منطقة جبلية وعرة إلى حدٍّ ما، لم يتطرّق العالم إلى قضيتها منذ حين، رغم أنّ الصراع لم يغب عنها، لكنه بقي أقرب إلى حممٍ مكبوتة تحت الرماد، متأهبة للانفجار في أي وقت، هي “ناغوري قره باغ” وفق التسمية الأذربيجانية، و”إقليم آرتساخ”، وفق التسمية الأرمنية، وهما التسميتان اللتان عرفت بهما مؤخراً عقب هجوم اتّهم فيه كل طرف الآخر بشنّه، في السابع والعشرين من سبتمبر، لكن يبدو أنّ للكرد في تلك المنطقة رأياً آخر، إذ يصرّون على أنّها لا هذه ولا تلك، بل “كُردستان الحمراء”.
ما هي “كُردستان الحمراء”؟
من المعروف والمتداول أنّ التواجد الرئيس للكُرد في الشرق الأوسط يتركز بين أربعة دول هي: (تركيا، إيران، العراق، وسوريا)، ولكل دولة من هذه الدول “كُردستانها” التي بقيت حلماً، باستثناء الوضع في العراق، ولربما لم يسمع غالبية سكان المنطقة بمصطلح “كردستان الحمراء” من قبل، وهي وفقاً للراوية التاريخية التي تختلف الرؤى حولها، كانت جمهورية ذاتية الحكم تابعة لحكومة أذربيجان، (وتقع من الناحية الجغرافية بين مرتفعات قره باغ شرقاً، والحدود الأرمنية غرباً).
تأسست تلك الجمهورية في بداية عهد لينين، في 7 تموز/ يوليو من عام 1923، بيد أنّها انتهت بشكل تراجيدي في الثامن من نيسان/ أبريل عام 1929، وكانت عاصمتها لاجين، وتضم مدينتي كلباجار وقوبادلي، اللتين تعتبران ضمن إقليم “ناكورنو قراباغ”، المُسيطر عليه من قبل الأرمن منذ العام 1992، وتشير المصادر التاريخية أنّ الكُرد كانوا يشكلون في تلك المنطقة حوالي 72 % من سكانها، أي قرابة 37120 نسمة.
في العام 1988، ومع صعود النزعات القومية في الاتحاد السوفيتي المتهالك، دعا المجلس التشريعي في “قره باغ” لنقل الإقليم إلى أرمينيا، لكن سلطات أذربيجان رفضت ذلك، فبدأ التوتر في المنطقة يتفاقم، إلى أن اندلعت اشتباكات بين الأرمن والأذربيجانيين، تخللها مظاهر قتل وتدمير وتهجير، ووقع الإقليم تحت إدارة سكان منحدرين من أصل أرميني، الذين أعلنوا استقلاله خلال صراع بدأ مع انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991.
وردّاً على ذلك الإعلان، أرسلت باكو قواتها إلى الإقليم المتمرد، لكن النجاح لم يكن حليفها، وفقدت أذربيجان السيطرة على “قره باغ” و7 مناطق متاخمة له (تشكل كُردستان الحمراء)، قبل أن توقع أرمينيا وأذربيجان و”قره باغ” على بروتوكول وقف إطلاق النار في مايو 1994، رغم بقاء أذربيجان على موقفها المطالب بإعادة كل “الأراضي المحتلة” دون أي شرط، والإصرار على عودة الأذريين النازحين من “قره باغ” و”المناطق المحتلة” المتاخمة له، والذين يقدّر عددهم بنحو 600 ألف شخص، إلى مناطقهم الأصلية.
لمن هي هذه الأرض؟
وحول الموقف الكردي من هذا الصراع الممتد على أكثر من ثلاثة عقود، قالت “كوهر ممو” الناشطة الكُردية المُنحدرة من أرمينيا، وهي مديرة سابقة ل”الجمعية الدولية للكُرد السوفيت”، إنّ الصراع الحدودي “يتكرر في آرتساخ”، متابعةً ل ليفانت نيوز: “اليوم سمعت أنّ الرئيس الأذربيجاني، إلهام علييف، قال إنّه كان هناك معاهدة لتبادل مناطق تشكل “كردستان الحمراء”، لكنه ذكر أسماء البلدات التي تتشكل منها، مع بلدات أخرى في الجانب الأذربيجاني، لكن المعاهدة لم تنجح بسبب انسحاب أرمينيا منه”.
وتردف ل ليفانت نيوز: “يقول الأذريون إنّ هذه الأرض رسمياً تابعة لنا، وينبغي أن يعود أهلها إليها، وأن يخرج الأرمن من هناك، وتركيا تساندهم في هذا المطلب، وهم يقولون بشكل رسمي إنّهم دولتان، لكن شعب واحد (في إشارة إلى تركيا وأذربيجان)، حيث إنّهم يتقاسمون اللغة والكثير من المشتركات، وقد سمعنا بأنّ الأتراك قد بعثوا الإرهابيين من عفرين إلى أذربيجان”، (في إشارة إلى مسلحي مليشيات “الجيش الوطني السوري” الذين يقاتلون كمرتزقة).
