هي أصغر قيادية نسوية في سوريا. وثاني زعيمة حزبية في تاريخ سوريا الحديث، بعد مرح البقاعي. ترأست هفرين خلف زعامة حزب سوريا المستقبل سنة 2018، واغتيلتْ على نحو همجي سنة 2019 عن عمر يناهز 34 عاماً.
- مسارها المهني والسياسي:
ولدت هذه القيادية الكردية الشابة سنة 1984 في مدينة ديريك (المالكية) - شمال شرقي سوريا. مُجازة في الهندسة المدنية، جامعة حلب، سنة 2009. وتعد نموذجاً حيوياً لصناعة التغيير المجتمعي في سوريا والمنطقة بمجملها.
كَرّست خلف حياتها القصيرة لإحداث تغيير مجتمعي شامل، وبناء نظام سياسي ديمقراطي؛ قائم على التعددية السياسية والعدالة الجندرية. وفي سبيل ذلك، عملت على تنظيم فعاليات اجتماعية وسياسية في شماليّ سوريا وشرقيّها، حيث كانت تلتقي مختلف الشرائح الاجتماعية والعشائرية ومن مختلف المجموعات الأهلية؛ إثنياً ودينياً. حرصت، عبر منصبها كزعيمة سياسية، على تعزيز القيادة النسوية في تأسيس القرار السياسي والاجتماعي؛ الأمر الذي لاقى قبولاً واسعاً لدى المجتمع عامة. برغم صغر سنّها.
اختيرت هفرين خلف، من بين الشخصيات النسوية، في قائمة «أرشيف الأمل النسوي»، التي أعدّتها رابطة دولية نسوية لحقوق المرأة في التنمية وتحقيق المساواة (AWID)، وذلك تحت عنوان: تكريماً وإحياءً لذكرى نُسوةٍ غيّرن العالم. رحلن، وتركن أرشيفاً حيّاً من الأمل.
وفق هذه المنظمة، فقد اعتُبر مقتلُ هفرين نقطة تحوّل في تاريخ سوريا الحديث. ومن الجدير ذكره أن القائمة التي أعدتها هذه الرابطة تضم أكثر من 450 شخصية نسوية وناشطة حقوقية شجاعة راحلة، من (88) دولة.
رغم الحرب الأهلية السورية، إلا أن مشروعها/ خلف/ السياسي كان متمحوراً حول السلم الأهلي. لذلك، لقّبَها الإعلامُ العالمي ب «صانعة السلام». وكانت تقول باستمرار إنها تتوجه في خطابها إلى المكونات الإثنية والدينية جميعها في سوريا؛ من كُرد وعرب وأرمن ودروز وشركس... إلخ. وظلت تطالب بدولةٍ سوريّة تكون وطناً للجميع، مركِّزةً على أن وحدة الشعب السوري تكمن في ثراء تنوعه.
-عملها:
منذ اندلاع الحراك الشعبي السوري في آذار/مارس سنة 2011، نشطت خلف في السلك السياسي، وعملت في المنظمات المدنية، أيضاً، منذ سنة 2014. أصبحت نائبة لهيئة الطاقة، ثم رئيسة لهيئة الاقتصاد في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.
لاحقاً، تفرغت كلياً للعمل السياسي، وانتخبت لمنصب الأمينة العامة لحزب سوريا المستقبل، بعد تشكيله في 18 آذار/مارس سنة 2018.
-اغتيالها:
اغتيلت على يد إحدى الميليشيات الجهادية التابعة لتركيا، والمعروفة باسم الجيش الوطني السوري، على الطريق الدولي (M4) جنوبيّ تل أبيض؛ خلال الهجوم التركي، في 12 أكتوبر سنة 2019، على شمال شرق سوريا.
