إعداد/ عدنان البري
لعبت الملكة دوراً مهماً في المجتمع الحثي لمكانتها المرموقة, وحكمت متوجة مدى الحياة, ويمثل دورها الأول في إنجاب الأطفال ولا سيما ولي العهد المولود وريث العرش, وكان لها دور مميز في الإشراف على الأسرة الملكية التي ضمت محظيات الملك وأبنائهم بوصفها تشغل المقام الأول داخل جناح الحريم في القصر الملكي, ولم تكن الملكة هي المرأة الوحيدة في حياة زوجها, بل كانت هناك نساء أخريات محظيات داخل القصر, غير أنَّها كانت تحتل المرتبة الممتازة في البلاط الملكي ولأبنائها الأحقية في وراثة العرش, وكانت تحصل على لقب (تاواناننا), بعد وفاة حماتها (أم الملك) أي أنَّها قبل حصولها على هذا اللقب يقتصر دورها على أنها زوجة الملك فقط.
ففي عصر الملكة القديمة كانت ل «تاواناننا» نشاطات أثارت غضب الملك، فالملك «خاتوشيلي» الأول يخبر زوجته «هاسيتار» بالقول: (يجب ألا تعارضيني), ولا ينبغي أن يقال: إنها تستشير النساء العجائز (السحرة) وطلب منها أن تستشيره دائما وهو سوف يقول لها رأيه, مما يدل على أن «هاستيار» كانت تشمل لقب تاواناننا, وأنَّها كانت تقوم باستشارة النساء العجائز دون الاستئناس برأي زوجها, وفي عهد المملكة الحثية واجه الملك «مورشيلي الثاني» صعوبات مع التاواناننا زوجة أبيه «شوبيلوليوما الأول» إذ كانت تتمتع بشخصيتها القوية وسيطرتها على القصر وإدارة شؤون البلاد, ويذكر الملك «مورشيلي الثاني» الامتيازات التي كانت تتمتع بها هذه الملكة حتى بعد وفاة زوجها شوبيلو ليوما الأول, ويحتمل أنها حصلت على هذه الامتيازات نتيجة غياب زوجها, وانشغاله بالحملات العسكرية خارج العاصمة فزادت سلطتها على من حولها, ورغم ذلك لم يتخذ مورشيلي الثاني موقفاً حاداً تجاهها، بل على العكس كان يُكِنُّ لها الاحترام, فقد عثر على اسمه منقوشاً بجانب اسمها في ستة عشر طبعة ختم, وهناك إشارات تدل على أنَّه اعترف بمركزها السابق (تاواناننا) فضلاً عن تعيينها في منصب كهنوتي, إذ أصبحت (أم الآلهة) وبهذا الخصوص ذكر «مورشيلي الثاني» أنه وأخوه لم يحاولا إذلال أرملة أبيهم مطلقاً, إذ قال: عندما أصبح أبي إلهاً (مات) أخي «أرنوواندا, وأنا لم أوذ «تاواناننا» ولا يمكن إذلالها إطلاقاً بينما سيطر على بيت الملك وأرض «حاتتي» في حياة أبي إذلالها إطلاقاً سيطرت على بيت أبي وأرض «حاتتي» في حياة أبي وحياة أخي وعلى النمط نفسه حكمت في عهدي, والتقاليد في حياة زوجها (كانت عزيزة على قلبها).
والأشياء في حياة زوجها كان قد سمح لها (تلك التي تتمسك بها) غير أن الملك «مورشيلي الثاني» لم يكن راضياً فيما بعد عما يحصل في بلاطه الملكي, لذلك حاول فرض سيطرته على شؤون المملكة والأمور الداخلية لعائلته الملكية أيضا وبدأ كخطوة أولى لتحقيق أهدافه بتوجيه الاتهامات إلى زوجة أبيه وقد تمثلت هذه الاتهامات بأنها كانت مستبدة في آرائها على الملك وعائلته, وتبذيرها وتفضيلها العادات الأجنبية حتى في المملكة بدون استشارة من زوجها, فضلاً عن اتهامات بسرقة ممتلكات المعبد رغم كونها الكاهنة العظمى وإشغالها منصب (أم آلهة) وكذلك اتهمها بالتصرف في ممتلكات القصر الملكي, إذ أزالت منه كل ثرواته الثمينة والأشياء المحبوبة إلى نفس الملك والعائلة وبذرتها إلى الذين يحققون لها رغباتها, وبهذا الصدد ذكر الملك مورشيلي الثاني في صلاته: (هل أنت الآلهة لا ترين كيف تحول بيت أبي بكامله إلى بيت حجارة ضريج الآلهة «توتيلاي»).
وأتهم الملك مورشيل الثاني زوجة أبيه بالسحر أيضا فبعد وفاة زوجته «كاشولايا» إثر مرض غامض أصيبت به، ففي البداية نسب المرض للإله ليلواني (إلهة العالم السفلي) بسبب إهمال زوجته أداء واجباتها المقدسة، وتسبب ذلك بوفاتها في السنة التاسعة من حكم زوجها, ويبدو أن الملك مورشيلي الثاني لم يقتنع لسبب وفاتها نتيجة حزنه الشديد عليها، مما دفعه إلى اتهام زوجة أبيه بممارسة السحر الأسود ضدها، والتسبب بوفاتها, وادَّعى الملك مورشيلي الثاني معرفته بممارسة زوجة أبيه (التاواناننا) السحر السنوات لعدم تمكنه من التدخل لإيقافها عند حدها، ويستدل على ذلك باضطراب النطق عنده وإسكاته من وقت حملتها مسؤولية ذلك.
وفي عهد المملكة الحثية مارست بعض الملكات الحثيات سلطة مستقلة عن سلطة الملك واستخدمن أختاماً خاصة بأسمائهن في المعاملات الرسمية، ومنهن الملكة «بودوخيبا» زوجة الملك خاتوشيلي الثالث التي تربعت على عرش «التاواناننا» باعتبارها السيدة الأولى طيلة حياتها وقد أثبتت هذه الملكة جدارتها وقوة شخصيتها عندما وقفت مع زوجها في صراعه مع أبن أخيه «اورخي تيشوب» لأخذ العرش منه وفعلاً حدثت معركة بينهما تمكن «خاتوشيلي» فيها من الانتصار عليه ونفته إلى منطقة «نوخاشو» في سورية.
وإذا ذهبنا إلى زي الملكة الحثية بعامة فيبدو من المشاهد الفنية أنَّه كان مشابهاً إلى لزي تماثيل «الآلهات» الحثية أيضا, فقد كان يرتدين قبعات أسطوانية على شكل أبراج أو قبعات مخروطية يوضع فوقها وشاح ينساب إلى الجانبين أحياناً وكان يرتدين ثياباً طويلة بأكمام عريضة وطويلة، وتنورات ذات طيات أو حزور عمودية ويتزين الرجال والنساء والآلهة على حد سواء بأقراط قرصية الشكل وينتعلون أحذية ذات مقدمة معقوفة إلى الأعلى، أما تسريحة الشعر فكانت عبارة عن ظفيرة تثبت في الحزام من الخلف.[1]