=KTML_Bold=الجدل البيزنطي في نسخته الكردية=KTML_End=
*جوان ديبو
الكُرد إجمالا مشهود لهم بالجدل البيزنطي العقيم فيما بينهم. ويشمل هذا السجال البيزنطي مواضيع لا طائل منها ولا تمت بصلة إلى جوهر قضاياهم، لا بل وتلحق بها الضرر والأذى. أصل هذه التسمية، أي الجدل البيزنطي، يرجع إلى زمن الإمبراطورية البيزنطية المسيحية التي امتدت من العصور القديمة المتأخرة وإلى غاية نهايات العصور المتوسطة، وكانت القسطنطينية هي عاصمة الإمبراطورية قبل أن تتحول إلى إسلام بول بعد اجتياحها من قبل الغازي العثماني محمد الثاني عام 1453 ولاحقا إلى إسطنبول.
واستنادا إلى العديد من المصادر التاريخية، فإن تجليات هذا الجدل غير الواقعي وغير المفيد قد بدأ في القرن السابع الميلادي وانتهى بزوال الإمبراطورية البيزنطية نفسها من قبل الغزاة العثمانيين في القرن الخامس عشر.
ومن المواضيع التي كان يدور حولها ذلك الجدل “فيما إذا كان المسيح ذا طبيعة واحدة أو طبيعتين” أو حول جنس الملائكة، هل هم من الذكور أو الإناث؟ أو حول حجم إبليس، هل هو كبير أم صغير؟ وقضايا أخرى مماثلة.
وعلى الرغم من وقوف معظم أباطرة الإمبراطورية بحزم ضد هذه السجالات العليلة ابتداء من قسطنطين الثاني وإلى غاية قسطنطين الحادي عشر، إلا أن ذلك لم يكبح جماحها إلى أن ساهمت بالنهاية في تضعضع الإمبراطورية البيزنطية وتقويضها من قبل الغزاة العثمانيين.
المشهد السياسي الكردي في الزمن الحاضر مُترع بالنقاشات والمظاهر البيزنطية العاقرة خاصة وأن جُلها لا تصب في صالح الكُرد وإنما في صالح الآخر الذي لا يكن للكُرد الود والتآزر. المناوشات الفيسبوكية والإعلامية الكردية الداخلية الأخيرة حول ما يجري حاليا في غزة والمواقف التي يجب تبنيها مثال صارخ على هذا الجدل البيزنطي والذي يعكس بدوره الوعي السياسي الكردي القاصر والمشوه.
بطبيعة الحال، فإن استباحة وإراقة دماء المدنيين أمر مدان بصرف النظر عن الهادف والمستهدف والمكان والزمان. وكما يشمل هذا الموقف المدنيين الفلسطينيين في غزة والضفة فإنه يشمل أيضا المدنيين الإسرائيليين داخل إسرائيل. وبالتالي، فإن الإدانة هنا تشمل إرهاب الدولة الإسرائيلية ضد المدنيين الفلسطينيين وكذلك إرهاب حركة حماس الإخوانية ضد المدنيين الإسرائيليين.
لكن السؤال هنا هو ماذا يستفيد الكردي معنويا وعمليا من إبداء الإدانة أو عدمها؟ بمعنى هل سينعكس ذلك إيجابيا في شيء على قضيته؟ خاصة وكما هو باد للعيان فإن الموقف الكردي العام، ولأسباب دينية ومذهبية محضة، يميل لصالح الفلسطينيين ولاسيما على الصعيد الشعبي الذي تجسد على سبيل المثال في المظاهرة الشعبية العارمة التي شهدتها مدينة باطمان في كردستان تركيا تضامنا مع غزة، بينما لم ولا يتحرك في نفوس هؤلاء المتظاهرين الكُرد المستتركين عرق واحد من عروق النخوة والرجولة إزاء المجازر التي يرتكبها المحتل التركي في المناطق الكردية في سوريا منذ 2018 وإلى الآن.
تاريخيا وحاضرا، الفلسطينيون كشعب وحركة سياسية لم يكونوا في يوم من الأيام حلفاء ومناصرين للقضايا الكردية، باستثناء القلائل من الشعراء والكتاب وهم لا يتجاوزون عدد أصابع اليد الواحدة، لا بل لم يكونوا حتى من المحايدين، ولطالما ساندوا مضطهدي الشعب الكردي في أجزاء كردستان الأربعة. الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات دأب على وصف الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين بفارس العرب بعد كل مجزرة كان يرتكبها نظامه ضد الكُرد. رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وكبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات وغيرهم من الساسة والقادة الفلسطينيين وقفوا علنا ضد استفتاء الاستقلال في كردستان العراق في سبتمبر 2017. حركة حماس الإخوانية، أداة إيران وتركيا، ومعها حركة الجهاد الإسلامي ومؤيدوهم تظاهروا أكثر من مرة في غزة وغيرها دعما لعملية “نبع الإجرام” التركية في عفرين بداية 2018 وفي سرى كانيه وكرى سبي نهاية 2019.
