تقرير: عصام عبدالله
بهجت أحمد
تعرف القرية عادة بجوها الطبيعي الخلاب وبكونها ملاذاً آمناً للراحة والاطمئنان والهدوء، ولعل الروابط الاجتماعية القوية هي الطابع الذي يميز القرية عن المدينة من حيث التكافل الاجتماعي والتعاون بين بعضهم البعض من جميع النواحي ومجالات الحياة.
وبصدد التعرف على تاريخ ومواقع القرى الأثرية في منطقة ديرك وكوجرات، يحدثنا المؤرخ الكردي بهجت أحمد عن القرية وموقعها وتاريخها.
الموقع والتاريخ
يقول الباحثُ بهجت عن سبب التسمية وتاريخ القرية: (منطقة ديرك بريفها تعتبر منطقةً أثريّة وفيها العديد من الأوابد، وتتميز بطبيعتها الخلابة وجوها الهادئ، بالإضافة إلى التلاحم المجتمعيّ الموجود بين الشعوب في المنطقة دون أيّ تمييز وفرق في الطائفة والعرق والقوميّة.
أما بالنسبة للموقع فقرية تل دار تقع شمال ديريك بحوالي 8كم، حدودها شرقاً «ريحانيك» وجنوباً قرية «برك» وشمالاً قريتا «عين ديوار ومزرا باني» وغرباً أراضي قرية «عين ديوار).
ويضيف أحمد بخصوص التسمية: (في أصل تسمية القرية هناك أكثر من رأي؛ والرأي الأرجح أنّ أصل التسمية كان «كرا دار» أي تل الأشجار لكثرة الأشجار والبساتين في المنطقة، علماً بأن التل يذكر في العهد الساساني باسم «دارا» أي القوي الجسد، وهو اسم تلقب به العديد من ملوك الدولة الأخمينيّة، ولا تزال التسمية موجودة عند الكرد والفرس حتى يومنا هذا). وحول قدم القرية تاريخياً تابع أحمد: (القرية لها تاريخ حافل؛ وهي فعلاً متحف قائم بذاته، وإن دلَّ هذا على شيء فيدلُّ على عراقتها وقِدمها، وقد أشار المستشرق وات إلى احترام ومكانة المرأة في مجتمعات بلاد الرافدين القديمة، حيث كانت عبادة الأم أولاً، ثم احتلتِ المرأة مكانة بارزة في هذا المجتمع مثل الملكة «كويا السومريّة» التي حكمت مدينة كيش 2420ق.م، والملكة «شبيتوا» زوجة زمري ليم ملك ماري، والملكة «نقيا» زوجة سنحريب الآشوريّ، والأميرة الميتانيّة «نفرتيتي»، والقبر المسمى ب «كجا كزي» عثر على حجر بازلتيّ مرسوم عليه إشارة الصليب بالقرب منه وهو يدلّ على أنّ المكان ذو قدسيّة عند المؤمنين بيسوع المسيح حتى فترة قريبة كان المؤمنون يزورون المكان.
القرية عبر العصورالقديمة حتى الآن
تذكر المسلة التاريخيّة العائدة إلى الملك «اسرحدون الآشوريّ» أنّه تقدّم باتجاه أراضي «آﻻحلامو» (680-669ق.م) الذين تحالفوا مع «تهاركا» ملك مصر، وأنه وصل بعد أن قطع نهر تغلات إلى تل الحرب وتابع طريقه مُلحِقاً الهزائم بالأحلامو والفينيقيين وهزم قائدهم «عبدي ملكوتي» ملك صور، والمسلة محفوظة في «متحف الدراسات الشرقية» بألمانيا وتظهر في المسلة كيف يركع ملك مصر الحبشيّ أمام اسرحدون.وفي العهد الساسانيّ تقدم الملك نيرسيه (293-302م) وحقّق الانتصارات على الإمبراطور الرومانيّ «جاليروس» ولكنه هزم بعد أن وقع في كمين فاضطر مرغماً على توقيع معاهدة مع الروم، نصّت على التنازل عن جميع الأراضي الواقعة غرب نهر دجلة بدءاً من تل الحرب حتى نهر الفرات شرقاً، وبقيت تلك المناطق تحت سيطرة الروم حتى تمكَّن شابور الثاني في عام 359م من استعادتها، بالإضافة إلى خمس محافظات رومانيّة أخرى وفي أواخر القرن الرابع وأوائل القرن الخامس الميلادي بُني دير في القرية وبخاصة بعد أن اتبع ملوك بني ساسان سياسة التسامح مع اتباع الدين الجديد وحمايتهم لمذهب «النساطرة» المخالف لمذهب «اليعاقبة» الذي تبناه الروم وبقي الدير مثله مثل كلّ الأديرة والكنائس في منطقة حتى مجيء تيمورلنك سنة 1401م مدمر كل أثر ومكان عبادة خاصة بالمؤمنين).أحمد أضاف: (هناك وثيقة عثمانيّة تعود إلى زمن السلطان العثمانيّ مصطفى الثالث (1757-1774م) ذكر القرية باسمها الحالي، وإنّه حصل فيها اشتباكات بين الفلاحين وأصحاب الأراضي الأميريّة وكانت موقع القرية القديمة شمال التل الأثريّ أما القرية الحالية فقد بنيت في موقعها الحالي بعد خروج قوات الانتداب الفرنسي من سورية).
غنى القرية بمعالمها الأثريّة وطبيعتها الخلّابة
ويضيف المؤرخ بهجت أحمد متحدثاً عن آثار القرية: (يوجد في القرية العديد من المعالم أولها تلها الأثريّ وكذلك آثار الكنيسة والقبور العائدة للمسيحيين والمسلمين فإنّ دلّ هذا على شيءٍ فهو يدل على المحبة بين أبناء القرية، حيث كانت أراضي القرية مقسّمة بين عبد الحميد سيدا وهو كرديّ من جزيرة بوطان والسيد شمعون وهو سريانيّ وقسّم أراضيه بين أولاده عبي وعيسى شمعون واشترى السيد عثمان والسيد قاسم جب حصة عبد الحميد سيدا وأصبحت ملكيّة القرية بين عائلة جب الكردية الوطنية وعائلة شمعون السرياني فضلاً عن مجموعة من الينابيع حيث كان فيها حوالي 11 نبعاً قبل الجفاف ومنها « كاني رش» و»كاني كارجك» و»كاني حنو» و»كاني كوند» التي كانت تستعمل من قبل أهل القرية، و»كاني كولا» بالقرب من موقع القرية القديم، وقد أشار الباحث وليد عبد القادر إلى أن نبع «كاني كولا» كانت نوجد فيها ظاهرة موت الطيور التي كانت تشرب من ذلك النبع).
أحمد أضاف أن القرية يوجد فيها مدرسة ابتدائية وتمتاز بخصوبة أراضيها وطبيعتها الخلابة ولكنها تعاني من الهجرة المستمرّة حيث هاجر نصف شبابها ولم يبقَ في القرية إلا 100 شخص حالياً وحوالي 20 بيت بعد أن كان عدد سكان القرية بإحصاء عام 2004م حوالي 230 شخصاً.كما أشار أحمد إلى تعاون بعض الشخصيات ممن لهم اطلاع على تاريخ القرية مشكورين ومنهم الدكتور سكفان جب والمحامية زوزان عدنان يوسف والمهندس فرحان عمر، والذين قدموا إيضاحات حول عدد من النقاط المتعلقة بالقرية وتاريخها الأثريّ.[1]