#عوني الداوودي#
إن إحدى نقاط الخلاف الرئيسية التي لم يتوصل الطرفان لتسويتها في جميع المفاوضات التي دارت بين الحكومات العراقية وممثلي الحركة التحررية الكوردية هي مدينة كركوك.
وفي إحدى جولات المفاوضات، قال السيد طارق عزيز للوفد الكوردي وبالحرف الواحد:
انسوا كركوك كما نسي العرب الأندلس.
فيا لقسوة هذا التشبيه، وشتان ما بين الحالتين، الدكتور محمود عثمان هو واحد من الشخصيات الكوردية الذي اشترك في المفاوضات مع الحكومة العراقية، يحدثنا الآن عن تجربته مع الأنظمة العراقية.
الدكتور محمود عثمان:*
في جميع المفاوضات التي أجريناها مع الحكومات العراقية، وخاصة مع حكومة البعث لأنها التي دامت أكثر من غيرها. ففي الأعوام 63، 70، 91 بغض النظر عن بعض الجولات الصغيرة ما بين الأعوام 79، 84، كانت نقطة الخلاف الرئيسية على الدوام حول جغرافية كوردستان والمناطق التي يشملها الحكم الذاتي، وخاصة المناطق الغنية بالنفط وعلى رأسها كركوك.
كنا نؤكد نحن الوفد الكوردي باستمرار على الحقائق والوثائق التاريخية والخرائط المعتمدة، ونقول بأن كركوك تقع ضمن جغرافية كوردستان، وإذا كان عدد الكورد قليلاً في الوقت الحاضر فهذا لا يغير من جوهر القضية بشيء، لأن النظام هو الذي غيّر الواقع السكاني للمنطقة من خلال ممارسة سياسة التعريب وترحيل الكورد وتشريدهم من ديارهم، وكان الطرف الحكومي يرفض مطالبنا على الدوام بحجج واهية.
لم نتوصل إلى اتفاق في العام 1963، لنفس السبب، وفي العام 1970 اتفقنا على حل وسط، وفي أحد البنود السرية لتلك الاتفاقية، وهي بعد مرور سنة على إعلان الاتفاق ويجرى إحصاء رسمي في هذه المناطق بعد إزالة آثار التعريب، فإذا كانت نسبة الأكراد أكثر من 50% حينذاك ستلحق كركوك بمناطق الحكم الذاتي، أما المناطق التي فيها أقلية كوردية ستشملهم جميع الحقوق التي يتمتع بها الكورد في منطقة الحكم الذاتي.
لكن الذي حصل هو تنصل الحكومة العراقية من الاتفاق واستمراره لسياسة التعريب وبوتائر متزايدة إضافة إلى تزوير سجلات النفوس.
مما أدى إلى فشل اتفاقية 11-03- 1970.
الدكتور فؤاد معصوم: *
أن من أكبر المسائل المعقدة التي واجهت الكورد في نضالهم هي مسألة كركوك.
وكركوك من الوجهة التاريخية وواقع المدينة وما حولها تثبت بأنها مدينة كوردستانية، ولا يستطيع أي فرد أو أي فصيل أو حزب كوردي أن ينكر هذه الحقيقة، لكن سياسة الحكومات العراقية حاولت على الدوام أن تغير هذه الحقيقة، وأن تجعل مدينة كركوك غير كوردية وأن تبعد أية سلطة كوردية عنها.
نحن في الاتحاد الوطني الكوردستاني، كنا في حالة مفاوضات في أواخر عام 1983 مع الحكومة العراقية التي استمرت لأكثر من سنة، واتفقنا خلالها على خمس مواد رئيسية وقعت من قبل الطرفين، واحدة من هذه المواد هي إعادة الوضع الطبيعي إلى مدينة كركوك، وأحد البنود في المادة المتعلقة بإعادة الوضع الطبيعي، هو إلغاء منع تسمية المناطق والمدارس والمحلات بأسماء كوردية، وإلغاء قرار منع بناء الدور وترميم البيوت للكورد، وإلغاء المنع على الكوردي لشراء الأراضي والعقارات، إن هذه النقاط التي اتفقنا عليها، كلها إثباتات تدل وتؤكد على قرارات وضعت لمنع الإنسان الكوردي في التصرف والعيش في مسقط رأسه، ألا وهي كركوك.