- كيف تم اغتيالها، ومن قبل من؟
أظهر تحقيقان استقصائيان أدلة دامغة على ارتكاب فصيل أحرار الشرقية الموالي لتركيا، عمليةَ اغتيالِ السياسية الكردية هفرين خلف. التحقيق الأول أجرته قناة (BBC)، والتحقيق الثاني أجرته قناة (العربية). وقد توصّل التحقيقان إلى نتائج متماثلة، تحدد مكان الاغتيال وتوقيته، والميليشيا التي نفّذته، والفيديوهات التي نشرها أحد المصورين مرافقيّ تلك الميليشيا، واسمه الحارث رباح. فضلاً عن شهادة أحد المشاركين في الاغتيال، وشهادة أهالي القرى القريبة من منطقة الإعدام الجماعي والتمثيل بجثث كل من هفرين وسائقها وعناصر حمايتها.
انطلقت سيارة هفرين، من الحسكة عند قرابة الساعة 5:30 من صباح يوم 12 أكتوبر سنة 2019، على الطريق السريع (M4)، متجهةً إلى مقرّ الحزب في الرقة، مستغرقةً 3 ساعات. وكان ذلك بعد مضيّ ثلاثة أيام فقط على انسحاب القوات الأمريكية من المنطقة.
في صباح ذلك اليوم، ذكر الشهود العيان أنهم شاهدوا قافلة عسكرية، تعبر الحدود السورية، قادمة من تركيا ومتجهة جنوباً باتجاه الطريق السريع (M4).
في صباح اليوم ذاته، نُشر مقطعُ فيديو على تطبيق التواصل الاجتماعي/ تلغرام، عرّف الفصيلُ نفسه باسم أحرار الشرقية، وأخبروا أتباعهم أن هذه هي اللحظات الأولى لوصول مجاهدي أحرار الشرقية إلى الحسكة وإلى طريق منبج السريع.، ثم تلا ذاك الفيديو نشرُ مقاطع فيديو عدة، لإعدامات ميدانية، وتشير جميعها إلى الموقع الجغرافي ذاته للحادثة نقطة تفتيش التروازية.
الوثائق المصورة التي نشرت في التحقيقات الإعلامية، التي نشرتها ميليشيا أحرار الشرقية نفسها، توضح بدقة عملية الاغتيال وكيفية تنفيذها الهمجي. في الفيديو المرفق يمكن رؤية مقاتليهم يحيطون بسيارة هفرين. وهناك جثة على الأرض، يُعتقد أنها لسائقها - فرهاد رمضان. وفي هذا الجزء من الفيديو، نسمع صوتاً نَسْويّاً خافتاً، قادماً من داخل السيارة. بالإضافة إلى أن والدة هفرين أكدت صحة الفيديو، قائلةً عند مشاهدته إنه صوت هفرين؛ يمكنني تمييزه من بين 5000 صوت..
تحدثت جريدة «الشرق الأوسط» إلى الشخص الذي قام بتصوير أحد تلك المقاطع وهو الحارث الرباح. يعمل مصوراً مع فصيل أحرار الشرقية. يقول إن عناصر من فصائل مختلفة هي التي قتلت السياسية هفرين رشّاً بالرصاص. ولكنه، أكد أنهم نصبوا كمائن على الطريق الدولي. وشرعَ الرباحُ في شرح الحادثة قائلاً قام عناصر (الجيش الوطني) بإيقاف السيارات واعتقال من فيها. أما من كان يرفض التوقف بسيارته ويحاول الهروب، فقد كانوا يطلقون الرصاص عليه. وقد تزامن في تلك الأثناء مرورُ السيارةِ التي بداخلها هفرين، ورفضتْ التوقف لائذةً بالفرار؛ فبدأ حينها المقاتلون بإطلاق النار على إطارات السيارة؛ ما أدى إلى انحرافها عن الطريق العام. ويتابع كلامه لم يكن حينها أحد يعلم أن بداخل السيارة امرأةً، وتم إطلاق الرصاص بغزارة على السيارة، لأنهم كانوا متأكدين أن في السيارة المصفَّحةٍ شخصاً مسؤولاً؛ فالمدنيون لا يركبون سيارات مصفَّحة.
وفي تحقيق منفصل لقناة (العربية)، يتحدث أحد المشاركين في عملية الاغتيال، مؤكداً حدوث اغتيال هفرين على الطريق (M4)، وأن فصيل أحرار الشرقية هو الذي نفذ العملية، بمشاركة مجموعة من فصائل أخرى، منضوية تحت ما يسمى الجيش الوطني السوري.
