إعداد/ عبد الرحمن محمد
لمع اسم المرأة الكردية “حفصة خان النقيب” في نهاية القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين كأكثر الكرديات تأثيراً في الحياة الاجتماعية في محيطها لما تحلت به من روح نضالية وقلب حنون وسعة صدر وحكمة وعلم وأدب.
حفصة النقيب تنحدر من عائلة الحفيد الكردية المعروفة بصيتها وعلوّ شأنها في كردستان، ولدت حفصة عام 1881 في السليمانية بباشور كردستان، وهي ابنة الشيخ معروف النقيب حفيد أحد أبرز الشخصيات الوطنية والاجتماعية في عصره، وعرف وقتها ب “كاك أحمد الشيخ” والنقيب لقب ناله من السلطنة العثمانية لكسب بعض وده، وحملته العائلة من بعده وعرفت به.
كان لجو العائلة ذات الصيت والحسب والنسب تأثير بالغ على نشأة حفصة النقيب، فحملت خصالاً حميدة كالشجاعة والكرم وطيبة القلب وطلاقة اللسان وسائر السجايا الحميدة الأخرى التي جعلت منها سيدة عصرها الأولى على صعيد السليمانية وكردستان.
كما ذاع صيتها وبات مضيفها الواسع ملاذ نساء عصرها اللواتي كن يلجأن إليها بقصد معالجة مشاكلهن الاجتماعية ومصاعب حياتهن اليومية، فصار مجلسها بمثابة محل قضاء لحسم قضاياهن وتأمين حقوقهن وتذليل معوقاتهن الحياتية. حتى عرف كمجلس للمشورة والقضاء في كل ما يخص النساء. وكان لحفصة المبادرة والمساهمة الفعالة في تأسيس أول مدرسة كردية خاصة بالمرأة، وأولت التعليم والثقافة جل اهتمامها، فكانت لها اليد الطولى في رفع السوية الثقافية في منطقتها وما يحيط بها.
خصصت حفصة النقيب داراً خاصة للمدرسة وكانت من روادها تتعلم وتعلم فيها، كما برعت في مجال إسهاماتها ومبادراتها الخيرية المتعددة التي كرستها لخدمة شعبها وأمتها، فنشير هنا إلى دورها المتميز ضمن اللجنة النسوية التي تشكلت في السليمانية أوائل عام 1942 بهدف جمع التبرعات لصالح المحتاجين والمعوزين الذين أنهكتهم تبعات وظروف الحرب الكونية الثانية (1939-1945).
إلى جانب اهتمامها الخاص بالمرأة وتثقيفها وتعليمها والحث على النشاطات الخيرية والرعاية الاجتماعية، ساهمت حفصة في الحياة السياسية والقضايا الوطنية وبشكل فعال، وكانت من أشد الداعمين والمؤيدين لانتفاضة الشيخ محمود الحفيد “ابن عمها” وكان ذلك سبباً لتعرضها هي وزوجها وأقاربها إلى الكثير من المعاناة والمصاعب جراء الإخفاقات التي تعرض لها الشيخ محمود ولاسيما في أعقاب انتكاسة انتفاضته الأولى وأسره ثم نفيه إلى الهند آنذاك، حيث عانت حفصة خان كما الكثير من أقارب الشيخ الحفيد ومقربيه من ظروف التشرد وضنك العيش داخل الحدود الإيرانية.
لم تكتف حفصة النقيب بالعمل داخل كردستان فقط بل إنها عملت على إيصال صوت الكرد وقضيتهم للعالم أجمع، فوجهت رسائل ونداءات عدة إلى أحرار العالم للوقوف مع حقوق وتطلعات شعبها الكردي المظلوم وتلبية المطالب القومية العادلة للكرد، والتي تنكرت لها الحكومة العراقية وحليفتها بريطانيا، ومن ذلك رسالتها الموجهة إلى عصبة الأمم المتحدة عام 1930م. وعندما أعلن قاضي محمد قيام جمهورية كردستان الديمقراطية في مهاباد عام 1946م، كان لها موقف مشرف وتأييد واضح وصريح، وكانت على تواصل واطلاع على كل ما يجري وعلى علاقة وطيدة مع قاضي محمد الذي أثنى عليها و شكرها في غير مناسبة وفي رسائل متبادلة بينهما.
كما خصت حفصه خان زوارها وضيوفها القادمين إليها من مختلف أرجاء كردستان والعراق ودول الجوار وأوروبا بالترحاب والرعاية والحفاوة، ومن ضمنهم عدد من المستشرقين الذين قصدوها للاستفادة من معرفتها و خبرتها بأحوال وشؤون المنطقة.
والواقع أن حفصه خان كرست جل عمرها من أجل مُثُلها ومبادئها العليا وقيمها النبيلة التي آمنت بها وعملت من أجلها بإخلاص طويلاً وضحت في سبيلها بالكثير من طاقاتها وممتلكاتها، وظلت حتى نهاية عمرها الخير المبارك نصيرة الفقراء والمحتاجين والغرباء وعابري السبيل الذين أغدقت عليهم بسخائها المعهود وشملتهم باللطف والود. ونستذكر هنا موقفها الإنساني النبيل من سجناء البصرة المسجونين في سجن السليمانية الذين طلبوا منها مساعدتهم في ذلك الظرف الصعب المحيط بهم وهم غرباء وبعيدون بمئات الكيلومترات عن أهلهم، فبادرت حفصه خان وعلى دأبها المعروف، بتلبية طلبهم ورعايتهم طوال وجودهم في السليمانية، وجاء في نص رسالتها الموجهة إليهم بهذا الشأن:
“اعتبروا أنفسكم ضيوفي طوال وجودكم في السليمانية واطلبوا مني ما يطلبه الأبناء من أمهاتهم، وإنني هنا بمثابة أمكم إلى أن تقر عيونكم بلقاء أمهاتكم”.
هكذا عاشت حفصة خان مثابرة على الخير والعطاء والمواقف الوطنية والإنسانية الرفيعة إلى أن توفيت جراء إصابتها بمرض السرطان بتاريخ 15 نيسان عام 1953 ووري جثمانها الطاهر الثرى في مقبرة (سيوان) المطلة على السليمانية.[1]