الكرد في أرشيف الدولة العثمانية – الباب الأول : وثائق عثمانية غير مؤرخة
محسن سيدا ( كانيا عربان )
( نص كردي يعود إلى نهاية القرن الثامن عشر الميلادي)
رسالة الأرواسي في الطب باللغة الكردية
لا يخفى على دارس الادب الكردي الكلاسيكي تلكؤ اللغة الكردية في تطويع النثر وترويضه كرديا ً، في حين لاقت نفس هذه اللغة نجاحا نسبيا في عوالم الشعر وفضاءاته .
بدأت حركة التأليف والتدوين باللغة الكردية في ظل الإمارات الكردية في العهد العثماني ، وأقدم نص وصلنا ، مدون بالكردية ، يعود تاريخه إلى عام 1400 م و هو عبارة عن تراتيل دينية مسيحية مكتوبة بسبع لغات مختلفة من ضمنها الكردية.* وبعد هذا التاريخ بدأت الكتابات الكردية تظهر للوجود في عموم الريف الكردستاني لسد حاجة المدارس الكردية، فكان من الطبيعي ان تمُتَّ بصلة مباشرة إلى الدين الاسلامي وبوابته اللغة العربية. ولو تمعن الدارس في مضامين المؤلفات الكردية لوجد العلاقة الوثيقة بينها وبين المدارس الكردية، فصيغت في معظمها نظماً لسهولة تناولها وتداولها بين طلبة المدارس (فقه)
بقي هذا المشهد سائداً في حركة التاليف باللغة الكردية سواء من ناحية المضمون او من ناحية الشكل ، لكن بعض النصوص الكردية ” تمردت ” على المشهد الثقافي الكردي بتجريبها النثر في الكتابة بدلا من النظم ، وتناولها موضوعات جديدة خارج إطار التعاليم الدينية ، ولا اجانب الصواب اذا قلت تناولت موضوعات ” مدنية” وعلى سبيل المثال لا الحصر مؤلفات ملا محمود البايزيدي .
يتفق معظم الباحثين الكرد على اعتبار علي الترماخي مؤلف كتاب ” الصرف العربي باللغة الكردية ” اول ناثر كردي في الادب المدون باللهجة الكرمانجية ، وجاء بعده ملا يونس الهلقتيني ليضع مؤلفات عدة بالكردية نثراً لتدريس الطلبة الكرد. ومن الكتابات النادرة واللافتة رسالة الارفاسي في الطب باللغة الكردية وهي أول نص باللغة الكردية في الطب ونموذج حي لمعرفة تطور اللغة الكردية بشكل عام والنثر الكردي بشكل خاص .
رسالة الملا الارفاسي في الطب :
مؤلف هذه الرسالة هو محمد الارفاسي **، الجد الأعلى لسادة ” أرواس (أو أرفاس) التابعة لقضاء مكس في شمال كردستان ، ويلقب بالقطب الأرفاسي ، عاش في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر الميلاديين .
صدر كتاب الارفاسي ضمن منشورات جامعة آرتقلو في مدينة ماردين بإشراف البرفيسور قدري يلدرم .2013م .
يذكر الدكتور قدري يلدرم ان اول من تحدث عن كتاب الارفاسي في الطب هو قائمقام ” موتك ” يوسف ضياء الدين باشا المقدسي (1842- 1906م) مؤلف قاموس الهدية الحميدية في اللغة الكردية في معرض حديثه عن بعض علماء الكرد ونتاجاتهم فاشار إلى ، رسالة ملا محمد الارقتيني في علم الطب . و كما هو واضح وجلي فان يوسف ضياء الدين ينسب الكتاب إلى الارقتيني و ليس الارفاسي . ام المرحوم الامير جلادت بدرخان فتناول في العدد 33 من مجلته هاوار في مقالة بعنوان ” كلاسيكياتنا” وباسمه المستعار ” هركول ازيزان” فيقول : ان للملا الارفاسي كتاب يتناول الامراض وعلاجها و تركيب الادوية . ويسم الكتاب باسم ” كتاب الطب للملا الارفاسي “. وذكر المستشرق توماس بوا اسم هذا الكتاب في مقالة له في نشرة الدراسات الكردية عام 1964م و نسب فيها الكتاب الى الارواسي .
في عام 2000م قام الباحث ملا زين الدين الامدي بنشر الكتاب لاول مرة ، ونشر المعهد الكردي في استنبول جزءاً منه تحت عنوان ” أدوية الطب الشعبي ” ونسب الى جالينوس الحكيم اما القسم الثاني من الكراس فنسب الى ملا محمد قطب. واخيرأ نشر الباحث المحقق تحسين ابراهيم دوسكي هذه الرسالة ضمن كتابه “حول الادب المدون باللهجة الكرمانجية” .
جاءت رسالة ” الارفاسي ” لإغناء المكتبه الكردية في مجال النصوص النثرية ورفد المؤلفات الكردية بنص نثري جديد ووضعه امام دارسي اللغة الكردية . يتناول المؤلف في رسالته هذه أنواع الامراض واعراضها وكيفية علاجها وتركيب الادوية من النباتات والحيوانات كما تناول علاقة النجوم والكواكب بالامراض. مستلهماً من كتاب الحكيم اليوناني جالينوس في الطب معظم تجاربه وادويته حتى قيل ان الرسالة ترجمة لكتاب جالينوس. وقد قدم البروفيسور قدري يلدرم دراسة وافية للكتاب تناول فيها حياة المؤلف وعرف بالكتاب واهميته في تاريخ الآداب الكردية. كما ترجم النص الكردي إلى اللغة التركية إتماما للفائدة .
لا تكمن أهمية رسالة الارفاسي في النواحي الادبية واللغوية والعلمية فحسب، بل تسهم وبقوة في خلخلة الصورة النمطية للثقافة الكردية و تدحض المقولة السائدة ان اللغة الكردية لم تنتج ثقافة خارج الموروث الديني .
. أشكر الصديق المترجم احمد حسن على ترجمته النص الفرنسي الى العربية ، نشرة الدراسات الشرقية ، بيروت. توماس بوا.
. انظر ترجمة الارفاسي في كتاب “عقد الجمان ” للباحثين حمدي السلفي و تحسين الدوسكي.
[1]