أزمة الهجرة ونتائجها
بهار أورين
في تاريخ الشعوب والمجتمعات، دائماً المكان الذي يولد ويحيا فيه الإنسان يكون مكاناً مباركاً، لأنه أحد الأماكن التاريخية والثقافية المهمة في تاريخ المجتمعات. حتى قبل التطور الحضاري وخاصة نظام الدولة القومية تمت حماية هذه القيم، ولكن مع تطور النظام الحضاري والدولة المزدوجة، تطورت الهجرة كظاهرة ذات أسباب مختلفة.
الآن وفي القرن الحادي والعشرين، أصبحت الهجرة ظاهرة عالمية وتوصف بالأزمة وتُعاش في جميع أنحاء العالم وفق خصائص جيوسياسية وسياسية واقتصادية. يتم التخطيط للهجرة بعناية بالاتفاق بين القوى المهيمنة والدول التي لها مصلحة في ذلك. وكردستان إحدى هذه المناطق التي تحدث فيها الهجرة، تحت مسميات عديدة وأسباب هذه الهجرة لها عدة أوجه.
في خضم الحرب العالمية الثالثة التي نشهدها الآن في الشرق الأوسط خارج نطاق العنف، والتغيرات الاقتصادية والسياسية والبيئية والاجتماعية التي تجلبها، تعد الهجرة إحدى أهم مظاهرها، وبطبيعة الحال، الحرب ليست سوى أحد أسباب تزايد الهجرة، لكن عندما يتمحور الموضوع حول كردستان، يجب دراسة أزمة الهجرة من عدة جوانب، لأن سياسة الحرب التي تجري على كردستان عدا عن إبادة الطبيعة والنساء والمجتمع، فإن الهدف الأساسي منها إفراغ كردستان من سكانها وتغيير ديمغرافيتها وهذا ما يجري بكل وضوح في روج آفا والأجزاء الكردستانية الأخرى.
بعد تجزئة كردستان، سعوا دائماً لنفي وتهجير الكرد من وطنهم، حيث أفرغت المئات من القرى من أهلها عبر اتباع سياسة الأرض المحروقة، ووجهتهم نحو أوروبا، وفي الأساس هي سياسة الإبادة الممنهجة ثقافياً وسياسياً من قبل الدول القومية من أجل إقامة مجتمع متشابه وتوفير العمالة بأرخص الأثمان.
الهجرة من أجل أي كردي يعيش تحت ضغط الاحتلال، تأتي بمعنى أن يبتعد عن لغته وثقافته وتاريخه، كما أن علينا ألا ننسى أن هناك روابط حقيقية بين الهوية والثقافة، وإذا ما تم الابتعاد عن الثقافة ستتأثر الهوية بكل تأكيد.
وإذا كانت الهجرة القسرية نتيجة للحرب والصراع، فإن الهجرة الطوعية هي نتيجة لسياسات الصهر والحرب الخاصة، وبالتالي قطع جذور الحياة. الموضوع الذي نريد التحدث عنه في الإطار المجتمعي والثقافي هي الهجرة الفردية التي تتم من أجل المصالح الشخصية أو الاقتصادية، وكل هجرة من الوطن نحو وطن آخر يمكن أن يكون من أجل شخص ما بداية جديدة، ولكنها في الحقيقة ليست كذلك.
ومن الأسباب التي تساهم في الهجرة هي الحرية، لكن إن لم نعرف الحرية والهوية بمعناهما الحقيقيين، فالحرية في بلد آخر له لغته الخاصة به، هي ضحك على العقول، وبالنتيجة فالناس الذين ينكرون أصلهم ولا يفكرون حتى بالبحث عنه، يعيشون في ظروف عمل صعبة في أوروبا، ويفضلون العيش هناك حتى تنتهي حياتهم.
بعد هذه المرحلة، فإن التكيف مع ثقافة ولغة وعادات وأعراف البلد الذي غادرته يجلب صعوبات وأزمات كبيرة، ومع مرور الوقت يتم محو لغة وثقافة الشخص المهاجر، وهذا بحد ذاته يسبب مشاكل نفسية له، والحنين إلى الوطن وأزمات الهويات والصراعات الكبرى.