وبعد ساعة واحدة على التوقيع على هذه الاتفاقية أظهر النظام ندمه وعدم رغبته في تنفيذ تلك البنود، وطلبوا منا إعادة الأوراق الموقعة، لكن بعد فوات الأوان، لأننا كنا قد بعثناها فوراً إلى كوردستان، لذلك لم يستطيعوا إرجاع تلك الأوراق الموقعة من الجانبين.
وهذا هو بحد ذاته اعتراف صريح من جانب النظام بالوضع الشاذ الذي تمر به مدينة كركوك، لكن ومع مرور الأيام، كان موقف النظام يشتد ويتحجر أكثر وأكثر، وفي مفاوضات عام 1991 اتفقنا الجبهة الكوردستانية مع النظام العراقي على نقاط كثيرة، واحدة منها ما يتعلق بحدود جغرافية كوردستان والمناطق التي سيثملها الحكم الذاتي في كوردستان العراق، كان السيد طارق عزيز مع مجموعة من ذوي الاختصاص من جانب الحكومة العراقية، ومن طرفنا كان الأخ الدكتور محمود عثمان عن الحزب الاشتراكي الكوردي، والأخ سامي عبد الرحمن عن حزب الشعب، والأخ الدكتور روز نوري شاويس عن الحزب الديمقراطي الكوردستاني، وكنت أنا عن الاتحاد الوطني الكوردستاني، ومن خلال نقا شاتنا مع طارق عزيز ومجموعته لاحظنا بأنهم لا يتحدثون عن كركوك لا من قريب ولا من بعيد، وآخر ما تفوه به عن كركوك هو أن وضع محافظة كركوك هو كباقي المحافظات العراقية في الوسط والجنوب، اقترحنا عليهم بأن نؤجل النقاش في الوقت الحاضر حول مدينة كركوك، إلى ما بعد تطبيق ما اتفقنا عليه في الأجزاء الأخرى من كوردستان، ويحاول كل من طرفه ازالة الأوضاع الشاذة واعادة الثقة بين الجانبين.
لكن للأسف لم يوافقوا حتى على هذا الاقتراح.
الدكتور محمود عثمان:
عندما بدأنا التفاوض مرة أخرى مع النظام العراقي في العام 1991 (وأعترف بأننا كنا على خطأ) كنا نتصور بأن النظام يستطيع التوصل معنا إلى اتفاق، باعتبار أن النظام كان في حرب الثماني سنوات مع إيران، وهزيمته في حرب الخليج الثانية كان ضعيفاً، لكن ما لمسناه كان عكس تصوراتنا، وجدناهم أكثر شدة وتعنتاً من مفاوضات العام 1970.
لم يوافقوا حتى على خوض النقاش حول كركوك والمناطق الأخرى التي مورست بحقها عمليات التعريب، بل صرحوا لنا جهاراً ودون الشعور بأي حرج، بأن كركوك مدينة عربية وليست محلاً للتفاوض، ولسنا على استعداد لإجراء أي إحصاء بشأنها، ويجب أن تكون كركوك تابعة إلى الحكومة المركزية وذلك لوجود آبار النفط فيها، بحجة الموقع الاقتصادي المتميز لهذه المدينة، وإذا دخلت كركوك ضمن منطقة الحكم الذاتي سيكون ذلك عاملاً قوياً للانفصال عن العراق في المستقبل. قالوها لنا بمنتهى الصراحة.
وكان هذا الجواب بمثابة اليقين لعدم التوصل إلى أي اتفاق.
الأستاذ نوشيروان مصطفى:
في مفاوضات عام 1984 ، دخلنا في مفاوضات عسيرة مع النظام العراقي، واتفقنا على نقاط كثيرة بما فيها وضع مدينة كركوك، وكان النظام آنذاك مستعدٌ على الحاق النواحي والقرى المحيطة بكركوك إلى مناطق الحكم الذاتي في كوردستان وحتى مركز المدينة تم التوصل إلى صيغة الإدارة المشتركة بشأنها.
لكن وفي نهاية المطاف لم نتوصل إلى اتفاق، وفي العام 1991 أظهروا الندم على كل ما توصلنا إليه من اتفاقيات أي مفاوضات عام 1984، ليس هذا وحسب بل وفي إحدى الجلسات، قال لنا طارق عزيز: إنسوا كركوك كما نسي العرب الأندلس.
