عفرين أيقونة غربي كوردستان
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 7405 - #10-08-2022# - 09:04
المحور: القضية الكردية
ابتليت أكثر من غيرها من المناطق الكوردية، بآفتي التهجير وسيادة الفكر الظلامي، حدثني الله؛ عن ماضيها السحيق، العريق، على أن شعبها الصامد هو المنتصر، كما انتصروا على سابقيهم من الغزواة، وما أكثرهم.
على الأولى بالجدلية الديمغرافية الأزلية، وحيث الصمود والوعي وحسن الدراية. فمن المعروف أن الهجرات لم تؤثر وعلى المدى الطويل، على الأوطان، وشعوبها وعلى مر التاريخ، وعلى المدى القصير تبعاتها حسية؛ ضحلة أكثر مما تكون اقتصادية أو سياسية، والفراغات الناتجة عن الهجرات امتلأت مع الزمن بخير الأجيال، عادة الصامدون هم الأنقى والأصدق مع الذات والأوطان.
وعلى الثانية بالوعي الذي يتسم به شعبها، وهي أقوى ركائز المواجهة في وجه المفاهيم القاتمة. فهي آفة تنهش ذاتها أكثر مما تنخر في المجتمعات، لأنها تحمل في داخلها أبشع التناقضات الفكرية وأقذر المفاهيم.
الهجرة من غربي كوردستان وعفرين ضمنا، كانت كارثة، والعودة إليهما مرعبة، فالرغبة العكسية، وحيث الظروف الجارية، تنزلق إلى شبه العدم. الأولى خلقت الفراغ المدمر، والثانية تذبل مع الزمن، يستثنى الشريحة التي تحاول تغيير جدلية الغربة الأبدية. مع ذلك ستظل عفرين وستنتصر وستصدح بجماليات لغة المرحومين جميل هورو وبافي صلاح مهما أفرغت على تربتها من النفايات البشرية، وسلطت المنظمات التكفيرية على مجتمعها.
الثقافة التكفيرية، التي خلقت المنظمات الفاسدة، والتي توجهت أو فرضت عليها أن تسود وتعبث بعفرين والمجاورة لها من المناطق وكذلك بسري كانيه وكري سبي، وتجرم بحق أهلها وتستولي على أملاكهم وتمزق جغرافيتهم بين فصائلها، لا تتلاءم وبيئتها الكوردستانية، الغنية بتنوعها الديني. فأبناءها والغزاة على التضاد، لا بد وأن يموت طرف ليعيش الأخر، وعفرين جغرافية وديمغرافية وثقافة؛ قادمة من الأزل وتسير نحو الأبد، محتلوها اليوم عابرون، سيندثرون ويزولون مع الزمن، وهذا لا يعني التوقف وانتظار الجلاء بعدما تنتهي مهماتهم، بل لابد من محاربة أسيادهم، الذين جندوهم لهذه المهمة، وفي مقدمتهم نظامي تركيا وقطر، فهؤلاء الغزاة أدوات، كلفوا بحمل الفكر الظلامي، ونشر الوباء بكل الطرق وعلى كل أطراف المجتمع، وإن فشلوا، فأسيادهم سيخلقون غيرهم وبمفاهيم أخبث وأقذر للقيام بنفس المهام.
علينا أن ندرك أن تبعات الاحتلال العسكري والسياسي لا يقارن ما قد تخلفه الثقافة الظلامية، وحيث مفاهيم الإسلام الراديكالي التكفيري والملغي لتآلف الأديان، فلو كانت تركيا بجيشها دون أدواتها لما تمكنت من التدمير الثقافي الاقتصادي بقدر ما يتم الأن. لذلك من السهل تجاوز الاحتلالين السياسي والعسكري والتحرر من آفاتهما مع الزمن، لكن الثانية نبتة سريعة الانتشار؛ سمومها قاتلة، هي ما يتوجب على الجميع محاربتها بكل ما يمكن، من تسخير الإرادة والحكمة، والمواجهة المستمرة، ومعالجة ما ينشر. فعندما يجتاح وباء الفكر الظلامي المنطقة، يحتاج الشعب إلى حراك ثقافي واع، وسياسي صارم، وتآلف بين المجتمع.
الأمة الكوردية عظيمة، نأمل أن نكون على سويتها، هناك من نشر مفهوم خاطئ بيننا، ولا بد من تصحيحها، وهي على إننا شعب (على شقاق) منذ الأزل، ونظل كذلك إلى الأبد؟ وأنه من شبه المستحيل أن نتفق، جميعنا رددنا الجدلية إلى درجة أصبح بعضنا يقتنع بها، فأكثروا من جلد الذات، وعمموا على أن جميع ثوراتنا وحركاتنا فشلت، لأن مداركنا لا ترقى إلى سوية الاتفاق على نقاط معينة، ودون الحوارات المنطقية، فعرضنا، وفي كل المراحل والحالات، الطرفين، بين سمتين، الخائن والوطني بمطلقة، كما نفعله اليوم في غربي كوردستان وعفرين والمناطق الأخرى المحتلة من محتلين ضمنا، ولا نتعامل بمنطق المخطئ والصائب، المدرك والساذج، الواعي والضحل فكريا، فتنعكس نتائجها على شعبنا بأبشع صورها، وإلى اليوم نتقبل هذا المفهوم الضحل دون تحليل، ودراسة للواقع والظروف، ونسينا أو تناسينا تبعات العلاقات الإقليمية، والدولية، وهو ما يضعنا أمام تناقضات سياسية، وتحليلات متضاربة، أمام مجريات الأحداث المتتالية الطاغية على عفرين وكري سبي وسري كانيه بل وعلى شعب غربي كوردستان، والتي بسببها ننحدر نحو هاوية، نتائج لن تفيد قادمنا عامة وعفرين والمناطق الأخرى بشكل خاص.
