كتاب الحديقة الناصرية في تاريخ وجغرافيا كردستان
الباحث محمد رؤوف توكلي
الترجمة عن الفارسية: جان دوست
الذي أعلمه أنه لايوجد سوى عدد قليل من الكتب المهتمة بجغرافيا وتاريخ كردستان المرتبط بالقرون السالفة. وربما كان عددها يقل عن عدد أصابع المرء.
أما أول أثر قيِّم بقي إلى الآن عن تاريخ كردستان [ الأصح تاريخ الأكراد … المترجم] فهو كتاب (شرفنامه) الذي انتهى من تأليفه سنة 1005ه 1596 م الأمير شرفخان بدليسي(1). ونستطيع تسمية هذا الكتاب ب (الهوية الكردية) لأهميته القصوى. ويأتي ذكر الأكراد في طيات الكتب التاريخية والجغرافية المتعلقة بالشعوب الأخرى ولكن ذلك يترافق دائماً بالاعتماد على الأساطير والكتابات المغرضة.
فالمؤرخ العربي المسعودي(2) مثلاً حينما يتصدى لبيان أصل الأكراد يقول: [ وأما أجناس الأكراد وأنواعهم فقد تنازع الناس في بدئهم، فمنهم من رأى أنهم من ربيعة بن نزار بن معد، انفردوا في قديم الزمان وانضافوا إلى الجبال والأودية، دعتهم إلى ذلك الأنفة، وجاوروا من هناك من الأمم الساكنة المدن والعمائر من الأعاجم والفرس، فمالوا عن لسانهم وصارت لغتهم أعجمية، ولكل نوع من الأكراد لغة لهم بالكردية. ومن الناس من رأى أنهم من مضر بن نزار، وأنهم من ولد كرد بن مرد بن صعصعة بن هوازن، وأنهم انفردوا في قديم الزمان لوقائع ودماء كانت بينهم وبين غسان، ومنهم من رأى أنهم من ربيعة ومضر وقد اعتصموا بالجبال طلباً للمياه والرعي فحالوا عن اللغة العربية لما جاورهم من الأمم. ومن الناس من ألحقهم بإماء سليمان بن داود عليهما السلام حين سُلِب ملكه ووقع على إمائه [جواريه] المنافقات الشيطان المعروف بالجسد، وعصم الله منه المؤمنات أن يقع عليهن، فعلق منه المنافقات. [أي حملن منه]. فلما رد الله على سليمان ملكه ووضع تلك الإماء الحوامل من الشيطان قال [سليمان]: أكردوهن إلى الجبال والأودية [من كرد العدوَّ إذا طرده، والمكاردة هي المطاردة والمدافعة] فربتهم أمهاتهم وتناكحوا وتناسلوا فذلك بدء نسب الأكراد. ومن الناس من رأى أن الضَّحاك ذا الأفواه خرجت بكتفيه حيتان فكانتا لاتتغذيان إلا بأدمغة الناس. فأفنى خلقاً كثيراً من فارس. واجتمعت إلى حربه جماعة كثيرة وافاه أفريدون بهم، وقد شالوا راية من الجلود تسميها الفرس درفش كاوان، فأخذ أفريدون الضحاك وقيده في جبل دنباوند، وقد كان وزير الضحاك في كل يوم يذبح كبشاً ورجلاً ويخلط أدمغتهما، ويطعم تينك الحيتين اللتين كانتا في كتفي الضحاك ويطرد من تخلص إلى الجبال، فتوحشوا وتناسلوا في تلك الجبال فهم بدء الأكراد] *
