نعمت مير صادق
هاجم الجيش الروسي كردستان الجنوبية عن طريق منطقة بالك الحدودية في عام 1916م وحسب ما تناقله لنا المرحوم خضر فتاح من اهالي قرية روست قائلاً ان الروس دخلوا الحدود في منطقة بالك وغزوا القرى الواقعة على طول ضفتي نهر بالك وتقدم الجيش المذكور مجموعة من العصابات الارمنية والاثورية الايرانية المدربين على جميع انواع الاسلحة وفنون القتال على ايدي الجيش الروسي, بعد ان مني الجيش التركي بالهزيمة التامة في اذربيجان قامت القوات الاثورية والارمنية بعمليات انتقامية ضد السكان المحليين من الكرد العزل بدلاً من الانتقام من الجيش التركي واتى هؤلاء الارمن الاثوريون مع الجيش الروسي بنية الانتقام لمذابح الارمن التي تعرضوا لها في تركيا العثمانية ظناً منهم بانه ابيد هؤلاء الارمن على ايدي الكرد ناسين او تناسوا بان عصابات الارمن قاموا بمذابح أسوأ وابشع واشد ضراوة في القرى الكردية في منطقة وان وهكارى حيث ابيد معظم سكان تلك القرى عن بكرة ابيهم ورغم ذلك ان الكرد لم يردوا بالمقابل بل احسنوا معاملتهم بكل انسانية وان الذين بقوا على قيد الحياة انذاك كان بفضل ابناء الشعب الكردي حيث قاموا بحمايتهم واخفائهم في بيوتهم وبين افراد اسرهم وعوائلهم خصوصاً العوائل الكردية الكبيرة وفي بيوت الاغوات على الاكثر وبذلك نجا عشرات الالوف من الارمن من المذبحة على يد العثمانيين اضافة الى امتناع كثير من رؤساء العشائر الكردية عن الاشتراك في تلك المذابح لا بل دافعوا عنهم كثيراً امثال الشيخ عبيدالله النهري, وكان العثمانيون يقومون بمطاردتهم بيتاً بيتا للعثور على الفارين والهاربين منهم وكثير من الاكراد هرَّبوا هؤلاء الارمن الى العراق وسوريا ولبنان وبعد ان هدأت الاوضاع وكف العثمانيون عن مطاردتهم بقي من نجا من الارمن في كردستان سراً وهرب او بالاحرى هربوهم كلما سنحت لهم الفرصة الى الدول المذكوره آنفاً حتى وصل قسم منهم الى ارمينيا لذا نرى ان هجوم الجيش الروسي ومن معهم من الارمن والاثورين كان كاسحاً وهمجياً حيث كانوا يقتلون كل من يقع في ايديهم قوراً وقد اخليت جميع القرى من سكانها وفروا الى الجبال والوديان بعيداً عن الطريق المذكور خوفاً من وقوعهم في ايديهم خصوصاً النساء والاطفال والشيوخ ولم يبق الا قلة من الرجال الذين يملكون الاسلحه وهي اما قديمة او غير صالحة للاستعمال اصلاً مع كمية ضئيلة من العتاد اضافة الى عدم وجود العتاد لكثير من تلك البنادق التي هي بحوزتهم وهي من بنادق من نوع (ماتين وموسكه) او البنادق المستعملة من قبل الجيش العثماني (كالماهوزر او جاجيزار) وغيرها من الاسلحه العتيقة واذا تمكنوا من الحصول على بعض البنادق بعد الاستيلاء عليها من الجنود الذين يقتولن هنا وهناك وقام الجيش الروسي ومن معهم من العناصر السالفة الذكر بالفضائح كثيرة من السلب والنهب وقتل الناس العزل وان هذه الوقائع رواها كثير من الناس الذين شاهدوا احداثها باعينهم وعاشوا في خضمها وابتلي اقاربهم بتلك الجرائم وتناقلوا اخبارهم وتصرفاتهم الينا بالاسهاب واستمر الجيش الغازي في التقدم من منطقة بالك الى ان وصل الى مدينة رواندوز فأحرقوها كاملة بما فيها الجامع وظلت البيوت التي اشغلوها هم لانفسهم فقط وقتلوا من اهالي رواندوز كل من وقع في ايديهم حتى الاطفال الرضع والنساء الحوامل وكل كائن حي والقوا جثثهم في وادي (خه ره ند) الذي تقع في الجهة الشرقية من المدينة وهرب الجندرمة العثمانيون المتواجدون هناك انذاك مع من تبقى من اهالي رواندوز لينقذوا بجلودهم وتحصنوا في الجبال الواقعة في غربي رواندوز وقرى (وادي اكويان) ولاذ الاخرون الى قرية روست واستقروا فيها مع عوائلهم ولازالت ديارهم شاخصة للعيان في تلك القرية حتى الان وتعرف بـ(جىَ هه وارى رواندزيان) والظاهر ان للرواندوزي صلات القرابة مع اهالي القرية المذكورة من قديم الزمان وكثيراً ما التجأوا اليها في الشدائد والمحن كما حصل في عام 1974 اثناء هجوم البعثيين على المدينة المنكوبة واحرقوها ولاذ اهاليها الى خارج المدينة متشتتين الى مختلف الجهات وقد دفن عدد من موتاهم في قرية روست امثال عثمان كجوك والحاج نبي وغيرهم, وعاد اهالي رواندوز الى مدينتهم بعد ان مني الجيش الروسي بالهزيمة نتيجة انسحابه من المنطقة وهدأت الاوضاع في ربوع المنطقة ولكن بعد ان دمرت مدينتهم وانتشر الخراب والدمار في جميع ارجاء المنطقة والاسى تحلاء ..... السكان على الشهداء المظلومين الذين لاحصر لهم وكان الرجال الغيارى الذين يملكون الاسلحة يتربصون بالجيش الروسي لقتلهم انتقاماً لما قاموا به من الجرائم البشعة التي يندى لها جبين الانسانية دون وازع من ضمير ووجدان بحق اهالي مدينة رواندوز الابرار ولو كان هناك حق من حقوق الانسان لطالبوا الامم المتحدة بالتزام الدولة الروسية بعد قيام جيشها بالاعمال الوحشية التي تورطوا فيها وحملتها على دفع جميع الخسائر التي الحقت بالمدينة والمنطقة المحيطة بها وقدمت المجرمين الباقين منهم الى محكمة لاهاي مثل ميلوزوفيج لان رواندوز لم تكن الجهة المعادية للروس وما كانت على حدودها او بالقرب منها وما السبب والداعي لقطع كل هذه المسافة الطويلة للوصول الى مدينة رواندوز البريئة فهم لم يقصروا من منطقة اوروبية.
