العلاقات العربية الكردية.. مفتاح النصر الضائع بين فتن الأنظمة المستبدة
زانا سيدي
إن تعتيم أحداث التاريخ أمام الشعوب وتجاهلها عمداً من قبل الأنظمة المستبدة في الشرق الأوسط، ودفن قوة العلاقات التاريخية بين الكرد وشعب المنطقة، خلق نظرة يملؤها الشك لدى الشعوب حول العلاقات مع الكرد.
الكرد، ودون أدنى شك، من أعرق شعوب الأرض وأقدمها؛ فأسلاف الكرد لعبوا دوراً محورياً ورئيساً في بناء الحضارة الإنسانية وتحويل ميزوبوتاميا أو ما يعرف بالبلاد الواقعة ما بين النهرين إلى مهد الحضارات عبر التاريخ، وذلك ما اتفقت عليه أغلب نتائج الأبحاث والدراسات التاريخية.
عدا ذلك؛ للشعب الكردي خصائص اجتماعية وأخلاقية والإصرار على القيم الروحية والغيرة على أرض الوطن على الرغم من الهجمات الوحشية التي تعرض لها عبر التاريخ.
بنى الكرد خلال عقودٍ من الزمن أرقى أشكال العلاقات المتبادلة مع الحضارات المجاورة والشعوب التي انتشرت بجوار كردستان، واستلهمت هذه الشعوب من ميزوبوتاميا معقل الكرد؛ نماذج اللغة وبناء القرى والزراعة وتربية الحيوان كثورات العصر آنذاك التي بدأها أسلاف الكرد.
على الرغم من شراسة الصراعات بين الحضارات في الشرق الأوسط، إلا أن غالبية الشعوب كانت بمنأى عن حروب الاحتلال تلك. فعلى الرغم من مشاركة الآلاف في الحروب، إلّا أنه لم يكن لهم مصلحة في ذلك، فدائماً الحروب وعمليات الاحتلال منذ القدم حتى يومنا الراهن سياسة يخطط لها السلطويون تحت شعارات واهية لا أساس لها.
إذ حافظت الشعوب دائماً على العلاقات المتبادلة وكانت في بعض الأحيان تصل إلى مستوى الوحدة والتكاتف في وجه الاستبداد والقمع، فما قصة كاوا الحداد التي تعود ل 612 عاماً قبل الميلاد وإعلان نوروز آنذاك، سوى وأحدةٍ من الأمثلة التي يشهد لها التاريخ في الاتحاد الذي حصل بين الميديين أسلاف الكرد، والفرس، والأرمن وجزء من الآشور في وجه الملك الآشوري الظالم ضحاك.
علاقات الكرد والعرب تاريخياً
إن ما خلقته الأنظمة المستبدة في الشرق الأوسط خلال عقودٍ مضت، هي إثارة الفتنة بين الشعبين الكردي والعربي وتأجيج نار الصراع بينهما كما حاولوا افتعاله مؤخراً في دير الزور؛ والاستفادة من الانقسامات بين الشعبين لتسيير السياسات الخبيثة، وتجنب أي تحالفٍ عربي كردي يطيح بآمال المستعمرين الغرب وحلفائهم الإقليميين الذين يحاولون الاستفادة من خيرات المنطقة.
فعلى الرغم تحويل الآلة الإعلامية ومراكز الفكر لدى هذه الأنظمة الشعب الكردي إلى عدوٍ كبير للأمة العربية، والنظر إلى القضية الكردية بشكل عنصري وتجاهل تاريخ الكرد العريق إلى أن مجريات التاريخ تثبت عكس ذلك.
إذ احترم الكرد العرب واعتنقوا الدين الإسلامي وقدّسوا اللغة العربية التي هي لغة القرآن، رغم محافظة الكرد على ثقافتهم ولغتهم، ولم يشعر بأي تناقض في التزام دينه والتمسك بثقافته، لغته وأرضه.
حتى أن الكرد لعبوا دوراً كبيراً في ترسيخ مفهوم الدين الإسلامي والأخلاق الاجتماعية وريادة العلوم في الشرق الأوسط، بالتعاون مع الشعوب الأخرى دون أي حساسية؛ بل دون التطرق إلى القوميات.
كما لا يمكن تجاهل دور الكرد في إيقاف زحف الصليبيين باتجاه الشرق الأوسط والحفاظ على ثقافة الشعوب في المنطقة، والدور الكبير لصلاح الدين الأيوبي في تلك المرحلة.
إن سياسة تقسيم الشعوب وتحويلها إلى دويلاتٍ وأقاليم صغيرة؛ تتصارع فيما بينها هي سياسة متبعة دولياً، ووقع الكرد والعرب معاً ضحية ذلك، إلا أنه وبحكم أن الدول كانت تحمل الأسماء العربية فقد ظن العرب أنهم أفضل حالاً مما آل إليه الكرد نتيجة هذه السياسات.
لقد عانى العرب أضعاف الكرد نتيجة ذلك، فإدخال الشعب العربي في حروبٍ لا ناقة لهم ولا جمل، حوّلته إلى دوّامات صراعات كبيرة ضد الكرد والإيرانيين والغربيين.