مايلفت النظر هنا أن المسعودي يعتبر الأكراد حيناً من العرب، ومرة من نسل الشيطان، وتارة من الناجين من جور الضحاك وبطشه. كما تقول جماعة من المؤرخين العرب: (الأكراد طائفة من الجن كشف الله عنهم الغطاء). أما الخواجه سعد الدين ابن حسين مؤدب السلطان العثماني مراد خان وصاحب كتاب تاج التواريخ باللغة التركية فإنه لاينأى كثيراً عن قافلة المؤرخين العرب في تشويه اسم الأكراد وأصلهم(3) . فقد نقل عنه الأمير شرفخان مايلي: ( إنه لما ذاع صيت النبوة المحمدية في الآفاق، ودوّى صدى الدعوة الإسلامية في أرجاء العالم، واهتمت ملوك البلاد وسلاطين الممالك والأقاليم بهذه الظاهرة الجديدة، ورغبت في أن تتشرف بالخضوع إلى هذا السيد الكريم، وتقدم له الطاعة بكل إخلاص وحماس، أرسل (أوغوزخان) الذي كان من عظماء ملوك تركستان. وفداً إلى فخر المرسلين وسيد الكونين والثقلين عليه السلام، وكان على رأس الوفد شخص يدعى (بغدوز) كريه المنظر، قبيح الصورة، أسود الجلد. فلما وقع نظر النبي عليه الصلاة والسلام على هذا المبعوث انزعج ونفر منه نفوراً شديداً. وعندما سأله الناس عن قبيلته وعشيرته قال: أنا من الأكراد. فعندئذ دعا عليه النبي قائلاً: لا وفق الله تعالى هذه الطائفة إلى الوفاق والاتحاد. وإلا فإن العالم يهلك على أيديهم ) *.
الذي نلاحظه في الروايات السابقة أنها لاتملك أي قيمة تاريخية، وبإمعان الفكر قليلاً يدرك المرء زيفها. وخاصة الرواية الأخيرة للمؤرخ التركي الذي يدعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا على الأكراد جميعاً بعدم الوحدة بسبب نفوره من منظر مبعوث أوغوز خان، في حين أن إحدى خصال الإسلام هي محاربة التمييز العنصري. والتقوى وحدها تقرب العبد إلى الله وليس حسن الصورة وجمال الهيئة. وإلا فكيف نال بلال الحبشي الأسود تلك الحظوة عند رسول الله؟.
لقد ركز الأنبياء جميعاً على أفعال الإنسان دون النظر إلى أشكالهم. وكانوا يدعون الله دائماً أن يصلح أحوال عباده ويهديهم. إن الكذب على رسول الله ليس شيئاً مستحدثاً لأن خصوم الإسلام اختلقوا روايات كاذبة وأكثروا من الإسرائيليات وادعوا أنها أحاديث نبوية. ولحسن الحظ فقد نهض المحدثون المسلمون وبينوا زيف تلك المرويات.
لقد راجت الوقائع المزيفة عن الأكراد في مختلف أدوار التاريخ. والمؤرخون غير الكرد تحدثوا بشح عن الخدمات التي أسداها الأكراد إلى الإسلام والثقافة العالمية. ولم يريدوا أن يكتبوا أن أبناء الأثير والدينوري والشهرزوري والسهروردي وابن الحاجب وابن خلكان وأخيراً الشيخ محمد عبده ومحمد كرد علي والمفتي الزهاوي وغيرهم قدموا خدمات عظيمة للتاريخ والمعارف الإسلامية والعالمية(4).
كيف يدعو رسول الله على قوم أنجب صلاح الدين الأيوبي الذي دحر الصليبيين وقضى على فسادهم بحسن تدبيره وسياسته وجعل العالم الإسلامي رهن مروءته وتضحياته؟
لحسن الحظ أيضاً فقد ظهر في القرن العاشر الهجري الأمير شرفخان البدليسي وأخيراً برز كل من المؤرخين الأكراد محمد أمين زكي وحسين حزني مكرياني والشيخ محمد مردوخ ورشيد ياسمي وتوفيق وهبي ورفيق حلمي وعلاء الدين سجادي وجمال نه به ز وعز الدين مصطفى رسول والملا جميل بندي روزبياني وكليم الله توحدي. بالإضافة إلى جمهرة من المستشرقين.
