث عن شيخ يتمسك على يده، وهذه سنة الصوفية واحدى مبادئهم لأنهم يعتقدون بأنه ” لا يصل السالك الناسك الى حضرة الله تعالى وحضرات صفاته وأسمائه، ولو جمع علوم الاولين وصحب طوائف الناس وعبد عبادة الثقلين إلا على يد أصحاب الاذن الخاص”، ويعكس هذا في شعره
له ناكه س كاريا خاكم به سه ر رويى به با عومه رم
خودا تو بمزينه تا له به ر قابى كه سى بمرم()
يقول محوي: أنا الاريحي أهيل على رأسي التراب كمن فقد أعز الناس، لأن عمري العزيز قد ولى بدون رجعة؛ ومع هذا أنا أوراوح مكاني، ومالي حيلة إلا أن أتوسل وأرجو من الله، أن يبقي لي رمق الحياة حتى يتيح لي أن أتمسك وأموت أمام عتبة باب واحد، ويقصد به الشيخ العارف المرشد، وقد تمسك على يد الشيخ محمد بهاء الدين، وبعد وفاة شيخه جدد عهده لابنه الشيخ حسام الدين.
ثالثاً: الملا الجزيري ووحدة الوجود
يعد الشاعر الكردي أحمد الجزيري المشهور ب(مه لايى جزيرى) من القائلين بوحدة الوجود، وقد أشار في مواضيع كثيرة من ديوانه الى هذه المسألة، بل ويصرح بمبدئه في الوحدة المطلقة، فعنده الوجود الحقيقي هو لله عز وجل، ووجود غيره مظاهر لوجوده، فيرى أن ظاهر الكون تجسيد ظاهري للذات الإلهية. فهو يؤمن بالوحدة المطلقة، فيقول:
وه حده تى (مطلق) مه لا نووره د قه لبان جه لا
زور د فى مه سئه لى ئه هلى دلان شوبهه ما
الترجمة: { الوحدة المطلقة يا ملا هي نور تجلي في القلوب،
بقي الكثير من أهل القلوب في هذه المسألة في شبهات}.
اي: أن الوحدة المطلقة هي نور انكشف في القلوب، أو هي نور بمنزلة كحل يجلو القلوب، وأهل القلوب عن الاوساخ والامراض الباطنية، ود كثير من أهل القلوب لم يصلوا الى ذلك المقام، وبقوا ذي شبهة في هذه المسألة، أو كثير من أهل القلوب قد بقوا في اشتباه وتشكك في هذه المسألة، أي وحدة الوجود، لأنها هي موضوع نزاع واختلاف بين الصوفية، فبعضهم يحكم بصحتها، وآخرون يشكون في ثبوتها، لأنهم لم يقفوا على حقيقتها لغموضها، ولم يحوموا حول ما استحقت من المعرفة والبيان، إذ لا بد لذلك المشاهدة والعيان().
ويقول أيضاً:
ئافتابى ئه حه دييه ت دخوه دا كرتى يه كه ون
نه كو عه وره ك هه يه لى كرتى يه جه هفين مه ره مه د
أي: أن أحدية الله تعالى قد اشتملت على الكون كله وعمته بحيث أنه يظهر للعيان شيء من هذا العالم غير ذات الله تعالى، مثلما تعم الشمس جميع الموجودات وتشرق عليها، وهذه الحقيقة [ عند الجزري] بديهية لا تحتاج الى دليل ولا ساتر يسترها عن رؤية الابصار الصحيحة ولا يوجد سحاب حاجز عن إدراكها، وإذا كنا لا نبصر ذلك، فإن أبصارنا هي المريضة الرمداء ، فالقصور من البصر لا من المبصر.
ويقول في موضع آخر:
حه رف زيه ك بوونه فه صل كه ر بيرى وان ب ئه صل
حه رف دبت يه ك خه طه ك خه ط مو نه ما نوقطه ما()
أي: إن حروف وأنواع الكائنات قد انفصلت وتميزت عن بعضها بعد وجودها، وكانت قبل ذلك في الحقيقة شيئاً واحداً أي متحدة، وإن أردت أن تردها وترجعها الى أصلها التي كانت عليه قبل وجودها، فإن الحروف تعود بمنزلة خط واحد غير متميزة أجزائه والخط أيضاً إذا لم يبق على تلك الحالة بل رد وأرجع الى أصله، فإنه يعود نقطة واحدة أي تبقى النقطة وحدها، أو بمعنى آخر تندمج الكائنات كلها في نقطة الوجود الحقيقية ولا يبقى شيء آخر().