الدكتور مبدر الويس: *
مع الأسف في العراق، ومنذ بداية الحكم الوطني عام 1921م وأسميه الحكم الوطني باعتبار أن أهل البلد تسلموا السلطة سواء في العهد الملكي أو العهود التي جاءت بعد ثورة 14 تموز، كلها أنظمة غير ديمقراطية، نوع من الأنظمة تستطيع أن تطلق عليها أنظمة دكتاتورية، لكن وفي نفس الوقت لا نستطيع أن نقارن بين عهد الزعيم عبد الكريم قاسم والأخوين عارف مع نظام البعث الحالي.
في خلال هذه الفترة عانى الأكراد الكثير من الويلات من جراء سياسات تلك الأنظمة، وفي اعتقادي لو كان هناك نظام ديمقراطي قبل خمسين عاماً من الآن، لكانت الكثير من المسائل المعقدة قد عولجت بطرق عقلانية، لأن مثل هذه المسائل لا تعالج إلا بالديمقراطية، لأن صندوق الاقتراع هو الكفيل لحل جميع مشاكلنا. وللأسف الشديد لم تحصل عندنا مثل هذه الظروف، وبعد كل الجرائم التي ارتكبت بحق المواطنين من الكورد والعرب والتركمان، نأمل أن يكون النظام المستقبلي لحكم العراق ديمقراطياً ليستطيع أن يعالج هذا الكم الهائل من المسائل التي تنتظر الحل العادل، وعلى رأسها القضية الكوردية وإقرار حق تقرير المصير للشعب الكوردي، وفي اعتقادي أن مسألة كركوك أيضاً يجب أن تحل بالطرق الديمقراطية، أي أن يؤخذ رأي الأهالي في كركوك بعين الاعتبار، أعني إذا صوّتَ أهالي كركوك بأن كركوك هي جزء من كوردستان، واعتقد أن هذا ما سيحصل، لأن غالبية سكان كركوك من الكورد ، فليكن ذلك.
الدكتور فؤاد معصوم:
إن موقف الاتحاد الوطني الكوردستاني من كركوك واضح وصريح، وكركوك جزء لا يتجزأ من كوردستان، ولا يحق لأي حزب أو أية جهة كوردستانية أن تساوم أو تتنازل عن كركوك باسم الكورد، لكن السؤال هنا ماذا يجب أن نفعل لاسترجاع كركوك إلى أحضان الوطن؟ والجواب على ذلك هو: أن نتكاتف كلنا ونناضل من أجل هذه القضية المقدسة، وأن نبلغ العالم والعرب والعراقيين، بأننا لسنا دعاة انفصال عن العراق ، لا في الوقت الحاضر، ولا حينما تكون كركوك ملحقة إدارياً ببقية أجزاء كوردستان كباقي المدن الكوردستانية، ومن أنه ليس هناك أي خطر من هذا القبيل، كما تروج له بعض الأوساط الشوفينية.
في إحدى جولات المفاوضات في العام 1991، وفي خضم الحوار الدائر بيننا، وفي أحد النقاشات الساخنة بيني وبين طارق عزيز، سألني: ترى إن لم نوافق على أن تكون كركوك ضمن مناطق الحكم الذاتي؟ هل سيشعر أكراد كركوك بالحزن والكآبة؟ فأجبته بدوري: أنا أوجه إليك نفس السؤال، ترى إن ألحقت كركوك بمناطق الحكم الذاتي؟ هل سيشعر العرب العراقيون بالحزن ؟ ويقولون بأن كركوك قد ضاعت من أيدينا؟
وأضفت قائلاً: نحن جميعاً نعيش ضمن جغرافية العراق، وبما أن المحافظات العراقية مقسمة إدارياً ضمن حدود معينة تفصلها عن بعضها، فمن الطبيعي أن يكون حدود كوردستان الفاصل بين منطقة الحكم الذاتي والحكومة المركزية.
--------------------------------------------------------------------------------
* سياسي عاصر وناضل في صفوف الحركة التحررية الكوردية من موقع قيادي لعدة عقود ويعتبر من الخبراء القليلين في شؤون الحركة وشاهد على الكثير من الأحداث .
* سياسي، ممثل الاتحاد الوطني الكوردستاني في أوربا .
* الأمين العام للحزب الاشتراكي العراقي.[1]