ولد سليمان الحلبي عام1777 في قرية كُوكَانْ فوقاني ” الجَزْرُونِيَّة ” ( التابعة لمنطقة عفرين في الشمال الغربي من مدينة حلب ) من أبٍ مسلم متدين اسمُهُ : محمد أمين ” عائلة أُوْسْ قُوبَار ” Os Qopar من عائلة ( عثمان قوبارو ) .
وشجرة عائلة سليمان الحلبي ” عائلة أوْسْ قوبار ” :
أفراد عائلة أوس قوبار ثمانية ، وأحفاد الثمانية الباقون على قيد الحياة حتى اليوم في قرية كوكان ، هم :
محمد أمين أوس قوبار : والد الشهيد سليمان محمد أمين أوس قوبار ( الحلبي ) .
حمو أوس قوبار : ومن أحفاده مختار قرية كوكان الحالي ، المدعو : محمد بن مصطفى بن حنان بن حمو أوس قوبار.
عبدو أوس قوبار : حفيده : حنيف بن خليل بن عبدو أوس قوبار موجود في القرية .
مراد أوس قوبار : حفيده : محمد بن مصطفى بن مراد أوس قوبار .. في القرية .
مصطفى أوس قوبار : حفيده : وحيد بن عبدو بن مصطفى أوس قوبار.. في القرية .
حسين أوس قوبار : حفيده : حسين بن خليل بن حسين أوس قوبار .. في القرية .
حسن أوس قوبار : حفيده : رشيد بن مجيد بن حسن أوس قوبار .. في القرية .
علي أوس قوبار : !..
طبعاً أقرباء البطل في القرية ( كوكان / عفرين ) يفتخرون بالشهيد البطل سليمان محمد أمين أوس قوبار الذي وهب نفسه لتحرير الأرض من الغزاة و هم بنفس الحماس والمحبة التي كانت في نفس الشهيد البطل من حب الوطن والدفاع عنه .
عمل والده في مهنة بيع السمن وزيت الزيتون إلى أنْ بلغ العشرين من عمره ؛ أرسله أبوه عام 1797 بَرّاً إلى القاهرة ليتلقي العلوم الإسلامية في جامعة الأزهر ، فاستقرَّ في ” رُوَاق الشُّوَام ” المخصص للسكن الداخلي لطلبة الأزهر من أبناء بلاد الشام حيث التعلم والمبيت مع أقرانه الشوام
توطّدت صلته بالشيخ أحمد الشرقاوي أحد أساتذته الشيوخ ، حتى كان يبيت أحياناً في منزل هذا الشيخ .. الذي رفض الاستسلام للغزوة الفرنسية .. مساهماً في إشعال فتيل ثورة القاهرة الأولى يوم 21 أكتوبر ( تشرين الأول ) 1798 . وكان سليمان الحلبي بجانب أستاذه الشيخ الشرقاوي عند اقتحام جيش نابليون أرض الجيزة ، ثم أرض ( المحروسة القاهرة ).
وراح الغزاة الفرنسيون يذيقون الشعب المصري الويلات /كما يذكر الجبرتي .. في الوقت الذي كان فيه ( إبراهيم بك ) يحرض المصريين على الثورة ضد الغزاة (الكفرة) من مكانه في غزة ، و( مراد بك ) يحض الشعب المصري على المقاومة في صعيد مصر ..
الأمر الذي دفع بونابرت إلى الخداع .. بإرسال رسالة إلى شريف مكة غالب بن مسعود ، وإلى توجيه بيان آخر إلى مشايخ وأعيان ( المحروسة القاهرة ) .. يبشرهم / كما يزعم / بأنه قد هدم الكنائس في أوروبا ، وأنه خَلَعَ بابا روما قبل قدومه إلى مصر .. وأنه عاشقٌ للنبي محمد r .. وهو نصيرٌ للدين الإسلامي ..!! ..
فلم ينخدع الشعب المصري بهذه المزاعم .. إلى جانب التنكيل بهم .. لذلك أججوا (ثورة القاهرة الأولى) ضد الغزاة انطلاقاً من منطقة الجامع الأزهر . ورَدَّ عليهم الغزاة بقذائف مدافعهم التي نالت من قدسية ( المسجد الأكبر ) ، ودنسته خيول الغزاة باحتلاله .. وحكموا على ستةٍ من شيوخ الأزهر بالإعدام ” منهم الشيخ الشرقاوي أستاذ سليمان الحلبي ” ، واقتيدوا إلى القلعة ، حيث ضربت أعناقهم .. ثم انتشلت أجسادهم إلى أماكن مجهولة ..
