وريا قره داغي علم کوردي في الامم المتحدة
قيس قره داغي
بعيدا عن مسقط رأسه مدينة کفري المبدعة والمنسية وبعيدا عن وطنه کوردستان وقد دافع عنه کبيشمرکة في ثورة أيلول المجيدة، هناک في بلاد التاميل وسط المحيط الهادي، في جزيرة سيلان سابقا وسريلانکا حاليا کوردي يشغل منصب المدير الأقليمي لمنظمة الأمم المتحدة.
ليس للکورد دور ملحوظ من حيث إشغال المراکز المهمة في هذه المنظمة العالمية والسبب معلوم سلفا، عدم وجود دولة کوردستان الرسمية حتى يتم أختيار شخصيات منها وترشيحهم لمثل تلک المناصب، رغم الأسم الوهمي لهذه المنظمة (الأمم المتحدة) فأنها لم تلعب دورا لأتحاد الأمم ولم تعر أهتماما لمشاغل الأمم ومصائرهم بالقدر الذي لعبته في أتحاد الدول والأسرار الخطيرة التي تکتنفها هذه الدول من قهر ومذلة للشعوب والأقليات في العالم، أي أن السياسة هي القاعدة الأساسية التي ترتکز عليها هذه المنظمة في الوقت الذي تنشط کمنظمة أنسانية في معانيها الظاهرة، ولکن عندما نرى کورديا في مرکز متقدم في الأمم المتحدة يعني أننا نتعامل مع نظرية القاعدة التي لا تخلو من شواذ من جهة ومن جهة أخرى أن هذا الکوردي قد سلک طريق الأخلاص في العمل مستندا على الأمکانيات الذاتية للوصول?الى ذلک المرکز وهذا ما ينطبق على صديقنا الأستاذ وريا أحمد قره داغي الموظف الدولي الذي لم يخل مکتبه يوما من راية کوردستان أينما خدم وأينما أستقر، العلم الکوردي الذي نتمنى أن نرى زملا و له في هذا الميدان مستقبلا. ينتمي وريا الى أسرة گرميانية أتخذت من نهج الکوردايتي عنوانا بارزا لها، فمنذ خروجهم من قره داغ وأستقرارهم في کفري عملوا على تنشيط هذه الحرکة وقد أنتموا الى الأحزاب الکوردية في الفترات المتعاقبة أبان القرن العشرين، فوالده المرحوم المربي المعروف أحمد قره داغي يعتبر من القلائل الذين وضعوا لبنات الکوردايتي في مدينة کفري مع مجموعة أخرى من المناضلين متحدين السلطات المتعاقبة وعيونها وجواسيسها، ومدينة کفري التي تعتبر مرکزا لمقاطعة واسعة من مقاطعات کوردستان (گرميان) التي تمتد من کرکوک الى خانقين جنوبا ً خانقين مرکز مقاطعة (گرمسير)، وتضم تاريخيا مدنا وقصبات کثيرة ومئات القرى والأرياف، سکان هذه المقاطعة أمتازوا بکونهم وقودا للثورات الکوردية ولا نخطأ أن قلنا أنهم أول من يضحون ولا يستفيدون لا في الأول ولا في اڵاخر، فإن عرجنا من الموضوع فيلزمنا جولة في الحقائق الملموسة ولا نريد أن نشرع بتلک الجولة في متن هذا المقال.
ولد وريا في 10-11-1952 في قضا و کفري من أعمال کرکوک، کان المربي والده يعمل في السياسة ومن يعمل في هذا الحقل في العراق يعني أنه يسکن الريح، فمتى ما ارادت السلطات الشمولية أن تنفخ في الريح فتلحق من يريدون الى أقاصي العراق حسب هوى الأمن ومتطلباته ! ودون ارادة المنفوخ فيه بأمر الطغاة. ارادوا أن لا يستمر والد وريا في کفري فأبعدوه الى کرکوک فأکمل الصبي مدرسته الأبتدائية فيها وعندما وجدوا الوالد ماضياً في الکوردايتي حتى في کرکوک وکرکوک خاضعة الى سياسة التعريب فابعدوه أبعادا قسريا تماشيا مع تلک السياسة الى الحلة ليلتحق الأولاد الى الحلة وبعدها الى بەغداد، وبەغداد هي البحر الذي يضم أصل الأنواع من الملل والنحل، وهکذا تکون بەغداد المحطة الأخيرة للأسرة الى يوم وفاة الأب وأعادة رفاته الى مقبرة العائلة في جبل باباشاسوار في کفري بينما البنات والبنون ومنهم وريا قد أنتشروا في بلدان العالم هروباً من ب?ش النظام الذي طال الکثيرين من العراقيين بعد أن أنهوا دراساتهم وخدموا وابدعوا کل في ميدان عمله ومنهم شقيق وريا الأکبر مصطفى أحمد قره داغي الخبير النفطي والکيميائي المعروف في العراق.
