برادوست ميتاني
تعود أنشودة الألهة نيكال الخورية الكردية إلى 1400 ق.م أي قبل أكثر من 3400 عام، وقد كتبت باللغة الخورية، وحروفها المسمارية على رقيم طوله سبعة إنشات ونصف وعرضه ثلاثة إنشات، وقد اكتشفت في قصر أوغاريت على الساحل السوري، وكانت أوغاريت حينها تابعة للحكم الخوري وسميت النوطة بالبيت الخوري.
الأغنية عبارة عن ترنيمة تمجد الآلهة نيكال، وتعبر عن ألمها وحزنها كونها لا تنجب الأطفال، وتبتهل إلى زوجها إله القمر، لكي يمنحها طفلاً، كما أن بعض المصادر تقول: إن شابة لا تنجب الأطفال هي التي تبتهل إلى الإلهة نيكال لكي تمنحها نعمة الانجاب.
كلمات الأنشودة
“سأرمي تحت قدمي الحق خاتم رصاص، سوف أتطهر وأتغير من الخطيئة، لم تعد الذنوب تغطيها ولا داع أكثر لتغييرها، قلبي مطمئن بعدما أوفيت نذري، سوف تعزني مولاي، ستجعلني عزيزاً على قلبها، فنذري سيغطي ذنوبي وسيحل زيت السمسم تعويضا لدي، من سيادتك سمح لي أنك تجعلني انا العاقر خصيبة، والحبوب تعلو ازدياداً، إنها الزوجة التي ستحمل الأطفال إلى أبيهم، هي التي حتى هذه اللحظة لم تعط أطفالاً تحملهم”.
تم العثور على اللوحة في الخمسينيات من هذا القرن وقد نشرها الآثاري ايمانويل لاروتشي بين عامي 1955-1986م في كتابه عن الآثار.
فك رموز النوطة وانتشار لحنها
تمكنت الدكتورة آن درافكورن كيلمر من جامعة كاليفورنيا الأمريكية عام 1972م من فك رموز النوطة واكتشفت بأنها من الأغاني المشهورة باسم الأغاني الخورية (الحورية).
ثم جدد قراءتها العالم راؤؤل غريغوري فيتالي 1927-2033م حيث قارن أحرفها وقال إنها لا كنعانية ولا فينيقية، لقد تم تطبيق اللحن بواسطة قيثارة وسجلت باسم أصوات من الصمت حيث أن مدة اللحن ثلاث دقائق وقد تم اصدار تسجيلين له: الأول عزفته الفرنسية تيريز مدنلو على البيانو، والثاني عزفه الموسيقي السوري أسعد آغا القلعة على آلة السنتور، وتم تقديمها على المسارح العالمية من قبل الموسيقي السوري مالك جندلي باسم أصداء من أوغاريت.
النوطة واللحن الكردي
لقد اتفق الباحثون على أن اللحن شبيه بمقام الكرد، المعروف في السلم الموسيقي لدى الموسيقي الكردي الكبير زرياب، الذي بحث في الموسيقا وفق خصوصية النمط الموسيقا الكردية، وقد وضع لها السلم الموسيقي ولوجود ألوان عديدة في النغم الموسيقي الكردي، أطلق على العديد من درجات السلم الموسيقي اسم كرد منها حجاز كرد، بيات كرد، محير كرد، آسر كرد، ونهاوند كرد وقد انتشر هذا اللحن الكردي في الدولة العباسية، وفيما بعد في الدولة العثمانية التي كان بلاطها مكتظ بالمغنيين والموسيقيين الكرد، وقد ازدادت شهرة هذا اللحن الكردي بعد أن انطلق من مسقط رأسه في مدينة نهاوند الكردية الواقعة في روجهلات كردستان وقد سمي هذا اللحن باسم كرد لأن الكرد أبدعوه وفق نمطهم الموسيقي الخاص.
هذا اللحن الذي تم به ومازال تلحين مئات بل آلاف من الأغاني الكردية وكذلك الأغاني الاسبانية، التركية، العربية والفارسية، وأن الكردي أو أي عارف للموسيقا الكردية إذا استمع إلى لحن هذه النوطة التاريخية الخورية وبالرغم من مرور أكثر من 3400 عام عليه، يشعر فيه بروح اللحن الكردي الحالي وكأنه يستمع إلى الموسيقا الكردية الرومانسية الحالية.
أهمية هذه النوطة
غيرت هذه النوطة الكردية من تاريخ ظهور اللحن الموسيقي في العالم، إذ سبقت التدوين الموسيقي للعالم فيثاغورث، وقد غيرت من المفهوم القائل: إن أقدم قطعة موسيقية في التاريخ تعود إلى الشاعر الأغريقي يوربيدس.
لقد أثرت هذه النوطة بشكل خاص والموسيقا الخورية بشكل عام على الموسيقا اليونانية، والآرامية والأوغاريتية، وقد أخذوا منها سلمهم الموسيقي، كما أن الخوريين أول من أدخلوا مثل هذه الأناشيد الدينية في المعابد، ومازالت هذه النوطة تستعمل في القداس الكنسي لدى السريان الأرثوذكس.
أما فيما يتعلق بمكانة الكرد، ودورهم في التاريخ، تعطي هذه النوطة زخماً آخر على قدم الدور الحضاري لأجداد الكرد بشكل عام، وتعلقه وحبه للموسيقا بشكل كبير، إذ يتفق معظم الباحثين على أن الموسيقا كانت لها شعبية كبيرة في الدولة الخورية، وهذا ما نشهده نحن الكرد حالياُ كما هو عبر التاريخ من شغف الكرد بالموسيقا، بمختلف ألوانها وتأثر شعوب المنطقة بها واقتباسهم منها.
الخوريون (الحوريون – الهوريون)
في الختام: لا شك أن الخوريين هم من أجداد الكرد، ولقد ظهروا في كردستان عامة منذ أكثر من 3000 ق.م وفي روج آفا وسوريا بشكل خاص، حيث كانت عاصمتهم أوركيش في كري موزان بالقرب من عامودا عام 2500 ق.م -ولكن لامجال هنا للحديث عن ذلك – لهذا سأكتفي فقط بقول الباحث الألماني جرنوت فيلهلم الذي يقول في كتابه الذي يحمل عنوان الحوريون – تاريخهم وحضارتهم: إن أصل اسم الحوري هو خردي. لذا أقول: إن هذا الاسم حافظ على وجوده وبصيغته تلك لأكثر من خمسة ألاف عام مع تغير طفيف في حرف الخاء الذي كثيراً ما يستبدل في اللغة الكردية، وكذلك الآرية بحرف الكاف مثلما هو في اسم ميخائيل وميكائيل وغيره.
المراجع:
“كتاب موطن الشمس – الجزء الأول أ.عبد الله قرمان. جورجيو بوتشيلاني– الموسيقا الخورية. دينيس بارودي – الاوغاريتية في اللغات القديمة في سوريا. مارسيل دوشيسن غيلمين – بشأن إعادة الموسيقا الخورية. فدنك – صفحة ثقافية الكترونية. آنون – أقدم أغنية في التاريخ. ريتشلرد دمبريل – آثار علم الموسيقا. صحيفة روناهي– 25 يوليو 2019م. مارغريت يوني – مدينة أوغاريت. مقالة للأستاذ مهدي كاكائي على صفحته الالكترونية بعنوان الموسيقار الكردستاني العالمي زرياب. BBC NEWS عربي مقالة بعنوان: سوريا قدمت أول أغنية عرفها التاريخ للصحفيتين ليلى مولانا وليزي بورت 18-5-2018 الصفحة الالكترونية”.[1]