الامير الدكتور كاميران علي بدرخان
تنتمي الامير كاميران بنسبه الى امراء (جزيرة بوتان) المشهورين بين الكورد ب(امراء بوتان) وهو حفيد اخر امير لجزيرة بوتان، المعروف ب(الامير بدرخان الازيزي: -(1802-1868) تقلد هذا الامير مقاليد الحكم وراثة عن ابيه وجده وكان عمره انذاك ثمانية عشر ربيعا، وبحلول سنة 1842م كان قد تمكن من انشاء وحدة اقليمية كوردية تحت رايته تشمل: (موصل- وان- رواندوز- دياربكر- اورمية- ومدينة الجزيرة).
وفي سنة 1843 سك النقود باسمه، واعلن استقلاليته شبه التامة عن السلطان العثماني، هذه الاستقلالية اقلقت السلطان ودفعته الى ارسال قوة عسكرية كبيرة لاخضاع الامير بالقوة بعد ان يئس من اخضاعه باللين، وكان له ما اراد، ولكن بعد ثمانية اشهر من المعارك والحصار تم اسر الامير بدرخان ثم نفيه الى استانبول مع عائلته الكبيرة واركان دولته.. ومن استانبول تم نفيه الى جزيرة (كريت) ثم الى دمشق حيث توفى سنة 1868 وتم دفنه في مقبرة الشيخ خالد النقشبندي.
كان الامير بدرخان قد خلف واحدا وعشرين ابنا من الذكور والعدد نفسه من الاناث، ومن هؤلاء الابناء والد الدكتور كاميران (الامير امين عالي: 1851-1926) تحمل الامير امين عالي شأن اخوته، مسؤوليات العائلة البدرخانية بعد وفاة والده الامير بدرخان وسخر حياته لشعبه الكوردي وذلك لتحقيق اهدافه ونيل مطامحه في الحرية والاستقرار.
وفي سنة 1889 ترأس مع اخيه مدحت انتفاضة ترابزون وارزروم الا انها لم تثمر، لذا اضطر الى ان يعمل في منصب مفتش العدلية في كل من استانبول، انقرة، قونيه، سالونيك وعكا، الا انه لم يهدأ له بال وكانت قضية شعبه ماثلة في ذهنه دائما وتتأجج في دمه، لذا شكل في سنة 1908 جمعية (التعالي والترقي الكوردية) مع والده والشيخ عبد القادر النهري والفريق شريف باشا واخرين، ومن بعدها (جمعية التشكيلات الاجتماعية الكوردية).
في سنة 1922، ومع دخول الجيش الكمالي الى مدينة استانبول صدر فرمان بسجن الوطنيين الكورد ونفيهم، ومن ضمنهم العائلة البدرخانية بدعوى خطورتهم على امن الدولة التركية حينها توارى الامير امين عالي وابناؤه الخمسة: ثريا، جلادت، كاميران، توفيق، وصفدر، عن الانظار وبسرعة غادروا الاراضي التركية، ودخلوا سورية – مدينة جرابلس- ومنها سافر مع نجله الكبير ثريا الى القاهرة حيث توفى فيها سنة 1926.
عندما تم ارغام الامير بدرخان وانجاله على الاقامة الجبرية في استانبول تزوج الامير امين عالي ثانية من امرأة جركسية (سنيحة) ورزق منها يوم (1895/8/21) بولد سماه (كاميران) ترعرع كاميران هذا في رغد من العيش والثراء، حيث كان والده رجلا ثريا، ذا جاه وسلطان، وبعيد النظر، واسع الرؤية وشاعرا بالجهل والتخلف اللذين يعاني من وطأتهما شعبه الكوردي، ونتيجة هيامه باللغة الكوردية كان يستقدم المغنين والضليعين باللغة الكوردية من جزيرة بوتان الى داره في استانبول لتعليم ابنائه كما كان يستقدم معلمي اللغات الاجنبية ايضا.
في هذا الجو الاثير انهى كاميران دراسته الابتدائية والثانوية في استانبول ومدن اخرى.
تربى بحب وطنه البعيد (كوردستان) شأنه شأن والده واعمامه واخوته، واراد حمل اعباء شعبه والسير في طريق اجداده، طريق الكفاح والنضال لاجل رفع الظلم عن شعبه المقهور.
في سنة 1918م، كان له موقعه المميز داخل صفوف الحركة الكوردية في استانبول وكان من المنادين باستقلال كوردستان، كما كان يكتب في مجلتي (زين وسربستي) الى جانب الوطنيين الكورد امثال: عبد الرحمن رحمي الهكاري وابراهيم حيدري زاده، ودكتور برخو، وتوفيق سليماني، وحمزة بك المكسي وعمه صالح بدرخان..
في صيف 1919 عشية انعقاد مؤتمر سيفر توجه برفقة اخيه الامير جلادت واكرم جميل باشا وفائق توفيق من السليمانية مع الموفد الانكليزي (الميجر نوئيل) الى كوردستان لمعرفة مطالب الشعب الكوردي، وما اذا كانوا قادرين على تحمل مسؤولياتهم.. وكانت معاهدة (سيفر) ببنودها الثلاثة: 62، 63، 64 الخاصة بكوردستان..
