إعداد/ عبد الرحمن محمد
حتى نهاية القرن العشرين، كانت أغلب البيوت الكردية تزدان بعدد من الصور التي تنسج حولها الأساطير أو يكون لتلك الصور دلالاتها الميثولوجيا الدينية والاجتماعية، وكثيراً ما كانت تلك الصور توضع في صدر البيت مع صور الراحلين أو العظماء في تاريخ الأسرة أو في التاريخ الكردي.
وأحيانا أخرى كانت تلك الصور تأتي على شكل لوحات قماشية، أشهرها تلك التي انتشرت في أواخر القرن الماضي وكانت بعرض حوالي المتر وطول ما يقارب المتر ونصف المتر. وكانت تزين جدران الكثير من البيوت والمضافات ومنازل ميسوري الحال.
الكثير من تلك اللوحات كان لها قصص وحكايات، والبعض منها كانت تقتنى لمجرد جماليتها، كتلك التي كانت تحمل مناظر طبيعية لمناطق من كردستان والعالم، ومنها كانت تروي قصصاً شعبية لثقافات غير كردية كتلك التي كانت تحمل قصة الزير سالم أو صورة السيد المسيح.
ومن أشهر اللوحات التي ربما لم يخلُ بيت من البيوت الكردية منها، تلك اللوحة التي أسماها من عرف حقيقتها لوحة “موناليزا الكرد” وهي صورة السيدة “خديجة شكاكي” والتي عرفت في أغلب الأوساط الكردية ب “فاطمة المغربية”، وعرفت كذلك ب “كجا كا فروش “Keça Kafiroş.
إنها الفتاة الكردية خديجة وتنتمي إلى عشيرة شكاك الكردية العريقة، كانت أسرتها تقيم في – كرمنشا – بروجهلات كردستان، ولكن وفي سنة 1921 هاجرت مع أبيها وشقيقها إلى مدينة – كويسنجق – في باشور كردستان، وكان عمرها 14 سنة. وفي كويسنجق فتح والدها متجراً لبيع التبن. فكانت تعرف ب “بنت بائعة التبن Keça Kafiroş ” كانت جميلة جداً وجمالها يخطف القلوب قبل الأبصار. وكانت كل يوم تأتي في وقت الظهيرة إلى دكان والدها تجلب له وجبة الغداء.
وفي إحدى المرات وعندما كانت تأتي بالغداء إلى والدها في الدكان رآها أحد الضباط الإنكليز، وفي تلك المرحلة كانت مناطق باشور كردستان والعراق تحت الانتداب البريطاني، فأعجب بها الضابط وأحبها، وقام الضابط العاشق بالذهاب إلى بيت والدها ومعه جماعة من أعيان وأكابر مدينة كويسنجق، يطلبون يدها وبشكل رسمي. ولكن الوالد رفض تزويج ابنته خديجة للضابط الإنكليزي لأنه أجنبي وغير مسلم. ولكن الضابط الإنكليزي كان قد وقع في حب الفتاة من جهة، وتأثر برفض والد الفتاة له، ورأى ذلك انتقاصاً لقيمته ومكانته، وأصيب بخيبة أمل كبيرة ولكن نيران العشق تشتعل في قلبه.
لم يكن الضابط يفتقد المغامرة والقوة، ولم يفقد الأمل، فقام بخطف البنت من كويسنجق إلى السليمانية عام 1928، ومن السليمانية إلى إنكلترا، وعندما رجع الأب إلى المنزل لم يجد ابنته خديجة، فأصابته نوبة من الجنون وبحث عنها في كل مكان ولكنه لم يجد لها أثراً، وهكذا مرت السنوات وخديجة مفقودة ليس لها أثر.
بقي الوالد المسكين يفتقد ابنته ولا يعلم عنها أي شيء، وفي أواخر الثلاثينات من القرن الماضي، وبينما هو في محله يمارس عمله كالمعتاد، وإذا بجندي إنكليزي دخل إلى دكانه، فاستغرب والد خديجة وسأله ماذا تريد؟ فأخرج من جعبته لوحة وقال: هل تعرف هذه الفتاة التي في اللوحة؟ وكانت اللوحة عبارة عن صورة شخصية مرسومة لابنته خديجة، وهي في زي الأميرات وهيئة الملكات.
فعلم الوالد من الجندي أن ابنته تعيش مع الضابط الإنكليزي كزوجين سعيدين وانهمرت دموع الوالد على صورة ابنته البعيدة.
انتشر خبر الصورة بين الناس وقصد الكثيرون الرجل للتحقق من الخبر ورؤية الصورة التي ذاع خبر وصولها وانتشر خبر جمال الأميرة البعيدة، وما آلت إليه حالها، وبادر العشرات من الناس برسم نماذج نقلاً عنها وانتشرت الصورة عبر البريد المتاح آنذاك وفي الصحف بل وبين المدن والبلدان، حتى لقبها البعض ب”موناليزا الكرد” وباتت صورها تطبع على اللوحات وتزين البيوت والمقتنيات وحتى البطانيات والستائر.
كالكثير من الموروث الكردي والتراث الثقافي والفكري حُرف موضوع الصورة وحقيقة صاحبتها ونسبها الكثيرون لأنفسهم وسميت جزافاً ب”فاطمة المغربية” وأحياناً ب”البدوية” وتارة ب”التركمانية” وغير تلك التأويلات، ونسبت لقوميات وثقافات أخرى، وهي الكردية في أصلها ونشأتها.[1]