وبعد تمكن الغزاة من إخماد ثورة القاهرة الأولى ، تضاعفت مظالمهم ، ولوحق كل مشبوه باسم الجهاد أو المقاومة الشعبية الوطنية المصرية الإسلامية . فاختفى من اختفى ، وهرب من مصر من هرب . ثم توافرت الظروف لتوحيد ( خطط الجهاد ) داخلياً وخارجياً .
وكان سليمان الحلبي .. ممن غادروا أرض مصر إلى بلاد الشام بعد غياب ثلاث سنوات ، وتوجه إلى مسقط رأسه ( قرية كوكان /عفرين ) ، فليلتقي في حلب ( أحمد آغا / وهو من انكشارية إبراهيم بك ) ، ويُخبَرُ أن والي حلب العثماني قد فرض غرامة كبيرة على والده محمد أمين /بائع السمن والزيت/ ، ووعده ( أحمد آغا ) بالسعي لرفع الغرامة عن أبيه ، وأمره بالتوجه إلى مصر لأداء واجبه الإسلامي الجهادي .. وكلفه بمهمة اغتيال خليفة بونابرت الجنرال كليبر ..
وكان بونابرت قد اجتاح كلاًّ من : خان يونس والعريش وغزة ويافا .. وفشل في اجتياح أسوار عكا .. نتيجة تحالف واليها احمد باشا الجزار مع إبراهيم بك .. الذي غادر غزة إلى القدس ، وجبال نابلس ، والخليل .. يثير روح المقاومة ، إضافة إلى استمرار مساعيه بالتحالف مع الآستانة ، للوقوف في وجه الغزاة داخل مصر . وبعد فشله باقتحام عكا ، عاد نابليون بجيشه إلى مصر مدحوراً من بلاد الشام ، ومنها توجه سراًً إلى فرنسا عن طريق البحر .. ليلة الاثنين 16 أغسطس 1799، تاركاً قيادة جيشه في مصر إلى الجنرال كليبر . وبعد أن وجَّهَ نابليون بيانه الشهير إلى اليهود .. لإقامة دولة إسرائيل الكبرى .. بدءاً من ارض فلسطين ..
تابع سليمان الحلبي مسيره حتى وصل إلى القدس ، وصلى في المسجد الأقصى في مارس (آذار) عام 1800 ، ثم توجه إلى الخليل حيث إبراهيم بك ورجاله في جبال نابلس .
وبعد عشرين يوماً من إقامته في الخليل ، سار في أبريل (نيسان) 1800 إلى غزة في استضافة : ياسين آغا ” أحد أنصار إبراهيم بك ” في الجامع الكبير ، وسلمه سليمان رسالة من أحمد آغا المقيم في حلب .. تتعلق بخطة تكليفه بقتل الجنرال كليبر .. نظراً لكون سليمان عنصراً من عناصر المقاومة الإسلامية .. التي تناضل في سبيل تحرير مصر من الغزاة .
وفي غزة .. سَلَّمَ ياسين آغا 40 قرشا إلى سليمان الحلبي .. لتغطية نفقات سفره برفقة قافلة الجمال التي تحمل الصابون والتبغ إلى مصر ، وليشتري سكينة من محلةٍ في بلدة غزة ( وهي السكينة التي قتل بها سليمان ، الجنرال كليبر ).
استغرقت رحلة القافلة من غزة إلى القاهرة ستة أيام ، وانضم سليمان ثانية إلى مجموعة طلاب الأزهر الشوام المقيمين في ( رواق الشوام ) ، وكان منهم أربعة مقرئي القرآن من فتيان فلسطين أبناء غزة ، هم : محمد و عبد الله و سعيد عبد القادر الغزي ، وأحمد الوالي . وأعلمهم سليمان عزمه على قتل الجنرال كليبر ، وأنه نذر حياته للجهاد الإسلامي في سبيل تحرير مصر من الغزاة .. وربما لم يأخذوا كلامه على محمل الجد .
وفي صباح يوم 15 يونيو 1800 .. كتب الفتى سليمان الحلبي عدداً من الابتهالات الضارعة إلى ربه .. على عدد من الأوراق .. وثبتها في المكان المخصص لمثلها في الجامع الأزهر .. ثم توجه إلى ( بركة الأزبكية ) ؛ حيث يقيم الجنرال كليبر في قصر ( محمد بك الألفي ) ، الذي اغتصبه بونابرت لسكنه .
فرغ كليبر من تناول الغداء في قصر مجاور لسكنه ( ساري عسكر داماس ) ومعه كبير المهندسين الفرنسيين قسطنطين بروتاين .. وكان سليمان قد دخل حديقة القصر ، وتمكن من طعن الجنرال كليبر بسكينته أربع طعنات قاتلة ؛ في الكبد والسُرَّة ، وفي ذراعه اليمنى وخده الأيمن .