الفلسطينيون لم يتبنوا شعار “الصداقة والأخوة الفلسطينية – الكردية” في يوم من الأيام، وإنما ابتدعه وتبناه بعض السياسيين من الكُرد السوريين خلال وجود منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان وذلك خدمة لمآربهم وغاياتهم الشخصية ووسيلة لاقتناء المال والامتيازات من الراحل أبوعمار مقابل تجنيد العشرات من الشباب الكُرد مع الفصائل الفلسطينية وقد قتل عدد منهم دون معنى في معركة قلعة شقيف سنة 1982 بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية.
في شهر أغسطس 2021 شارك الكثير من النشطاء الكُرد في سوريا هاشتاغ “درعا تحت الحصار” “والتضامن مع درعا” و”الحرية لدرعا”، علما أن أبرز فصائل المعارضة السورية المسلحة في الجنوب السوري وبالتحديد في درعا: “البنيان المرصوص” و”رص الصفوف” و”توحيد الصفوف” و”اللجاة” و”صد الغزاة” و”صد البغاة” و”اعتصموا” و”مثلث الموت” و”النصر المبين” و”القنيطرة”، والتي شكَّلت فيما بعد “غرفة العمليات المركزية في الجنوب السوري”، جميعها وبدون استثناء أيّدت وهللت للاحتلال التركي لمدينة عفرين في بداية 2018 وللاحتلال التركي لمدن سرى كانيه وكرى سبي أواخر 2019، ووصفت تلك الغزوات بالتحرير.
بالرغم من كل ذلك، ما زال بعض الكُرد في سوريا وفي الشتات يقولون “أنا من درعا”، أي عمليا يظهرون التضامن مع هذه الفصائل التي تعادي الحقوق الكردية المشروعة في سوريا. ونفس هؤلاء يعيدون ارتكاب نفس الخطأ الفادح وإظهار الحب من طرف واحد فقط في ما يتعلق الأمر بالأحداث الأخيرة التي اجتاحت مدينة السويداء جنوب سوريا، علما أن هؤلاء وغيرهم من السوريين لم يحركوا ساكنا إزاء ما تعرض له الكُرد السوريون من قتل وقمع واعتقال وتعذيب في أعقاب أحداث الملعب البلدي في مدينة القامشلي سنة 2004، لا بل معظمهم كانوا سعداء ومبتهجين ضمنيا، والسكوت والتجاهل في الكثير من الأوقات والمواقف علامات رضا واستحسان.
في يونيو 2019، قام الآلاف من المصلين في مساجد كردستان العراق بأداء صلاة الغائب على الرئيس المصري الإخواني السابق محمد مرسي في سابقة تفرد بها الإقليم عن بقية العالم. وكما هو معروف فإن تنظيم الإخوان المسلمين هو العباءة الكبرى التي خرجت منها بقية التنظيمات المتطرفة والإرهابية في العالم الإسلامي مثل داعش. هذا التنظيم الذي دفع البيشمركة الآلاف من الشهداء والجرحى في إقليم كردستان، الذين ينتمون إليه هؤلاء المصلون، مقابل التصدي له وهزيمته. وقد سبق لمنظري حركة الإخوان المسلمين أمثال المصري يوسف القرضاوي والكردي علي قره داغي أن أشادوا بشكل مبطن أحيانا وعلني أحيانا أخرى بجرائم الإرهابيين الدواعش وبجرائم الاحتلال التركي في المناطق الكردية في سوريا.
القادة الفلسطينيون على غرار بقية القادة والساسة في العالم كانوا وما زالوا براغماتيين ويلهثون وراء مصالحهم فقط حيث تجاهلوا عن عمد ما ارتكبه عراق صدام وإيران الخميني وخامنئي وتركيا أردوغان وسوريا الأسد بحق الكُرد وذلك لضمان استمرار دعم هذه الدول لهم ماديا وإعلاميا وسياسيا، وهذا مباح في عالم السياسة ولا يمكن عتابهم أو ذمهم بسبب ذلك. بالمقابل، كان الكُرد وما زالوا فاقدي البصر والبصيرة في ما يخص مصلحة قضاياهم. ولهذا بقي الكُرد حائرين خائرين مترنحين متأرجحين يمنة ويسرة حسب بوصلتهم التي فقدت قدرتها على تحديد الاتجاهات والمسارات الصائبة.
*كاتب سوري كردي
المصدر: العرب اللندنية
[1]