في السنوات الأخيرة وبعد ثورة روج آفا، المعروفة بثورة المرأة، ونتيجة الحرب الخاصة وفتح أبواب أوروبا، بدأت موجة هجرة جديدة من روج آفا، ويعد فتح المجال أمام الهجرة سياسة مشتركة بين الدول المحتلة لكردستان من أجل مصالحها.
ثورة المجتمع في روج آفا، أصبحت مركز الإلهام لشعوب العالم، حيث تم تقديم تضحيات مادية ومعنوية وإنسانية كبيرة، وبدأت عملية بناء المجتمع على أساس الأمة الديمقراطية، ليكون للمرأة الدور الريادي فيها.
وإن وجود المرأة وعملها هو أحد العوامل الأساسية في تطور الثقافة الديمقراطية، وعلى الرغم من أن النضال من أجل بناء مجتمع حر، فإن هجمات العدو استمرت بأشكال مختلفة، وطبعاً للأسباب التي ذكرناها خلق الكثير من التحديات، وحينها لا بد من النضال المشترك من أجل حماية قيم الثورة والسعي لحل المشاكل التي تعترضها لتحقيق الحرية المنشودة.
تشكّل الشابات فئة كبيرة من المهاجرين من روج آفا إلى أوروبا، وعلى الرغم من وجود العديد من فرص العمل والتعليم لاحتوائهن، فإن الإغراءات التي قدمت لهن بأن الحياة في أوروبا تختلف بكثير عما يعيشنه هنا، لكنهن عندما وصلن إلى هناك لم تكن الحياة كما تخيلنها، ووفقاً لعلماء الاجتماع ففي جميع مراحل الهجرة تكون المرأة أكثر عرضة للعنف من الرجل، وبشكل خاص المرأة الشابة معرضة لمخاطر الاستغلال الجنسي والعنف أثناء الهجرة، حيث تعامل المرأة المهجرة بعنف في كل مكان، بدءاً من محل العمل وحتى أماكن التدريب والصحة وفي الشارع، وينظرون إليها بدونية وكشخص من الدرجة الثانية. نستطيع رؤية كافة مظاهر العنف ضد النساء المهاجرات كالعنف (الطبقي، والجنسي، والعنصري، والمذهبي، القومي). وبعد فترة من تضاؤل مستوى الجاذبية نحو أوروبا يتزايد في المقابل الخوف والقيود وأحياناً بعض الهجمات العنصرية.
إن تهجير الأمم والمجتمعات هو سياسة قمع قديمة خلقت مآسي كبيرة عبر التاريخ، ولذلك أصبحت الوطنية والانتماء للوطن والاطلاع عليه مقياساً أساسياً وآلية لحماية القيم والثقافة ولغة الأم، كما يظهر الشهود التاريخيون فإن المرأة وعبر التاريخ كانت دائماً مصدر الثقافة ومرشدها وحماية الثقافة وتمثل ثروة المجتمع، وإذا لم تتم حماية الثقافة واللغة، فسوف يتم قطعهما في النهاية عن جذورهما ويختفيان.
ولو كان باستطاعة كل أمة بناء قدرها ونظامها الخاص بها، لكان بإمكانها إظهار دور المرأة في بناء مجتمع حر، لأن المرأة لها دور بارز في المجتمعات، من أجل استمرار الحياة والحفاظ على الطبيعة، حينها في المرحلة التاريخية التي تتعرض لها روج آفا، لهجمات عديدة من كل النواحي، يصبح دور الأجيال الشابة وخاصة الشابات أكثر أهمية. فقط بالمعرفة التاريخية والأخلاقية يمكننا حماية قيم الثورة، ولا يمكن للمساعي المختلفة خارج الوطن أن تملأ بين الروح والجسد، وكما قال أجدادنا وجداتنا كلُّ شيء ينمو مجدَّداً على جذرِه.[1]