ولكي يدعم الجزيري فكرته حول التجلي فإنه يقر بأن المحبوبة تتجلى وتظهر للعشاق في مظاهر كثيرة، فيقول:
رووحى ونه جسمى ز جه مالى ب ج ئسمى
ره نك ره نك دبى كه شف وشوهودودى ج كه سى تو()!
الترجمة: {أنت روح ولست جسماً، فبأي أسماء الجمال تسمى، حيث تظهر للعيان بمظاهر متعددة، فمن أنت؟!}.
أي، أيتها الحبيبة أنت روح مجردة لطيفة ولست جسماً، فلا أدري بأي اسم تعرفين حتى أعرفك في باب الجمال، وقد حيرت كل معرف وواصف، لأنَ انكشافك للمعرفين، وظهورك للواصفين ليس على نسق واحد، فيتحير الناظر والمشاهد، فلا يعرف أي ماهية أنت() ؟ أي أن المحبوبة تظهر للسالكين بمظاهر متعددة، وهي في الحقيقة واحدة.
فجمال الموجودات من جمال المحبوب الذي يتجلى في صور الاعيان، حيث يقول:
عاشق ئه وه مه عشووق ئه وه ظاهر ئه وه موظهر ئه وه
رووح هه ر ئه وه كه و هه ر ئه وه د هه ر شاهده ك دا شوعله دا()
الترجمة: { هو العاشق وهو الحبيب، هو الظاهر وهو المظهر، هو الروح والجسم، في كل شاهد أضاء ولمع}.
إن المحبوب هو العاشق لكل شيء وهو الحبيب لكل أحد، وهو الظاهر في كل موجود، وهو مظهر كل كائن، وهو روح كل حي، وجسم كل ذي جسد، وهو الذي وهب الجمال لكل جميل().
فللوجود جوهر واحد وهو الله – حسب اعتقاده -، ومظهر وهو ما يدرك بالحواس الخمسة، أي أن الله سبحانه يتمثل بالوجود فما خفي منه هو (جوهر)، وما ظهر منه فهو (مظهر)، أي أن الله هو الخالق (= المعشوق)، وهو المخلوق (= العاشق) وهو المظهر، وهو الجوهر من كل فاتنة().
فعنده، كل ما في الكون مظهر من مظاهر الذات الإلهية، وليست لوجودها حقيقة وإنما هي مظاهر لوجود الله سبحانه وتعالى.
ويقر الجزيري بأن موضوع وحدة الوجود هي موضوع خلافي بين الصوفية، ولكنه يؤكد أنه تجلى تلك الوحدة في قلبه، وبقي بلا شبهة، وعلاوة على ذلك، يحاول بيان ذلك وبرهنتها للغير، ويؤكد أنَ الوحدة الصرفة هي مشربه وطريقته كما يقول، أي بعبارة أخرى أنه يوضح مذهبه مذهب وحدة الوجود وضوحاً تاماً لا يحتمل التأويل()، حيث يقول:
واحده ك صرفه مه مه شره ب ته ج ئكسيرى ووجوود
ئه م له باله ب ج له باله ب ب خوه هه م جامه له باله ب()
أي: أن الوحدة الصرف هي مشربنا، وأي إكسير عجيب هي لوجودنا، ونحن ممتلئون بها أي امتلاء، وكذا الكأس دهق.
فهو يقول: إنَ الوحدة الصرفة الحقيقية الخالصة من كل شائبة تعدد هي مشربنا وطريقتنا في التصوف والمراد بذلك وحدة الوجود، وأي إكسير وكيمياء عجيب تلك الوحدة لوجودك حتى غَيَرته من وجود جسماني كثيف مظلم الى وجود روحاني لطيف مضىء، ونحن ممتلئون أي امتلاء من اعتقاد تلك الوحدة الصرف، أي قد استولى ذلك الاعتقاد على جميع مشاعرنا وتخيلاتنا، حتى أنَ الثياب التي اشتملت على جسمنا وجاورته هي نفسها أيضاً ممتلئة من ذلك الاعتقاد، وقائلة به بطريق المجاورة والسراية().
