ولاية الموصل في استراتيجية الدولة التركية
#قاسم مرزا الجندي#
(Qasim Algindy)
الحوار المتمدن-العدد: 7348 - #22-08-2022# - 00:08
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
ينظر الأتراك إلى اتفاقية لوزان الثانية نظرة خيبة تاريخية، بالرغم من اعتبارها وثيقة تأسيسية للجمهورية التركية الحديثة، التي تسببت بتقليصٍ جغرافية الدولة التركية الحديثة، وإلزامها بالتنازل عن مساحات كبيرة كانت تابعة لها، و لذلك نجد إن القيادة التركية تؤكد دوماً للعالم عبر رسائل تاريخية وسياسية، بأن تركيا ترى أن نصوص الاتفاقية مجحفة بحقوقها، وتريد التخلص من آثار الاتفاقية، واستعادة حقوقها التي اغتصبتها دول الحلفاء في الحرب العالمية الاولى.
تعتبر القيادة التركية إن معاهدة سيفر في 1920 و معاهدة لوزان في 1923بأنها الطعنة الأولى في ظهر العهد العثماني، لأنها أجبرت تركيا على التنازل عن مساحات شاسعة من الأراضي التي كانت تحت نفوذها، رغم تأسيس الجمهورية التركية بناءً على معاهدة لوزان 1923، والتي تم إبرامها مع الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الأولى، وهم بريطانيا وفرنسا وايطاليا، وقد وضعت دول الحلفاء وخاصة بريطانيا العظمي في ذلك العهد عدة شروط بحق الدولة العثمانية، اذ تم إلغاء الخلافة ونفي الخليفة وأسرته خارج تركيا ومصادرة جميع أمواله وإعلان علمانية الدولة التركية ومنعها من التنقيب عن البترول واعتبار مضيق البسفور الذي يرابط البحر الأسود وبحر مرمرة ثم إلى البحر المتوسط ممراً دوليا لا يحق لتركيا تحصيل رسوم من السفن المارة فيه.
و بحلول منتصف عام 2023 تنتهي مدة هذه المعاهدة التي قد مرّ عليها مائة عام، و تؤكد تركيا بالتخلص من آثارها، حينها ستدخل تركيا حقبة جديدة من التاريخ المعاصر وستشهد عهداُ جديداُ وستشرع في التنقيب عن النفط, وحفر قناة جديدة تربط بين البحرين الأسود ومرمرة تمهيدا للبدء في تحصيل الرسوم من السفن المارة، وإعادة ترميم حقوقها التي اغتصبها الحلفاء، وتنشر دوماً تركيا أن نصوص الاتفاقية غير عادلة، وأنها ستعمل على استرجاع حقوقها، ومن هذه التوجه يمكن فهم بعض أوجه الخلافات الدائرة الان بين تركيا ودول اوربا والغرب.
إن مشكلة ولاية الموصل في نظر تركيا هي ولاية الموصل العثمانية، التي تضم حالياً محافظات الموصل وكركوك ودهوك والسليمانية وأربيل، أي كانت تضم معظم إقليم كُردستان الحالي مع كركوك وحتى تخوم تكريت، هذه الولاية لا تزال موجودة في الضمير التركي، والدولة التركية ماتزال تخصص لها ميزانية سنوية بقيمة مادية رمزية ومقدارها ليرة تركية واحدة فقط منذ اقتطاعها من الدولة العثمانية وحتى يومنا هذا.
ومن الواضح هنا أن الدولة التركية لاتزال تعتبر هذه الولاية جزءاً من الدولة التركية من الناحية الرسمية، تعود جذورها الى ما بعد الحرب العالمية الأولى، وعلى اثرها نشبت أزمة دبلوماسية بين المملكة العراقية وجمهورية تركيا حول مصير ولاية الموصل، التي كانت جزءاً من الدولة العثمانية حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، عندما احتلت من قبل بريطانيا، يذكر التاريخ العثماني أن مدينة الموصل هي أول مدينة خضعت لسيطرة العثمانيين في مارس/ آذار 1516، في عهد السلطان سليم الأول.
