برادوست ميتاني
لم تتفق المصادر التاريخية فيما بينها – بما فيها الدينية – على تاريخ موحد لمولد النبي إبراهيم وعلى مكان ولادته، ولكن بالرغم من ذلك الاختلاف فجميعها تتمحور سواء بقصد أو بغير بقصد – ماعدا بعض المصادر التي كتبت بهدف سياسي بحت – حول ولادته وظهوره أنهما في كردستان الحالية أو ميزوبوتاميا, تلك المناطق التي عاش فيها أسلاف الكرد وأسسوا فيها دولاً ذات حضارات عريقة.
يذكر العهد القديم، أي التوراة، أن النبي إبراهيم ولد في مدينة أور الكلدانية في جنوب شرق بابل قرابة عام 1900 ق.م بالرغم من المعلومة المكانية والتاريخية المقنعة، ولكن كيف أصبحت مدينة أور كلدانية وهي التي كانت حينها ضمن الدولة الكاشية والكلدانيون ظهروا بعد ذلك بأكثر من 1000 عام؟
يقول د. سيد القمني في كتابه النبي إبراهيم والتاريخ المجهول: إن ميلاد النبي إبراهيم كان في 1900-1800 ق.م في مدينة أور التي كان اسمها أوركاسديم اي أور الكاشية. إذن ليست أور الكلدانية.
من الجدير ذكره هنا هو أن الكاشيين يشكلون أحد أجداد الكرد الحاليين وأنهم حكموا سومر وأكاد بما فيها مدينة أور في الألف الثاني قبل الميلاد أي تلك الفترة التي ولد فيها النبي إبراهيم وظلوا فيها لمدة (600) عام وقد سميت تلك المنطقة في عهدهم ب “كاردونياش أي كوردونياش”. كما أن د. محمد بسيوني مهران في كتابه تاريخ العراق القديم يقول: إن ميلاد النبي إبراهيم كان في 1950- 1900ق.م. إذن فهو هنا يتفق مع فترة حكم الكاشيين في أور ويسبق ما ذكره التوراة بفترة طويلة. أي لم يكن ميلاد نبينا إبراهيم في زمن الكلدانيين وبذلك لا يكون كلدانياً.
يقول أ. أحمد محمد خليل مشختي في مقالته بعنوان “بين أور الكلدان وأورا كردستان” المنشورة في مجلة لالش عام 1988م بالإضافة إلى تأكيده بأن الكلدانيين لم يكونوا موجودين حينذاك بل ظهروا في النصف الأول قبل الميلاد: “إن المقصود بمدينة أور هي مدينة أورا التاريخية في شمال كردستان الواردة في رسالة الملك الهيتي إلى ملك أوغاريت بضرورة نقل الحبوب من مدينة موكيش إلى مدينة أورا وهي قريبة من حران. وإن اسم أورا ذات معنى كردي صرف بمعنى ماء (آف) وآران (باران – مطر) وتحولت إلى أورفا”.
يقول القزويني في كتابه آثار البلاد وأخبار العباد: إن مولد النبي إبراهيم كان في قرية اسمها كوثي من سواد العراق وينطبق هذا على منطقة أور الكاشية، كما نعلم بأن أصل السومريين من جبال زاغروس الكردستانية مثلهم مثل الكاشيين كغيرهم من أجداد الكرد الذين يشكلون جزءاً من السومريين.
بالعودة إلى قول د. سيد القمني نؤكد صلة النبي إبراهيم بأجدادنا الكرد، إذ يقول: “إن اسم مدينة أور له صلة وعلاقة بأسلاف الكرد الكاشيين الذين كانوا يحكمون حينذاك سومر وبابل.
أقول وتقوية لفكرة د. سيد القمني في اسم مدينة أور، بأنها كردية منذ القدم، حيث أن عاصمة أجدادنا الكرد الخوريين الهوريين هي أوركيش 2500 ق.م على مقربة من عامودا الحالية في الجزيرة من روج آفا، وأور تحمل معنى المدينة هور وشار ووار أي المكان وقد استعملها العرب بصيغة هور وخور وهي كردية محضة مأخوذة من اسم خور أي الشمس وقد دخلت في اللغة العبرية وقد كانت مثلها أورشليم، ويأتي هذا تأكيداً لقول أبراهام مالمات وحاييم تدمور عندما قالا في كتابهما العبرانيون وبنو إسرائيل في العصور القديمة بين الرواية التوراتية والاكتشافات الأثرية: “إن الخوريين أثروا بثقافتهم على العبرانيين”
يقول الطبري في كتابه تاريخ الأمم والملوك: إن النبي إبراهيم (ع) ولد في حران وإن أباه تارخ أخذه إلى بابل”. فهذا تأكيد على أنه ولد في حران الواقعة في باكور كردستان. في هذا نقول بأن مدينة حران مدينة تعود أيضاً بدورها إلى أحد أجداد الكرد ألا وهم الحوريون (الخوريون – الهوريون)، وفي ذلك يقول كل من أبراهام مالمات وحاييم تدمور في كتابهما الآنف الذكر العبرانيون وبنو إسرائيل في العصور القديمة بين الرواية التوراتية والاكتشافات الاثرية: بأن الخوريين حينها – أي حين ولادة النبي إبراهيم – كانوا يحكمون حران وسوريا وفلسطين، لذا نقول بأن هذا دليل على أن أسرة النبي ابراهيم خورية أي من أسلاف الكرد.