وظهرت حقائق في كهف (كرفتو) و (زيويه) في أطراف مدينة سقز وهكذا خرجت كردستان من إطار الأسطورة واتضح بطلان الفرضيات التي لم تكن ذات معرفة كافية أو لم تكن مطروحة بحياد تام. وصار من المؤكد أن الأكراد آريون من سلالة الميديين الذين ظهروا في كردستان قبل آلاف السنين*.
مواصفات الكتاب :
قمت بمقابلة نسختين من هذا الكتاب، حيث تبين أن النسختين مكتوبتان بيد المؤلف نفسه. النسخة الأولى تحمل الرقم 6184 وهي مسجلة في المكتبة الوطنية (مكتبة ملك) طهران. غلافها من جلد الغنم المدبوغ. الورق افرنجي قياس الصفحات 13×21. الخط نستعليق [نوع من الخطوط التي ابتكرها الفرس للكتابة العربية وهو عبارة عن دمج خط النسخ مع التعليق] تحوي كل صفحة على خمسة عشر سطراً. ويقع الفهرس في عشر صفحات ومتن الكتاب في 298 صفحة. بعد عرض الفهرس يبدأ الكتاب بهذه العبارة : بسم الله الرحمن الرحيم.. حمداً لاينتهي. يليق بالله الذي خلق بقدرته سبع سموات طباقاً ومن الأرض مثلهن. وأجرى في الأرض أنهاراً صافية. وأحيا الصحارى بماء المزن… ” وأنهى المؤلف الكتاب بهذه العبارة : ( وآمل أن يكون عمل هذا الحقير مقبولاً لدى العلماء غير مردود. والحمد لله على إتمامه في شهر رجب 1309).
النسخة الثانية مسجلة في المكتبة الوطنية بطهران تحت الرقم 625 غلافها من جلد الماعز. قياس الصفحات 14×21. الورق افرنجي. عدد الأوراق 161. كل صفحة تضم خمسة عشر سطراً كاملاً. الخط نستعليق. ويعود تاريخ كتابة هذه النسخة أيضاً إلى العام 1309 ه. عبارة الابتداء في هذه النسخة مطابقة لنظيرتها في النسخة الأخرى. ولكن النهاية تكون هكذا : (… إذا أمهلني الأجل في مابقي من عمري وعشت في مأمن من الموت.. فإنني سأكتب عن الحوادث اللاحقة في كتاب خاص إن شاء الله تعالى وإلا فرجائي من أبناء وطني الغيورين أن يسجلوا الحوادث اللاحقة لحوادث هذا الكتاب مرتبة. فالغيور هو ذلك الشخص الذي لايدع اسم وطنه عرضة للاندثار والفناء على يد الفلك الأعوج وتحت براثن الزمان).
وفي النهاية أضاف المؤلف فصلاً إلى الكتاب سماه الملحقات يبدأ بهذه العبارة (ذكرت هنا بعض الطوائف المعتبرة في مدينة سنندج. وبشكل مختصر شرحت حال بعض رجالها. حتى يكون ذلك تذكاراً للأجيال القادمة).
وبعد أن يعدد الطوائف المشهورة في سنندج ويعرف بالأشخاص المعروفين ينهي الملحقات بهذه العبارة: (وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين والحمد لله رب العالمين).
مصادر المؤلف :
استفاد المؤلف من عدة مصادر أهمها (الشرفنامه) للأمير شرفخان البدليسي وكذلك (مرآة البلدان الناصرية) من تأليف محمد حسن خان.. كما أنه استفاد من كتاب (زبدة التواريخ) الذي توجد نسخة منه في المكتبة المركزية لجامعة كمبريج – بريطانيا .. مسجلة تحت الرقم 5769. وأيضاً فقد استفاد من كتاب (لب التواريخ) تأليف خسرو بن محمد بن منوجهر الأردلاني (وقد طبع هذا الكتاب سنة 1977). كما استفاد المؤلف من كتاب (تاريخ أردلان) من تأليف مستورة كردستاني [وهي الشاعرة الكبيرة والمؤرخة الشهيرة وابنة عم المؤلف علي أكبر].