فيُقر الجزيري بمبدأ وحدة الوجود، ويحاول برهنتها عن طريق الادلة العقلية، فهو عنده علم وفلسفة، وهذا يطابق مع ما جاء به الصوفي الكبير ابن عربي ومن سار على نهجه().
فوحدة الجزيري أقرب الى وحدة الوجود، حيث يؤمن بوجود حقيقة واحدة، وهي وجود الله سبحانه وتعالى، وجميع الصور والاعيان مظاهر لوجود الحق سبحانه، بعكس وحدة سلفه ابن الفارض الذي هو أقرب الى وحدة الشهود، الذي شهد ذاتاً واحدةً – وهي ذات الله عز وجل- فنيت فيها كل الذوات().
يه كه ده ريا تو بزان قه نجى ج مه وج وج حه باب
د ئه صلدا كو حه مى ئا فه ج ئاف وج جه مه د().
أي: أن مشهد البحر بما فيه من أمواج وفقاعات ماء تطفو سطح البحر، وما تتجمد وما تجري وما تسيل، وما تتفرع منها من أنهار وجداول، مع اختلاف هذه التسميات فأصلها جميعاً لا تخرج كونها ماء، أي أن الحقيقة الوجودية واحدة مع أن التسميات والصفات متعددة ومختلفة.
ويقول أيضاً:
وه حده تى (مطلق) مه لا نووره د قه لبان جه لا
زورى دفى مه سئه لى ئه هلى دلان شوبهه ما().
أي: يا ملا(= يقصد نفسه) إن الوحدة المطلقة هي نور انكشف في القلوب، أو هي نور بمنزلة كحل يجلو القلوب، وأهل القلوب قد بقوا كثيراً ذوي شبهة وشك في هذه المسألة، أي وحدة الوجود، لأن هذه المسألة هي موضع نزاع واختلاف بين الصوفية، فبعضهم يحكم بصحتها، وبعضهم الاخر يشك في ثبوتها().
والقائلون بوحدة الوجود يقولون إنها لا تتنافى أحدية الحق، لأن ما صدر عنه ليس إلا ضرباً من التعينات وهذه التعينات تتكثر وتتغير، ولكن الحق في أحديته لا يتكثر ولا يتغير().
رابعاً: الشاعر مولوي ووحدة الوجود
يقر الشاعر مولوي مثل سلفه محوي، أيضاً بوحدة الوجود تصريحاً لا تلميحاً، بقوله:
ئه ى كرد مه وجودى جه تو كرت ما يه
مه وجود هه رتونى ما سيوا سايه
به نهان بى ته نها، وه حده تت مه وج وه رد
به ى شنا سايى فهوور يوه ت كه رد
به ويت جه ى عاله م بى به قاى ناسووت
ئه ر وه ى كرت جيلوه ى وه رين نه شناسووت()
أي: ان جميع الكائنات من فيض وجودك، وقائم بك، يا معبود لك الوجود الحقيقي، والبقية أشباح وظلال، لقد كنت فريداً وحيداً فخلقت الخلق لتجلي وجودك الاضافي في أعيان الممكنات أي العالم الفاني، وخصوصاً الانسان كما يقول الله عز وجل على لسان نبيه:” كنت كنزاً مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق فيي عرفوني”()، بمعنى أن الحق تعالى أراد أن يعرف فخلق الخلق والانسان جميعاً ليرى نفسه في صورة تتجلى فيها أسماؤه وصفاته، أو ليرى تعينات أسمائه في مرآة العالم والوجود الخارجي، فظهر في الوجود ما ظهر، وعلى النحو الذي عليه، وكشف بذلك عن الكنز المخفي الذي هو الذات المطلقة المجردة عن العلاقات والنسب، ولمنه لم يكشف عنها في إطلاقها وتجردها، بل في تقييدها وتعيينها()، فإذا نظرت إليها من حيث ذاتها قلت: هي الحق، وإذا نظرت إليها من حيث صفاتها قلت هي: الخلق().