يذكر كتاب التلمود أن الملك نمرود كان يحكم بلاد بابل وأن مدينة اسمها كالح كانت تسمى نمرود في جنوب شرق مدينة الموصل الحالية. يذكرنا هذا بأن بعض من إخوتنا الإيزيديين يقولون أن النبي إبراهيم خليل نقل الكعبة (الحجر الأسود ولديهم كتاب مقدس يحمل اسم المصحف الأسود) من الإيزيدخان إلى مكة وكذلك بعض الأسماء منها اسم جبل عرفات وماء زمزم واسم شرفات بالإضافة إلى طقوس الحج.
وأيضاً يذكر التلمود بأن النبي إبراهيم عاش بين الكرد سبع سنوات ولكن هذا لا يكفي كل الحقيقة لأنه ولد بينهم وعندما غادرهم إلى مصر ومكة كان عمره (75) عاماً. فأين ذاك القول (سبع سنوات) من هذه الحقيقة (75 سنة)؟
بينما يذكر ابن الأثير الجزري في كتابه الكامل، الجزء الأول، رأياً آخر مخالفاً لما ذُكر قبلاً ألا وهو أن نمرود هو الضحاك ذاته الذي كان في مدينة سوس بمنطقة أهواز وأن النبي إبراهيم ولد في زمانه.
ما يهم بحثنا هنا هو أن مدينة “سوس” هي مدينة سوسا أو شوشا التي كانت عاصمة أحد أجدادنا الكرد، الإيلاميين، وهذه المدينة تقع في روجهلات كردستان، أي أن مولد النبي إبراهيم هنا أيضاً كردستاني.
الإبراهيمية والثقافة الكردستانية
لقد أصبح الدين الإبراهيمي الحنيف جزءاً من ثقافتنا الكردستانية، فثمة معالم تاريخية وجغرافية واجتماعية عديدة تحمل اسم النبي إبراهيم، أو لها علاقة وثيقة به، فقد يوجد الآن في باكور كردستان أسماء مثل جبل نمرود وكذلك بحيرة زليخة -كانيا زليخة – في مدينة رها، تلك الفتاة التي آمنت بالنبي إبراهيم فرماها أبوها، الملك نمرود في النار، فتحولت النيران إلى الماء ولا زالت هذه البحيرة حتى يومنا هذا وتعد مقدسة لدى الكرد وغيرهم، ويعيش فيها السمك المبارك وكذلك مازالت آثار المنجنيق الذي رمى به الملك نمرود النبي إبراهيم في النار موجودة في منطقة حران، وكذلك بركة إبراهيم وسمك إبراهيم في مدينة أورفا، بالإضافة إلى مرقد النبي إبراهيم. كما توجد الآن قرية إبراهيم الخليل في باشور كردستان في منطقة زاخو.
جاء في القرآن الكريم: “وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناماً آلهة… “إلى آخر الآية 74 من سورة الأنعام. تقول بعض المصادر أن آزر هو عم النبي إبراهيم وليس أباه، إنما احتراماً له ناداه أبي. ولكن ليس هذا ما يعنينا في سعينا هذا وإنما هو بأن اسم آزر في اللغة الكردية القديمة الزردشتية يعني النار ونحن نعلم أن النار لدى الكرد مقدسة كما أن اسم الملك نمرود هو “نامروز” أي اسم الشمس وهذه أيضاً مقدسة.
