جل آغا/ أمل محمد
يمتلك التراث الكردي حصيلة فلكلورية تميزه عن باقي الثقافات، وعلامة فريدة شكلَّ من خلالها بصمة خاصة وإرثاً منوعاً توارثته الأجيال عبر الزمن ونجد في هذا التراث شعائر خاصة للزواج وطقوساً لا يكتمل إلا بها ومن هذه الطقوس ليلة الحناء.
لا يزال الكثير من الأهالي في شمال وشرق سوريا يحتفلون بليلة الحناء (الحنة) وهذا الطقس من العادات الكردية المتأصلة ولا يكتمل الزفاف الكردي التقليدي من دونه فهو خطوة متعارف عليها منذ سنوات عدة حيث يتم وضع الحناء على اليد اليمنى للعريسين بحضور عدد من الأهل والأصدقاء وتردد النساء أغاني من التراث الكردي الشعبي.
جميلة سعد الدين التي تجاوز عمرها 73 عاماً عادت بذاكرتها للوراء حين كانت لا تزال فتاة يافعة تحدثت باستفاضة لصحيفتنا عن ليلة الحنة ومما جاء في حديثها: “حين كنا نسمع بأن هناك ليلة الحنة نُسرع مع ذوينا لبيت العروس حتى من دون دعوى نشارك العروس فرحتها نرقص ونغني”. ووضع “الحناء” على كف العروس دون سواها من مواد ومستحضرات التجميل والزينة، يعود سببه بأن هذه النبتة مباركة ولها فوائد طبية كما يرد في الموروث المحلي، لتبارك هذا الزواج.
ليلة الوداع
وتسمى ليلة الحناء بليلة الوداع عند البعض وهو احتفال بالعروس يوافق اليوم الأخير قبل حفل الزفاف تحضر عائلة وصديقات العروس ويستمر الاحتفال حتى ساعات متأخرة من الليل وسط غناء ورقصات جماعية وزغاريد ودموع على فراق العروس وفي الجهة الأخرى يحتفل العريس كذلك مع عائلته.
روائح لا تزال محفورة في ذاكرتي
وتابعت جميلة حديثها “حين كانت العروس ترقص وتتمايل بثوبها الأحمر كانت النساء يحملن صحن الحناء المزين بالشموع وعيدان البخور المشتعلة وكانت رائحة الحناء تمتزج مع دخان البخور فيعطي مزيجاً رائعاً لا أزال أحتفظ به في مخيلتي”.
كما وكانت النساء يقدمنَ هدايا رمزية للعروس في ليلتها الأخيرة في منزل ذويها فهناك من كان يقدم لها قطعة قماش وأخرى صندوق خشبي ومنهنَّ من كانوا يقدمون لها بعض العطورات المصنوعة بشكل يدوي لتبقى هذه الهدايا مع بساطتها ذكرى جميلة.
الثوب الأحمر والصحن المُزين عنوان ليلة الحنة
كما يتوجب على العروس ارتداء ملابس باللون الأحمر فهكذا جرت العادة قديماً ووضع الحناء في صحن مزين بالشموع والمناديل الملونة والرقص على الأهازيج الشعبية.
ليلة الحناء وموجة العصرنة
اليوم ترى البعض في شمال وشرق سوريا تخلوا عن هذه العادة بسبب الوضع الاقتصادي وغالباً ما يسعى الجيل الجديد إلى تنظيم أعراس تُجاري العصر ولكن تجد هناك كثيرين وخصوصاً من كبار السن متمسكين بهذه العادة ولا يرغبون بالتخلي عنها لحمايتها من الاندثار وللمحافظة على الأصالة الكردية وإبقائها حية، قلت طقوس ليلة الحناء في مناطقنا في نهاية التسعينات من القرن الماضي ولكن اليوم تعود صدى هذه العادة إلى الواجهة مع إقبال كبير ومع حدوث بعض التغيرات البسيطة عليها لتواكب العصر وتدخل عليها بعض التفاصيل التي لم تكن موجودة في السابق و تفقد القليل من بساطتها.
سكان الريف الأكثر تمسكاً بهذا العُرف
كما ونجد أن المناطق الريفية أكثر تمسكاً بهذه العادة عن المدن الكبرى التي لم تتأثر بالعصرنة والتحديث الذي تشهده الأعراس في الآونة الأخيرة حيث أن ليلة الحنة عصية على النسيان في الريف وتعد من التقاليد الرئيسية في الزواج لديهم ولها قدسيتها.[1]