التغيير في سوريا مدخل لحل أزمة المشرق ( 2 )
#صلاح بدرالدين#
الحوار المتمدن-العدد: 3264 - #01-02-2011# - 10:16
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
آلية الانتفاض السوري المنتظروشروط النجاح :
في الجزء الأول من هذه المساهمة حاولنا حسب المنهج العلمي الواقعي مناقشة الأسباب الموجبة للتغيير في سوريا الداخلية منها أساسا والخارجية على سبيل الاستكشاف وتوصلنا الى نتيجة أن التغيير في بلادنا في اللحظة التاريخية الراهنة يصب في مصلحة الداخل كما الخارج المحب للسلام والحريص على تقدم الشعوب وحريتها ومن النادر أن يتداخل هذا القدر من العوامل الضاغطة الذاتية والموضوعية والسياسية والاجتماعية والاستراتيجية المصيرية لتجتمع على قاعدة التماثل والتكامل في بروز ملحوظ على صعيد ترجيح كفة ميزان القوى نحو البحث عن البديل كما في الحالة السورية الراهنة ولسنا هنا في مجال – قراءة الكف – أو في لحظات نسج الخيال بل نقرأ ما نعتبره حقائق على أرض الواقع نستمدها من مشهدنا الوطني كما هوونستخلصها من حياة شعبنا السوري اليومية ونستحضرها من عبر ودروس المعادلة التاريخية الجديدة التي تطبع سمة الصراع في العقد الراهن بين الخير والشر والفقر والعيش بكرامة وبين نظم الاستبداد الشمولية الجاثمة والدولة الديموقراطية التعددية العادلة المنشودة والتي تتراءى مقدماتها الظافرة وتتواصل بشائرها السعيدة في الانتفاضة الشعبية التونسية المجيدة التي لم تزل تختزن الدروس والعبر .
سوريا من شمالها الى جنوبها ومن شرقها الى غربها تعيش حالة ترقب وغليان مكبوت ويتهيأ السورييون بفارغ الصبر ساعة الصفر للخلاص من الاستبداد وتحطيم القيود وبحسب معظم التوقعات ستندلع الانتفاضة الشعبية السلمية المرجوة في توقيتها المناسب الآن أو غدا أو بعد شهور من الوسط الجماهيري الأوسع والأكثر تضررا على صعيدي الحريات السياسية والحالة الاجتماعية أي الشباب والفقراء والعاطلين عن العمل من ذوي الشهادات العليا والكفاءات وبنات وأبناء القومية الكردية المحرومين من جميع الحقوق والمستبعدين من الحياة السياسية والادارات والوظائف الحكومية والعامة والذين تمتلىء بنشطائهم سجون ومعتقلات البلاد , والجماعات الأثنية والهويات الثقافية التي طالتها الأيادي الشوفينية المتسلطة تهميشا وحرمانا وفئات واسعة من نخب الطبقة الوسطى التي حرمتها الطغمة الغنية الجديدة الحاكمة من حرية الرأي والابداع والمشاركة في البناء الاقتصادي السليم والأطراف والمكونات والطبقات والفئات هذه هي الغالبية الساحقة من المجتمع السوري وستشكل سوية الوقود الفعلي والأداة الرئيسية بالاعتصامات والمظاهرات والتجمعات في مواجهة أجهزة السلطة الأمنية وميليشياتها الحزبية في مختلف المناطق والمدن والبلدات وليس هناك مايشيرعلى توفر أي دور يذكر للأحزاب والتنظيمات السياسية وما تسمى بجبهات المعارضة ( التي لم تعلن حتى اللحظة – سوى بعض الكلام المنمق المنأخر جدا حفاظا على ماء الوجه -عن مواقفها ومواقعها والتزاماتها حيال الانتفاضة الشعبية السورية المنشودة ) وقد يكون ذلك من حسن حظ الشعب السوري لأن ماهو معلن ومعروف عن تلك الأحزاب في الداخل والخارج وكما تؤكد عليها طبيعتها ومواقفها وممارسات – قادتها – لن تكون مؤهلة لا في الانخراط بالحراك الشعبي بسبب تواضع أعداد مناصريها الى درجة الانعدام ولا في ادارة الصراع السياسي مع السلطة لعدم ايمانها بمسألة التغيير الديموقراطي بل قد تركب الموجة في غفلة عن الجماهير وتندفع نحو المهادنة والتراجع والاستسلام في أوقات الشدة ولحظات الحسم وتجربتنا الحية على الصعيد الكردي في – هبة - عام 2004 الدفاعية السلمية مثال ودرس في هذا المجال حيث تتحمل ( قيادات ! ) الأحزاب والمنظمات الكردية – قوميا - والعربية – وطنيا – مسؤولية اخمادها ومنع تطويرها الى انتفاضة سورية وطنية ديموقراطية سلمية شاملة من القامشلي الى القنيطرة وذلك عبر تزعم اليمين الكردي لسلوك الانحدارالحزبي الكردي المشين من دون استثناء وتقمص التمثيل الشعبي الزائف وتنفيذ املاءات – جنرالات – أجهزة الأمن والمخابرات الذين اجتمعوا بوكر مسؤول الحزب اليميني بالقامشلي حينذاك , وكذلك عبر تحول مسؤولي المنظمات الحزبية العربية من اليمين واليسار الى وسطاء بين الضحية والجلاد بلبوس حكماء عاقلين ! يدعون الى التهدئة والتصالح بعد وصم الهبة العفوية الشجاعة بأعمال الشغب ومواجهات مشجعي فرق كرة القدم , ومن طبيعة الأشياء أن تتمكن الانتفاضة المنشودة من انتاج قيادتها الميدانية في مرحلتها الأولى التي تقتصر على تغيير النظام أما الاتيان بالبديل الوطني الديموقراطي فمنوط بمرحلتها الثانية التي ستلتئم فيها كل القوى السياسية والطبقات الاجتماعية التي تنشد الحياة الحرة السعيدة في سوريا تعددية جديدة وستكون مسرحا لطرح ومناقشة ومراجعة البرامج والمشاريع والدساتير والقوانين في المؤسسات التشريعية النابعة من الارادة الشعبية .
