أحمد شيخو
أصبح الشرق الأوسط ساحة لصراعات مراكز القوى في النظام العالمي الواحد، مما يزيد المعاناة الموجودة بسبب الدول القومية وتبعيتهم للخارج، وهنا لا بد من أن تكون لشعوبنا إرادتهم الحرة التي تمنع ذلك وتؤثر في المشهد الكلي عبر التحول الديمقراطي الوطني.
نحن نرصد ونشاهد تصاعد حدة ووتيرة الاشتباكات والصدامات المختلفة في دول المنطقة بين مراكز الهيمنة في النظام العالمي الواحد، لا بد من أن نفهم حجم وكمية الانحراف الكبيرة في الحقيقة الحياتية والمجتمعية التي نعيشها وكذلك حالة وظاهرة تخريب القيم المشرقية والإنسانية والتقاليد الديمقراطية التي حصلت بسبب فرض ثقافة القطيع التجانسية والموظفية العبودية وإبعاد الإنسان عن الإنتاج والعطاء وفرض الذكورية التسلطية، ليكون الشرق الأوسط وأبنائه مستهلكين لكل شيء حتى لكرامتهم وشرفهم وثقافتهم التكاملية التي تلوثت بالفردانية الليبرالية والتي كانت من مستلزمات الدولة القومية الوظيفية التي فرضتها السلطات القومية والدينية وبرجوازيتهما اللاخلاقية.
السلطات القومية والدينية والرأسمالية لا يقبلون بالتشارك
من شمال كردستان وتركيا إلى إيران وباكستان وأفغانستان والهند رجوعاً لإقليم شمال وشرق سوريا وسوريا وإقليم جنوب كردستان والعراق ولبنان وفلسطين وصولاً لليمن والسودان وليبيا ودول شمال أفريقيا وغربه وشرقه حتى أوكرانيا، لا نشاهد سوى القتل والتدمير والإبادات الجماعية ومشاكل الاقتصاد والسياسة والأمن والبيئة والثقافة، لأن السلطات القومية والدينية ومن ورائهم المنظومة العالمية الرأسمالية لا يريدون ولا يقبلون بالتشارك والاحترام والاعتراف المتبادل، كما أن كل سلطة دولتية أو قوة تسعى للسلطة الأحادية وتهديم المجتمعات لن تكون سوى وقود جديد لشبكة النهب والقتل والأيدولوجيات السياسية الضيقة ولهذه الصراعات والتناحرات التي تريد مراكز الهيمنة عبرها تقاسم النفوذ والسيطرة على شعوب ومجتمعات ودول المنطقة ونهب ثرواتهم وتوجيه حياتهم والقضاء على الخصوصيات المجتمعية المتمايزة.
أكثر التكوينات وقطاعات المجتمع التي تتعرض للظلم والمعاناة هي المرأة لأنها الحياة والحرية
إن أهم الشعوب التي تعرضت وتتعرض للمصائب وممارسات الإبادة هي الشعوب الأصلية لأنها لا تقبل كل شيء تفرض عليها ولها من الاستقرارية المجتمعية مما تجعلها صاحبة أنسج حرة وديمقراطية، وكذلك فإن أكثر التكوينات وقطاعات المجتمع التي تتعرض للظلم والمعاناة في الشرق الأوسط وبين مجتمعاتها هي المرأة لأنها الحياة والحرية، حيث إنها كانت ولا زالت غالباً ومع الأسف مصدر وموضعية للسياق التاريخي المركزي الذكوري وللسلطوية التناحرية والتي تتبع لسلطة أعلى، لكي تثبت هذه الرجولية الذكورية لنفسها أنها صاحبة سلطة على إنسانٍ آخر مقلداً لمن هم أكثر سلطة منها.
يتم فرض ثقافة الاستسلام وزرع الخوف بدل المقاومة والإصرار على الحرية
ولعل ثقافة الاستسلام للواقع المصطنع بدل المقاومة والاصرار على الحرية الذي يتم تعزيزه بمختلف الوسائل من قبل السلطات القومية والرأسمالية العالمية وحالة الوعي والفن والثقافة والذوق المنحدرة إلى الحضيض والاغتراب عن القيم الحياتية التشاركية والأخلاقية، وخاصة لو نظرنا للنموذج الأفضل في الحياة وخاصة للشباب في مجالات معينة ومنها الثقافة والفن والرياضة والإعلام والذي تروجه أنظمة الحكم منذ عشرات السنوات وبيروقراطيتهم وإعلامهم الموجه في دول المنطقة ومنظومة الهيمنة الإقليمية والعالمية لتخدير المجتمعات وقطعنتهم وزرع الخوف والجبن والصمت وعدم المسؤولية فيهم سنجد كمية الإزدواجية والنفاق والكذب الذي يعشعش في الكثير من النفوس والذي اصبح ميزة في الوقت الذي ضعفت فيه الأخلاق وقلّ الوعي لأنها لا تحتاجها السلطات الدولتية وتزعجهم، لأن من يملك الأخلاق سيملك المسؤولية والوعي الجمعي المجتمعي والتنظيم والفعالية الإجرائية والقيام بواجباته أمام مجتمعه إن هو توحد مع ذاته وكيانيته الإنسانية الحرة والمجتمعية.