كانت مدينة حران في العهد الهوري الخوري مركزاً لعبادة الإلهة شاويشكا (شميشكا) التي أطلق اسمها على الشمس المقدسة وأن تقديس الشمس كانت عادة لدى شعوب ميزوبوتاميا. وعليه فإن معظم الباحثين يقولون أن قوم إبراهيم كانوا يعبدون النجوم، لذلك نقول إن في ذلك التباس، لأنهم كانوا يقدسون الشمس كغيرهم من الشعوب في ميزوبوتاميا ومصر وأماكن متفرقة من العالم. لذا يعد ظهور الدين الإبراهيمي في ذلك الزمن فقط تحديث وتجديد في الفكر الديني والدليل في ذلك هو الانتقال بالأضحية بذبح الحيوان بدلاً من الإنسان، فبهذا يعد النبي إبراهيم نبياً ثائراً في هذا العمل الإنساني.
ما يلفت انتباهنا في ذكر اسم مدينة حران الهورية الخورية هو أن لعائلة النبي إبراهيم أربع أقرباء يحملون اسم هران وهذا يقوي قولنا في كون اسم حران (هران) في حقيقته هوران وخوران، وأن أصل النبي إبراهيم هوري خوري ويلتقي في ذلك مع اللغة الكردية خور أي الشمس.
تتفق الكثير من المصادر على أن النبي إبراهيم من العرق الآري. فأنضم بقناعتي إليهم, حتى لو كان خورياً أو كاشياً، فإن هؤلاء اندمجوا معاً كثيراً. وصحيح أنهم يشكلون أجداد الكرد ولكنهم آريون، وهؤلاء يشكلون أجداد الكرد والفرس والأرمن والعديد من القوميات التي تشكلت، وبقناعتي بمن فيهم السريان أيضاً هم آريون.
لقد سمي النبي إبراهيم بخليل الله. وتذكر المصادر بما فيها العربية أن مجيء صفة خليل لغوياً هو من خا – ايل. في الكردية الصورانية خوا يعني الله وفي الكردية بل وفي غيرها من اللغات اسم أيل من اسماء الله قديماً. وفي باكور كردستان لدينا جبل اسمه أيلم ودولة قديمة كذلك باسم “أيلم”. والنبي نوح عليه السلام عندما دخل الماء في سفينته على الجبل نادى ربه هو – أيل، فصارت هولا، كما توجد في الكردية أسماء عديدة بصيغة إيل تدل على الشأن العالي كالعلم (آل) والقبيلة (إيل) والفتاة (إيلا) وغيرها.
لقد أطلق النبي إبراهيم على ابنه اسم سوما – أيل. اسم سوما نبات طيب وهو مقدس في المعتقدات القديمة، وأيل اسم من أسماء الله، فحول العرب اسم سوما – أيل إلى إسماعيل دون أن يكون له أي معنى، لأن المعنى الحقيقي يبقى في اسم سوما – أيل أي طيب الله ولدى إخواننا المسيحيين أصبح الاسم ساموئيل وبالصيغة العربية صموئيل.
يقول أ.أحمد محمد خليل مشختي في مقالته آنفة الذكر: إن معنى اسم إبراهيم الخليل كردي صرف وهو كالتالي: برا (أخ) هيم (همي) أي أخ الجميع وأن معنى اسم نمرود هو “نَمِر” أي الخالد.
حاولنا بقدر استطاعتنا أن نظهر الحقيقة في صلة النبي إبراهيم بالكرد خاصة؛ وبالعرق الآري عامة، وعندما جئنا بالأدلة لم نأتِ بها جزافاً أو اعتباطياً، بل بالاعتماد على مصادر ومراجع عديدة وعلمية مع الاستنتاج والتحليل العلمي. غايتنا هنا ليس للتفاضل العرقي أو القومي البتة والله يعلم الغاية، والهدف فقط هو إظهار الحقيقة التاريخية وتحريرها من التشويه القاتل، وكلنا أمل أن نكون موفقين في إظهار شيء من الحقيقة.[1]
المراجع:
1- ظهور الكرد في التاريخ – ج2- د. جمال رشيد أحمد
2- بحث للأستاذ أحمد محمد خليل مشختي بعنوان: بين أور الكلدان وأورا كردستان، المنشور في موقع الشبكة الوطنية الكويتية بتاريخ 19-11-2006م وقد نشرته الشبكة بعنوان: باحث كردي: النبي إبراهيم عليه السلام .. الجد الأسطوري للعرب من أصول آرية.
3- بحث أ. مهدي كاكائي في مجلة آفشين بعنوان هل كان النبي إبراهيم الخليل من أسلاف الكرد؟
4- مجلة سومر – المجلد الاول – العدد33-1977ص 98 من مقالة أ. محمد وحيد خياط.
5- تاريخ الشرق القديم – أ. سامي أسعد ود. جمال رشيد أحمد.