ومن الرجال الذين تصدوا لهذا الجيش واعماله البربرية طوال الوقت كان مير صادق روست رئيس عشيرة دولي روست مع رجاله واتباعه واقربائه حيث تمركزوا في جبل زوزك الواقع مقابل رواندوز وكان الجيش الروسي مخيماً في اسفل هذا الجبل وفي مركز رواندوز (كاد لو كان الحلمية) ومن شرق المدينة وقد جرح المرحوم في هذا الجبل وكان يرافقه الراوي اي المرحوم خضر فتاح طوال وقت المقاومة والاندفاع من ورائهم بعد ان اندحر الجيش الروسي داخل ايران بسبب نشوب الثورة البلشفية في شباط من عام 1917 وعلى اثر ذلك اسرع الجيش الروسي بالانسحاب الفوري والعاجل من المنطقة واخذ الناس يطاردون فلول الجيش المهزوم ويلحقون به افدح الخسائر ويقتلون كل من يقع في ايديهم انتقاماً لذويهم واحبائهم وبني قومهم الذين قتلوهم ظلماً اضافة الى اعتبار قتلهم نوعاً من الجهاد المحض في سبيل الله حسب اعتقاد القوم وقد تبعهم مير صادق واتباعه وكان في معينه المرحوم محمود اغا ماواتي مطاردين فلول الجيش المهزوم في كردستاننا وكردستان الشرقية داخل الحدود الايرانية حتى وصلوا الى مدينة مهاباد حيث رحب بهم اهالي المدينة واستضافهم المرحوم علي قاضي في الجامع الكبير القريب من جوارجرا لعدم وجود مكان يسع لكل هؤلاء المكافحين المجاهدين واستمرة مطاردة الجيش الفاشي المذكور من قبل الكرد الساكنين في المدن والقرى المنشرة على طول الطريق الذي سلكوه في عدتهم ملحقين بهم خسائر جسيمة انتقاماً لما جنت اياديهم من الاعمال الاجرامية البربرية البشعة من حملتهم الظالمة وما اقترفوها داخل المدن كردستان الايرانية خصوصاً منطقة اورمية وما حولها من القرى والقصبات, وبهذه المناسبة ولتعلق الامر بهذا الموضوع فقد رايت المرحوم محمدامين اغا ناوبرداني وكان ضيفاً علينا في كركوك سنة 1952 وكنت صغيراً انذاك حيث كنت طالباً في الصف الثالث الابتدائي في مدرسة الهاشمية بكركوك التي كانت مزدوجة مع مدرسة الفيصلية الابتدائية واثناء قيامه اي محمد امين اغا صلاة الظهر وبعد ان شمرّ عن ساعديه وساقيه استعداداً للوضوء رأيت عدداً كثيراً في البقع العميقة بعض الشىء على ساعديه وساقيه وكأنها اثار الحروق تاركة على تلك الاماكن فسألته عن اسباب وجود كل هذه الحروق قال ان هذه البقع ليست اثار الحروق وانما اثار الحراب التي طعنه بها الجيش الروسي في جسدي اثناء حملتهم على منطقتنا اي منطقة بالك اثناء مرورهم وقد عثروا عليّ بعد مرور ستة ايام فاقد الوعي والظاهر انهم نقلوني الى البيت واسعفوني الى ان استعدت وعيي وعافيتي وداوني بالادوية الشعبية السائدة بين العشائر الكردية لعدم وجود الاطباء في المنطقة خصوصاً في تلك الايام الخوالي الى ان شفيت تماماً وكتب الله لي حياة وعمراً جديداً وها تجدني سالماً الحمد لله مازحاً الا نه كلما ارى هذه البقع اتذكر تلك الايام والمأسي والويلات التي حلت بنا وبهذا البلد المنكوب على طول الازمان دون ذنب اقترفنا وعلى ايدي اشرس الجيوش واوحشها.