ليس من حق أحد حرمان الآخر من شرف المساهمة في انضاج ظروف التحرك والمساهمة والتضحية والميدان واسع والأبواب مفتوحة ولكن من المصلحة والحكمة أن تترك الأمور للشعب الذي نحن في عداده أيضا ليقول كلمته على سجيته العفوية الأصيلة وهذا ما سيقض مضاجع النظام ويفكك بنيته القمعية ويسري الهلع والخوف في نفوس رموزه , وأن يترك للأفراد تقرير مصيرهم وخياراتهم بمعزل عن الادعاءات والمزاعم والمبالغات واصدار بلاغات رقم واحد التي تنم عن محاولات يائسة للاستهلاك الاعلامي من جانب مجموعات وفئات وأفراد اما تحت مسميات اسلاموية سياسية لاتحظى بثقة الجماهير ولفظها الشعب منذ عقود ولاتستند الى أية قوة فاعلة ألم تثبت الانتفاضة التونسية المجيدة خواء وبطلان المزاعم السابقة بسيطرة الاسلاميين على الشارع في حين لم يتأكد حتى مشاركة محدودة من جانبهم في التحرك وبالتالي فقدانهم لشرف المساهمة في التغيير والاصلاح تماما مثل حالة جماعات الاسلام السياسي في سوريا ولدينا معها تجربة في غاية المرارة حيث التحقت قوتها الأساسية أي جماعة – الاخوان - بالنظام علنا بعد أعوام من التواصل السري وقلبت ظهر المجن للمعارضة عندما انكشف أمرها ووجه قادتها بدلائل ومعلومات موثقة من جانب كاتب هذه السطور بالذات في احدى اجتماعات جبهة الخلاص في بروكسل قبيل انفراط عقدها حول تواصلهم مع ممثلي النظام عبر أطراف – ثالثة – ( اخوان الأردن ومصر والأتراك والشيخ القرضاوي ) وفي علاقاتهم مع أجهزة النظام التي قد تكون متواصلة لأن السوريين لم يسمعوا حتى الآن ماينفي ذلك من تراجع أو اعلان نقد ذاتي واعتراف بالخطيئة , أو بأسماء وصفات يلفها الغموض وتدور حولها شكوك الارتباط بجهات أمنية حتى يظهر للرأي العام في الداخل والخارج وخاصة للادارة الأمريكية وأوروبا مساوىء ومخاطر البديل التي تفوق بأضعاف شرور النظام القائم أو حتى ترتسم في الأذهان مآلات – البروفة الانتفاضية – المصطنعة المدروسة تحت السيطرة في الاخفاق والخسران والندامة .
الوظيفة الأخرى للانتفاض في وطننا المتعدد القوميات والمكونات الدينية والمذهبية هي احترام الآخر وعدم الخروج عن الطابع السلمي والابتعاد عن النزعة الدينية والطائفية والعنصرية والمناطقية التي تشكل بمجملها المقتل الحقيقي لشخصية وهوية ووطنية السوري والتحلي بروحية التسامح ومبدأ المواطنة الصالحة والابتعاد حتى عن التفكير بالأعمال الانتقامية وترك محاسبة الفاسدين حكاما كانوا أو أجهزة قمعية لحكم القضاء وسلطة القانون والتمسك فقط بقضية التغيير الديموقراطي السلمي والعمل على توفير البديل الممثل لكل مكونات الشعب السوري على طريق اعادة بناء الدولة السورية الحديثة على أسس التعددية القومية والثقافية والسياسية والتوافق بين مكوناته الوطنية.[1]