وفي سنة 1922 اضطر الى مغادرة تركيا كما ذكرنا الى سورية (مدينة جرابلس) ومنها توجه مع اخوته (جلادت، توفيق وصفدر) الى المانيا وتوزعوا في مدنها وكان استقرار كاميران في مدينة (لا يبزيج)، وفيها اكمل دراسته العالية في الحقوق وحصل على الدكتوراه وعاد الى منطقة الشرق الاوسط ليعمل على رفع مستوى شعبه ورفع النير عن كاهله، وانضم الى جمعية (خويبون) وعمل بشكل فعال بين اعضائها وذلك في مساعدة انتفاضة (اكري داغ: 1930) الا ان سحق هذه الانتفاضة عام 1930م بقسوة خلق انطباعا مؤسفا لدى الدكتور كاميران وشقيقه الامير جلادت حيث فقدا الامل من جدوى النضال المسلح وذلك نتيجة اسباب عديدة اهمها الجهل والوضع المزري للشعب الكوردي.. و.. و..لذا انصرف مع اخيه الامير جلادت الى نشر المعرفة بين الشعب الكوردي وكانا قد استنتجا بان المعرفة لا يمكن امتلاكها الا عن طريق اللغة القومية.. لهذا سخرا كل جهودهما لنشر الابجدية الكوردية المستقلة (اللاتينية).
وفي سنة 1932 اصدر الامير جلادت مجلة (هوار: النجدة) ومن ثم مجلة (روناهي: النور) وكان الدكتور كاميران من اوائل المساندين لها بكتاباته الغزيرة.
في سنة 1943 استقر الدكتور كاميران في بيروت واصدر فيها صحيفتين بالكوردية والفرنسية وهما (روزا نو: اليوم الجديد) اسبوعية، و(استر: النجمة) شهرية وعمل مذيعا في القسم الكوردي باذاعة الشرق في لبنان وفي العام نفسه افتتح اول مدرسة كوردية في بيروت (حي زقاق البلاط) للمهجرين الكورد..
وفي سنة 1947 غادر بيروت نحو باريس حيث عمل استاذا في جامعة (السوربون) قسم اللغات الشرقية، وفيها درس اللغة الكوردية وبعدها تسلم رئاسة القسم وبفضله تخرج العشرات من الاجانب وهم يجيدون اللغة الكوردية.. في اثناء ثورة ايلول المجيدة توطدت علاقاته مع قائد الثورة الكوردية الراحل (مصطفى البارزاني) واصبح ناطقا رسميا باسم الثورة والبارزاني في اوربا.
وفي سنة 1970 زار كوردستان مع زوجته ناتاليا. وفي سنة 1975م توفيت زوجته، وبعدها بثلاث سنوات (1978/12/4) توفي الامير الدكتور كاميران امين عالي بدرخان في باريس، ثم غدا معروفا بانه كان قد تبرع بجسده للكليات الطبية الفرنسية لاجل اجراء التجارب العلمية عليه بعد مماته..
كان الدكتور كاميران بدرخان يجيد ست لغات عالمية حية الى جانب لغته الكوردية وهذه اللغات هي: العربية، التركية، الفارسية، الالمانية، الانكليزية مثل شعبه الكوردي في كثير من الندوات والمؤتمرات الدولية. ويمكن القول بان (المعهد الكوردي في باريس) الذي يشكل ثاني صرح ثقافي اجنبي في باريس بعد (معهد العالم العربي) قد تأسس بفضل الدكتور كاميران وجهوده الشخصية.
كتب الدكتور كاميران العديد من الكتب والدراسات حول شعبه الكوردي ولغته بحيث يربو عدد كتبه عن ثلاثين كتابا. كما انه اول كوردي يترجم القرآن الكريم والكثير من الاحاديث النبوية الشريفة الى اللغة الكوردية، وهو ثاني كوردي بعد الامير جلادت بدرخان يكتب الكوردية بالاحرف اللاتينية.. ومن كتبه المطبوعة والمدونة:[1]
-1الالفباء الكوردية
-2القراءة الكوردية
-3الفبائي.
-4دروس في الشريعة.
-5الامثال الكوردية.
-6قلب ولدي.
-7رباعيات الخيام
-8ثلوج النور
-9نسر كوردستان
-10ملك كوردستان
-11العوامل الحقيقية لسقوط ادرنه.
12-قواعد اللغة الكوردية.
-13القاموس الكوردي الفرنسي.
-14القاموس الفرنسي الكوردي.
واخيرا يمكن القول بان الدكتور كاميران بدرخان، كاخيه الامير جلادت بدرخان كان اسير حبه لابائه واجداده، وكانت قضية شعبه الكوردي ماثلة في ذهنه دائما، وهذا ما جعله شغوفا الى حد الهيام باللغة الكوردية وثقافتها.