أتفاقية الجزائر المشؤومة أصبحت فاصلا بين وريا وطنه فأثنائه کان بيشمرکة في (هيز بالک)، بعدها ترک کوردستان متوجها مع عدد کبير من الکورد الى منافي الدنيا ومهاجرها حيث أستقر به المقام في أخفض بلد في العالم (النيدرلاند هولندا)، لکنه لم يستسلم الى اليأس فبدأ بأکمال دراسته هناک فنال عام 1986 شهادة الماجستيرفي العمارة والتخطيط المدني في جامعة دلفت، غير أنه رغم أنشغاله الدراسي لم ينس واجبه الوطني والأنساني فنسج شبکة من العلاقات المتميزة مع رجال السياسة والصحافة من الهولنديين والأجانب وهو أول من أسس جمعية للعمال النازحين من کوردستان ترکيا وأطلق عليها جمعية العمال الکورد في هولندا وقد کانت الجمعية في بداية تأسيسها 12 عضوا فقط غير أنها مازالت في الخدمة وعدد أعضائها تعد باڵالاف.
يتقن الأستاذ قره داغي باقة من اللغات، فالى جانب اللغة الکوردية يتقن العربية والفارسية والترکية والأنکليزية والألمانية والهولندية والتايلندية، وقد أستفاد من هذا الخزين اللغوي فعمل وهو مازال يدرس في جامعة دلفت مترجما ويجب أن لا ننسى أجادته التامة للـەجات الکوردية (السورانية والکرمانجية واللورية).
بعد أکماله الدراسة عمل في عدد من المکاتب الهندسية وشارک في تخطيط مجموعة من البنايات المهمة في أوروبا وعمل أيضا معيدا في الجامعة فترة ليلتحق بعدها الى منظمة اليونسکو التابعة للأمم المتحدة فأنتدب للعمل في أفريقا وتحديدا في دولة جنوب أفريقيا وليسوتو وکان أول عهد له مع هذه المنظمة العالمية، ثم انتدب للعمل في منظمات أخرى تابعة للأمم المتحدة معنية بمشاريع التنمية في فيتنام وکمبوديا والتايلاند والفليبين وفي عام 1999 أنتقل الى کوسوفو ليدير مشاريع الأنما و في هذه الدولة، اثنا و مکوثه في هذه الدولة الفتية کان قريبا من الشخصية الفرنسية المشهورة وزير خارجيتها اليوم برنارد کوشنر وصاحبه في جولات مع ممثلي الأمم المتحدة.
بعد کوسوفو أنتقل الى محطة جديدة، عمل بنفس منصبه مديرا للمشاريع الأنمائية في أفغانستان وقام بالأشراف على العديد من المشاريع الخاصة بأعادة البنية التحتية لهذه الدولة وحتى أثنا و وجود حکومة طالبان على دست الحکم في أفغانستان.
من أفغانستان ينتقل الى سريلانکا ليدير المشاريع التنموية في المناطق المتضررة في الحرب فهو الکوردي الوحيد الذي يتقلد منصب مدير من الدرجة الأولى وهو لا يزال الرئيس الأقليمي للأمم المتحدة في کوسوفو.
أثنا و خدمته رافق الکثير من الشخصيات العالمية من العاملين في المنظمة العالمية، فقد رافق سيرجي دي ميليو مندوب الأمم المتحدة في العراق والذي ذهب ضحية عملية أنفجارية غادرة في بەغداد، وعمل مع دي مستورا المندوب الحالي للمنظمة في العراق وکذلک عمل مع الأخضر الأبراهيمي أثنا و عمله في افغانستان.
يحلو لزملائه في العمل أن ينادوه بسفير کوردستان کون العلم الکوردستاني ظل ملازما مکتبه طوال خدمته في المنظمة العالمية أو أي مکان آخر.