بعد حرب الاستقلال التركية، اعتبرت تركيا الجديدة الموصل واحدة من القضايا الحاسمة المحددة في الميثاق الوطني، ومطلبتها المستمرة لولاية الموصل كولاية تركية ،ورفضت نتائج استفتاء أولي قامت به حكومة المملكة العراقية وبريطانيا، والحكومة العراقية وبريطانيا ايضاً رفضتا استفتاء أجرته السلطات التركية وحلفاؤها في الموصل.
تمكنت بريطانيا من طرح هذه القضية في الساحة الدولية، وجعلها مشكلة حدود بين تركيا والعراق في عصبة الامم وقد دفع البريطانيين إلى خيار عصبة الأمم التي أرسلت بدورها لجنة تحقيق دولية بتاريخ 27 يناير/ كانون الثاني 1925، حيث بدأت بمشاوراتها واستقصائها للحقائق الديموغرافية وآراء الأهالي في تبعية ولايتهم لحكومة المملكة العراقية وبريطانيا قد مهد طريق النجاح لحل هذه المشكلة لصالح العراق عن طريق الاستفتاء, وعقد اتفاقية بين المملكة العراقية وتركيا بخصوص ولاية الموصل في سنة 1926.
وعلى اثرها عيّن مجلس عصبة الأمم لجنة تحقيق والتي أوصت بأن تعود ملكية الموصل إلى العراق، فأُجبرت تركيا على قبول القرار من خلال التوقيع على معاهدة الحدود مع الحكومة العراقية في عام 1926 ويمنح العراق إتاوة 10% من الودائع النفطية في الموصل إلى تركيا لمدة 25 عاماً.
قدمت الحكومة العراقية (1922–1924) وبريطانيا احصاءاتها حول نسبة السكان في ولاية الموصل وقد أظهرت تلك الإحصائيات إن غالبية السكان هم من الأكراد وتأتي الاتراك بنسبة 8،5% تقريباً من مجموع السكان في ولاية الموصل والتي كانت تضم مدن السليمانية واربيل ودهوك اضافة الى الموصل، كما موضح ادناه تعداد كل مكون ونسبته في الولاية في عام (1922- 1924) ادناه .
الكُرد (427.220) نسمة، نسبتهم 54.25%
العرب (185.76) نسمة ، نسبتهم 23.65%
الاتراك (65.895) نسمة ، نسيتهم 8.39%
مسيحيون (62.125) نسمة . نسبتهم 7.77%
ايزيديون (30.000) نسمة ، نسبتهم 3.82%
يﮪود (14.500) نسمة ، نسبتهم 2.12%
اجمالي المكونات (785.468) نسمة في ولاية الموصل(موصل ، اربيل ، سليمانية ، دهوك)في سنة (1922- 1924).
واستمرت مطالبات تركيا بالموصل في حرب الخليج حيث طلب الرئيس توركوت أوزال من رئيس أركان الجيش في عام 1991 إعداد خطة عسكرية لضم ولاية الموصل عسكرياً الى تركيا، إلا أن الجيش التركي تصدى لطموحه تحت ضغوط سياسية اقليمية ودولية.
إن جميع الحكومات المتعاقبة على الحكم في تركيا والى الحكومة الحالية، ومنذ مائة سنة تقريباً كانوا يذكرون معاهدة لوزان بألم ومهانة، وهم يعدون السنين تمضي كي يبطل الزمن شروطها، ويروج منذ سنوات في الأوساط التركية عن إعادة تركيا ضم ما كانت قد طالبت به، وخصوصا ولاية الموصل. حيث بدأت المخاوف تطفو على السطح مع انقضاء فترة معاهدة لوزان وأبعادها التاريخية والجيوسياسية.
كيف ستتعامل القوى الدولية مع المطالب التركية، التي مرت بمراحل عديدة وهي تطالب بها، حيث سيواجه الشعب الكُردي مشكلة صعبة إزاء تلك المتغيرات الجديدة إن حصلت، وخاصة إن العراق مقبل على تغيرات جذرية نحو التقسيم، وتركياُ ماضية في سياساتها نحو استغلال الفرص في كل الاتجاهات نحو تثبيت وتحقيق اهدافها الجيوسياسية في العراق وسوريا .
هل ستعود تركيا بعد انتهاء معاهدة لوزان وتجدّد مطالبتها بولاية الموصل.؟
هل ستتغير الخريطة الجيوسياسية والاقتصادية للمنطقة، ويدخل العالم مرحلة جديدة من الإرث العثماني.[1]