الكرد والعرب في سوريا
ففي سوريا لم تعرف البلاد بين أعوام 1932 – 1963 خلال فترة خضوعها للاستعمار الفرنسي، ولا حتى عقب إعلان الاستقلال، مسألة التعصب القوموي، في ظل التنوع العرقي والديني على الجغرافيا السورية.
عرفت البلاد ب الجمهورية السورية خلال تلك العقود وكان الحكم البرلماني الجمهوري سائداً حينها، إذ شكلَ الأرمن والكرد إلى جانب العرب النسيج الاجتماعي السوري، وشهدت سوريا مشاركة جميع المكونات في بناء الحكومة السورية آنذاك، ودورهم في المقاومة الشعبية ضد المستعمر الفرنسي في بقاع مختلفة من البلاد.
بعد استلام حزب البعث مقاليد الحكم في سوريا منذ عام 1963 حتى وقتنا الراهن، بعدد من الرؤساء الذين حكموا البلاد ك أمين حافظ، ونور الدين الأتاسي وحافظ الأسد، حوّل الحزب مهد الحضارة البشرية، والتنوع العابر للعصور إلى دولة قومية عربية متعصبة تحت اسم الجمهورية العربية السورية، مع تهميش المكونات الأخرى رمزياً وعلى أرض الواقع.
تسبّبت ممارسات حزب البعث في تمزيق المجتمع وإدخاله في حالة من الكراهية والانتقام وزرع الفتنة بين الكرد والعرب، وتشهد أحداث انتفاضة قامشلو 2004 ومشروع الحزام العربي 1965، على ذلك، حيث تركت تلك الأحداث أثراً سلبياً عند القوميتين تجاه بعضهما وخاصة أن حزب البعث كان يرتكب الجرائم ضد الكرد تحت شعارٍ قومي.
سوريا الفسيفساء الغنية بمكوناتها من العرب، والكرد، والتركمان، والآشور، والسريان، والشركس يضاف لها المكونات من الطوائف المختلفة، اختزلت كلها بجملة الفوارق العارضة بين أبناء الوطن الواحد لتلغي بذلك الغنى الحقيقي للشعب السوري.
إن تحديد شخصية الوطن بالعروبة فقط هي إشارة مباشرة للفكر الإقصائي إزاء المكونات الأخرى، وهذا ما انتهجه حزب البعث في سوريا وعمد إلى خلق شرخ بين العروبة والانتماء الوطني وحصر الأمور باتجاه يخدم دوره كحزب واحد، حاشداً كل الطاقات لأهدافه التي أبقاها نظرية منذ تأسيسه وإلى الآن، لذلك أهمل خطاب الوحدة تلك التمايزات بل غطى عليها وتغافل عنها وتعامل مع هذه الفئات الكبيرة الكثيرة العريقة في أقطارها بحسبانها غيرة موجودةٍ أصلاً.
أخوّة الشعوب.. ضرورةٌ لإرساء الأمن والسلام
إن تحالف العرب والكرد في خوض واحدةٍ من أهم حروب القرن الحالي ضد الإرهاب العالمي المتمثل بداعش في سوريا، عقب عقودٍ من التوترات القائمة بين القوميتين؛ يعتبر نصراً في طريق حرية الشعوب.
وخاصة عند النظر إلى تركيبة داعش وما تمثلها من بقايا حزب البعث في العراق واستخبارات حكومة دمشق والدعم التركي المباشر لها والتخطيط من قبل هذه الأنظمة للقضاء على الإرادة الكردية والعربية والمكونات الأخرى سوياً.
إن التكاتف بين السريان والعرب والكرد والمكونات الأخرى في تحرير مناطق شمال وشرق سوريا، وضع حجر الأساس للمشروع الديمقراطي (أخوة الشعوب) التي تهابها الأنظمة المجاورة وتحاربها ليلاً نهاراً بشتى السبل.
ينبغي أو يتحتم على شعب المنطقة جميعها التكاتف والبحث عن مقومات ومرتكزات الاستقرار والأمن والسلام، في معمعة الصراعات والحروب التي تعصف بالمنطقة والتي لا حلول لها تلوح في الأفق حتى الآن، في ظل تعدد المشاريع العالمية والإقليمية التي تحاول إخضاع الشعوب مرة أخرى.
إن مشروع أخوة الشعوب وعلى الرغم من معوقاتٍ لا تتحمّلها دول وهجماتٍ وحشية واتهاماتٍ باطلة، نجح بشكلٍ كبير في توطيد العلاقات بين الشعوب وعلى رأسها العلاقات الكردية والعربية وإعادتها إلى الطريق الصحيح، وترسيخ مفهوم العيش معاً والدفاع معاً عن الأرض ضد الاحتلال في منطقة شمال وشرق سوريا، إنها الإرادة التي تستقي من فكر الذي طرحه القائد عبد الله أوجلان.
إذ فتح مشروع أخوة الشعوب الباب لتوحيد رؤى ملايين العرب والكرد والمكونات الأخرى في السنوات القادمة ضد الاستبداد والفاشية والأنظمة الديكتاتورية.
لكن على الرغم من كل ذلك، تبقى العلاقات العربية الكردية المتلألئة، مهددة من قبل أنظمة إقليمية وعالمية، على رأسها دولة الاحتلال التركي.[1]