وتمكن كذلك من طعن كبير المهندسين قسطنطين بروتاين ست طعنات في أماكن مختلفة من جسمه .. فألقيَ القبض عليه في الحديقة من قبل الفرنسيين : العسكري الخيَّال الطبجي جوزيف برين ، والعسكري الخيال الطبجي روبيرت ، وجرَّداه من سكينته التي جاهد بها ، رجاء الفوز بشرف الجهاد الإسلامي في سبيل حرية مصر وكرامتها من أيدي الطغاة .
أجريت محاكمة الفتى سليمان .. وكانوا قد أحرقوا يده اليمنى خلال التحقيق حتى عظم الرسغ .. ونفى صلته بالشيخ الشرقاوي ، وبحركات المقاومة الشعبية الإسلامية المصرية المختلطة ” المصرية ، العربية الحجازية ، المملوكية ، التركية العثمانية ، الشامية .
لكنه ألمح في مجريات التحقيق إلى أنه بات 34 يوماً قبل إقدامه على تنفيذ ( مهمة القتل ) مع المقرئين الأربعة من أبناء غزة ، وليس فيهم مصري واحد ولا صلة لهم به .. وأنه أسَرَّ إليهم بعزمه على قتل الجنرال كليبر من منطلق جهادي نضالي صرف .. فلم يأخذوا كلامه على محمل الجد .
وبذلك الاعتراف .. أدانتهم المحكمة بالتستر على الجريمة قبل وقوعها .. وكان الحكم بالعقوبات التالية :
حُكِمَ على سليمان الحلبي إعداماً بالخازوق .
وعلى أحمد الوالي و محمد وعبد اللّه الغزي إعداماً بقطع رؤوسهم أمام سليمان الحلبي .. قبل إعدامه بالخازوق . ( أما سعيد عبد القادر الغزي .. فقد كان هارباً ) .
وفي الساعة 11.30 من يوم 28/6/1800 .. نفذ حكم الإعدام بالفلسطينيين الثلاثة أمام سليمان ، وتمَّ حرق أجسادهم حتى التفحم . ثم غُرِزَ وتد الخازوق في مؤخرة سليمان الحلبي فوق تل حصن المجمع “تل العقارب ” . وبقي جثمانه على الخازوق عدة أيام .. تنهشُهُ الطيور الجوارح ، والوحوش الضواري ..
وكان ذلك عقب دفن الجنرال كليبر في موضع قريب من ( قصر العيني ) بالقاهرة .. باحتفال رسمي ضخم .. ثم وضع جثمانه في تابوتٍ من الرصاص ملفوفٍ بالعلم الفرنسي ، وفوق العلم سكين سليمان الحلبي المشتراة من غزة .
خلفه الجنرال جاك مينو الذي كان من قبل ( صاري عسكر مدينة رشيد ) . وكان قد أشهر إسلامه بلعبة سياسية قذرة ، وسمى نفسه ( عبد اللّه مينو ) ، وتزوج من سيدة مطلقة تدعى : زبيدة بنت محمد البواب .. وقد انجب منها ، ورحلت معه إلى فرنسا بعد نجاح الخلافة العثمانية بالتحالف مع بريطانيا في إرغامه على الانسحاب من مصر ومعه كل رجاله .. لينضم إلى مسيرة نابليون بونابرت .. الذي ارتقى إلى منصب قنصل فرنسا ، قبل أن يغدو إمبراطورها الأعظم .. ثم أسيراً في جزيرة البا .. ثم في جزيرة سانت هيلانة .. حيث قضى نحبه مسموماً بسائل الزرنيخ .
وقد حمل الجنرال عبد اللّه جاك مينو معه إلى باريس ، عظام الجنرال كليبر في صندوق ، وعظام سليمان الحلبي في صندوق آخر .
وعند إنشاء متحف ( انفاليد الشهداء ) بالقرب من ( متحف اللوفر ) في باريس ، خصص في إحدى قاعات المتحف إثنان من الرفوف : رف أعلى .. وضعت عليه جمجمة الجنرال كليبر ، وإلى جانبها لوحة صغيرة مكتوب عليها : جمجمة البطل الجنرال كليبر . ورف أدنى تحته .. وضعت عليه جمجمة سليمان الحلبي ، وإلى جانبها لوحة صغيرة مكتوب عليها : جمجمة المجرم سليمان الحلبي . والجمجمتان لا تزالان معروضتين في المتحف
المذكور ( انفاليد ) حتى اليوم ..
هذه هي حكاية سليمان الحلبي بإيجاز .. وهي لا تنفصل عن الأحوال السياسية والدينية والاجتماعية المصرية .. تؤكد بأن سليمان الحلبي كان بطلاً حقيقيا ً، وفتى من شهداء الإسلام والحرية ، وأنه جدير بالتخليد اسماً وكفاحاً وبطولةً .[1]