عفرين مرآة ستعكس ما يجري في عالم الشرق عامة، إذا لم يتم تداركها سريعاً. خسرت المنظمات التكفيرية (داعش والقاعدة والنصرة) عسكريا ومعهم أحزاب الإخوان المسلمين في أغلب مناطق الشرق الأوسط، لكنها حققت نجاحات في البعدين الثقافي والاجتماعي، هذا ما تعكسه جنوب وشمال كوردستان أيضاً. وتحاول الدول المحتلة لكوردستان، تركيا بشكل خاص، توسيع حقول انتصاراتها، عن طريق فرض أدواتها على غربي كوردستان، والغاية النهائية هي القضاء على كوردستانيتها، وهو ما دفع بها للتنقل من خطة إلى أخرى وأخرى، وتغيير أشكال أدواتها، ومراكزهم الجغرافية، بعدما فشلت في إقناع أمريكا وروسيا لتنفيذ المرحلة الرابعة من الاحتلال وغرز المنظمات التكفيرية، المختفية تحت غطاء المعارضة السورية، وعفرين اليوم تواجه هذا المخطط التركي، باتفاق روسي إيراني، ومخططها تبدأ بنقل منطقة تل رفعت والمنبج إلى حاضنة هيئة تحرير الشام، أو النظام، ومن ثم تقوية المنظمة المدرج على قائمة الإرهاب لمواجهة قوات قسد، إما بخلق صراع دموي، أو اتفاق عسكري سياسي بينهم، وفي الحالتين ستكون هي الرابحة، ففي الحالة الأولى تتوقع إضعاف قوات الإدارة الذاتية، وجرها إلى حضن النظام بضغط روسي، أو عرضها كقوة تتعامل وتتفق مع هيئة تحرير الشام المنسقة ضمن قائمة أخطر المنظمات الإرهابية.
وبالتالي ستعمل على فصل منطقة عفرين عن حاضنتها الكوردستانية تحت حجة إنقاذها من المنظمات الإرهابية، وذلك بتسليط أدواتها المدرجة تحت غطاء المعارضة السورية الوطنية، ومن ثم توطين مليون وأكثر من المهاجرين السوريين الذين يتم بناء المستوطنات لهم بأموال عربية.
وبالمقابل تنتشر على أن أمريكا والدول الأوروبية انتصرت في معظم ساحات المعارك عسكرياً، ويتم التناسي على أنها خسرت في أيقاف المد الفكر الإسلامي الراديكالي، وعجزت من تأمين الحماية لشعوبها، ربما قضت على معظم قيادات التكفيريين، لكنها خسرت راحة شعوبها، وسهولة حركتها ورفاهية التي كانت تتمتع بها. حصرت الدول والمنظمات اقتصاديا لكنها اضطرت أن تنفذها على حساب حركة مطاراتها وخطوط المواصلات البرية ودخول دوائرها.
ولئلا تنتشر هذه الأفة، وتنقذ شعوبها من امتدادات الخطر الدائم، لا بد من أن تقتنع أن عفرين هي أحدى أهم ساحات حروبها، فإذا ظلت تحت الاحتلال التركي، واستمرت بدفع أدواتها الظلامية على العبث، سيتصاعد الخطر على شعوبها، وبالتالي ليس لها خيار غير مساندة القوى الكوردية وحراكه السياسي، ونقل دعمها من البعد العسكري إلى السويات السياسية والاقتصادية والثقافية، وإلا فعفرين ومنطقة سري كانيه وكري سبي مثلما إدلب ستصبح البوابات التي ستمر منها الخلايا التكفيرية بشكل مستمر لتهدد أمنها كنظام ديمقراطي ومثلها آمن مجتمعاتها.
ولتعلم كل القوى العالمية الديمقراطية، أن انتصارهم أو فشلهم ستظهر فوق جغرافية عفرين، وستتبين بمدى تخليهم عن شعبها وحراكه أو مساعدتهم له، فما يجري على أرضها وبين مجتمعها والمنظمات التكفيرية وأسيادهم، ليست بمعركة، بل بداية حرب شاملة بين دول تدعم الفكر الظلامي ومنظماتها، تركيا وقطر وإيران في مقدمتهم، وأخرى تحاول القضاء عليهم، نتحدث عن أمريكا وأوروبا الذين يجب أن يقتنعوا على أنه ليس لهم حليف أصدق من القوى الكوردية، في التعامل معهم ومحاربة الإرهاب.
عفرين أيقونة الصراع بين التنوير والفكر الظلامي، لا تليق بها إلا الحرية.[1]