ويقول مولوي أيضاً مقراً إيمانه بوحدة الوجود:
خاكم نه م داوه ى مه وته ن جه ئه زه ل
سه بته ن نه كه له م يه كرهنكى ى ئه وه ل()
خامساً: الشاعر مَحوي ووحدة الوجود
يقر الشاعر مَحوي إيمانه الجازم بوحدة الوجود من دون مواربة، ويكون ذلك تصريحاً أحياناً، وتلميحاً أحياناً أخرى خوفاً من نقمة علماء الشريعة عليه، يقول محوي مصرحاً إيمانه بوحدة الوجود:
غه يرى وه حده ت له وجودا نيه كه بره ت وه همه
ساده تكرارى يه كه مه نشه ئى ئه وهامى عه ده د()
أي: أن الوجود الحقيقي لله تعالى، وغيره أشباه وظلال وأوهام وهذا الوجود الحقيقي يحوي كل ما عداه، وهو الظاهر بصورة كل وجود، أما الصلة بين الحق والخلق تشبه الصلة بين الواحد العددي والاعداد المرفوعة عنها، فمثلاً العدد(10) عشرة تكرار لعدد (واحد) عشر مرات، وكذلك أوجد الواحد الحق الكثرة الوجودية المسماة بالعالم ففصله وكثره.
ويقول مَحوي ملمحاً الى وحدة الوجود:
نه ناوى روزو مه ه بردن نه باسى صه درو شه ه كردن
مووه حيد هه ر ده بى هه ريه ك بناسى هه ر له يه ك ده دوى()
أي: دع شأن الاشباح والاوهام، وأترك ذكر كل ما ينفي عنه الوجود الحقيقي، وإن كل ما هو محسوس في عالم الظاهر، كالشمس والقمر، والملك والرئيس… وغيرها كلها مجرد صفات وتسميات يتجسد فيها الحياة الاضافية من فيض الرحمن، فلا وجود لهم في الحقيقة أبداً، فأنسَ ذكرها جميعاً، وأذكر من يستحق الذكر كونه موجوداً حقيقياً أزلياً ابدياً واجب الوجود.
الخاتمة
مما تقدم يثبت بجلاء أنه كان للشيخ الاكبر محي الدين بن عربي تأثير كبير على البنية الثقافية والفكرية للشعراء الكُرد من خلال خصائص الاسلام الصوفي ومقوماته المختلفة من الشريعة والحقيقة والاتحاد والحلول ووحدة الشهود والفناء والبقاء بالاضافة الى الحب الإلهي، وتقديس الحب، والتغزل بالحب الالهي والحب الحسي، لأن الغزل عند ابن عربي يغطي القسم الأكبر من أشعاره، أما ديونه (ترجمان الأشواق) فواجهته.
ويلاحظ من خلال ثنايا البحث المصطلحات والمفاهيم الصوفية الخاصة بالشيخ ابن عربي، بالاضافة الى النصوص الشعرية والنثرية العائدة له؛ والتي كانت مبثوثة في دواوين الشعراء الكرد، وهذ دليل على بيان الالفة والمودة التي تجمع بين الجانبين، حيث كان ابن عربي الضيف الدائم على مائدة التصوف الكردي، فعلى سبيل المثال لو تطرقنا الى دواوين الشعراء الكرد موضوعي البحث لرأينا العشرات من مفاهيم ومصطلحات ابن عربي منتشرة في ثنايا قصائد أشعارهم، يقول الشاعر الصوفي (مَحوي)، في أحد أشعاره: ” لايؤمل الخير في التمسك، ولا يمكن جني ثماره بدون الاطلاع على كتاب (الفتوحات المكية) لابن عربي، الذي يمثل الحياة الروحية له ولغيره من الصوفية، لأن هذا الكتاب هو مفتاح إجتياز الصوفي للمقامات، وتجلي الروح لمشاهدة الحقائق القدسية، والأنوار الإلهية.
المصادر والمراجع والهوامش
[1]