- تقرير الطبيب الشرعي:
كشف تقرير الطب الشرعي أن: هفرين لم تتعرض لإطلاق الرصاص فقط؛ بل يبدو أنه قد تم سَحْلُها من شعرها، ما أدى إلى اقتلاعه مع الجلدة - من قفا رأسها. وضُربَ كلٌّ من رأسها وساقها اليسرى بجسم صلب، وتعرض جسدها للكسور في مناطق مختلفة. وحُطِّمَ فكُّها السفليّ، كما قد ثُقِبَ العظمُ الصدغي للجمجمة.
-أسباب تصفية هفرين خلف:
- عارضت هفرين التدخل التركي في الشأن السوري، وعدّته من عوامل تفكيك الشعب السوري، وتحويله إلى مجموعات أهلية متحاربة. كذلك، انتقدت مراراً قيام تركيا بتوظيف الميلشيات السورية الجهادية لضرب مجموعات سوريّة أخرى. وكانت تشير باستمرار إلى ما حدث في مدينة عفرين الكردية، التي احتلتها تركيا سنة 2018.
وقد عملت هفرين على تأسيس جبهة قانونية ودولية، ضد الانتهاكات التي ترتكبها تركيا وفصائلها السورية المسلّحة بحق الأكراد في سوريا. وتأكيداً لما ذكر - أثناء الهجوم التركي على الشمال الشرقي السوري - قولها عمل إجرامي ومخالف للقوانين الدولية. ولن نقبل بأي نوع من أنواع الاحتلال، في مقابلة لها مع قناة (جين نيوز).
كما ذكرت والدة خلف، في مقابلة لها مع وكالة نورث برس، أن المخابرات التركية كانت تهدد ابنتها بالقتل منذ سبعة أشهر، قبيل اغتيالها.[1]
ردود الفعل:
1- لجنة التحقيق الدولية المستقلة حول سوريا، في تقريرها أيلول/ سبتمبر سنة 2020، طالبت تركيا بفتح تحقيق مستقل بشأن جريمة اغتيال هفرين خلف، وذلك بعدما تأكدت من صحة الفيديوهات والتحقيقات التي أجرتها لجنة التحقيق على الأرض السورية. وذكرت في تقريرها أن القوات الموالية لتركيا والمنضوية تحت الجيش الوطني السوري هي التي قامت بعملية الاغتيال.
2- جريمة حرب صارخة. هكذا وصفتها منظمة العفو الدولية، في تقريرٍ لها حول عملية اغتيال خلف. وطالبت بإجراء تحقيق مستقل في جريمة إعدام هفرين، وآخرين، على أيدي أحرار الشرقية، وتقديم الجناة إلى العدالة. وحمّلتْ العفو الدولية، في تقريرها، الدولةَ التركيةَ مسؤوليةَ ذلك.
3- لاحقاً، صدر بيان عن فصيلة أحرار الشرقية التابعة للجيش الوطني السوري، والمنفّذة الرسمية لجريمة الاغتيال بحسب جميع الأدلة الواردة، لقناة (BBC)، قالوا فيه إن المجموعة التي كانت في نقطة التفتيش على الطريق السريع، في ذلك اليوم، تصرفوا من غير إذنٍ، وإن أولئك الذين انتهكوا أوامر القيادة قد أُرسِلوا للمحاكمة. مع أن الفصيلة قد أنكرت، قبل ظهور نتائج التحقيقات المتعددة، قيامها بعملية الاغتيال!
تحقيق العدالة:
1- شكل الأكراد لجنة تحقيق خاصة، لجمع الأدلة في قضية اغتيال خلف، وتقديمها إلى محكمة حقوق الإنسان الأوربية، وأيضاً تعمل على تحريك الرأي العام الدولي من أجل تحقيق العدالة.
2- قدّمت والدة خلف شهادتها على عملية الاغتيال، في البرلمان الأوربي. كما تعمل مع منظمات حقوقية دولية، من أجل مواجهة الجهات المسؤولة عن قضية اغتيال ابنتها.