وتنوّه أنّه “بالنسبة لنا الكُرد، وانا كُردية مُنحدرة من أرمينيا، فإنّ ما يفطر له قلبي بأنّ هذه الحرب لا علاقة لنا بها، ولا علاقة للكُرد بها، لكنه يتم إقحام الكُرد في أرمينيا والكُرد في أذربيجان في هذا الصراع، ليتحول إلى اقتتال أخوي (بين الكُرد على جانبي الحدود)، رغم أنّه لا شأن لنا في صراعهم ذاك، فتلك الحرب تخصّ تلك الدولتين، والدولتان لم تساندا الكُرد في أي وقت مضى”، مشيرة في الوقت عينه بأنّه “لم يبقَ كُرد في إقليم آرتساخ المتنازع عليه، فقد فرّ غالبيتهم باتجاه أذربيجان لدى شنّ أرمينيا هجوماً، وقد توزّع أحفادهم في روسيا وقرغيزستان وأوروبا وغيرها”.
أرمينيا هجّرت الكُرد نحو أذربيجان
وتتهم ممو أرمينيا بتهجير الكُرد من “كردستان الحمراء”، داعية أرمينيا إلى منح الكُرد حقهم بالعودة إلى المناطق التي جرى تهجيرهم منها، قائلةً: “إن كانت أرمينيا تريد السيطرة على آرتساخ، يتوجب عليها إعادة الكُرد بشكل ما إلى أرضهم، لكن قناعتي منخفضة باحتمالات إعادة أرمينيا للكُرد إلى كردستان الحمراء، وعليه تطالب بأن يبقى الكُرد على الحياد من الصراع”.
وتشير ممو، أنّ “غالبية أراضي آرتساخ تعتبر جزءاً من كردستان الحمراء، وقد جرى تهجير الكرد منها في العام 1988″، وتقول إنّ “عربات عسكرية أرمنية كبيرة جاءت إلى القرى الكردية هناك، حيث جرى إخراج الكُرد والأذريين منها، وقد برّر الأرمن إخراج الكُرد من تلك البلدات التابعة ل”آرتساخ” باعتبار أنّهم مسلمون ك”الأذريين”، وقد أضحى الإسلام مبرراً لإخراج الكُرد، رغم أنّ الكُرد لم يكن لهم يد بذلك الصراع”.
وتلفت إلى أنّه في عهد غورباتشوف، وافق الروس على تكوين “كُردستان الحمراء”، لكن أرمينيا كانت سبباً في إفشال إقامة ذلك الكيان، عبر شنّ الحرب على “قره باغ” مع أذربيجان، إذ تقع (المناطق الكُردية التي يقصد بها من مسمى “كردستان الحمراء” في المنتصف بين مرتفعات قره باغ من الشرق والحدود الأرمنية من الغرب)، وهي تقع رسمياً داخل الأراضي الأذربيجانية (لكن إقليم آرتساخ المعلن للحكم الذاتي من طرف واحد يستولي عملياً عليها في الوقت الراهن).
وتنوّه: “اليوم لا أرمينيا ولا أذربيجان تقولان بأنّ هذه الأرض هي كردستان الحمراء، والطرفان يقولان إنّ هذه الأرض لهم، وبما أنّ الطرفان لا يعترفان ب”كردستان الحمراء”، فإن الأفضل لنا ككرد هو البقاء على الحياد من ذلك الصراع”.
النصر لمن يعيدنا إلى أرضنا
وتسرد ممو ل”ليفانت نيوز” قصة سيدة كُردية هُجرت من “كردستان الحمراء”، والتقت بها في أرمينيا، فقالت على لسان تلك السيدة: “قال لنا الأرمن إنّه علينا الهرب وإخلاء قرانا، لأنّ الأذريين قادمون نحونا، وذكرت أنّ الكُرد صدقوا الأرمن وأخلوا أراضيهم وقراهم، ثم لم يسمح لهم الأرمن بالعودة مجدداً”، وتضيف على لسان السيدة: “قال لنا الأرمن إنّ تلك مشكلتنا وعلينا حلّها بأنفسنا (مع منعهم من العودة)، لكن بعض العائلات الكُردية التي لم تغادر قراها رغم التحذيرات الأرمنية من الهجوم الأذربيجاني المزعوم (خلال الحرب الممتدة من العام 1988 إلى العام 1994)، أكدوا أنّ الأذربيجانيين لم يأتوا، وإنما قد جاء الأرمن، واستولوا على أراضي المُهجرين الكُرد”.
وتظن ممو أنّ “انتصار أذربيجان على أرمينيا قد يتيح عودة الكُرد الذين هجروا نحو أذربيجان إلى أرضهم، رابطةً ذلك بتعهدات الحكومة الأذربيجانية التي تقول إنّها تهدف من الهجوم، إعادة سكان المنطقة الأصليين إليها، وهم وفق ممو في غالبيتهم من الكُرد، لكنها لا تخفي خشيتها من امتناع أذربيجان عن إعادة الكُرد، وعليه فهي تعتبر ذلك “فرصة صغيرة”، قد تضمن عودة الكُرد إلى قراهم لو نفذت باكو تعهداتها.
إعداد وتحرير: أحمد قطمة[1]