الدول القومية هي إنكار للحقيقية والحقيقة هي المجتمع والمرأة والحرية
الدول القومية هي إنكار للحقيقية والحقيقة هي المجتمع والمرأة والحرية، وعندما تم فرض الدولة القومية كانت الضربة والمصيبة الكبرى التي حلت بشعوب الشرق الأوسط وبمجتمعاتها وحريتها والمرأة فيها، لأنها سرقت القرار والاقتصاد والسياسية من المجتمع والمرأة وبذلك فقدت الشعوب الحرية وضعفت إرادة المقاومة، علماً أنه لولا التراكم التاريخي لمفاهيم وأنظمة التسلط والهيمنة والسرقة متجسدة في تفوق سياق التدفق الحضاري المركزي ضد التدفق الديمقراطي الطبيعي للحياة لما كانت هناك كيان تركز فيه كل أنواع السلطوية المقيتة والذكورية الفظة والميتافيزيقية كالدولة القومية التي هي تكرار واشتقاق للغيبية بقناع أيدولوجي مزيف.
الدولة القومية هي الكيان الذي لم يملك يوماً الشرعية من المجتمع
إن الشعارات البراقة من القومية والوطنية والاستقلال والمفاهيم المقلوبة المضللة كسيادة الدولة المركزية ومفهوم الأمن القومي الدولتي الذي تروجه السلطات الاستبدادية عند شعورها بالخطر والاقتصاد السياسي المضلل بعيداً عن أمن واستقرار واقتصاد المجتمعات والشعوب والإنسان الحر، لا تغير من حقيقة اللاحقيقة والوهم الموجودة في اختراع الدولة القومية وزيفها ونفاق سلطاتها، لأن الدولة القومية هي الكيان الذي لم يملك يوماً شرعية من أي شعب مهما تعددت مسرحيات الصناديق والديمقراطيات التمثيلية وأعراس الانتخابات المزيفة بل وجودهم من تبعيته للخارج، ولو نظرنا لدول المنطقة القومية العلمانية والدينية وسلطاتها ومقدار تمثيلهم للشعوب ومصالحهم سندرك ذلك، مع العلم أنه ليس هناك فرق كبير بين العلماني والديني في الشرق الأوسط لأن كليهما ضمن الدولة القومية والتيارات القوموية أداة وميل للتضليل والخداع والإنكار وليس تمثيل لحقيقة المجتمعات، فمن ينكر الآخر المختلف له قومياً ودينياً وسياسياً وجنسياً لن يكون سوى حالة مؤقتة وطارئة لأن الحقيقة تعددية والمجتمع الديمقراطي ذات الأخلاق والسياسية والإنسان الحر أهم جوانبها الراسخة مهما حاولت الدولة والسلطة تقزيم واضعاف المجتمع وخصوصيته التعددية، فالمجتمعات والشعوب لها من التاريخ والمصداقية ما تتجاوز كل أنواع الدول ونماذجها المختلفة وأنظمتها الاستبدادية التي تكاثفت في الدولة القومية.
العثمانية الجديدة من أخطر المشاريع على شعوب المنطقة
لن تتخلص شعوب ودول الشرق الأوسط من حالة ودوامة الحروب والسلطات طالما بقيت ساحة للصراعات بين مراكز الهيمنة وتحكم الآخرين بهم وطالما استمرت التدخلات والمشاريع التي تبحث عن الهيمنة على شعوبنا، ولعل العثمانية الجديدة وتركيا الحالية بنسختها القومية الفاشية من أكثر المشاريع خطورة على شعوبنا وخاصة العربية والكردية والأرمنية وغيرهم، لأن الفاشية التركية في أعلى درجاتها الهيستيرية مع توحد حزب العدالة والتنمية (الإسلاموي) مع حزب الحركة القومية التركية (الفاشي) ووجودهم ضمن منظومة الناتو ورغبتهم في الحرب والاحتلال مع شعورهم بالهزيمة وتقليل وظيفتهم كأدوات وظيفية في الشرق الأوسط وصمت المنظومة العالمية والإقليمية على تصرفاتهم ليبقوا في وضع يسهل تهميشهم وتحجيم أدوارهم بسبب عدائية تركيا وأردوغان لشعوب المنطقة الأصيلة، والظاهرة في تدخلاتها في المنطقة واستخدامها للأسلحة المحظورة والكيماوية ضد الكرد ومقاتلي الكريلا وحربها لتخريب وتدمير كل إمكانات ومصادر الحياة في أية بقعة فيها إرادة كردية وعربية حرة وتشاركية كما هي في هجماتها على إقليم شمال وشرق سوريا.