نبذة عن المؤلف علي أكبر :
كما قال المؤلف نفسه في المقدمة فهو علي أكبر وقايع نكار كردستاني [وقائع نكار لقب يعني المؤرخ ومدوّن الحوادث] وهو ابن الميرزا عبدالله منشي باشي من الطائفة القادرية في سنندج وابن عم ماه شرف خانم (مستوره) الشاعرة ومؤلفة كتاب (تاريخ أردلان).
وقد كان أيام حكومة أردلان و ولاة كردستان يعمل مستشاراً ومأموراً في الإحصاء وجباية الأموال بالإضافة إلى عمله كاتباً ومدوناً للحوادث. وحسب قوله فإن كتابه الذي بين أيدينا هو خلاصة لكتاب آخر اسمه (تاريخ الأكراد) وقد سماه بالحديقة الناصرية نسبة إلى الشاه القاجاري ناصر الدين.
ومع أنه في هذا الكتاب قد أكثر من الثناء على الشاه ناصر الدين ومدح أمراء كردستان. فقد أظهر بين الحين والآخر نقاط ضعفهم وتحدث عن ارتكاب بعض الحكام للفظائع ناقداً إياهم ومعاتباً وقائلاً: إنني توخيت الحقيقة وكتبت بحياد تام.
ومن الملاحظ أن المؤلف في تعريفه لبعض الطوائف الكردستانية جانب الحياد وقام بالتجني على تلك الطوائف. كما نلاحظ أنه يقف إلى جانب الحكام حين يكتب عن الخلافات التي نشبت بين العشائر الكردية من جهة وموظفي ملوك إيران وحكامهم المنتدبين من جهة أخرى. ولم يظهر تأييده لأعمال تلك العشائر إلا نادراً. وقد وقع أغلب مؤرخي عهود الاستبداد في هذا المطب ولم يكن مؤلفنا وحيداً في هذه النقيصة. وعلى أي حال فإن هذا الكتاب يعتبر مصدراً قيماً لمن يرغب في الاطلاع على كردستان وماضيها، فقد توخى المؤلف الدقة في المعلومات التي بثها في كتابه كما أنه استطاع أن ينقذ جزءاً هاماً من تاريخ كردستان من خطر النسيان.
وقد اعتمد المرحوم آية الله مردوخ على هذا الكتاب فاقتبس منه معظم معلوماته الجغرافية وما يتعلق بتاريخ أمراء أردلان. وذكر كل ذلك في كتابه (تاريخ مردوخ).
وإنه لمن دواعي الأسف أن هذا الأثر القيّم بقي رهن الغياب عن أنظار الباحثين. لذا فقد بادرت إلى تحقيقه وتصحيحه وطبعه ونشره ورجائي أن تقع هذه الخدمة موقع القبول لدى الباحثين.
والسلام على عباد الله الصالحين.
طهران آذار 1985
محمد رؤوف توكلي
———
. مروج الذهب ومعادن الجوهر تأليف أبي الحسن المسعودي. تح محمد محي الدين عبدالحميد. ج2 مطبعة السعادة – مصر – ط3 1958 ص 122 – 123 . ونقلنا النص من مصدره الأصلي. المترجم.
.نقلت ترجمة هذا المقطع من الشرفنامة . ترجمة محمد علي عوني .. مع قليل من التصرف. بعد مقابلته مع النص الفارسي في الحديقة الناصرية. المترجم.
.بالنسبة للآثار القيمة التي تم العثور عليها في (زيويه) فقد هُرِّبت من قبل الصهاينة وبمساعدة الموظفين العملاء إلى خارج إيران ولم يبق منها سوى القليل في متحف ايران الأثري راجع كتاب (دوران بن خبري ياغارت كنجينه ى زيويه) رشيد كيخسروى… م. توكلي.[1]