وبالجنب وبالتكامل والتنسيق مع العثمانية هناك الإبراهيمية الإسرائيلية التي تريد توسيع هيمنتها دون حل قضية الشعب الفلسطيني العادلة بل إنها كالعثمانية التي تمارس الإبادة بحق الشعب الكردي فإنها تمارس الإبادة بحق الشعب الفلسطيني في غزة حالياً. ولا يخفى علينا الشيعة القومية (الصفوية الجديدة) أو محاولة فرض الهيمنة والتوسع باستغلال قضايا الشعوب وأحوالهم وظروفهم في الأوقات الصعبة والتلاعب بمشاعر المجتمعات الإسلامية والعربية، بأن السلطات الإيرانية في صف الشعوب ضد التدخلات الخارجية وهي في الحقيقة ليست إلا نموذجاً للدولة القومية بلبوسها الديني الذي يملك من التوافق والمناسبتية مع النظام العالمي والفكر الرأسمالي الكثير رغم التشدق بعدائية أمريكا وإسرائيل ولكننا نعلم أنهم استمروا حتى الآن بفضل حماية المنظومة الدولية الغربية لهم، لأن إيران أحد مرتكزات النظام الإقليمي المكمل لإسرائيل وتركيا كما هي الصين وروسيا الحالية التي تشكل أحد مرتكزات النظام العالمي الذي يحافظ عليهم، أما الادعاء والقول أننا أمام نظام ثنائي القطبية أو أن إيران تعادي أمريكا وإسرائيل أو أن الدولة التركية وأردوغان مسلمون فهي ليست من الحقيقة بشيء وبالوجه الظاهر والذي يتم الترويج له من الطرفين، رغم وجود تناقضات بين الأطراف ومراكز القوى لا يجب أن ننكره ولكنها ليست بالمستوى الاستراتيجي وفق تحليلنا لسلوكيات وسياسات هذه الدول التي تشكل النظام الإقليمي والعالمي ومراكزها الأساسية.
التحول الوطني الديمقراطي هو المدخل الصحيح للخلاص
إن طريق الخلاص وفق اعتقادنا بدايته عند الإنسان الشرق الأوسطي نفسه وفهمه وتشكّل ذهنيته الديمقراطية التشاركية وسلوكه الحر ووسطه عند عمله الدؤوب وتنظيمه المجتمعي وإرادته وفعاليته المؤثرة، واستمراريته عند بنائهم للمجتمع الديمقراطي وقيادة المرأة لها وتشكيله للمؤسسات الديمقراطية لرفد الحياة السياسية والنضالية والمجتمعية، بوسائل النجاح المناسبة لتحقيق التحول الديمقراطي الوطني، حتى نملك من التماسك المجتمعي والانتماء الوطني والوحدة الطوعية واللامركزية، مما يمكننا من تجاوز المركزية الشديدة والانطباعية والتبعية التي تجسدها الدول القومية وسلطاتها الأحادية ومن كون بلداننا ساحات لصراعات مراكز القوى الإقليمية والعالمية، وبذلك خلق ظروف ومعطيات وقوى مختلفة وموحدة وإرادة حرة ووطنية تخدم شعوبنا ومجتمعاتنا لكي تقول شعوبنا ومنطقتنا كلمتها النهائية وتتخلص من زمر الفساد والتسلط والنخبوية الفوقية الضيقة والبيروقراطية الدولتية، حثالات الدولة القومية ولتبين شعوبنا موقفها الرادع لكل مشاريع التقسيم والهيمنة والنهب الإقليمية والعالمية، وعليه متى ما امتلكنا قرارنا في كيفية الحياة ونمطه وطرزه سنمتلك حريتنا وهذا سيكون بإجراء التحولات الديمقراطي الوطني في دول المنطقة وجعل دساتيرنا ومؤسساتنا معبرة عن إرادة شعوبنا ومجتمعاتنا وتشاركنا الحياة معاً في صيغ أنظمة تحقق لكل شعوب وخصوصيات المنطقة إرادتها وحياتها الحرة.[1]